اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

تجليات المعرفة السردية في رواية المواطنة (٢٤٧)// د. جاسم محمد جسام

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. جاسم محمد جسام

 

تجليات المعرفة السردية في رواية المواطنة (٢٤٧)

د. جاسم محمد جسام

 

من طباع الفن الحقيقي الذي يستدعي الشكل غيرالمصطنع هو اضافة الجديد الى ما تواضع الناس عليه. لقد عبرت رواية (المواطنة (٤٧) للكاتبة الروائية بشرى الهلالي، بتفاصيلها عن الواقع المعالى والخفي وكذلك ملامح الانعتاق في مستويين متجاورين في الشكل والمضمون، فهي ليست نقدا للواقع واحتجاجاً عليه فقط، بل هي كيان فني يفسر الواقع ولا ينقله كما هو باستعمال التقنيات كنوافذ اضافية لتنشيط التفكير الفني بكل ملامحه ... ولعل أول ما يستوقف القارئ لهذه الرواية امور عدة اهمها :

 ١ - التوظيف المكثف للغة المتوترة على مستوى لغة السرد حيث يشكل هذا الاستخدام لهذه اللغة محاولة مهمة لتنام حركة السرد وتطوره.

 

 ٢ - انبثاق ما يعرف بـ ( المعرفة السردية) من خلال المسار التخييلي لاحداث الرواية، (اختلال الجسد واختفاء الرأس وعودته بين حين واخر) مما يجعل هذه المعرفة معرفة ابداعية بعيدة عن اي جمود او موضوعيه مطلقة، اي انها تقترن بمرجعية نصية  تؤسس لها جمالية النص نفسه، ومن هنا فالمعرفة المسردة في  النص السردي مهما تنوعت انماطها وتعددت تظل خاضعه لجمالية السرد ومقتضياته الخطابية واللغوية والفنية . كذلك قيام هذه المعرفة بدورهام  في تأسيس معرفة بالعالم والانسان، فالرواية هنا ليست مجرد احداث متتالية بل هي عالم من الاحتمالات يمكن ان نشتق منه انساقاً معرفية تتولد عنها ابعاداً فكرية، وكأن للسرد هنا وظيفة مزدوجة انتاجية للمعرفة الانسانيه واضافة الجديد اليها باستمرار، ووظيفة رمزية تصبح بموجب أحداث النص منفتحه لتحفيزها بشرط ان يتحكم الجمالي في تشييد النص السردي. وبهذا تكشف لنا المعرفة السردية في روايه المواطنة ( ٢٤٧) عن امرين:

الاول: انها تتساوى مع اشكال معرفيه اخرى مما يجعلها خطاباً معرفياً بوسائط  جمالية، أي ان النص السردي هو شكل آني من اشكال التجربة الفكرية، وان هدفه يشبه هدف التجارب الفكرية فلسفياً.

 

 الامر الثاني: ان هذه الرواية بمجملها تصبح عالماً معرفياً بديلاً للمجالات المعرفية، أي ان هناك علاقة بين الفكر والتخييل اذ يتولد الاول من الثاني في سياق تطوري يوحي بقدرات هائلة لمتخيل النص السردي تسمح بانتاج معرفة عميقة بالانسان داخل العالم ، لان العالم الذي هجرته الفلسفة يظل السرد مرصداً اخيراً له وعليه يمكن القول ان هذه الرواية تنبني على سيرتين مختلفين في الهوية والدلالة : تختص الاولى بالانسان، انسان تقوده الرغبة في التجدد والاقتراب من عوالم المعرفة، وانسان ثاني يمارس الفن بشغف. وتهتم السيرة الثانية بتحقيق العاطفات حاسمة توسع مرجعية النص السردي بدوال تستمد وجودها من عوالم متعددة تقترن اغلبها بالانسان والفن، اذ تعتمد هذه المرجعية النصية على نسق تخييلي اساسه الخطاب الفني والفكري مما فرض تمفصلاً في الخطاب بين الذات والسياق، يقترن العنصر الذاتي فيه بمسار السارد نفسه من خلال مواصفاته وعوالمه الفنية والاجتماعية وهو يروي على لسان ابطال روايته لتداخل نصي يكتشف من يقرأ الروايه بان السارد عارف بكل شيئ لكونه يريد من هذه المعرفة ان يحدد من خلال الرصد والتحليل المسار الفردي للكاتبة ومحيطها الثقافي .في حين يرتبط العنصر السياقي في هذه الرواية بخصائص المحيط ومميزات التأريخ وهوية الجماعة من خلال الوقوف على بعض التفصيلات التي تشكل ذاكرة العقل البشري في التأريخ الانساني الممتد على سنوات طوال .. انها تؤسس مرجعية نصية قوامها الاحتفاء بالانسان وهي مرجعية تنطوي على خطاب سيري يتولد فيه الاجتماعي من الفكري.

 

وعليه يتجلى المجال الابداعي والفني في هذه الرواية من خلال تأمل جمالي في مفاهيم متعددة يمكن حصرها في ثلاثة مفاهيم،

الاول: مفهوم الكتابة الذي يحيل الى وعي انعكاسي من داخل الكتابة السردية لتبدو في تجليها النصي فعلاً عصياً على الانتاج تستدعي شرطية العفوية الممكنة.

 الثاني: بصفتها مجالاً لاستعادة الاشياء الماضية عبر التكرار بمفهومه التفكيكي وبصفتها مجالاً لتحقيق وجود ممتد الى الممكن والمتاح.

الثالث: انه جوهر الكتابة المعرفية وماهيتها الاساس مما يعمق معرف واضح أي الكتابة بطابعها الذاتي.

 

اما بخصوص الوصف في هذه الرواية، وبالتحديد لغة الوصف التي تعد الجزء الاساس الذي يقوم عليه البناء الفني للمادة الروائية ، فهي الوسيلة الأساسية في ايصال المعاني والتفاصيل الدقيقة عن طريق التصوير الفني ومعنى هذا ان العناصر الطبيعية لا توجد الا خارج الكتابة بل خارج اللغة أي انها توجد في مكانها الاصلي كأجزاء فيزيائية، فما نمتلكه عنها من تصورات ليس في الواقع الا انعكاساً لطبيعة ادراكنا. الوصف في روايه المواطنة (247) ينقسم من حيث علاقته بالسرد على مستويين:

1- الوصف البسيط: ونقصد بيه الوصف الذي يعطي من خلاله جملة وصفيه مهيمنة قصيرة لا تحتوي الا على بعض التراتيب الوصفية الصغرى وكانها اشارات وصفية للاشياء اوالامكنة. ص٢٨ (هذه الحركة تذكرني دائماً بالجسور المعلقة في بلدان الغرب اراها على شاشة التلفاز حين  يجري رفعها محدثة شقاً في الجسر وحين تعود الى مكانها ببطء شديد ليلتحم الجسر ثانية مفسحا مجالاً لمرور السيارات)

 

2- الوصف المركب: ونقصد به الوصف الذي ينصب على الشئ الموصوف شريطة كون هذا الوصف معقداً، أما بفضل الانتقال من الموصوف الى اجزائه ومكوناته أو الانتقال الى المحيط الذي يضم هذا الموصوف . ص٥٦ (اوقظه صوت ارتطام القدح بالمنضدة/ هل غفا فعلاً؟ ارتبك وهو يحاول ان يبعد نظراته عن العيون الجليديه التي شعر بانها تترصده من اعلى ككشاف ضوء في ملعب).

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.