اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

محطة تل زيوان- قصة قصيرة// يوخنا اوديشو دبرزانا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

يوخنا اوديشو دبرزانا

 

محطة تل زيوان- قصة قصيرة

يوخنا اوديشو دبرزانا

 

ويقول حنانيا 

    بأختصار سأحدثكم عما حدث معي في محطة تل كوجك الحدودية بين العراق وسوريا .. في تلك المحطة صفعني شرطي أحمق  كفاً وأنا في الشتاء السادس من عمري. الصفعة حفرت أخدوداً إضافياً للذكرى في تلافيف دماغي. جريمتي كانت ترديدي لأهزوجة عراقية  تقول ((هوب هوب عفلق جدامك الافطس جمال وقع بالخرى ما احد سمع حسه )) تعلمتها فترة الأشهر الستة التي أمضيتها مع والدتي أثناء زيارتها لأشقائها  في العراق . في العراق كان الزعيم عبد الكريم قاسم وفي هذا الطرف زعيم آخر للأسف (( مستورد ))  يدعى جمال عبد الناصر . الزعيمان  يستحضران  عداوات بني أمية وبني العباس  كتأكيد لنظرية إعادة التاريخ  لنفسه  لمرحلة تاريخية ما. العداء التاريخي بين أهل الشام وأهل العراق وإذا توغلنا أكثر في عمق التاريخ يمكننا القول أستحضاراً لمعركة كركميش. فرعون وادي النيل يواجه اسد ما بين النهرين .  كثيراً ما حدثني  أبي عن محطة تل زيوان . كانت المحطة الحدودية الاولى لقطار الشرق السريع في الجانب السوري على الحدود التركية . لا يُعَرف لماذا الزيوان عنوانا لذلك الموقع الحيوي  تلك النبتة الطفيلية المنبوذة  ربما كانت وما زالت دلالة على أولئك الطفيليين الذين يعبثون بالوطن منذ ذلك الزمان إلى يومنا هذا في ذلك المربع القريب من المحطة . هذا  المربع  هو من المواقع المهمة  في  صنع القرارات  والمؤامرات السياسية ليس لمحافظة الجزيرة وحسب بل للوطن السوري والدول المحيطة والمكنى اليوم بالمربع الأمني أي في  زمن الوطن المستباح.  كان أبي  يستذكر تلك المحطة ليس كموقع  جغرافي على الخارطة فحسب, بل كمحطة من سيرته الحياتية وسيرة حياة مجموعة من الشباب من طوائف واثنيات مختلفة من عرب وكرد وتركمان وسريان آشوريين , كان يشار إليهم بالبنان كنخبة متعلمة ملمة بلغات مختلفة. كان يستذكر أصدقاء وزملاء معتزاً بصداقتهم  لم يكونوا عمالاً في محطة القطارات حيث يتبادر للذهن لأول وهلة, بل كانوا موظفين في دائرة (الميرة ) ومستودعات الحبوب المشادة بجانب المحطة,  تلك المؤسسة المعنية بتموين جيوش الحلفاء إبان الحرب العالمية الثانية و المدارة من قبل الضباط الانكليز ولو إن سوريا كانت من نصيب الفرنسيين هي سوريا هكذا دائما أديرت وتدار إلى يومنا هذا  من قبل الإنجليز. من ناحية أخرى كانت محطة سياسية تفاعلت فيها أفكار و تباينت وجهات نظر أدت إلى الاصطفاف والتخندق  على أسس عقائدية أو أثنية عمقت صداقات ورسخت عداوات لكن في زمن الآباء كان الاحترام والتقبل كان الشيوعي يختلف مع البعثي والقومي السوري أو الاخواني الآ إن الكاس الأبيض كان ثالثهما مع بعض من التحفظ من الإخوان المسلمين. يستطرد حنانيا ويقول لم يكن العم أبو سليمان الشيشاني مجرد شريك أبي في الزراعة  بل صديقا على مبدأ مقولة رب أخ لم تلده أمك , لعلمكم كان  من زعماء الإخوان المسلمين. كثيرا ما كان يؤدي صلاته بينما والدي وابن شقيقته المكنى  بأبي فواز يجرعان الكاس الاخيرة من عرق ((الملوكي)) . في زمن الأبناء تغير الحال لقد تربى الأبناء على توجهات آبائهم وحملوا أفكارهم ولبسوها مثلما لبسوا ديانة الآباء ولم يحيدوا عنها  لكن للاسف  شابها بعض من التطرف  فبدل  ذلك الحوار الهادئ الرصين حل الشجار. تزنر الشباب بالسلاسل والسكاكين . جرى كل ذلك في الستينيات من القرن الفائت لقد انتقل الصراع الفكري بين الآباء  في  المحطة إلى صراع عدائي  بين الأبناء  في شوارع القامشلي والحسكة وفي مدارس التعليم الثانوي وبالأخص في تلك المسيرات التي كان يساق إليها الطلاب والعمال والموظفون كتلك المنددة بطروحات الرئيس التونسي المرحوم بورقيبة الداعي للسلام بين العرب وإسرائيل. كان الناصريون والبعثيون والقوميون السوريون والشيوعيون منددين بتلك الطروحات العقلانية واصفينه بالمجنون وفي الوقت ذاته  كان الكل ضد الكل. على شاكلة تلك المسيرة الكثير من المسيرات المنددة أو المؤيدة . في تلك المسيرات كان العنف يأخذ حيزاً بين تلك الاحزاب باستثناء الأكراد والسريان الاشوريين  المنضوين في تنظيماتهم السياسية السرية الخاصة, أولئك لهم همهم الخاص محاولين تجنب أي احتكاك والانسحاب  من تلك المسيرات متى أتيحت لهم الفرصة   وكذلك حال بعض اللامبالين. يقول حنانيا كثيرا ما لجأ الهاربون من تلك المسيرات مع شقيقي  إلى دارنا في  شارع فلسطين في الحسكة ممر المسيرات حيث إمكانية الهروب  متاحة .

 اولا وأخيرا محطة تل زيوان كانت محطة مكانية وزمانية للقطارات  لشحن البضائع ولاستقبال وتوديع الأحبة  والخلان . إنها إحدى وسائل التواصل الإنساني ففي زمن مضى كان ذلك الخط الحديدي هو الرابط الرئيسي بين أوروبا والشرق. ربما  حيكت في مقصورات قطاراته قصص حب عابرة أو لقاءات جواسيس ومغامرين وبحاثة، ربما وقعت في تلك المقصورات جرائم مما أوحى لأغاثا كريستي لكتابة روايتها الشهيرة جريمة في قطار الشرق السريع.

 

يعود حنانيا بالذاكرة

ويقول  في محطة تل زيوان كان الأمر مختلفا عن محطة تل كوجك فقد اكتفى ببصقة على صورة عبد الناصر المعلقة في مدخل المحطة غير آبه بالشرطة  ولم يتجاوز الفارق الزمني بين الصفعة والبصقة النصف ساعة. هنا لم يتعرض للأذى، بل للاشادة بفعلته وجرأته حيث كافأه شرطي مبتسما وبصوت خافت بكلمة ((برافو)) . ظل ينظر الى الوراء  متعثر الخطوات مبتسماً لذلك الشرطي الذي لم يبخل عليه بالابتسامات وإيماءات الرضا والتشجيع. أباح لوالدته بفعلته تلك بعد أن استقلوا  السيارة التي نقلتهم إلى الضيعة، ضمته بحنان إلى صدرها ضاحكة غير معاتبة. وحين وصولهم الضيعة مساء لم يأبه للمشتاقين إليه بقدر سخطه  من  رؤية صورة جمال عبدالناصر مؤطرة ومعلقة  في صدر الدار رشقها بحذاء. من حسن الحظ لم ينكسر الزجاج و لم يعاتبه أي من أفراد العائلة المشتاقة. أما الفرحة كانت يوم أذيع البيان رقم واحد من إذاعة دمشق بإعلان الانفصال بين سوريا ومصر . لقد شارك أقرانه بجمع كافة المجسمات الرصاصية لوجه عبد الناصر المفروضة على الغلابة من ضيعتهم وعلى الريف السوري كافة  وتسليمها للشماس ايشايا وللعم نيسان لتذويبها لصنع خردق لبنادق  الصيد.

 

ويقول أيام حكم الحزب الواحد في سوريا والعراق ذات الأيديولوجية الواحدة لم يأخذني القطار من محطة تل زيوان إلى تل كوجك ومنه إلى بغداد لأن الحكام في البلدين المستحدثين امتداد لذاك العداء الشامي العراقي . أمتداد لبني عباس وبني أمية بغلاف حزبي يميني ويساري وما ادراك ما اليمين اليسار في المفهومين. وأسفاه ما زالوا ينبشون القبور بطابع عقائدي معصرن. كليهما يدعيان العلمانية لكنها مغلفة بطابع ديني. يدعيان الاخوة والوحدة والحدود مغلقة بوجه مواطني البلدين, ذاك يدعو لحملة ايمانية والآخر يشيد مدارس لتحفيظ القرآن الكريم لا لتعليمه، وكأنهما كانا يؤسسان لاستلاب العقول وتسطيحها لتفتيت البنيان فاستُعيذت النزعة الوطنية بالطائفية والعشائرية المقيتة. مرت أعوام وعقود خمسة على سيادة الاب والابن وعصاباتهم. استبيحت القيم ورسخت مفاهيم  جديدة. أضحى الوطن السوري مرتعاً لأنواع شتى من الجراد وصحن سم محلى مستقطباً كافة ذبابات العالم وكأن على سوريا دفع فاتورة  بن لادن وجريمة  الحادي عشر من أيلول.  أما محطة تل زيوان لم تعد مرتعاً للعصافير وحمائم  قامشلي ونصيبين ولا ملتقى الأحبة, الكل تشرد.  لقد أضحى ذلك الخط الحديدي خطاً عسكرياً تركياً بامتياز مخصصاً لنقل الإمدادات إلى المحارس على امتداد حدود البلدين. لقد أضحت شواطئ ومحطات وملاجئ أوروبا  الاستعمارية  العدوة و الكافرة و الامبريالية، سمها ماشئت، ملاذاً لبعض من جيل السلاسل والخناجر حملة العقائد والأيديولوجيات  وأبنائهم من  خريجي الطلائع والشبيبة البعثية وكتاكيت تحفيظ القرآن والبعض أضحى مقاتلاً برسم الإيجار في سوق الحرب الإلهية. لقد أصاب عائلة حنانيا ما أصاب السوريين. تشتت العائلة ، فمنهم بقي في الوطن متحملاً هول المعاناة حالماً بغد مشرق وآخرين تبعثروا بين  القارات ومحطة حنانيا ((أبو ريشة)) الآشوري لم تكن كاليفورنيا كما تنبأ نبي سوريا محمد الماغوط بل شيكاغو وفي شيكاغو لا ينبت قمح ولا شعير وتظل  حفنة التراب التي حملها أمانة لأبنه أمانة  لنثرها على قبره إن مات في غربته وفاء لسوريا الوطن المستباح

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.