اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

يوميات حسين الاعظمي (610)- مفاهيم فنية محلية وعلمية

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعظمي

 

عرض صفحة الكاتب

يوميات حسين الاعظمي (610)

(ارجو مساهمة الجميع في طرح آرائهم للمساهمة

 في تثبيت الافكار الفنية)

***

مفاهيم فنية محلية وعلمية (هامش1)

       طبيعي ان المقامات العراقية التاريخية الغنائية ذات الخصوصية الوطنية لبلدنا العراق، في الشكل والمضمون، لا تختلف عن الانواع الموسيقية الاخرى سواء التراثية او الحديثة من حيث الاساس العلمي لسلالم الموسيقى المغناة، فسلم الرست مثلا هو نفسه في اي مكان عربي او شرقي عندما نكتبه نظريا، ولكنه يختلف في كل مكان من حيث الاستخدام العملي أي من حيث التعابير الادائية عن هذا السلم، حيث تتدخل عناصر التعبير البيئية والمحيط والخصوصية لكل مجتمع من المجتمعات، وبالتالي يتألف نوع خاص من الغناسيقى يعكس الهوية التاريخية لهذا المجتمع او ذاك، أي تصوير عظمة الانسان في تاريخ الماضي. ثم ان هذه القضية برهنت لنا ممارسة المغنين المقاميين تصوير كل ما هو ضروري لانجاز نتاجات مقامية غنائية مهمة، وخلاصة القول، اننا نلخص هنا بعبارات مختلفة ومن زاوية مختلفة ما سبق ان ناقشناه او تحدثنا عنه في حلقات سابقة.

 

     ان واقعية مقارنتنا حقبة التجربة بحقبة التحول(هامش2) في قضايا التطورات والابداعات المقامية، تدل على ان اساليب تصوير هذه التطورات والتغيرات هي اقرب الى عكس واقع الحياة، او بالاحرى اقرب الى مظهر الحياة الاعتيادي من اساليب تصوير التفاعلات الادائية في غناء المقام العراقي، ومع ذلك فان آفاق المدى المقامي ليس قضية تخص الاساليب الشكلية، بل الانعكاس الفني لحقائق معينة من التعبير عن الحياة، وعلى هذا النحو نفسه يختلف اقتراب غناء المقام العراقي من الحياة عن الانعكاس الصرف للواقع الفني التجريبي والغناء المقامي، او الغناء المقامي نفسه كمادة غناسيقية تراثية، لا ياخذ ابدا على عاتقه مهمة تصوير مجرد جزء صغير من الحياة في صدق، وانما هو بتمثيله جزءا محدودا من الواقع مهما يكن مصورا تصويرا غنيا. يهدف الى اثارة مجمل عملية التطوير الاجتماعي، وهكذا تنشا المشاكل الشكلية في كيان المقام العراقي عند غنائه، عن حقيقة ان أي انعكاس للواقع الموضوعي نسبي بالضرورة، وبالتالي يقع على عاتق غناء المقام العراقي مهمة الاثارة المباشرة لكامل فترة الحياة او امتدادها، باعتباره الهدف الفني الكبير للغناقامي الذي تحدثنا عنه في امكنة عديدة.

 

      ان الجمهور المتلقي هو الموضوع المهم جدا في الغناقامي، ونحن نتذكر ان هذه العوامل المختلفة لا يمكن ان تصور في الدراما الا بصورة مختصرة او ضمنية جدا، فعالم الغناقامي او عالم الغناء التراثي على وجه العموم، ليس مجرد نقطة اخــــــتلاف، بل هو عالم معقد متشابك يشمل جميع تفاصيل الفن الادائي المقامي.

 

     ان المقام العراقي كمادة غناسيقية تراثية، من جهة اخرى، لا يعطينا تركيزا لأي اتجاه جمالي خاص ما، بل على العكس فانه يعطينا الطريقة او الاسلوب التي ينشا بها الاتجاه الجمالي وكيف ينتهي تدريجيا. وعليه فان الطريقة التي يؤدى بها مقام ما لاظهار شخصية ذلك المقام بصورة نموذجية، هي اكثر تعقيدا الى حد كبير، فغناء المقام العراقي يهدف الى اظهار الواجهات المختلفة لاتجاه جمالي معين، او الاساليب والطرق المختلفة التي يفرض بها نفسه.

 

      وينتج عن هذا ان علاقة المغني المقامي كفنان فرد بزملائه المغنين المقاميين الاخرين كمجموعة، وعلاقتهم جميعا بالمجتمع هي علاقة اكثر تعقيدا بكثير مما هي في التفاعلات الدرامية الفنية، الا ان هذا التعقيد بين المغني المقامي كفرد ومجموعة وعلاقتهم جميعا بمجتمعهم، هو مرة اخرى ليس نتاج التطور العام للغناسيقى او التطور الخاص للغناقامي، بل على العكس فان التطورات التي استمرت مع زمن غناء المقام العراقي على مدى العصور في الشكل والمضمون، ليس اكثر من انعكاس للتطور الاجتماعي نفسه بكل جوانبه. وواضح ان تكور العلاقات بين الفنان الفرد والمجتمع مناهض لتصوير التفاعلات الدرامية الى درجة كبيرة، ومن جهة ثانية وليس من باب المصادفة ان السمات المميزة للغناقامي لم تظهر الا بعد ان تطورت هذه العلاقات الاجــــــــتماعية بين الفنان المقامي كفرد ومجموع المغنين المقاميين الاخرين بمجتمعهم.

 

       الا ان هذه العلاقة الوثيقة بين المغني المقامي كفرد ومجموع والمقام العراقي كشكل لمادة غناسيقية تراثية، وبين التركيب الخاص للمجتمع المقامي في بغداد والمحافظات الاخرى في العراق. لا يعني بأي حال من الاحوال ان المقام العراقي يستطيع ان يعكس بسهولة واقع المجتمع المقامي دون ان يطرح نفسه تجريبيا كمادة غناسيقية بصورة عملية، وعليه فقد تأثر المغنون المقاميون التقليديون في حقبة التجربة هذه، وامسوا شبه ضحايا لاتجاههم التقليدي غير الواعي تماما من الناحية الفنية. في حين كانت هذه الفترة من الزمن فترة تجريبية لكل الابداعات الجديدة التي تمخضت عن تطلعات وتحولات وتطورات حقبة التحول مطلع القرن العشرين، وعليه فقد كانت حقبة التجربة، اشبه بتجربة وغربلة فنية لكل تلك التطلعات خلال الثلث الاول (حقبة التحول) من القرن العشرين تقريبا، وعملت حقبة التجربة على تهذيبها وتنقيتها ومن ثم تقديمها كابداعات تاريخية ضمن مسيرة الغناقامي التاريخية منتصف القرن العشرين.

 

       الا ان القادة الكلاسيكيين المقاميين المتمسكين بالاشكال الادائية التقليدية القديمة، وعلى الاخص منهم القندرجيين، لم يفهموا بصورة كافية المشاكل الادائية الفنية للوضع الجديد، او لم يفهموها على نحو افضل. فقد كان معيارهم شبه معيار معاكس للتطلعات الجديدة..! وهكذا نرى ان رشيد القندرجي مثلا وهو شيخ الكلاسيكيين في حقبة التحول مطلع القرن العشرين، يقول عن غناء محمد القبانجي(ان القبانجي بدا يغنــي حسب مزاجه مقامات ليــــس لها وجود ولم نسمعها من اساتذتنا) (هامش3).

 

        ان التفاعل التراجيدي، اذا كان شكلا ضروريا للحياة الفنية والاجتماعية، فهو ليس كذلك الا في ظروف وشروط محددة جدا. كما انها حقيقة من حقائق الحياة الفنية والاجتماعية. وهي ان التناقضات بصورة عامة تخف وتتلاشى، وهي لا تحقق حلا واضحا ومحددا سواء في حياة الفنان الفرد او في المجتمع المقامي كمجموع. ويكون هذا في جانبين.

1-   هناك مراحل محددة في نمو العامل الفني في المجتمع الغناسيقي والمجتمع الغناسيقامي. حيث يكون الافول المشترك للتناقضات، الشكل النموذجي الذي تتقرر به الصراعات الفنية في المــــــــــجتمع الفني للغناسيقى بصورة عامة.

2-   حتى في الفترات التي تكون فيها الصراعات الفنية في المجتمع الفني الغناسيقي في اعلى اشتدادها في حياة الفنانين كافراد، فليس كل التناقضات تحوز تلك الحافة النهائية التي تقود الى التراجيديا.

 

      والان، لما كان موضوع غناء المقام العراقي كمادة غناسيقامية، هو اجمالي امتداد الحياة الفنية الغناسيقامية والاجتماعية. فان صراعا وتفاعلا كاملا لايمكن الا ان يكون حالة هامشية توجد على امتداد تفاعلات اخرى. وفي بعض الظروف لا توجد حاجة الى ان يقع اطلاقا.

 

والى حلقة اخرى ان شاء الله.

 

اضغط على الرابط

ابراهيم العزاوي، مقام حجاز ديوان

https://www.youtube.com/watch?v=xbaP7S_6jww

 

قيس الاعظمي في وصلة غنائية

https://www.youtube.com/watch?v=DI_V1RWuYE4

 

هوامش

1 – هامش1: من كتابي الموسوم بـ (الطريقة الزيدانية في المقام العراقي واتباعها) الصادر في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2013، ص 210 و 211.

2 – هامش2: في كتاباتي بما يخص الغناء والموسيقى والمقامات العراقية في زمن القرن العشرين، كنت قد قسمت القرن الى ثلاث حقب زمنية من التغيرات والتطورات الفنية نسبة لتطور العامل الصناعي والتقني وفرص التطور. فـ -حقبة التحول- حصرتها من بداية القرن العشرين حتى منتصف الثلاثينات تقريبا. و –حقبة التجربة- من منتصف الثلاثينات حتى منتصف الستينات تقريبا. و –حقبة النضوج- من منتصف الستينات حتى نهاية القرن العشرين.

3 – هامش3: سالم، كمال لطيف، اعلام المقام العراقي ورواده، مكتبة النهضة، بغداد 1985، ص32.

 

 

المغنون المقاميون من اليمين صبحي البربوتي وعبد الملك الطائي وحسين الاعظمي وعبد الجبار العباسي وسامي عبد اللطيف.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.