اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• جذور الطرب والغناء في القوش

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

نبيل يونس دمان

 جذور الطرب والغناء في القوش

 

    الطرب والغناء من مفاخر الشعوب والأقوام ، وهما نتاج طبيعي للكلمات التي  ينظمها الشاعر ، في الوصف ، المدح ، الحب ، او التغني بالمآثر الخالدة ، لذلك رأيت لزاماً علي وأنا البسيط المقتفي آثار السلف ، في بلدتي العريقة التي يمتد تاريخها الى آلاف السنين ، شبعتها مباهج الحياة وهمومها في آن ، ان أسبر هذا الغار مجازفا ً ثم متنحيا ً جانبا ، لأفسح المجال الى أُناس ذوي الاختصاص ، يجدّون في أبحاثهم ، فيأتي نتاجهم بالثمار الطيبة ، التي ستجنيها الأجيال . كل ذلك يكتسب اهمية في حياة اولادها ، وثباتهم فوق ترابها ، في زمانهم الصعب.

     الغناء والطرب قديمان قدم الديار، فعندما عبر كلكامش في الاسطورة السومرية- البابلية ، عن خشيته من الموت أجابته الآلهة ( والحال هذه يا كلكامش ، بالطعام والشراب إملأ معدتك ، ابتهج ليلك ونهارك ، اجعل كل يوم من ايامك عيدا ً سعيدا ً، بالناي والقيثارة اطرب نفسك ، وبالرقص انعش فؤادك ليل نهار ، ارتدِ من الثياب انظفها ، اغسل رأسك وضمخ شعرك ، وحمم بدنك بأعذب المياه ، انظر بفرح الى الصغار الممسكين بيدك ، وتمتع بين احضان المرأة ). ونقلت الاساطير عن دموزي عشيق إنانا أنه ( كان يلبس عباءته الحمراء ويعزف على نايه اللازوردي ) ، وتستمر الصور الموسيقية في أدب بلاد النهرين ( على وقع الطبل الذي يفوق الرعد في هديره ، والقيثارة ذات الموسيقى العذبة ، التي تسمر القمر ، وعلى النغم الرباب المهدئ لقلب البشر ، ايها المنشدون ، اسمعونا انغام البهجة ) . ومن العهد القديم يرد ذكر الآلات الموسيقية ، بأنواعها التي تدهش الانسان المعاصر، في المزمور التالي : هللويا ، سبحوا الله في قدسه ، سبحوه في جَلـَد عزته ، سبحوه لاجل جبروته ، سبحوه بحسب كثرة عظمته ، سبحوه بصوت البوق ، سبحوه بالعود والكنارة ، سبحوه بالدف والرقص ، سبحوه بالاوتار والمزمار ، سبحوه بصنوج السماع ِ ، سبحوه بصنوج الهتاف ِ ، كل نسمة فلتسبح الرب َّ ، هللويا ( سفر المزامير 150 ـ الكتاب المقدس ). وفي عصر الاسلام ، خصوصا في فترة الدولة العباسية ، ازدهرت الفنون وتقدمت كثيرا ً ، لتشجيع الخلفاء لها ، فلنسمع ما يقوله شاعرٌ إسمه الحطئة :

 سقياً ورعياً لديرالزندورد وما          يحوي ويجمع من راح وريحان

والعودُ يتبعه ناي ٌ يوافقـــــــــه         والشدو يحكمه غصن من البــان  

     الغناء والطرب هما انعكاس للمشاعر والاحاسيس في الأزمنة المختلفة ، كيف يعبر الناس عن افراحهم واحزانهم ، كيف يسرحوا بخيالهم في وصف الحياة الزراعية البسيطة ، وكذلك الحرف البيتية ، وحركة السوق الذي يعج بالناس والبضائع المختلفة ، كل ذلك وغيره برز في أغانيهم وأشعارهم . الفتيات والفتية كانوا على الدوام محط انظارهم ومرمى آمالهم ، وهدف كلماتهم ، ورقة الحانهم ، المتناغمة مع همس النسيم بين اغصان الشجر وشدو البلابل وزقزقة العصافير وهديل الحمام . ففي ذروة افراحهم نظموا المؤثر من الكلام ، وما يهز المشاعر، وأوجدوا وطوروا الأنغام الموسيقية ، فكانت تنساب كالشهد من شفاههم ، والذي له ملكة الصوت وقليل من الجرأة الفنية ، يقود حلقات الغناء والرقص . اليكم بعض النماذج وبلغة (السورث ) :

 -  كيله دلاله ..... ووله دلاله .... لبِّح مريره دلاله ..... وقط لكمسالي .

 دالال خزيالي ..... قمتا رش گشرا ..... لث بيذه دالل ..... خا پرد نشرا ..... زلي نشقنه دالالي ..... كل موصل ششله .

- لي صليَن لميّه لي صلين لميه ، شقلن برزوني بصلين لگليه ، ووله بسباري مر قومه خليه ، وولي بسباري ججو برد سيّه.

 - ماني أي ماني اي ماني ، بليلي كيتوا كسبرالي ، گبخيا وكبا گردانه ، مزبنن باتي وعقاري .

 - بسّا صيرا گني گنايه، ديسقه دادي لگبد مايه .

 -  سفـّورتا چلبي دباريا ..... دي قو فور وهيّو من سوريّا * .

- بكنوني گني وماني گانيله ..... وخاضر بكنوني و (يوسب) هاويبه .

-  تيوه بديون دبي خلتح ، أيذح مخياله لخنجرتح ، أيْميل ِ دْيله يَرتِح

  تيوه بديون دبي خالح ، أيذح مخياله لخنجارح ، أيميل ِ تويه طالِح

     لم يصلنا جميع ما كُتِب في كل الأزمنة والأمكنة ، ولكن ما بقي صار يتحدى الزمن ، في الماضي لم تكن هناك الوسائل الخاصة بحفظ ما يشعر ويغنى ، وقد طالت او أزالت الغزوات والحملات الظالمة وكذلك الطبيعة وتقادم الزمن كثيراً مما كتب ، اما ما تناقلته حناجرهم والسنتهم ، فانتقل من جيل الى آخر كنصوص محدودة سريعة الحفظ ، ذهب بعضها كأمثال في الحياة ، واليكم بعض من تلك المقتبسات بلغة السورث الدارجة :

-  شاتيلا كأورة وكشورة ..... وخاثة تخزية أخونة

 - خيبوثه طورا يمَّه كْشأرا تنورا ..... وخيبوثه دشتا حزوق أيذخ لكبشتا

     كانت الأصوات المتميزة منذ الصغر تشخص من قبل الكنيسة ، التي هي مهيبة على الدوام ، وملاذ المؤمنين عند الشدائد . كانت تلك المؤسسة العتيدة تجذب هؤلاء كشمامسة ومرتلين للميامر وعلى قرع الاجراس وضرب الصنوج ، والتي وصلتنا عبر القرون ، مثل تلك التي وضعها الخالدون ، مار افرام السرياني ، مار يعقوب النصيبيني ، والملفان نرساي في أواخر القرن الخامس وأوائل القرن السادس ، وهناك المدارس الموسيقية التي انشأها بابي الجبلتي في منطقة المرج شمالي العراق. تقدر الالحان الكنسية باكثر من الف لحن ، ولأجدادنا الفضل في وضع السلم الموسيقي السباعي والخماسي . في السابق كان رجل الدين يشار إليه بالبنان ، عندما يقف امامهم في القداس بصوته الجميل ، أما اليوم ومع تطور اللآلات الموسيقية ومكبرات الصوت لم يعد هذا الشأن في مركز الاهتمام ، بقدر ما تشد الحاجة اكثر ، وجاهة رجل الدين وعلومه الدينية والدنيوية ، وحنكته في إدارة الصراع المحتدم بين متعصبي الاديان في عصرنا الحالي . من رجال كنيسة البلدة المتميزين في عذوبة صوتهم ، كل من المطران مار ايليا ابونا ، المطران افرام بدي ، القس اسخريا كوكي ، القس يوحنان جولاغ ، الشماس متيكا حجي ، ما تبقي من الاصوات الجميلة لا ترى مجالا لتطوير تلك الموهبة وصقلها ، فلا منافسة تذكر مع القرى والبلدات الاخرى ، فكل قرية تقريبا ً مكتفية في تسيير امورها ، اذ نادرا ما يحدث التنقل بين بعضها إلا لأغراض تجارية ، كما لم تكن هناك الامكانات لأيجاد المنافسة او لإجراء مطاردات في الشعر او الأغنية ، فيما كان المغنون باللغات الشقيقة يجوبون تلك الاصقاع ، وعنما يحل احدهم في القرية ، يكون موضع ترحيب وضيافة الجميع ، وكذلك كان يقطع صمتهم وتأملهم بين فترة واخرى ، وصول السينما المتنقلة التي تمتعهم بأمسيات طافحة بالمشاهد والموسيقى .

     معروف تأثير الموسيقى والأغنية والشعر الرقيق على المزاج العام ، فكم من أغنية اعتقت أسيراً ، وكم من أغنية ألهبت حماس الناس . للموسيقى تاثير سحري كبير في بعث البهجة وبسط الأسارير، والنغمات التي تشق الفضاء تعبقه كشذى الليمون والريحان ، سواء الكلاسيكية منها او الحديثة الصاخبة ، انها تحلق بالانسان في عوالم اخرى ، فينسى همومه ومشاكله اليومية . يقال في الموسيقى انها ترقص الدببة على الحبال ، وكم أرقص رعاة الجبال التيوس ، وفي الهند يستطيع فقراء الهند بموسيقاهم جعل حية الكوبرا ترقص طربة ، وفي بلدتي الحبيبة اقام بيننا في بداية الستينات أيزيديا ً فقيرا ً ( في الحال ، والمرتبة الدينية ) ، في بناية جنوب البلدة كانت الثمرة الوحيدة لثورة 14 تموز واسمها ( المسلخ ) ، في ذلك المبنى المهمل عاش مدة الفقير الأيزيدي مع عائلته وآلته الموسيقية  البزق ( الطنبور ) ، التي كادت لا تفارقه ، كم استوقفتني تلك الانغام الشجية ، وانا اجتاز المبنى في طريقي الى الطاحونة التي شيدها الياس ميخائيل الصفار . في احد الايام دعى والدي الحبيب يونس ، ذلك المغني البسيط في هندامه الى بيتنا ، فشرع يعزف بآلته التي كانت اكثر من طيعة في يديه الماهرتين ، وقد ابتكر طريقة فريدة من نوعها ، في ربط خيوط متينة ورفيعة تمتد من تحت منصة خشبية صغيرة ، تقف فوقها دمية رشيقة لغزال صغير. كان الفقير يضرب على الاوتار فتمتد الحركة عبر الخيوط الى الغزال الذي يشرع بالرقص على ارجله الرفيعة ، ويأتي صوته المبحوح من كثر الطلب على اغانيه ، ليطرب الجميع ، وعندما ينتشي الحضور ، يبدأ الضرب على الاوتار يتباطئ بالتدريج ، وبمهارة كتلك التي بدء بها العزف ، ثم يجلس الغزال على قوائمه رافضا النهوض ، وسط ذهول المتجمهرين ، هنا يقول الفقير بخجل وابتسامة تكشف عن صفين من الاسنان الصفراء ، بان غزالوكي ( يسميها هكذا تحببا ً ) تطلب الشاباش ( قطع نقدية تنثر على الرؤوس في الاعراس بخاصة ) ، فينهال المجلس بالقطع النقدية فوق الغزالوكي ، التي يلتقطها ( الفقير) لإطعام اطفاله الصغار .

      لم تكن في القوش آلات موسيقية بسبب صعوبة شرائها او صنعها ، كاد المزمار يكون الوحيد الذي يطرب البلدة في اوقات فرحها ، تلازما ً بالطبل الذي تسمع طرقاته من اماكن بعيدة مما يبعث السرور في النفوس ، تلك الموسيقى الراقصة ظلت عقودا ً من السنين تشنف الاذان ، كان عازف الزورنة يتميز بقابليته السريعة على حفظ الألحان التي يسمعها لاول مرة ، وباستمرار كان (عليكو ) الإيزيدي وهو أشهرهم على الاطلاق ، يغير قصبة بيضاء في مقدمة المزمار لتتغير معها النغمات ، ليس قبل ان يشبع بوق مزماره بالعَرَق المحلي الذي يزيد صاحبه مزاجا ً وعطاء ً ، ليستمر الى ما بعد انتصاف الليل ، وقد مارست تلك المهنة احدى العوائل الأقوشية ( بيت جيجو بوداغ ) لكنها تركتها قبل اكثر من ستين سنة ، فالناس آنذاك تنآى عن تلك المهنة باعتبارها مخجلة ووسيلة رخيصة للعيش ، تشبه الاستجداء ، ولكن مع الزمن ثبت ان العزف والغناء والطرب والرقص كلها خلقت لادخال المسرّة الى النفوس ، ولا يمكن الاستغناء عنها . تذكر والدتي بان شاب اسمه جرجيس بتي حنونا ( يعيش حاليا في ولاية ايرزونا ) حل في مدينة الموصل  في الاربعينات من القرن الماضي ، وهناك تعلم فن الغناء ، واقتنى ( الناي ) وجاء به الى البلدة ، فكنت ترى تجمع الشباب عنده الى ساعة متاخرة من اللليل وهم يؤدون الدبكانت الشعبية ، ويقال ايضا ان مهاجر من قرية الداؤودية واسمه ( مروكي ) كان يمتلك مطبج (مزلج ذو قصبتين ملتحمتين بمادة التار او القير ) فيعزف ما طاب له العزف في الازقة وفوق السطوح ، وحتى الترتيلة الكنسية المعروفة ( شمِّد بابه وبرونه ) كان يعزفها من على سطح داره ، فتشد السامعين الى موسيقاها الايمانية . ويذكر ايضا بان القس فرنسيس حداد ( 1888- 1942 ) هو أول من جلب وعزف على آلة الارغن في الثلاثينات من القرن الماضي ، يقال انه اقتناه بواسطة الاباء الدومنيكان في كنيسة سيدة الساعة بالموصل ، وبذلك اسهم في اضفاء جو حضاري وموسيقي للترتيلات الكنسية . في الستينات حاول بعض الشباب صنع آلات موسيقية مثل البزق ( الطنبور)  فوفق بعضهم ومنهم صديقي باسم كوريال يوحانا ، اما الدنابك والدفوف فكانت سهلة الصنع ومتوفرة باثمان مناسبة في المدن . في عام 1973 اقام نادي القوش الرياضي حفلة متواضعة لكنها جميلة جدا ، وربما دشنت اول حفلة من نوعها خارج حفلات الزواج المألوفة ، فدعا الاساتذة المشرفين عليها ، عازف على آلة العود من اهالي بلدة بعشيقة ، وهو المعلم ( أديب ) فأطربنا تلك الليلة كثيراً ، واسهم ايضا في إلتئام الدبكات والاغاني ، التي اداها الشباب بمساعدة الكورس الموسيقي ، وعلى رأسهم الشاب هاني موسى كتو، الذي عزف على آلة موسيقية هوائية ربما كانت ( الفلوت ) ، جلبها له والده الذي كان يعمل آنذاك في دولة الكويت .

     رغم كل الصعوبات والمخاض العسير ولدت اصوات جميلة ، بقيت محلية ولم يذع صيتها ، منهم كوما مزكا ، كوما جولاغ ، كورو ميخو ، حنا تيكا ، حنا شوشاني ، ميخا شوشاني ،  اوراها اسوفي تومكا ، موسى نوح سورو ، بطري رئيس ، حنا صادق بوداغ ، سعيد وكيلا ، عيسى ميخا حداد، كولا سليمان كولا، حنا بيبي ، عابد بيبي ، نوري گردي ، ادور توما بولاذ ، صباح تومي ، اسماعيل رشو ، اسحق حميكا ، صباح يلدكو ، سعيد سلـّو ، فاضل بولا ، لطيف بولا ، فرج يونس حلبي ، باسل شامايا ، وفي مجال الموسيقى نذكر ، الموسيقار المعروف جميل جرجيس بهاري ، جوزيف جيقا ، عزيز يوسف اسمرو ، وديع كجو ، فائزوديع كجو، نشوان فاضل بولا ، اما على النطاق النسوي فبرزت نضال حنا لكنها تخلت عن الغناء قبل سنوات ، وكذلك لينا جميل صارو ، امل بطرس نونا . في الذاكرة طفلة إسمها ( يازي يونس قيا ) وعمرها آنذاك قرابة عشر سنوات ، هي الاولى التي اطربت الحضور ، في حفل بمناسبة ثورة تموز عام 1959 ، في ساحة مدرسة العزة الابتدائية ، حيث تقدمت الى المايكروفون بجرأة لتقلد اغنية هندية اشتهرت آنذاك بمطلع ( هامايا هاجان ) . إن أنسى فلن أنسى عازف الأكورديون في تلك الفترة ايضا ً، ذلك هو المعلم الفنان (حكمت الزيباري ) الذي على أنغام موسيقاه أدى الطلبة النشيد المعروف " موطني " فردد الجبل الأشم صداها.

     يحفظ الاخ حنا عيسى حميكا على ظهر قلبه أبيات من قصيدة ، يقول انها من تأليف الخوري هرمز من الدير العلوي ، وقد الفها في الثلاثينات من القرن الماضي ، ويضيف  بان الاستاذ يوسف باخوخا كانت له نسخة واحدة ، حصل عليها بطريقته من الدير، وفي يوم ما اعارها الى والده عيسى لقراءتها واعادتها بالسرعة ، لكنه استطاع استنساخها ، وللاسف ضاعت في الخمسينات ، بسبب انتقال الأسرة الى بغداد :

مْخشْكه كبلطي لِشتايه ..... كدأري يومي بگنايه

بّيثه ليثن عَشايـَــــــــه ..... ولسَلَف كليه طيرايه

كمري قط ليله خطيثه ..... عَراق تگيانه هديثـه

بشاتخ مسّينه مليثــَــه ..... بَس دْله نبلِخ بشقيثـه

آني خَمشه خُرانـــــه ..... شَتايه وعِصيه لكهنـه

بليله بگـُپ طرانـــــه ..... وبگدوبه گو شـُقانــِه

لكليقه لبيقبنايـــــــــــه ..... ديلي جعيله غبدوايـه

بكوتك كْشَبِ لسورايه ..... وبعراق ليلي روايـه

لـْيل ِ سوجِه دعلمايـِـه ..... دني خريوه لقرايـــــِه

دريلي تدبير ورايـــه ..... كشاتيله خويخا مايـــه

عوافي تلكبنايــــــــه .....  شاتي وهاوي روايـــه

مرحمانيلي لنخرايـه ..... وعْوَذ َي دِمشيحايـــِــه

بَغدد عمرته منـّيــــِه ..... وأمريكه من جَنقــــيـِه

بألپايه حـَوالـَيــــــــِه ..... ومَأمران دْيتـَثـَيــــــــِه

  لعل اغنية الأم هي الاساس في أعراف الشعوب ، عندما تسهر مع رضيعها فتمنحه حليبها ، ودفء صوتها ، وحلاوة ألحانها ، فتنطلق بل تتحلق في الفضاء الواسع ، لتشدو من كل قلبها ، الى صغيرها توجه كلماتها التي تتمنى ان يتربى عزيزا ً، شجاعا ، كريما ، محبا للخير، وذا شأن ، اضافة الى ذلك ، تبث الأم أشجانها ، همومها ، والمتاعب التي تجنيها في حياتها . لم تتخلف الام الالقوشية عن ذلك النموذج ،  فجلست تهز مهد طفلها منشدة بصوتها العذب ، الذي يجعله يخلد الى الهدوء والنوم ، بعد بكاء متواصل ، فتقول :

دشاي لاي لاي دركشتخ عزيزي مليا خاي

 منخ رحقي كل بلاي  وقيحوا بدجمناي وامي كل قرجاي

 دركشتخ دقيسا نسيرا  مد كشاشيلا وكهيزيلا  كمبسمالي لبا تويرا

دركشتخ د قيسا د خلابا  كيزا وكثيا بطيابا  مد كشاشيلا وكهيزيلا  كمبسمالي لب د بابا

دركشتخ دكرم د فيلا  مد كشاشيلا وكهيزيلا  كمبسمالي لبا تويرا

 ناطيرخ مر دنيِّ   ديلي كوخح بكليِّ

 مخزيلي حيلي ديح   كو شفانا د بريي

 ناطيرخ مار كبولا    ديلي كوخح برؤولا   لخوذح ايلي دلا خورا 

 ناطيرخ مار قوتايا    سيبا بيذح شلخايا    مها لصلخ من نورا ومايا  

ناطيرخ اودك ناطر     باشوا بثخاثا كناطر  

ناطيرخ او مار متي   ديرا بطورا علايا    كطلبن دراوت وزالخ زيرتي ونذرا بايذخ تدياوتي

 دشاي لايي ، درگشتخ تقرچايي .

او تخاطب القمر قائلة :

يا صيرا خاثه ، لخزيلخ بروني بدراثه ، إلـِّح خا قباية خاثه ، بطأوله تبلـِّه وتبلياثه .

 يا صيرا أتيقه ، لخزيلخ براتي مر سديقه ، إلـَّح خقباية جيقه  .

او تقول له :

- خاييله جنقا لاوي وبشمد اقلح سماوي

- خاييله گورد گوره ودماخه رش تنوره

عندما تتهلل فرحة مع صغيرها وهي تبتسم ملء فمها منشدة : شبب ربب طوطيثا  كيج وميج د مرقوزي دايا سيا رم راميا  جي جمستا ديلا مبلابستا بلستا ديمي ديلا داييلا

شبّه بربه بطوطيثة ، كيج وميج ومرقوزي ، داية سيـّا رَم رامِيــّا جي جمستا......

ثم تهز طفلها الى الامام والخلف ، ماسكة به من يديه ، مرددة :

هجاني هماني ، خه خمارة قطي بقاني ، براتي  دمخته بدركشتا ، وبروني خوخه وخبشتا .

عندما يكبر الاطفال يبدأ طورٌ آخرٌ من الغناء على افواههم الصغيرة :

-  زمزمومه طراشة خورانخ سقلي لرومه قلوب قلوب قلوب

-  قلـّه قَلـّه قَلـُّنتي ، هلـّي خولي وصابونتي ، دلا مخيالي ستَتُّنتي ، قلوب قلوب

-  حابا قلقل أور مبوق مبقله رمشخ

-  شورخ شورخ زيره ، آلها يا ولوخو ، خا برونه عزيزه .

ربما افضل اغنية وضع كلماتها يوسف حنا سيبي في الاربعينات مطلعها :

 غزيلي غذا يونا بفياره          معيطلي وقريلي خا قاله

بس ميذيلي بس دموره          ليما أثريوَت بيزالَـــــــه

وترادفها في تلك الفترة ايضا اغنية اخرى تبتدأ :

مشـّينه جوجله ، مشريله بخايه ، باي باي موخبي قاله بدرايه .

 توالت اغاني الشباب المتكررة في كل مناسبة مثل :

 هوي ميروي ميروي ميرو ، عبدالو شمالوي ميرو .

او اغنية :

كندالو كندل پيدا ، حيرانو نجمَه لپيدا .

     وتلاحظ وجود كلمات كردية كثيرة فيها . وهي الصبغة التي صبغت اغانينا لعشرات السنين خصوصا ما قبل ثورة 14 تموز 1958 وبعدها بقليل ، كان اهالي القوش مغرمين بالاغنية الكردية ، فترى عندما دخل الراديو حياتهم بعد الحرب العالمية الثانية ، كانت اذاعة ( رادي كوماري بشي كردي لبغا ) تصدح من سطوح منازلهم ، او اذاعة يريفان من جمهورية ارمينيا السوفيتية ، او الحاكي ( كرامفون او فونوغراف ) الذي ادار الاسطوانات لمطربين دخلوا قلوب الناس مثل محمد عارف جزراوي ، عيسى برواري ، كويس اغا ، مريم خان ، نسرين شروان ، عائشة خان . كانت دادا ( حنـّي ) زوجة ( سليمان ساكا جونا ) تردد في باحة بيتنا ، مقطع من اغنية ، غنوها الاكراد بداية القرن الماضي مترنمين :

مالا أيسفي گوزل نحوينا          ومالا ميخا دمن          قهوة وجاي بگرينا

     هكذا كان طابع اغانينا هو التأثر وتقليد الأغنية الكردية ، لكن هذا الجانب ضعف مع ظروف محاربة الحكومات المركزية للحركة التحررية الكردية ونزوح كثير من الألقوشيين الى بغداد بخاصة والمدن الاخرى ، فاصبح للاغنية العربية جمهورها ومحبيها خصوصا شباب السبعبنات ، لكن ذلك لم يمنع من بروز اغنية ثورية بالسورت على نمط الاغنية الشهيرة ( عاش انصار السلام ) فقدحت قريحة الثوري الالقوشي باغنية مطلعها :

خاهي گوره دشلاما ، رخشو جنقي تقاما . بخدمخ بيريه سمقته ، ومگله بدارخ محنقته ، شتويه أرخن حزكته .

واغنية اخرى يقال انها نقلت على لسان احد الشباب الملتحقين بالانصار عام 1963:

 يا يمّي ان كِبَتـّي ، بَرنو كريثه بزونتـّي ، لريشه دطورة مّسقتي ، وليذه دتوما ** بياوتّي .

وفي بغداد انتعشت الاغنية السريانية فترة السبعينات ، خصوصا بعد عام 1972 فاشتهرت اغنية غناها فرج حلبي تقول :

اور لبّي يا يمي مني جُرحح ، مخ اتونه بكودوله من خمتح ، ناشه ليبه دكالزلي من حبّح ، ولا تدماشيلا صورتي من لبّح .

 او اغنية يقال ان مؤلفها هو بولص شموئيل مراد :

خاليلي خشكا قاله بيثايا ، گو القش جغشيا ، وهاور بدرايه . بشقياثة دمه دجونقخ بجرايه ، هل طفلي زوري ، سْميلي مپخاية .

      ولا ننسى اغاني المسرح التي لحنها المرحوم الاستاذ وديع كجو ، واعمال اخرى موسيقية اداها بصبر طويل ومواصلة لا فكاك منها ، الأخوين لطيف بولا وفاضل بولا ( اجمل اغانيه في نظري التالية : گرسته ، القش ماثد بابي ، آلها عاين أسّومة ) وكذلك الاستاذ سعيد شامايا ، موفق ساوا ، جلال جلو ، جلال شامايا ، جلال يلدكو وغيرهم ، التي لازالت تحتفظ بقوتها حتى اليوم .

     ونحن في خضم هذا الاستعراض ، يجب ان لا نغفل الاغنية الآثورية ، التي كانت تنتشر وتتطور في تحدٍ للمناوئين لها بأصالة وقوة ، من الاغاني التراثية الاثورية ( الراوي ، الليليانا ، الديواني ) ، كان اول تعرفي على تلك الاغنية في المسجلات التي ظهرت على شكل بكرات ومن الاغاني الجميلة التي اطربتنا : اتيوت غزالتي دطورا وبريا ، دم خيموله كسي وايالي دي ملبولا ، بلكد ليله بكو كرمانه ، بيث نهرين اثريوا لي منشنخ ، خا كرما مليه موردي ، ووله مبلدا بكو خياله ، تميلي جنقي ، اخا كخوا جريلي او خبخ ، روش يا جنقه ، نشره دتخوما . في ندوة الايمان بجامعة الموصل مطلع السبعينات من القرن الماضي ، كان (بيمانوس يلدا ) يعزف على الاكورديون و(كوركيس هاويل ) على العود ، و(نوئيل زيا ) في الغناء .

     في الربع الأخير من القرن الماضي برز من بلدتنا عديد من الفنانين في مجال العزف والغناء ، ابتداءً من بغداد ثم المهجر الامريكي واخيرا داخل البلدة الحبيبة ، ويعود السبب في تاخر وصول هذا النمط المتقدم من الفن ، هو تقلب الاوضاع السياسية في البلد والضغوط التي كانت تمارسها السلطات الحاكمة على مدى العقود الاربعة الماضية . هكذا سجل بعض المحدثين اسمهم في سجل الغناء منهم : ماجد ككا ، عميد اسمرو ، مناضل تومكا ، خيري بوداغ ، طلال كريش ، يوسف عزيز اسمرو، هيثم يوسف ، سلام ككا ، وضاح صبيح هرمز بهاري ، نسيم صحب ، فريد هومي ، عصام عربو ، عماد ربان وغيرهم ، لهؤلاء اقدم احترامي ، وبوسعي ترديد ما قاله بتهوفن يوماً " الموسيقى بحر ٌ من العلم والفن َّ لا حدود لشواطئه او لأعماقه ، وكلما ازداد الموسيقي ُّ فهما ً لها كلما ادرك ان امامه الكثير مما لا يعرفه ُ "  ، الغناء الحقيقي ليس فقط ذلك النمط الذي يطرب الناس في المناسبات الاجتماعية كالزواج مثلا ً ، بل هو ذلك النبع الصافي ، هوذلك الطريق الجديد ، وتلك الموسيقى الأخاذة ، وما يلهب المشاعر، وبلا شك مرتبط بسيرة الفنان الذاتية ، ودراساته العلمية ، والمدرسة الفكرية اوالفلسفية التي ينتمي او يؤمن بها ، ولنقل هي الرسالة التي كرس لها حياته ، فيوجهها طوال سنوات وسنوات الى ناسِه ، جمهوره ، وابناء شعبه . ذلك هو الفنان الجاد الذي لا يميز فقط من بين اقرانه او سابقيه بل يتميز بخصوصيته ، وامتلاك الفضاء الخاص به ، لينتشر فيعبر الحدود ، دون جواز من احد ، يتخطى الواقع الضيق ، ليسبح في أجواء اكثر رقيا وتطورا . على الفنان الحقيقي ان يغوص في الاعماق فيخرج اللآلئ ، عليه ان يمضي بعيدا ً ، ويوغل في غابة الابداع ، ليجلب ما يثير الاعجاب ، مبتعدا عن التقليد او لملمة وتجميع الكلمات والألحان ، عندها فقط يخلده الزمان .

 الهوامش :

 * سفورتا ، نوع من الطيور تعيش في ثقوب الوديان عندنا ، وهو طائر يشبّه حبيبته به لجماله .

** توما : وهو البطل الخالد توما صادق توماس ( 1925- 1996 ) .

  المصادر :

 1- كنوز الاعماق ، قراءة في ملحمة جلجامش- فراس السواح- نيقوسيا 1987 .

 2- الديارات النصرانية في الاسلام – حبيب زيات- دار المشرق 1999 .

3- متون سومر- خزعل الماجدي – الاهلية 1998 .

4- سفر القوش الثقافي – بنيامين حداد – بغداد 2001 .

5-  مقالة للاب د. يوسف حبي عام 1996 بعنوان ( مدرستنا القديمة )

6- مجلات متنوعة مثل : الفكر المسيحي ، صدى بابل ، وغيرهما ، كاسيت اغاني تراثية متميزة ، للمغني التلكيفي المعروف عزو كاتي.

7- مجلة التراث الشعبي .

8- مجموعة من الاصدقاء والاحبة منهم : الشماس حنا شيشا كولا ، الشماس صادق برنو ، يوسف ميا ساكو ، والدتي كرجية ، عمتي ودي ، جورج شوشاني ، نجيب الحنو ، سعيد سيبو وغيرهم .

9- اضافات وتصويبات وردت من الصديق الغالي كامل اسحق شكوانا في استراليا.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.