اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مفاتيح السماء لـوهيب نديم وهبة// جريس جبران خوري

تقييم المستخدم:  / 2
سيئجيد 

جريس جبران خوري

 

مفاتيح السماء لـوهيب نديم وهبة

جريس جبران خوري

حيفا.

 

عملية الخَلْقِ من الله للإنسان كانت على مرحلتين:

1- جَبَلَ التراب فكانت الصورةُ (الشكل).

2- نفخ فيه من روحه (روح الله)، فكانت القوةُ التي تحرك في هذه الصورة (الجسد) قوةَ الإحساس والتفكير.

 

"لُغَتِي الرِّيحُ، وَقَمِيصِي جَسَدُ الْأَرضِ،

وَجَسَدِي جِسرٌ بَينَ آلِهَةِ الشَّمسِ وَجِهَةِ الشَّرقِ،

وَخُيولِي الْجَامِحَةُ بَينَ الرِّيحِ وَالْغَمَامِ

تُسَابِقُ سَيِّدَ الدُّنيَا الزَّمَانَ.

وَالمَكَانُ يَضِيعُ فِي مَتَاهَاتِ السَّرابِ." (مفاتيح السماء)

   

عَمَليةُ الموت معاكسةٌ تمامًا لعملية الخلق:

1- خروج الروح من هذا الجسد (التراب) وعودتها الى خالقها (بيتها)؛ (على الصليب المسيح أسلم الروح)

2- عودة الجسد (التراب) الى الأرض، الى بيته من حيث اُخِذَ، حيث يفنى: يقول القديس أوغسطينوس في اعترافاته "بائسةٌ هي النفسُ التي يتغلب عليها التَعَلُّقُ بالأشياء الفانية المادية المقوية للجسد لأنها فانية مثله، والتي تتحطم لخسارتها لتلك الأشياء."

فمُركباتُ هذه النفسِ غيرُ ماديَّةٍ؛ بمعنى أنها غير تابعة للجسد؛ مركباتها روحانية: ألمحبة، والتسامح، والتواضع، والسلام.

 

مفاتيح السماء في هذه الروح، في هذه النفس (وان شئت في هذه النفس العاقلة)، ليست في الجسد ومادته الترابية.

يقول القديس أوغسطينوس في اعترافاته: "بهذه القوى أجد خالقي، فهي مفاتيح السماء أمام روحي، لا بالقوى التي في الجسد التي تجعلني أقوم بكل ما يطلبه (هذا الجسد)، وهي مشتركة بيني وبين كل الحيوانات."

 

     فالمحبة مفتاحٌ للسماءِ ذهبيٌّ؛ ألَمْ يَقُلْ جبران خليل جبران في "النبي": "أمّا أنتَ اذا أحببتَ فلا تَقُلْ أللهُ في قلبي، بل قُلْ أنا في قلب الله"؛ وأوغسطينوس في اعترافاته: "وَزْني هو محبتي، بها أسمو إليكَ، ألمحبةُ تُشعلنا كالنار فنسمو كألسنتها الى العلاء؛ المحبة ترفعنا الى حيث أنتَ."

     قِمَّةُ التسامح في قوله (السيد المسيح) "من ضربك على خدك الأيمنِ فحول له الأيسرَ." و "أحِبّوا مُبغضيكم، لأنه اذا أحببتم من يحبكم فأيُّ فَضْلٍ لكم."

     كان رمزًا للتواضع عندما غسل أرجل تلاميذه؛ وعندما قال: "من ارتفع اتَّضعَ، ومن اتضع ارتفع، كبيرُكم خادمٌ لكم..."

     تعاليمه تعطينا السلام الروحيَّ والطمأنينةَ النفسيَّةَ: "وأيُّ بيتٍ دخلتموه فقولوا أوَّلًا سلامٌ لهذا البيت" و "سلامي أعطيكم"

     في "مفاتيح السماء" يقول الشاعر وهيب وهبه:

 "وَحدَكَ أنتَ المُنفَرِدُ بِالْعِشقِ / المُتَوَحِّدُ بِالْألوهيَّةِ"

"يُخرِجُ الْعَتَمَةَ مِنَ الْعُقُولِ وَيَزرَعُ بُذورَ المَحَبَّةِ"

"بِنَارِ الْعَدلِ وَمَجدِ أَفراحِ المَحَبَّةِ"

"كَيْ تَستَيقِظَ نَفسُ الْإِنسَانِ..  وَتَخضَعَ لِمَحَبَّةِ اللهِ.."

"غَسَلْتَ أرجُلَ التَّلامِيذِ، كَيْ يَعْلُوَ اسمُ الرَّبِّ وَتُولَدَ مُدُنُ الْإيمَانِ، وُلِدْتَ  بَينَ الْبَهائِم، كَيْ تَكُونَ أمثولَةً للْإنسانِ"                      

"أترُكُ بَينَ يَديْكَ رِسَالَةَ الْإنسانِ "المَحَبَّةَ"

            

تَرنيمتُك الصوفيةُ "مفاتيح السماء"، تنساب مُكَوِّناتُها متلاحمةً في خَطَّين متعانقين يرسمان بتناسُقِ نسبةٍ ذهبيِّةٍ قصةَ يسوعِ الناصريِّ: ألخطُّ الأول ناسوتيٌّ ماديٌّ، يتدرج من البشارة الى الصلب مرورًا بالولادة والكِرازة والمعاناة.

والخط الثاني روحانيٌّ، تتجلى فيه ألوهية المسيح وعظمةَ رسالته ومعجزاتُه.

يَتَّحِدُ هذان الخطان اتحادا كليــًّا على الصليب حيثُ يكون الخلاصُ:

"تَعُودُ الْهِجرَةُ وَالتَّهجِيرُ وَالسَّفَرُ الْبَعيدُ.. كَانَتِ الْبِشَارَةُ رَمزًا.. وَكَانَ الرَّحِيلُ، وَكَانَ الْعَذابُ أُمثُولَةً.. كَيْ تَستَيقِظَ نَفسُ الْإِنسَانِ.. وَتَخضَعَ لِمَحَبَّةِ اللهِ" (مفاتيح السماء)

"بِالْعَذَابِ يَعُودُ خَلاصُكَ.. وَبِالْعَذابِ يَكونُ خَلاصُ الْعَالَمِ." (مفاتيح السماء)؛

 وحيث يكون الانْعِتاقُ من المادّة، وولادةُ الإنسان الجديد الذي من أجله كانت تضحيةُ المسيحِ بالصَّلْب.                 

والمُعجِزةُ هنا في أن يلتقيَ الموتُ والحياةُ في آنيِّةِ لحظة الصلب؛ لتكونَ فيها عمليةُ الخلق للإنسان الجديد المُطهَّرِ من كل الشر الذي ألبسته إياه الخطيئةُ الآدميةُ: "تُزعزِعُ الْكَافِرينَ وَتَزرَعُ الْبُذورَ في الْأجسَادِ" (مفاتيح السماء) _ بذور الإنسان الجديد_...

 

هذه التسبيحةُ الَّلازورديّةُ بشفافيّتها وزرقة السماء فيها والعظيمةُ الساميةُ بموضوعها، لا بد وأن يكون صاحبُها: الشاعرُ وهيب نديم وهبة، شجاعًا موهوبًا، متمكنا من مشاعرَ خيًرةٍ ساميةٍ، وإيمانٍ بالإنسان النقيّ، كما ترسمه له رؤياه النبيلةُ. فهنيئا للشاعر وهيب وهبة وهو يهوّم في سمائه الخاصّة، مغبوطًا على مفاتيح السماء بين يديه...

 

إشارات هامة:

     كتبَ المقدمة الأديب نايف خوري التظهير للدكتور الشاعر فهد أبو خضرة

     مفاتيح السماء: نالت جائزة المتروبوليت نقولاس نعمان للفضائل الإنسانيّة – بيروت / لبنان.

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.