اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• البرابرة - صفحة 2

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

(6)

لن آخذَكِ معي على الطريقِ الطويلةِ يا ابنتي

طريقُ البرابرةْ

ةِ

طريقٌ لها نهايةٌ ككل طريق

ليست ككل نهاية

خوفًا عليكِ من الوقوع في اللُّجة

ةِ

التي وقعت فيها

خوفًا عليكِ من التحليقِ في فضاءِ السقوط

دون أن يلتفتَ إليكِ أحد

خوفًا عليكِ من قطفِ زنابق الموت

لتضعيها على قبري

كلُّ هذا مغامرةٌ أنت لا تقدرين عليها

مغامرةٌ بلا عاقبة

دَوامةٌ تجرفُ الناسَ والأحلام

وأحذيةَ البرابرة

وأوهامَ ماركس

وأقراطَك التي لم تشتريها

تجرفُ السفنَ والأيام

ولياليَ بغداد

وفساتينَكِ التي لم ترتديها

تجرفُ كلَّ ما يقبعُ هناك

من سخريةِ قدرٍ ليست متوقعة

تجرفُ حنينَ البرابرةِ إلى عناءِ النفوس

لمّا يترُكُكِ المرءُ وحيدة

لا أحدٌ يسألُ عنكِ

حتى ظلُّكِ لا يسألُ عنكِ

حتى الغبارُ على نعلِكِ

لا يسألُ عنكِ

حتى قطعةُ الجبنِ التي تتركينها لقطتِكِ

لا تسألُ عنكِ

حتى موزعُ البريدْ

دِ

لا يسألُ عنكِ

حتى الصورُ التي لكِ في الفيسبوكَ

لا تسألُ عنكِ

حتى أصابعُكِ المارةُ أمامَ عينيكِ

لا تسألُ عنكِ

الكلُّ لا يسألُ عنكِ إلا بربريةُ الكلمات

يَحْدَبُ عليكِ البرابرةُ على طريقتهم

فتشعرينَ فجأةً أنكِ شيئًا موجودا

شيئًا يتنفسُ الهواء

ليواصلَ الحزنُ على نفسِهِ دون أن يكون ذلك حزنا

وإنما الشعورُ بالانتهاءْ

ءِ

الدائم

وتواصلينَ العيشَ يا ابنتي

ليس كما تريدين

ولكن

كما يريدُ البرابرة

كما يريدُ المحتفِلُ بموتِهِ القادم

تحاولينَ أن توقفي كلَّ شيء

كيلا يمضي الأمرُ سريعا

تحاولينَ أن توقفي الليل

كيلا يتجاوزَ منتصفه

فتكتبينَ قصةً كما يحبُّ البرابرة

قصةً طويلة

لن تكمليها

كيلا يطلعَ النهارْ

في الطريقِ أقدامٌ يا ابنتي

لا أجساد لها

أقدامٌ ليست بربرية

وعلى النوافذِ أثداءْ

ءٌ

لا صدور لها

أثداءٌ ليست بربرية

وبين صفوفِ السياراتِ شفاهْ

هٌ

لا أفواه لها

شفاهٌ ليست بربرية

كل هذا لأنك غاضبةٌ مني غضبَ البرابرة

لماذا تركتُكِ وحدَكِ في بحرِ الوقت

وأنت لم تكبري بعدُ مع الحيتان؟

لم يكن ذنبُكِ ألا تعرفي كيف ترتدين الموج

لم يكن حبُّكِ لأبيكِ كافيا

لم يكن ندمي ندمَ أسماكِ القرشْ

شِ

على الماضي

فلم أكن مَلِكَا

لهذا تعلمي الندمَ قبلَ فواتِ الأوان

وصيري للمكانِ وردة

يسحقُهَا البرابرةُ بأقدامهم دون أن يعلموا

ثم يندمون

 

(7)

هذا العالمُ الآليُّ سأدخُلُهُ معكِ يا ابنتي

فلا تخافي

سأقضمُ التفاحةَ الآليةَ عنكِ

فلا تتكسرُ أسنانُكِ

وأرتدي فستانَكِ الآليَّ بدلكِ

فلا تتوجعُ أحلامُكِ

وأتركُ حذاءَكِ الآليَّ لظلكِ

فلا تتتالى آفاقُكِ

في حضارةِ البرابرةْ

البحيراتُ لم تقبلْكِ لها أميرة

ةً

وكلُّ الإوزاتِ العراقيةِ آلية

ولا الجبالُ حبيبةً لوشاحها الأزرق

وكلُّ النسورِ آلية

ولا السهولُ فصلاً من فصولها

وكلُّ شقائقِ النعمان آلية

ما العملُ إذن من أجلِ بسمةِ الصباحِ على ثغرِكِ؟

هل أذهب بها إلى فترينة في الشانزلزيه؟

كل الأشياءِ في الفترينات آلية

هل أخبئها بين كفي نافورةٍ في ساحةِ شاتليه؟

كل تماثيلِ الماءِ آلية

هل أتركها في الأوبرا بين مسرحياتِ موليير؟

كل الأقنعةِ آلية

سأحبَُ امرأةً أخرى غيرَ أمكِ

امرأةً آلية

كي أفهمَ معنى الزمنِ الآليِّ في التقويمِ البربريّ

سأغتصبُ ابنتها كي أعيدَ لها إنسانيتها

سأقتلُ زوجها كي أحررَهُ منَ التكنولوجيا

سأسرقُ لوحةً من لوحاتِ اللوفرَ كي أُذكّرَ الناسَ أن هناك متحفًا ليس آليا

سأعترضُ طريقَ الرئيسِ وهو ذاهبٌ إلى الإليزيه كي أكونَ السجينَ الوحيدَ في عكا

سأقودُ مظاهرةً لكلِّ الرجالِ الآليينَ كي يصعدَ القمرُ ليلا

سأجعلُ من عاهرةِ رفضت النومَ مع محركِ رولس رويس عاشقةً كي تموتَ كلُّ الملكاتِ حسدا

الزنابقُ الآليةُ تتكلمُ كلَّ اللغات

إلا لغتَكِ

الطيورُ الآليةُ تقومُ بكلِّ الصلوات 

إلا صلاتَكِ

الثعابينُ الآليةُ تغني كلَّ الأغنيات

إلا أغنيتَكِ

هل تذكرينَ "الغدَ" لما غدوتِ لغةَ الزنابق في الهند

ولم يفهمْكِ المَهراجات؟

لما قمتِ بصلاةٍ للغجرِ في ميامي

ولم تفهمْكِ أثوابُ السباحة الحمراء ذاتُ القطعتين للشقراوات؟

لما غنيتِ وحدَكِ دون المغنينَ الآليينَ في كنيسةِ القيامة

ولم تطرب لك مريم؟

حتى اللهُ في القدس آليٌّ في زمنِ البرابرة

فلنستسلمْ إذن لعدمِ البراءة

ونجعلْ من البرتقالِ الآليِّ متعةَ يافا

لندفعْ عدمَ الحياءِ في أحضانِ من توسوسُ لهمُ الملائكة

في فنادقِ الدرجةِ الأولى

ونمنعْ شجرَ السرو الآليّ في حدائق نيويورك من الغيرة

لنعرضْ عدمَ العدم

ونُعِدْ للمحرابِ الآليِّ الحياةَ في قصصِ الرذيلة

لم يَفُتِ الوقتُ بعدُ وأنتِ لما تزالينَ يا ابنتي صغيرة

والعالمُ الآليُّ عالمُ اليومِ لم يصبحْ

عالمَكِ غدا

سأُبْعِدُ الغدَ عن طرقِ بابِكِ عندَ منتصفِ الليل

وأقاومُ رغبتي في النوم

لكني لن أصمُدَ طويلا

أمام رغباتِكِ البربرية

رغباتِكِ الآلية

 

(8)

كَبِرْتِ دون إرادتي يا ابنتي

وإرادةِ البرابرة

لم تتمردي لتكبري

لكنكِ كَبِرْتِ

لم تحرقي الدُمى لتكبري

لكنكِ كَبِرْتِ

لم تتعلمي العشق لتكبري

لكنكِ كَبِرْتِ

الأوتوسترادات ملأى بالسياراتِ الذاهبةِ إلى باريس

ولا تكبرُ صفوفُهَا

أبوابُ باريسَ مفتوحةٌ دوما

هل نسافرُ في رحلةٍ للعمرِ تمضي بحديقةِ اللكسمبورغ؟

لم تبحثي عني وأنت في الحيِّ اللاتيني

العيونُ البربريةُ لم تعد تخيفكِ

عيونُ الماءِ في النوافير لم تزل تخيفني

لن أجلسَ على مَقْعَدٍ قربها

سأصعد شارع سان ميشيل لأني لم أزل أحبُّكِ

العيونُ البربريةُ لم تعد تستفزُّكِ

اللوحاتُ في قاعاتِ السوربون لا أحد ينظر إليها

ومنَ الكتبِ تتصاعدُ رائحةُ الحرائقِ التي أشعلها هيغو في القصص

رائحةٌ تذكرني بوادِ الباذان

يوم كنا نحرق قرب مائه أعشابَ الحيرة

حيرةُ ابنٍ كان

واليومَ

حيرةُ أبٍ يجهلُ كيفَ يسيطرُ عليها

ومنَ الكتبِ تتصاعدُ رائحةٌ أخرى

بربرية

رائحةُ كلِّ ملوكِ فرنسا

بينما مراهقٌ أعمى يمارسُ العادةَ السرية

على مقربةٍ منكِ

ويرى فخذَ ماري-أنطوانيت

العارية

الخالقة

الملهمة

المدمرة

كان بربريًا دون أن يعلم

الرجال هم هكذا قبل أن يصبحوا رجالا

الغثيانُ له طعمٌ آخر

طعمُ التوتِ المدمى

والنبيذِ الحامزِ بعدَ قبلةٍ مغتصبة

لا تقولي عني شيئًا لجان-بول سارتر

فهو لا يعرفني

اجعليني شكوى دائمة

لتفهمي

كلَّ أسبابي

لماذا لم أكن أبًا ككلِّ الآباء

لما تكون الكتبُ كلَّ أبنائي؟

اصنعي مني قلمًا بربريا

فأنجحُ في وصفِ كلِّ شهواتِكِ القادمة

التي لن أعرفها كلَّها أبدا

كلَّ فساتينِكِ

كلَّ جواربِكِ

كلَّ مناديلِكِ التي من ورق والأخرى المضمخةِ بالعطر

كلَّ معاطفِكِ

تلك التي يتنافس عليها الجانحون في عربات المترو

هل تذكرين ذلك البربريَّ الأسودَ الذي تبعكِ حتى أعتابِ القمرِ هو وفينوسُ جانحةٌ مثلُهُ وهددكِ بسكينٍ كان الدمُ سيقطر منه لو لم تخلعي معطفَكِ الجديدَ وتعطيه إياه؟

كان يريد أن يُدفئ إفريقياهُ السوداءَ فاعذريه

وأن يجعل منك نَجمةً في سمائها

يا نَجمتي الدائمة الضوء يا ابنتي

يتعذر عليّ البكاءُ في حضنكِ

لأني أريد أن أكون أبًا بربريَ القلب

أبًا ليس عاديا

لن أتركَكِ تقعين في شباكِ مجنونٍ كلُّ باريسَ في رأسِهِ علبةُ ليل

لن أجعلَ منه زكامَكِ

فالشتاءُ طويلٌ تحت قناطرِ السين

لن أقاومَ سطوتَهُ على جحيمي من أجلك

فأدرأَ عنكِ الخطرَ المحدقَ بالظباء

البرية

هناك على أكفِّ ساحاتِ وطنٍ ضائع

كلُّ شيءٍ فيه متعةٌ للبربرية

كلُّ شيء

كلُّ شيء

كلُّ شيءٍ فيه إشارةٌ ليست مفهمومةً نحو السماء

ربما كانت حركةً من حركاتكِ

عندما تغضبين مني

ولا أعرفُ لماذا

 

(9)

هذه إصبعُكِ يا ابنتي

لما كنتِ صغيرة

وهذه ساعدُكِ

وهذه ساقُكِ

وهذه قدمُكِ دون جورب

في لوحةِ الموت

دفنتُكِ في ذاكرتي

فلا تحزني عليكِ

واغفري لي هذا الفعلَ البربريّ

أنا لا أحتملُ عنفَ الصورِ البريئة

جحيمَها الدائم

وردَها الذي لا يذبل

صراخَها في الليل

من الخطأِ ألا أكونَ كالغير

ألا أجمعَ الصورَ في ألبوم الأيام

فيقضي الزمنُ على البراءة

وعلى غيرِ البراءة

ويجعلُ من الذاتِ ذاكرةً للغبار

هذه أشلاؤكِ يا ابنتي

لما كنتِ صغيرة

في مزهريةِ الأحزان

لن أتركَهَا وحيدة

لأني سأكون مرة واحدة في العمر أبًا مسئولا

يأكلُ الشوكولاطة معها

ثم يبتسم

ويغمضُ عينيه

لن أفكرَ في إعلاناتِ المترو بعدها

لن أفكرَ في وطنٍ ضاع

لن أفكرَ في بلدٍ كانَ أو سيكون

بلدٍ خراء

لن أقولَ

أَحِنُّ إلى قهوةِ أمي

لن أصرخَ

أنا عربي

لن أَعْبُرَ كما عَبَرَ غيري في الكلام

كلُّ هذا متعةٌ للبرابرة

وأنا لم أكن يومًا بربريا

أنا السأم

وطعمُ التوتِ المدمى

والنبيذُ الحامزُ بعدَ قبلةٍ مغتصبة

أنا التقزز

أنا الغثيان

 

منتصف الليل 2008.06.11

 

* القصيدة الأولى من ديوان "البرابرة" لأفنان القاسم 2008-2010

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.