اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

روزاليندا مايلز تصحح سجلات التاريخ عبر كتاب "من طبخت العشاء الاخير؟// عرض حنان اويشا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عرض حنان اويشا

 

روزاليندا مايلز تصحح سجلات التاريخ عبر كتاب

" من طبخت العشاء الاخير؟ تاريخ العالم كما ترويه النساء "

عرض حنان اويشا

 

عنوان أختير بحنكة وذكاء يذهب به القارىء عند الوهلة الاولى بصلته بالعشاء الاخير للسيد المسيح وتلاميذه، وان الكتاب يبحث في مسألة من طبخ ذلك العشاء، غير ان نص الكتاب بعيد في جوهره عن ذلك، واستخدمته الكاتبة فقط لتقريب الصورة لما تود مناقشته عن تهميش الدور الكبير للنساء منذ عصور ما قبل التاريخ ولحد الان، باستثناء تلميح عابر في أول سطرين من مقدمة الكتاب، تقول فيها "أن التاريخ وكل شيء آخر في هذا العالم مساحة ذكورية محضة، ولو كان طباخ العشاء رجلاً، لخُصص له يوم بين أعياد القديسين، ولأصبح شفيع الطهاة المؤمنين لكن النسوة اللواتي جهزن ذلك العشاء أُزحن إلى هامش التاريخ، ولم يسمع بهن مطلقاً".

 

 بدايات تبلور فكرة الكتاب

تقول مايلز "النساء اللواتي حَفظت كتبّ التاريخ أسماءهن نادرات... أين الأخريات؟! إنه سؤالٌّ ملحُ رفض أن يفارقني، ولذلك كتبت "من طبخت العشاء الاخير؟". في محاولة للأجابة عليه، على الاقل بالنسبة لي. نقطة انطلاقي كانت سؤال غيبون (مؤرخ الامبراطورية الرومانية الشهير) الذي لايقبل المساومة: » ما هو التاريخ؟ "إنه أقرب إلى سجل عن جرائم الرجال، وأخطائهم، ومصائبهم". أغراني التحدي، وأخيراُ "أعلنتُ بشجاعة، » اليدّ التي تهزَ المهدْ ، أمسكت في التاريخ كي تصحح السجلاّت: هناك نساء في التاريخ ايضاً، بتلك الكلمات الشُجاعة صدرت النسخة الاولى من الكتاب بثقة اكبر مما شعرت به في الحقيقة. لانني لم اعرف كيف سيستقبله القراء ، لكن كما أتضح لي ، لم أكن الوحيدة التي يؤرقها غياب النساء عن كتب التاريخ "

 

في معرض حديث الكاتبة عن ردود الافعال التي تلقتها من قبل القراء خصوصاً النساء تشير الى انها كانت مذهلة فقد لامس الكتاب العقول والقلوب في جميع انحاء العالم وتذكر مجموعة من الامثلة على تلك الردود ومنها: عندما اخبرتها طبيبة نفسية ان إحدى مريضاتها جاءت وهي تحتضن نسخة من كتابي ، فتحته على الاهداء ( الى كل نساء العالم اللواتي لم يكن لهن تاريخ ) وأعلنت بغضب "انها أنا .. هذه قصتي" هذه الملامسة لروح القارىء هي دليل آخر على نجاح الكتاب الذي بيع منه ملايين النسخ وترجم الى أكثر من ثلاثين لغة من لغات العالم .

 

تاريخ النساء ، لماذا ؟

تجيب الكاتبة في زاوية اخرى، لماذا تكتبين عن تاريخ النساء بالمطلق؟ ألم يتقاسم الرجال والنساء العالم دوماً ، وأختبروا معاً حسناته وسيئاته؟

 

وهنا تجيبب: أن الاعتقاد السائد هو ان الجنسين عانيا الظروف نفسها على حد سواء.. لكن النساء يتحملن حصة إضافية من الألم والتعاسة مهما كانت الظروف، فمثلاً، كان من حق الفلاح الذكر مهما عانى من القمع الغاشم، ان يضرب زوجته، كما شهدت معاناة المرأة في اوروبا الشرقية التي مزقتها الحروب: الذكور قاتلوا وماتوا، لكن الاغتصاب الجماعي الممنهج، المترافق غالباً مع التعذيب ذاته الذي يتلقاه الرجل وينتهي بالموت، كان مصيراً عانت منه النساء فقط .

 

فكرة الكتاب قائمة على تساؤل ملح، لماذا غابت النساء عن كتب التاريخ؟ ، رغم ان دورها في حياة البشرية واستمراريتها كان عظيماً وفاق في مراحل حياتية عدة ماكان يقوم به الرجل، فبصمتها الجينية كانت الاولى وما حققته في بناء الانسان من خلال الاعمال التي أدتها وحافظت بها على استمرارية النوع البشري كان واضحاً.   

 

يهيمن الرجال على التاريخ لأنهم يكتبونه. وهم عمدوا بقصدٍ أو بحكم مرجعياتهم الأيديولوجية إلى تجاهل المساهمة الحيوية للمرأة في تشكيل العالم أو التهوين من شأنها.

 

والمؤرخون لم يبدأوا بدراسة التجربة التاريخية لكل من الرجال والنساء بشكل منفصل الا في عصرنا الحالي فقط، وعندها ادركوا ان مصلحة النساء تضاربت مع مصالح الرجال خلال الجزء الاكبر من ذلك التاريخ، وان الرجال عارضوا اهتمامات النساء ولم يمنحوهن تلقائيا الحقوق والحريات التي حصلوا هم عليها وبالتالي اصبح التقدم (خاصا بالرجل فقط) فعندما يركز التاريخ حصرياً على نصف الجنس البشري فقط لا غير، تضيع الحقائق والحلول البديلة .

 

لذلك فقد أنتفضت الكاتبة لذلك الغبن الحاصل بحق النساء لتضع الامور في مسارها الصحيح بتوليها كتابة تاريخ آخر للعالم .. تاريخ لايرضخ للافكار السائدة ولا لما فرضته المعتقدات عبر تحولاتها العديدة لتأخذ المرأة المكانة اللائقة بها في قصة حياة البشرية . 

 

أجزاء الكتاب

الكتاب مقسم الى أربعة أجزاء ولكل جزء عنوان منفرد ويرافقه اقوال لشخصيات معروفة في الثقافة والفن والادب.. فقد جاء الجزء الاول تحت عنوان (في البداية) تستهله الكاتبة بمقولة لجيردا ليرنر تقول فيها (المفتاح لفهم تاريخ النساء ، هو قبول انه تاريخ غالبية الجنس البشري ، مهما كان ذلك مؤلماً)

 

(المرأة الاولى)

* بدايات قصة الجنس البشري مع الانثى حاملة الكروموسومات البشرية الاصلية، والدور المحوري للنساء في تطورها اعتماداً على حقائق علمية غير قابلة للدحض، فهي من حافظت على الجماعات البشرية الأولى بجمع الغذاء والمساعدة في الصيد كما إطلاق الزخم لتطوير التكنولوجيات البدائية الأولى؛ العصي للحفر، والحجارة لتقطيع الطعام، واللفافات لحمل الأطفال الرضع، كما اللغة والمعارف الأولى، كالتقويم القمري المرتبط بقياس دورات الحيض. لتشير  الكاتبة بأن كل ذلك هو صورة حقيقية للدور الذي لعبته المرأة الاولى والتي تختلف جذرياً عن صورة "خليلة الصياد" النمطية التي ترسم كائنا باهتاً خاملاً يجلس بالقرب من النار في الكهف .

 

 (الالهة الكبرى)

* في البداية عندما خرجت البشرية من ظلمات ما قبل التاريخ، كان الله امرأة ويالها من أمرأة.. السومريون اللذين استوطنوا العراق الحالي عبدوها ومجدوها بتسابيح جريئة ، ومجدوا خيرات الطبيعة التي تسكبها من رحمها بسخاء، ليس هذا وحسب وانما تغنوا بغضبها الساحق وبجلوه، فاعتبرت الكاهنة الكبرى إنخدوانا الالهة الكبرى واضافة الى تمتعها بسلطة مؤقتة باعتبارها ابنة سرجون الاول لكن سلطتها الحقيقية مستمدة من كونها (كاهنة القمر) الكبرى التي تمثل الالهة الاسمى.

 

(سقوط النساء)

هو ما يتناول في الجزء الثاني من الكتاب مستهل بتساؤل إدوارد كاربنتر (هل جعل الرجل المرأة عبدتهُ طيلة قرون عديدة بدافع الانتقام؟) .

 (الاله ـ الاب) كيف تحولت الالوهية الى الرجل وأسباب سقوط المرأة.. وكيف جُوردت من حقها باختيار زوجها، وحرمانها من الامان ضمن الزواج، وبقائها حبيسة منزل الزوجية وكيف أصبحت ضحية للقوانين التي سميت بـ (الشرائع الالهية) وفي النهاية لم تحرم المرأة من حقوق الانسان فحسب، لا بل ومن انسانيتها ايضاً . 

 

(الهيمنة والمهيمن)

هو الجزء الثالث مستهل بقصة قصيرة بعنوان نعمة زوجية لـشارلوت جيلمان يقول فيها:

أوه ، تعالي وكوني زوجتي! قال النسر للدجاجة

أحب ان أحلق في الاعالي ، لكنني

أريد ان تبقى زوجتي للأبد في العش

قالت الدجاجة : لا أستطيع الطيران

ولا أرغب بتجربته

لكنني سأفرح لرؤية زوجي يحلق في السماء !

تزوجا، وصاحا : هذا هو الحب ! حبي !

وجلست الدجاجة ، بينما حلق النسر وحده

 

كرس هذا الجزء من الكتاب للدور الكبير الذي مارسنه النساء خلال الثورة الصناعية وما خلفته من واقع عالمي جديد وبالطبع تأثيراته على حياة النساء وكيف فاقم من معاناتها حيث تقول الكاتبة في نهاية هذا الجزء :

 

كل ثورة هي ثورة فكرية بالضرورة ، لكن الابتكار لا يكافيء الاصلاح.. فثورات القرن الثامن عشر التي يختلف بعضها عن بعض اختلافاً جذرياً في عدد من التفاصيل ، تشترك كلها بحقيقة بسيطة: كل منها كانت ثورة لفئة محددة لا لكل الناس جميعهم ، كما انها أطاحت ببعض الافكار فقط لا غير ، من بين المفاهيم التي نجت ، كانت تلك الراسخة التي تنادي بتفوق الرجال الطبيعي على النساء .  

 

(انقلاب التيار)

الجزء الاخير من الكتاب ويبدأ بمقولة جورج برنادشو (جلست أتامل الرجال جميعهم في تشارتر هاوس) وتساءلتُ: لما ليس النساء جميعهن؟

 

وفي هذا الجزء تلقي الكاتبة الضوء على بدايات ظهور الثورة الفكرية النسوية وبدايات مطالبتها بحقوقها الانسانية، وذلك من خلال قصة فتاة صغيرة تعرضت لمصاعب في حياتها بسبب رجل. وكان ذلك دافعاً لها لتأليف أحد أهم كتب النقد النسوي وهو (الدفاع عن حقوق المرأة) ونقطة انطلاقها كانت غضبها الشديد من طغيان الرجل على المرأة . لتتوالى الكاتبة في سردها حتى ظفر النساء بحق الاقتراع الذي أعتبر جوهرة التاج والرمز الرئيس لنضالها من اجل حقوقها.

 

من طبخت العشاء الاخير" كتاب يتصدى لذلك القصور التاريخي الواضح الذي ظل بعيداً عن التقييم والدراسة بالشكل الذي يستحقه، يناقش الحيف الواقع بحق عنصر أساسي من عناصر بناء حياة البشرية وحضاراتها .. النساء اللواتي لم ينصفهن لا التاريخ ولا الحاضر، ليبقى المستقبل مرهون بأرادة الرجال والنساء في تحطيم تلك الافكار البالية والمتحجرة التي فرضتها المعتقدات والتقاليد والاعراف وما انتجته من خلال التنشئة والتعليم من مجتمعات قاصرة وتراكمات اجتماعية ثقيلة تقف عائقا أمام الارتقاء بالانسان وعالمه .          

 

عن المؤلفة

روزاليند مايلز كاتبة بريطانية ولدت عام 1943 ، وتحمل خمسُ شهادات ماجستير وشهادة دكتوراه في الادب الانكليزي، كما حازت على جائزة نيت ورك آوورد Net Work Award عن انجازاتها البارزة في مجال الكتابة عن النساء .

 

وصل عدد مؤلفاتها الى ثلاثة وعشرين كتاباً حتى الان، تنوع مابين الدراسات النقدية لأدب شكسبير، والنقد الاجتماعي، والروايات ، أشهرها (أنا، اليزابيث) وهي سيرة ذاتية عن الملكة اليزابيث الاولى، والدراسات التي تتناول تاريخ المرأة على مختلف الاصعدة ، التاريخية والسياسية والابداعية.

 

اضافة الى الكتابة، تعمل مايلز كصحفية ومقدمة برامج إذاعية، حيث تنقلت بين عدة اذاعات، ك بي بي سي، والسي إن إن وغيرهما .

 

ترجم كتابها (من طبخت العشاء الاخير ـ تاريخ العالم كما ترويه النساء) الى أكثر من ثلاثين لغة ، وحصد جائزة أفضل عنوان اجنبي في معرض غوتنبرغ للكتاب، كما صُنف بين أفضل عشرة كتب نسوية في معرض لندن للكتاب .

 

في مديح الكتاب

الكتاب مستهل بعدة اراء تعبر عن وجهات نظر بعض المؤسسات عن الكتاب منها:

ـ أعظم قصة رويت حتى الان ، إنه تاريخ الحب والحياة ، والاشياء كُلِها .    

ـ أكثر ما يدهشنا في هذا الكتاب المميز، هو ان محتوياته تقدم للمرة الاولى ، دقيق ، رائع ، وذكي .

ـ ممتع وساحر.. إنه عمل رائع يقيم خللاً تاريخياً مخجلاً.

ـ بإحساسها المرهف والهجائي للغة ، تُلقي مايلز الضوء على بعض الصور الراسخة في التاريخ ، وتراقبها وهي تتصدع.

 

تقدير وثناء عالٍ للكاتبة روزاليند مايلز على هذا الجهد الكبير، وللدكتورة رشا صادق على براعتها في ترجمة الكتاب، ولدار المدى للاعلام والثقافة والفنون لاصدارها مؤخراً هذا الكتاب القيّم والثمين الذي جاء ضمن نتاجاتها لعام 2021.

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.