اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الطريق الى كربلاء -//- سعدية العبود

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

الطريق الى كربلاء

سعدية العبود

 

 

وأخيرا تهادت الحافلة  تسير الهوينا متجهة الى العراق مخلفة الشام من وراءها .تنفست بعمق فقد حضرت الى مرأب السيارات المغادرة قبل اكثر من اربع ساعات, في تمنى انها تختصر الزمن, ولو ان الموعد المتفق عليه للسفر هو منتصف الليل الا ان حرقة فؤادها والألم الذي يعصر قلبها جعلها تحضر مبكرة. كان لصراخ شقيقتها صدى افزعها كررت السؤال اكثر من مرة محاولة الاستفهام, او انها لا تريد ان تفهم ما الأمر لأنها لا تريد سماع هكذا خبر:

- لقد قتلوووووووووه

- من؟ صاحت ذعرة

- لقد قتل صباح اليوم وهو الآن في الطب العدلي وأنا هنا في مركز الشرطة وحيدة

كانت المتحدثة شقيقتها هي الاخرى أضاعت الكلمات مفجوعة وتطلب الاستغاثة ولا تعرف ما تعمل .فقد اغتالوا زوجها صباح هذا اليوم عندما خرج الى العمل. كان يدعو الجميع للقدوم الى منطقته فهي آمنة ,وكان قد نصحها يوما ان تأتي وتقيم عندهم, ولكنها فضلت السفر الى الشام في دعوة من شقيقتها الاخرى لان منطقتها اصبحت في وضع مرعب, ووجدت في مغادرتها افضل الحلول المطروحة, ولكن لم تمض على مجيئها بضعة ايام,وها هي تقرر العودة دون التفكير بمخاطر الطريق, الخبر الذي سمعته اكبر من التفكير بحياتها.

- متى تأتين لقد هيئنا لك غرفة بعد يومين زفاف ابنتي ونرجو منك اشغال غرفتها كي لا نشعر بوحشتها.

تلك كانت دعوته قبل شهر, كان يتحايل عليها لغرض السكن معهم مقتنعا انه بمنأى عن الخطر. فهو رجل مسالم, ولم يتسبب بأي اذى حتى لمن جرحوه واغتصبوا حقوقه, فقد فوض امره لله. ولهذا لم يفكر بالخطر المحدق به, ولم يفكر بترك عمله حتى. فهو يعمل في مجال انساني, والمرضى الفقراء بحاجة له, ليكن قريب منهم والله الحافظ.

كانت قد ادت صلاة المغرب والعشاء في مسجد السيدة زينب كانت وهي تودعها تناشدها ان يكون لها من الصبر والقوة في مواجهة الموقف بمثل ما عندها.

اخذت تنظر الى الأفق وتساءلت مع نفسها ,أين سيقام العزاء؟ وهل ستتمكن من الوصول اليهم؟ هل ستتمكن من الذهاب اليهم غدا متصل في وقت متأخر؟ ماذا سيكون موقفها عندما تلتقي بهم ؟ اسئلة كثيرة طرحتها ولكنها باتت معلقة لا جواب لديها ولا حتى اتصال في هذه المنطقة .جسدها ونفسيتها المتعبة بحاجة الى الهدوء. وضعت رأسها بين المقعد وزجاج النافذة تحاول ان تختلس  غفوة بعد هذا اليوم المتعب .

 

 

ظلت عينها معلقة بمرقد السيدة زينب و كانت انوار المنائر تبعد عنها ,لم ترفع عينيها عن تلك القبة وتنهدت وتساءلت: اي ليلة مرت بك يا سيدتي وانت تشهدين مصرع اخويك واقرباؤك. لم اشعر بقوة مصابك قبل الآن, هل شهد ليل هذه الصحراء مرورك فيها؟ وكيف كنت وانت تسيرين مع اعداؤك؟ كيف تحملت تلك المأساة وانت ترين الرؤوس محمولة على  اسنة الرماح؟ كيف كنت وانت تحاولين اطفاء الهدوء على الاطفال وهم يبكون فزعا مما حصل, تلملمين شتاتهم بعد ان هجم عليك العسكر وحرق الخيام. ثم وهذا العليل كيف كنت تعينيه على  ركوب راحلته. وانت احوج من ان تعان على امرها .كم ليلة مرت بك في هذا الطريق  الموحش ,ثم ما كان موقفك وانت تواجهين الشامتين بقتل اخيك .عرفت عنك قلة الزاد في هذا الطريق فقد كنت تمنحين رغيف الخبز الذي يمنح لك في اليوم الى الاطفال لتسدي رمقهم من الجوع حتى بت لا تقوين على الصلاة وقوفاً من شدة الوهن والجوع والعطش في هذه الارض الجرداء .ويحاول محبوك مواساتك في ذكرى عاشوراء بالمسير الى مرقد اخويك ويوهبون الطعام على زوارهم لتعويض ما جرى عليكم, مواكب من النساء والرجال والاطفال تسير للمشاركة معك في المسير.

راحت في سكرتها وهي تناشد العقيلة وتتذكر ايام عاشوراء في مدينتها الأم .

 

الفجر يكشف المكان وهم في الحدود العراقية التي لا تستقبل المسافرين قبل الساعة السادسة صباحاً.

- ارجوك عجل الدخول للحدود فنحن في عجلة من امرنا .

هكذا ناشدت السائق  مترجية منه ان يأخذ دوره للدخول .

- تقدموا راجلين وسألحقكم بعد نصف ساعة تكونوا عندها قد اشرتم جوازاتكم .

اقتنع المسافرون وتقدموا وأنجزوا معاملاتهم ولكن السائق لم يأتِ. انتصف النهار وقاربت الساعة الثانية ,وأخيراً بانت الحافلة من بعيد ,وعندما اقتربت الى دور التفتيش .ترجت السائق ان تأخذ حقائبها وترحل مع اي حافلة متجهة, لكنه رفض. فقد كان يتخذ من المسافرين غطاء لتغطية البضاعة المجهولة التي يحملها .وحاول رجل الجمارك مساعدتها بعد ان شرحت له وضعها الخاص, ألا انه  شك في امر السائق واوقف حافلة اخرى وحول امتعتهم اليها واجبر السائق على دفع اجورهم فقد تم حجز السائق وبضاعته.

الطريق طويل وبالرغم من كون الوقت قد تجاوز منتصف النهار بأربع ساعات, في يوم قائظ في  تموز, الا ان اغلب القوافل قد غادرتهم , بسبب تأخرهم في الحدود وهذا ماجعل الطريق موحش.

تأملت الطريق, افي هذا الطريق مرت السبايا ,كانت تناشد العقيلة زينب :ليلة واحدة مرت علي خلتها دهرا ,كيف كانت ايامك تمر؟

,كيف تحملت اعداؤك وهم يرافقوك المسير ويضربوك وباقي النساء والاطفال بالسياط, شامتين مبتهجين بقتل بضعة المختار ,

اسير  في حافلة  مكيفة يظللني  سقفها, طليقة انام واتحرك واعمل ما اريد, وانت مقيدة ربما كنت تمشين او داخل الهودج متعبه مهمومة حزينة ,يقال انك اتخذت من ظل الناقة مكان تحتمين به في ذلك اليوم القائظ عندما كان اعداؤك يأخذون قيلولتهم .وان السيدة سكينة افترشت الرمل تحت ظل شجيرة في ذلك القيظ .

فقدت شخص واحد افقدني رشدي ,وانت فقدت أعزاءك,وكلهم في العراء محزوزي الرؤوس ,تسيرين ثابتة صابرة خفرة .

اتوقع بوصولي ان اجد من يعزيني ويستقبلني ,وانت لا تجدين من يواسيك ويستقبلك فقد تركوا هناك لا احد يكترث بهم ,بل كان ابن معاوية يقيم احتفالا بالنصر ,وقد جمع اشراف المدينة ليريهم ما فعل بمن خرج عليه, ومع ذلك واجهتيه بسوء فعله وخزيتيه امام جمعه عندما قلت له لقد فزتم بعارها وشنيارها فما جمعك الا بدد وما يوم الا عدد .وعرفتيه من يكن ومن انتم حتى انقلب عليه الموقف .

قطع افكارها  اللغط من المحيطين  وتوقف الحافلة ,ما الامر ؟

هناك عطل في الحافلة ونحن في مكان وموقف لا نحسد عليه .كان الليل قد غلف المكان وكان الخوف والقلق اكبر ,نادتها امثل هذه الظلمة مرت عليك في اول ليلة بعد استشهاد اخيك .نحن في مكان لا يسر حيث يختفي هنا امتداد من قتلكم .اناشدك كيف ناشدتي ابيك في تلك الليلة ,بحقكم عند ربكم,   نرجو مخرجا من موقفنا هذا .كانت الادعية والصلوات لا تفارق افواه المسافرين فهم ينتظرون معجزة تساعدهم على ان يجدوا مخرجا .

- هل من حاجة ؟قالها صاحب السيارة الصغيرة التي وقفت بجوارهم .ليركب معي احدكم ,في الجوار يمكنكم الحصول على حاجتكم  .

---------------

-الو اين اقيم العزاء ,فقد وصلنا لتونا والساعة قاربت منتصف الليل لا نستطيع المجيء

- هُجر شقيقه وسكن كربلاء واقيم العزاء في داره اتصلي بنا عند وصولك .

ــــــــــــــ

سعدية العبود

14-1-2012

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.