اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

يوميات حسين الاعـظمي (611)- تطورات تاريخية

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعـظمي

 

عرض صفحة الكاتب 

يوميات حسين الاعـظمي (611)

(ارجو مساهمة الجميع في طرح آرائهم للمساهمة

 في تثبيت الافكار الفنية)

***

تطورات تاريخية (هامش1)

     على الرغم من ان جهاز التسجيل الصوتي كان ظهوره اواخر القرن التاسع عشر، الذي امسى اعظم المنعطفات التكنولوجية في حياة البشرية، عندما استطاع الانسان ولاول مرة في تاريخه ان يسجل صوته ويعيد ذلك ليسمعه ويكرر ذلك مرات ومرات بواسطة ابتكاره العظيم لهذا الجهاز. يمتثل امامنا سؤالا تاريخيا يفرض نفسه..! كيف كانت هناك نتاجات غنائية في المقام العراقي من قبل مغني تلك الفترات المتلاحقة توصف لنا من قبل المؤرخين على انها نتاجات كبيرة وفخمة في محتواها الفني العام، عندما كان الوعي الفني والعلمي لم يتطور الا قليلا. وعندما لم يكن غناء المقام العراقي كمادة غناسيقية اكثر من مسارات لحنية تاريخية لم تكن ثابتة الشكل بعد، وليس لها استقرارا محددا، ونحن نشير هنا الى فترات ما قبل عصر المغني عبدالرحمن ولي ورحمة الله شلتاغ وغيرهما من المعاصرين، بل وحتى في عصرهما ولاحقيهما. اننا هنا لا نريد ان نقلل من شانهم كمغنين للمقام العراقي، لان بعض نتاجاتهم الغنائية المقامية وحسب ما يذكره المؤرخون، نتاجات تاريخية لها مضامين عميقة واثر هائل في المجتمع، كنتاجات عبدالرحمن ولي ورحمة الله شلتاغ. واليوم كما يبدو لي، ان الموجات المتتالية من التفاعلات التاريخية خلال التسلسل الزمني منذ ذلك الوقت حتى يوم الناس هذا. نشات عن ازمات وتفتت الكثير من القيم والمبادىء الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفنية عند ظهور الابتـــكار العظيم (جهاز التسجيل الصوتي) الذي قلب الموازين كلها..! والاثر الاخر الكـــبير هو الحرب العالمية الاولى (1914-1918) وما تمـــخض عنها من تغيــرات في كل مجالات الحياة لكل شعوب الارض.

 

       وعلى اية حال، فان نتاجات المغني الحاذق رحمة الله شلتاغ وبعض من معاصريه، لم تكن السبب المباشر، او لم تكن المسؤولة عن المستوى الفني والعلمي والجمالي لتلك النتاجات. اذ يعود ذلك الى المرحلة الثقافية التي يعيشها البلد زمنذاك، بقدر ما كان لقيمة الاثر العظيم للتطور التكنولوجي وظهور جهاز التسجيل الصوتي، الذي استطاع الانسان بواسطته ان يوثق ويؤرشف كل النتاجات الغناسيقية في حقبة التحول، ليبدا التعرف على القيمة الحقيقية لهذه النتاجات المسجلة فنيا وعلميا وجماليا.

 

       ان هذا بطبيعة الحال، لا علاقة له بالمقارنات الواقعية المتعلقة بعصر شلتاغ ولا بعصر ظهور جهاز التسجيل الصوتي في حقبة التحول والتطور التكنولوجي المؤثر. لاننا نتكلم عن عصر شلتاغ من خلال كتابات المؤرخين ولم يتسنى لنا الاستماع الى أي نتاج منهم، في حين اننا نتكلم عن نتاحات القرن العشرين ونحن نستمع اليهم، فالموثوقية تاريخية.

       بهذه الحالة، يركز مغنوا مطلع القرن العشرين وعلى الاخص منهم محمد القبانجي، العلاقات اللحنية لمسارات الغناء المقامي حيث يثبت شكلا غنائيا مقاميا مستقى بكل تاكيد من الاشكال السابقة له ويجعلها اكثر استقرارا من ذي قبل، ويركز ذلك ويعممه من خلال تسجيلاته الصوتية للمقامات الى درجة غالبا ما تكتسب معها الجوانب المعارضة. وبامكانياته الفذة هذه يؤسس طريقته الشهيرة (الطريقة القبانجية) في غناء المقامات التي قلبت موازين الذوق والجمال الادائي للمقامات العراقية وما يزال تاثيرها الى يومنا هذا، الامر الذي ابقى كل الكلاسيكيين من المغنين اشبه بالكورس الواقف خلف هذه الطريقة يردد ما جاء به فنانهم العبقري.

 

       من ناحية اخرى، لم يكن من باب المصادفة ان تخلى محمد القبانجي وهو في ذروة طاقاته، عن اساليب الغناء المقامي الكلاسيكية والتاريخية. ومع ذلك بقي امينا للتاريخ بالمعنى الذي عاشه في حقبته وانتج تسجيلات مقامية بصوته الفذ غاية في الروعة. معبرا عن حقبته ومستقبله وبطريقته واسلوبه الغنائي المثير، وذلك في مقامات كثيرة مثل مقام السيكاه ومقام الرست ومقام البيات ومقام الحجاز ديوان ومقام النوى ومقام الصبا الذي يغنيه باصوله القديمـــــــــة دون اضافة تذكر سوى تعبيره الجمالي عن تلك الاصول القديمة لمقام الصبا وبهذه القصيدة لعبد الغفار الاخرس ومطلعها.

 (أتراك تعرف علتي وشفائي   /  يا داء قلبي في الهوى ودوائي)

 

        ولهذا السبب، فان التسجيلات الصوتية في مقامات محمد القبانجي وفي ذروة نضجه، هي افضل الانماط التاريخية لشكل ومحتوى المقامات العراقية  في ازمة تفاعلات حقبة التحول التي عاش القبانجي ذروتها، لانه كان قادرا على الانطلاق بتركيز تفاعلي اكبر وخلق اسلوب غنائي اكثر قربا من الجماهير.

 

       ولهذا السبب ايضا، تنتمي معظم التسجيلات الصوتية للمقامات العراقية في النصف الثاني من القرن العشرين كاساليب ادائية الى تفاعلات نضج محمد القبانجي الكبيرة، اذ كان يعبر عن عصره ومستقبله. وهذه التفاعلات المستمرة حتى هذا اليوم مدينة بوجودها الى حقبة التحول في ازمة التحول الاولى للمجتمع العراقي الناهض من جديد.

 

        وقبل انتصاف القرن العشرين بعقد من الزمن او اكثر بقليل، تبدا او تتداخل الحقبة الثانية(حقبة التجربة) من التطور التاريخي للمقام العراقي خلال القرن العشرين. وحقبة التجربة هي ايضا بداية الحقب الاكثر تنويرية في العراق، سواء في الموسيقى او الثقافة او الحياة برمتها. ويمكننا القول اننا نستطيع ان نبدا الحديث عن هذه الحقبة من حيث انتهينا من حقبة التحول، وذلك للترابط الجدلي الوثيق بين الحقبتين الزمنيتين، وعليه تعود الى محمد القبانجي الذي كان ابرز خاتمة لحقبة التحول في الغناء والموسيقى وكذلك ابرز بداية لحقبة التجربة. بل ان تسجيلات محمد القبانجي هي التجربة الحقيقية بعينها منذ حقبة التحول حتى هذا اليوم، من حيث انها تجربة تطورية ابداعية بكل ما يمكن ان تحتويه هذه الكلمة من معنى. لان تطورات وابداعات القرن العشرين كلها اعتمدت على اسس هذه التسجيلات، وعليه فان توسيعا اخر لهذا الاتجاه التجريبي في الابداع والتطور اصبح ممكنا لثراء الموضوعات التاريخية العراقية العربية. وبها يمكن اعـــــــتبار القبانجي بشيرا بنتاجات غناسيقية تضمنت الكثير من التطور والابداع والجمالية والفـــن التي سار تاثيرها في تصاعد مستمر حتى يوم الناس هذا.

 

        من ناحية اخرى، يحدث لدى مغني حقبة التجربة وابرزهم بعد القبانجي الاربعة الكبار _حسن خيوكة ويوسف عمر وناظم الغـزالي وعبدالرحمن العزاوي_ تطورا ملحوظا اسبابه تطور الناحية الثقافية، بعد ان تزامن افتتاح معهد الفنون الجميلة والاذاعة العراقية بداية الثلاثينات، ومن ثم تخريج الدفعات الاولى من طلبة المعهد في خضم هذه الحقبة، الذين انتدبوا لتطوير موسيقى بلدهم، واصبحت هذه التفاعلات اكثر بروزا ووعيا من ذي قبل، اضافة الى عوامل الواقع التاريخي والتقليدي لهذه الحقبة، الذي يكشف عن مميزات من هذا النوع(تاريخي معين) الى درجة اكبر بكثير من نتاجات المغنين السابقين في نواحيها الفنية والفكرية. والان ليست المسالة هي تكديس وتكريس السمات التقليدية والتاريخية المهمة لشكل ومضمون غناء المقام العراقي لعصر ما بطريقة تفاعلية، كما كان الامر لدى السابقين لهذه الحقبة على مدى الفترات الزمنية، بل هو نقل الخصوصية التقليدية لغنائنا والحفاظ على الهوية التاريخية الى المغنين اللاحقين انفسهم، الى اسلوبهم الخاص في الغناء، باعمق ما يمكن للحصول على التطور المتماسك والمستمر لموسيقانا تحسبا للسرعة التطورية المتزايدة بصورة مذهلة.

 

والى حلقة اخرى ان شاء الله.

 

اضغط على الرابط

عبد الجبار العباسي، مقام الشرقي رست

https://www.youtube.com/watch?v=8IuovKPz2MY

 

ناظم الغزالي، مقام حكيمي

https://www.youtube.com/watch?v=wA4mip6VBjI&t=329s

 

هوامش

1 – هامش1: من كتابي الموسوم بـ (الطريقة الزيدانية في المقام العراقي واتباعها) الصادر في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2013، ص 221 و 222.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.