اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

النص بين قلق المنفى وطمأنينة الوطن -//- د. سناء الشعلان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرا ايضا للكاتبة

النص بين قلق المنفى وطمأنينة الوطن

د. سناء الشعلان

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عندما نتكلم عن المنفى والوطن، فإننا لانتحدّث عن مكان وجغرافيا في أبعاد زمانية وتجارب شخصية أو جمعية وحسب، بل إنّ هذا الحديث الجدلي يستدعي الكثير من الرموز والإسقاطات والتجلّيات والأبعاد والحيثيات والتجارب والمكابدات والرؤى والتشكيلات والمشاهد العامة والخاصة. وفي هذا الشأن يغدو الوطن هو المعادل الموضوعي لكلّ قيم الأمن والطمأنينة والتحقّق ومعطيات تشكيل الذات، وتقديرها، وإرضائها، وتوفير متطلباتها الأساسية والثانوية، بل يغدو كلّ ذلك هو المعادل للوطن، أو هو الوطن ذاته بكثير من المعاني، وفي إزاء ذات يقدّم القلق والخوف والظلم والحرمان والتشظّي وغيرها من تجليات الضياع والفقد والظمأ معادلاً حقيقياً للشعور بالنفي والإقصاء والبعاد عن أرضية ثابتة للانتماء والتجذّر الذي يعزّر شعور الإنسان الطبيعي بالحماية والعون والدعم والحبّ الذي لايستطيع أن يحيا الإنسان دونه مهما أدّعى عدم حاجته إليه.

وفي هذا السياق نستطيع أن ندّعي أنّ الوطن ليس فقط جغرافيا بل هو منظومة كاملة من تلبيات الحاجات النفسية والجسدية والعقلية والروحية، ولذلك نستطيع أن نفهم معنى التنكّر للوطن بقيمته الجغرافية عندما يحرمنا من هذه الحاجات والقيم، فنجد الكثير يكفرون بوطنهم عندما يجوّعهم ويظلمهم ويقصيهم، ويعاملهم معاملة الغرباء والملفوظين والمغضوب عليهم، عندها يهجرونه غير آسفين عليه، ويقصدون أوطاناً أخرى بديلة تؤمن لهم اللقمة والكرامة والاحتضان والعدل والحرية التي حرموا فيها  في أوطانهم، فيسهل عليهم عندئذ أن يخلعوا الماضي بما فيها الجغرافيا المسماة وطناً من قلوبهم وذاكراتهم، ليحلّوا محلّها أوطانهم الجديدة التي أغدقت عليهم بما حرموا منه.

وقد يبقى المرء في وطنه المزعوم رغم أنفه لاعتبارات كثيرة، وهو يبادله الحق والغضب والجحود والإقصاء، فيقبع في أسير نفسه وعزلته، فيعيش غربة المنفى والاغتراب، ومرارته، ووحدته، وحيرته، وهو يعيش في مفارقة غريبة تمزّق نياط قلبه، وهي مفارقة أن تكون في الوطن، ولايكون فيك، فيكون حيئنذٍ سجناً كبيراً الإقامة فيه إجبارية حتى يتسنّى الهروب منه، وقد لا يتسنّى ذلك، فيبقى المرء عندئذ سجين معاناة  عجيبة، تجعله يرضخ لألم غير مبرر الوقوع في حقه.

وتكون المصيبة أعظم وقعاً على نفس الإنسان أو المواطن المزعوم عندما يكون مبدعاً؛ لأنّه في هذه الحالة يكون أكثر شعوراً بالحاجة إلى متطلبات الوطن الحقيقي مثل الأمن والانتماء والعدل والحبّ، وفي الوقت نفسه الأكثر تأثراً وتألمّاً لفقدانها أو فقدان بعضها، وهو المفطور على حبّ كلّ قيم الجمال؛ لأنّها هي المعين الصافي والحقيقي والوحيد لنفس المبدع، وبخلافها ينشأ مكلوماً مجروحاً، لا يفارقه نزيف خفي يصبغ كلّ ما ينتج بنقص كبير اسمه الغربة في الوطن.

ولذلك نجد المبدع الغريب في وطنه أكثر حرقة، وأشدّ ألماً، وأكثر سوداوية، وأعظم ميلاً إلى فضح عورات الوطن ومثالبه ومخازيه من ذلك الذي يعيش في الغربة الجغرافية الحقيقية بعيداً عن الوطن أكان في هجرة أو بعاد اختياري أم قسري؛ لأنّه بكلّ بساطة يعيش مسجوناً في ألمين: وهما ألما الغربة والألم من الغربة في الوطن.

وفي هذا الشأن ليس من الصعب أن نورد مئات الأمثلة للمبدعين الذين ألهبوا أنفسنا، بل وأحرقوا أكبادنا بفنون وإبداعات تشعل حرائق صمتنا إزاء غربة عاشوها في أوطانهم، فأورثتهم لوعة وحقداً وألماً لا يرحل في مواجهة ظلم تزداد وطأته على النّفس؛ لأنّه من أهل القربى، المفطورة النفس على حبّهم وحنانهم، لا على غدرهم وتنكرهم وجحودهم، ولعلّ الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد قد صوّر هذه الغربة البشعة في قوله:

وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهنّد

الغربة محرقة، ولكنّها عندما تكون في الوطن، ويعيش المبدع الحاجة والخوف والفاقة واللانتماء في وطنه، فأنّه يعرف على استحياء  معنى الغربة، وينجزّ كل إبداعه الذي ينمو بتقبّضات الخذلان على حساب تجربة المنفى في الروح والذات والنفس.بالخلاصة قد ينكر المبدع هذه الغربة لكلّ الدوافع الضاغطة، ولكنّ نصّه يأبى إلاّ البوح، ويفضح بكلّ تواطؤ وصدق وشفافية معنى الغربة في الوطن.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.