اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الفن – الفطرة والطبيعة والإنسان// يوسف زرا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

الفن – الفطرة والطبيعة والإنسان

يوسف زرا

القوش

 

لو عدنا إلى الحياة ماقبل التاريخ, وقبل ظهور الحضارة والمدنية والإنسانية, وسألنا أنفسنا: هل للفن مصدر فطري وطبيعي؟ أم هو ناتج حضاري مدني إنساني فقط؟

ولكي نحقق جوابا شاملا متكاملا في المعنى والمحتوى, لابد أن نعود ثانية ونقول بأعلى صوتنا, أيها المعنيون – أيها المتحمسون لمكامن الفن ... دعونا نبحث في خبايا طوبوغرافية الأرض وتضاريسها, لنجد واحدا او محمية طبيعية رحبة, تعج بجميع فصائل الحياة الفطرية بما فيها الحيوان والإنسان, محمية لم تمسها رتوش الحضارة وتزويق المدينة بأبسط مظاهرها, ماذا سترى في ميدان هذه المحمية؟؟

أتخيلها حقا كما في الوصف, لوحة فنية رائعة الجمال ذات تشكيل بديع, تعبر بعمق عن مكونات ومكامن طبيعة الحياة الحيوانية وحتى النباتية بكافة أصنافها وفصائلها ومعها الإنسان.

دعونا نفرز مليا عناصر هذه اللوحة الخالدة بفطرتها, كل عنصر على حدة ومنها, الموسيقى بعرفنا الحالي, أليست الظاهرة الأكثر تعبيرا وإحساسا بجمال هذه المحمية؟؟

إن تكوين هذا العنصر الفني الراقي الذي يمثل اللغة الوحيدة التي تجمع أصوات جميع الكائنات الحية, مضافا إليها ظواهر الطبيعة, ومنها على سبيل التوثيق والسرد, زقزقة العصافير وتغريد البلابل, وهديل الحمام, ونقيق الضفادع, وصهيل الخيل, وزئير الأسود, ونداءات الإنسان للبعض, ولما من حوله من تلك الحيوانات الأليفة وغير الأليفة, وحتى عواء الكلاب والذئاب ومواء القطط , و.. و.. – كلها ممزوجة بأصوات الطبيعة مكونة بانوراما لا مثيل لها, ومنها هبوب الرياح في السهول والوديان والأنهار, ومساقط الشلالات في الجبال والمرتفعات.

أليست حقا وبدون مبالغة, لوحة صوتية جميلة بتركيبها الطبيعي؟ وبمستوى طبقاتها العليا والسفلى كلها تمثل مجتمعة سيمفونية فريدة بتكوينها, كان أصوات مجموعة أشباح او ملائكة تهبط من السماء على الأرض. تملأ اذاننا بمفردات ألحانها وأنغامها , دون أن نهتم برؤية تلك (الأشباح والملائكة) لان الطرب يجعل السامع ينفصل عن جسده شيئا ما ويسمو به, وكأنه في عالم آخر مجرد من مقومات الحياة المادية ذات الطابع الروتيني الممل.

إن هذه الألحان والأنغام, ماهي إلا اللغة او اللغز الفريد يفهمه كل كائن حي, وكل حسب قناة سمعه. أليست هذه الأصوات او المفردات الطبيعية مجموعة مقاطع تمثل في تركيبها الفني علميا – السلم الموسيقي – بمقاطعه المعروفة – دو.. ري.. مي.. فا.. صو.. لاسي.. والتي عِبرَها كل يناجي رفيقه وقريبه وحبيبه من البشر وباقي الكائنات الحية وبدون استثناء, منذ التكوين الفطري, الى العمق المدني تاريخيا. عدا إنها جزء من لغة تعبر بها عن حاجتها دون أن تعلم قيمتها في المفهوم الفني الإبداعي.

أما لو تناولنا العنصر الثاني والثالث والرابع .. بالتتابع من هذه اللوحة التراجيدية في تعبيرها عن مفاهيم, سواء محنية مأساوية او اطمئنان وانشراح نفسي, ومنها الرقص بحركاته الإيقاعية الشاقة والعنيفة معا حد الغيبوبة, وحضور الانفصام الشخصي (اي السمو – بالمفهوم الروحي للفرد والجماعة) والتي مصدرها تعبير في حركات لعبادة ظواهر الطبيعة منذ القدم , كالشمس والقمر والنجوم والرياح والنار. وحتى الحيوانات ومنها الأسود والثيران وغيرها.

أما فن النحت والرسم, فانه انعكاس لفعل إرادي ولاإرادي معا, لتوثيق أولى مظاهر وطقوس العبادة ومراسيمها , وحتى ازدهار هذه الفنون مجتمعة, والتي رافقت مسيرة الحياة الطويلة لعمق الخيال الإنساني وإبداعه الفكري, له في مجالات عدة, منها دينية بالمرتبة الأولى , واجتماعية ونفسية, وحتى فلسفية في صورها السريالية, والذي نتلمسه جيدا في كل معبد, ولأي ديانة كان, وبشتى التعابير الفنية, ومنها المعمارية أيضا بشكل خاص وكذلك في المتاحف, وعلى خشبة المسرح, بغض النظر عن عائدية الموضوع ولوحته المعبرة عنه لزمن ما. والتي تعتبر منذ القدم والى اليوم الوسيلة المشروعة للنخبة في انجاز الفرد والجماعة عما في خلجات الصدر من مفاهيم الحياة والتي تبقى المصدر الحقيقي المؤثر والمعبر في كل لوحة, سواء كمقطوعة موسيقية او غنائية , او كرقصة إيقاعية , أم في نُصُبٍ معبرة جميعها عن جملة أفكار لرواد كبار.

كل هذه اللوحات والشخوص والمقطوعات, ماهي الا نتاج للإنسان والطبيعة والحيوان معا, تميزت عبر العصور بخصائص خاصة, ولازالت بمدارس فنية حية ذات مناهج وتعابير موحدة وأهداف متعددة, تلتقي كلها في إطار خدمة الإنسان والمجتمع عبر الأجيال وبدون توقف.

وبهذه الأسطر القليلة في كميتها والبسيطة في تعابيرها, أضع القلم جانبا وأنا في قرار نفسي أرى, قد عبرت عن مفهوم الفنون مجتمعة ومنشأها وأهميتها. وجسمت عناصرها دون الرجوع الى بطون الكتب, كمصادر لآلاف الفنانين والكتاب في أقصى بقاع الأرض واعتبرت لوحة المحمية الطبيعية خير تعبير لمصدر حي وصادق لها حضورا ميدانيا وتخيلا.

 وانهي الكتابة بمقولة عن فن الموسيقى أولا للحكيم والمصلح الصيني العظيم – كونفوشيوس – حين قال ما معناه وقبل أكثر من خمسة وعشرين قرنا, إن الموسيقى – ماهي إلا اللغة التي يتكلم بها الإنسان مع البعض, ومع الطبيعة ومع الله.. ومن لايفهمها يتخلف عن ذلك.

ثم اعود الى المقولة المأثورة للروائي والقاص السوفيتي الكبير – مكسيم غوركي – الذي عاش الى أوائل الربع الأول من القرن الماضي والذي قال فيها , أعطني الخبز والمسرح وخذو مني كل مافي الحياة.

وأخيرا لا يسعني الا ان اذكر بكل احترام وإجلال بعض عظماء الفن, ومنهم حصرا, ميخائيل انجلو, بيكاسو, بول روبسن, جواد سليم, بيتهوفن, وغيرهم بدون إحصاء.

يوسف زرا

القوش 2004

 

 

ملاحظة: نشر المقال في مجلة السنبلة (شبلت) الصادرة في الولايات المتحدة الامريكية – ديترويت – العدد 17 / شباط / 2004

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.