اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• الانقلاب الدموي الذي أرجع العراق لأكثر من 100 عام

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

مصطفى محمد غريب

مقالات اخرى للكاتب

   الانقلاب الدموي الذي أرجع العراق لأكثر من 100 عام

08/02/2011

ـــ1 ــــ

ليتذكر كل إنسان وطني إن انقلاب 8 شباط 1963 القاعدة الأولى للخراب والتخلف

لم يخطر ببالي أن أكتب عن انقلاب 8 شباط 1963 الدموي بهذه الطريقة لأنني وأكثرية من كتبوا في السابق عن هذه الجريمة بذلوا جهوداً كثيرة لتبيان الأسباب والنتائج وتكرار مفاصل ثورة 14 تموز 1958 وأسباب تعطيل مسيرتها وقد وصل الأمر بنا في الكثير من الأحيان إلى سرد الحوادث وذكر التواريخ والقوانين ثم الانعراج على تفاصيل الجريمة التي قال عنها أكثر من وطني مخلص أنها خُربت ودُمرت وتم إيقاف مسيرة 14 تموز المعلنة في الدستور المؤقت من خلال التآمر الداخلي والخارجي ( القوى القومية بضمنها حزب البعث والرجعية ) التي نسقت مع القوى الخارجية وبهذا صدر الحكم على أن الأصابع الأجنبية وبالأخص الأمريكية لعبت دوراً نشيطاً في نجاح الانقلاب وقدمت كذلك حليفاتها في المنطقة والجمهورية العربية (مصر) الدعم المادي والمعنوي.

الذين عاصروا ثورة 14 تموز 1958 والانقلاب المشؤوم يدركون الفروقات الفعلية بين عهدين، عهد وطني ثوري كان المفروض به أن ينتشل العراق وشعبه مما أصابه من تخلف وفقر وجهل وحجب للحريات المدنية ومن حلف بغداد.. الخ وبخاصة إذا أدركنا أن تعداد ساكنيه كان حوالي ( 7 ) ملايين نسمة ونسبة البطالة والفقر عالية وغير طبيعية ، وبلداً مثل وادي الرافدين وبحجم الثروات الطبيعية كان المفروض بالسبعة ملايين أن يمتلكوا على الأقل بيوتاً للسكن لكن من عاش تلك الفترة يتذكر أن أكثر 80% لا يمتلكون غرفة واحدة بل أن عشرات الآلاف كانوا يسكنون كعائلات في بيت واحد وعلى عدد الغرف كل عائلة لها غرفة تنام وتعد الطعام وتغتسل فيها مع انتشار واسع لمدن الصفيح وسعف النخيل والطين مثل (الشاكرية) في الكرخ / منطقة الوشاش (والميزرة ) في الرصافة/ غربي بغداد اللتان كان يقطنهما عشرات الآلاف من الفلاحين السابقين الهاربين من جحيم الإقطاع وخاصة من الجنوب والوسط والبعض من الكرد، ومع ذلك فان الناس استبشروا خيراً بالثورة ودعموها منذ اللحظات الأولى آملين تحسين ظروفهم المعيشية والسكنية لكن تلك المسيرة توقفت على أعتاب 1960 وبدأت المراوحة والتراجع ووضعت البلاد لقمة سائغة للبلع وبسهولة جداً فانتكست الثورة وأصبح الوضع متعكزا على قدم واحدة وغير سليم على الرغم من أننا لا نشك بوطنية الرجل عبد الكريم قاسم وتقشفه ونزاهته وزهده لكنه لم يكن يقظاً بل توجه بعد محاولة اغتياله من قبل قيادة حزب البعث العراقي لتحييد وضرب تلك القوى التي كانت تسانده وتدعمه وتقف بالضد من المؤامرات التي تحاك ضد الجمهورية الفتية، وبعد نجاح الانقلاب الأسود "هكذا سميّ بعد ذلك" بدلاً مما ادعت به الجبهة القومية العربية وفي مقدمتهم حزب البعث العراقي ومن تحالف معهم بأنها "عروس الثورات!!" التي قامت على جماجم العراقيين، فكان عهداً دموياً مظلماً أسس قاعدة للإرهاب والقتل والتخلف ومصادرة الحريات ونهب ثروات البلاد، أسس ثقافة العنف والقيم غير الإنسانية المبنية على التعسف والكراهية والتفرقة وجاهد في تشويه النفسية العراقية ببناء متخلف مشاد بالضغينة والشك والنميمة بالعنصرية والفاشية وأحط السبل اللاأخلاقية.

لم تبق القضية على تشخيص المرحلتين وإتباع معادلة تعداد السلبيات والايجابيات بل الذهاب أبعد والولوج في المستقبل وهناك من استنتج لكنه تراخى وهناك من عرف لكنه تراجع وهناك من رفض فتقوقع، المستقبل الذي كان متوقعاً لنتائج الانقلاب هي الحقبة ما بعد فشله الأول في 18 تشرين 1963 وقدوم عبد السلام عارف الشريك الأساسي والمسؤول عن إجهاض ثورة 14 تموز، ثم كانت من نتائجه عودة حزب العبث بالتحالف مع المخابرات الخارجية في 17 تموز 1968، الانقلاب المذكور دخل بثوب غير الثوب الأسود السابق فقادته وبنصائح غالية بدءوا خطاباً جديداً وأخفوا ما يضمرون حتى بالنسبة للبعض منهم ووضعوا أولى خطواتهم بإبعاد حلفاء لهم اعتمدوا عليهم في إنجاح الانقلاب، ولا بد التذكير أنهم قاموا بإجراءات وقرارات عديدة لا نريد ذكرها لكنها صفت بجانب التقدمية!! وبعد حوارات عديدة استطاعت قيادة الحزب المذكور أن تمنح كردستان العراق الحكم الذاتي في 11 آذار 1970 وبالاتفاق مع الحزب الديمقراطي الكردستاني ثم طرحت ميثاقاً لجبهة وطنية تقدمية هكذا أعلن عنها وتم التوقيع عليها مع الحزب الشيوعي العراقي وبدون أن نثبت أنهم كانوا غير أمينين في تحالفاتهم وهم معروفين حتى مع الذين يلبسون ثوبهم فإن الاستمرار بالتحالف كان خطأ أضر بالحركة الوطنية الديمقراطية وجعلها في موقف ضعيف بعدما وجدت نفسها أمام مغالطات وممارسات بعيدة عن ما ذكره ميثاق الجبهة ومع مرور الأيام القليلة ظهرت الاعتقالات والإعدامات والمحاصرات والمراقبات والضغط على غير المنتمين إلى حزب البعث في محلات السكن والدوائر وتحديد الجامعات الممنوعة على غير البعثيين ولا بد من التذكير أن صدام حسين وفي اجتماع مع كادر البعث المتقدم في بناية المجلس الوطني أكد أن عام 1980 هو عام تصفية الحزب الشيوعي العراقي* هذا القول نقله البعض ممن حضروا الاجتماع وقد رفع الخبر إلى قيادة الحزب الشيوعي العراقي، وكان لا بد الخروج منها قبل عام1977 وعدم السكوت منذ البداية عن ممارسات خرق الميثاق والتصدي لها لكن الرياح تسري بما لا تشتهي السفن فخروج الحزب الشيوعي العراقي إلى المعارضة وحمل السلاح سهل عملية الرؤيا الجديدة ونحن لسنا بصدد شرحها لكثرة ما كتب عنها وعن نتائجها.

 

ـــ 2 ـــ

لقد أستلم حزب البعث السلطة مرتين ففي المرة الأولى أشاع بشكل واسع ثقافة العنف والإرهاب بشقيه البوليس والحزبي لكنه سقط بيد من تحالف معه، وفي الثانية تشبث بالحكم بعدما اسقط جماعة النايف وداود في 30 تموز 1968 ومنذ الاستلام الأول اختلف الخطاب السياسي في الظاهر عن الأول لكن الحقيقة كانت البداية لدفع العراق إلى مستنقع جمهورية الرعب الذي قيل عنها ما قيل حتى من أقرب الكتاب المنتمين لحزبها ولها ،وتتوج هذا الانحدار في الاستلام الثاني للسلطة وبالذات بعدما استولى صدام حسين على مقاليد البلاد وأصبح رئيساً للجمهورية بعدما تنحى البكر مكرها عن الرئاسة، وقد أشيع أنه اغتيل من قبل صدام حسين الذي اعدم بدوره ثلة من قيادة الحزب وكوادره بحجة التآمر عليه، وهكذا بدأ عهداً جديداً يتماثل مع كل الردات العكسية في التاريخ ويتشابه مع أعتى الدكتاتوريات العنصرية والفاشية في التطبيق والممارسة وفق نظرية نظام الإزاحة وإنتاج ثقافة قهرية استبدادية جرى من خلالها تشويه التاريخ النضالي الوطني والسياسي لجميع القوى الديمقراطية فضلاً عن تأليه الفرد المطلق واعتباره امتداد تاريخي وتراثي مما خلق ثقافة تفرديه مطلقة في القرارات واعتبر أي رأي مخالف عدواً مطلقاً للفردية والدكتاتور الموصوف حتى بأسماء إلهية واكتمل الإنتاج الثقافي العنفي الجديد في القوانين التي صدرت وحددت شخصية التابع الجديد ورفضت أي فكرة تخالف التبعية غير المشروطة لحرية الفرد والمجتمع، كما أظهرت نتائج تلك الحروب الداخلية والخارجية الخاسرة وآخرها احتلال العراق بأنها امتداداً للسلطة المطلقة والفرد الدكتاتور.

إن تفحص الاستفسار ـــ ماذا سنجد إذا ما ألقينا نظرة صغيرة على ما حولنا الآن ؟ عندئذ نتأكد أن هذا الخراب الواسع والمستمر مرتبطاً اشد الارتباط بفلول النظام البعثصدامي الذين انقلبوا بقدر القرار إلى الانتماء للمنظمات الإرهابية والميليشيات الخاصة المسلحة، ولوجدنا أن العراق تأخر في مضمار التقدم والبناء البشري والمادي أكثر من مائة عام ويحتاج إلى الإصلاح الاجتماعي وبناء الأجيال القادمة إلى جهود مضنية لخلق عالماً نفسياً متجانساً نسبياً مع مفردات التسامح واللاعنف والوطنية فما فعلته الثقافة العنفية ومصادرة الحقوق لا يمكن إدراجه تحت أية تحليلات واستنتاجات إلا في مجال إلغاء الشخصية وفكرة التعامل مع الآخر وقد كانت هذه الثقافة وما زالت عاملاً رئيسياً في التوجه إلى مفردات القتل والخيانة والفساد العام خلقياً وأخلاقياً وهنا لا نتحدث عن بناء بناية أو مدرسة أو مستشفى أو تبليط شارع هذا البناء تكفله الإمكانيات المادية، أما إعادة بناء الفرد العراقي نفسياً سياسياً واجتماعياً وثقافياً عملية طويلة تحتاج إلى وقت إضافي غير قليل للعودة لما يسمى النظرة الايجابية للحاضر والماضي والمستقبل وهذا ما يحتاجه المجتمع العراقي كمجموعة من اجل التعاون والانسجام والسلم الاجتماعي والفرد العراقي كوحدة متماسكة نسبياً يستطيع المشاركة الواعية في تنفيذ واجباته وعدم التفريط بحقوقه لكنه وفي ظروف اشتداد السياسة المنفلتة وتعدد مصادر القرار والتحكم الحزبي والطائفي فإن هذه الشخصية تعيش جملة من التناقضات الداخلية وهي انعكاس للتناقضات الخارجية المشبعة بروح الفساد والتجاوزات على الحقوق ولو دققنا في التفاصيل لوجدنا أن حالة الاطمئنان والثقة مفقودان بسبب التشويهات القسرية التي أضيفت على حالة الفرد والمجتمع فوجدوا في شخصية رجل الدين السياسي حلاً وإن وقتياً للخلاص من القلق الموروث الذي زرعته سنين الدكتاتورية ذو النهج السادي المبني على العدمية،

إن التدمير المعنوي والمادي جعل العراق بلداً متخلفاً أريد له أن لا يواكب عجلة التطور ويبقى في مضمار المراوحة لتشويه الوعي الاجتماعي وهذا التدمير أرجعه إلى أكثر من 100 سنة إلى الوراء على الرغم من الفروقات المشوهة التي لازمته بعد الاحتلال والسقوط وهو مازال يعاني وبخاصة في الوضع الاجتماعي وتبني لغة العنف المزدوج والقسري وقد نراها في موقفين واضحين الأول ما يقوم به الإرهاب والميليشيات وكل من يقف بالضد من العملية السياسية والثاني البعض من مؤسسات السلطة التنفيذية ومجالس المحافظات ومحاولات فرض الأسلمة على المجتمع العراقي في سبيل إقامة الدولة الدينية بدلاً عن الدولة الديمقراطية.

لقد أسس انقلاب 8 شباط 1963 قاعدة جديدة من القهر والاستبداد تختلف عن سابقها وما مر على العراق منذ الاستيلاء على السلطة والتحكم في رقاب العراقيين لم يكتف بمدة زمنية سقوط البعض من رموزه بل تواصل القسر والقهر بإشكال مختلفة وعندما عاد مرة ثانية ليجدد قاعدته وليضع لها مخططات جديدة كانت تعشش في الفكر القومي الشوفيني المعادي للتقدم والديمقراطية ومعاداة الشيوعية التي كانت لا تفارق مخيلة العديد من قادته وفي مقدمتهم صدام حسين وفي تصوري أن هذا النهج لم يختلق اختلافاً كلياًعن السابق بل هو امتداد للقديم بمفردات وآليات جديدة، نهجاً جديداً في القسرية وتشويه الوعي الاجتماعي والتجاوز على خصوصية الفرد العراقي في التاريخ والتفكير والانتماء مما جعله على الرغم من قصر شهوره حوالي (9) أشهر في مصاف الأحزاب الفاشية والعنصرية التي اعتمدت الدم والعصا والطاعة في سياستها وأيدلوجيتها المعادية للتقدمية والديمقراطية، وما نراه من خراب اجتماعي وتدهور للقيم الأخلاقية واتساع ظاهرة العاهات الاجتماعية هو ثمرة ذلك النهج الذي تعزز وتطور بعد أن أصبح صدام حسين رئيساً للجمهورية ليبدأ عهداً أكثر عنفاً وتسلطاً، وبعد سقوطه انتقل ذلك العنف والوحشية في قتل المواطنين ليلعب دوراً ونهجاً لا يختلف عن تلك الأدوار التي حاولت أن تجعل من الشعب العراقي بجميع مكوناته قطيعاً جاهزاً للطاعة العمياء وللذبح.. وفي ما يسمى الوضع الجديد فقد ساعدت أحزاب الإسلام السياسي الطائفية تعميق الهوة وتوسيع ممارسة العنف فضلاً عما تمارسه القوى الإرهابية ومافيا العمل السياسي، فالخراب الاجتماعي ما زال يدب في جسد المجتمع على قاعدة تغييب دور الفرد في التفكير الحر وجعل الفكر الجماعي ينساق خلف شعارات طائفية تجددت وفق منظور ديني حاول مزج القديم بالجديد ليخرج بحصيلة الطاعة العمياء للشعارات الطائفية المرتدية شعارات الإسلام السياسي ولهذا تحتاج القوى التنويرية التقدمية إلى تجديد آلياتها ومفرداتها وخطاباتها وعملها بين الجماهير لإعادة البناء النفسي والاجتماعي وهي عملية نضالية يومية يجب أن تبذل فيها جهوداً استثنائية وفترة زمنية طويلة نسبياً لأن بناء الإنسان الجديد ليس كبناء عمارة أو أي مرفق آخر، كما يحتاج إلى عقول نيرة وليست ظلامية تحاول إعادة البناء بشكل معْوج ومغلوط لا يختلف عما سبقه مع أسس جديدة من العنف وإلغاء الآخر ومصادرة الحريات المدنية بالتعكز على الدين والطائفية بديلاً عن نظرية الحزب الواحد والفرد المؤله الذي من حصيلته ونتائجه هذا التدهور المخفي والمنظور والذي هو ليس الوليد لسنوات ما بعد السقوط والاحتلال فحسب بل في تلك الدكتاتورية الفردية المطلقة

ليتذكر كل إنسان وطني إن انقلاب 8 شباط 1963 كان محطة أولية في بداية انتكاسة العراق سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ولولاه وما ترتب بعده إلى حد هذا التاريخ لما وصل العراق ولا الشعب العراقي إلى هذه الحالة من الخراب والدمار المادي والنفسي والمعنوي.

 

*نقل لي احد أصدقاء الطفولة الذي كان في الاجتماع المذكور اعلاه وكانت ثقته بي شبه مطلقة أن صدام حسين قال لهم بالحرف الواحد " إن عام 1980 سيشهد حل وانتهاء الحزب الشيوعي العراقي"، كما اخبرني صديق آخر محذراً أواخر 1978 "يمعود شنو جبهة شنو بطيخ تره هناك مخطط جبير كلش، شوف اشراح ايسوون بالشيوعيين بعد فترة همَ نايمين ورجليهم بالشمس" بالعربي سوف يشاهدون ماذا سيفعلون بهم بعد فترة " ورجليهم في الشمس تعني غافلين ونائمين وأقدامهم تحرقها الشمس.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.