اخر الاخبار:
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

حوار مع د. عزت سلمان أبو التمن عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي -//- حاوره: د. مزاحم مبارك مال الله

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

الرفيق الدكتور عزت سلمان أبو التمن عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، للشرارة:

عامل الجماهير حينما يدخل في المعادلة السياسية سيغير التوازن بين قواها

حاوره: د. مزاحم مبارك مال الله

منذ الإطاحة بالنظام الصدامي الدموي في نيسان 2003 وقيام عراق ما بعد الدكتاتورية، يخرج المتتبع للمسيرة السياسية بمحصلة ان الوضع في العراق لم يشهد الاستقرار والتطور الذي طمح ويطمح اليه الشعب. فالوضع في البلد أشبه ما يكون بالخط البياني المتعرج المتراجع. هناك معطيات، هناك أسباب، هناك تفاعلات، هناك نتائج، جميعها لم تكن في صالح العملية السياسية برمتها. ومن اجل تفكيك كل هذه المعادلات المركبة، كان لمجلة "الشرارة" هذا اللقاء المهم مع الرفيق عزت سلمان أبو التمن، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، وأجرت معه هذا الحوار الصريح والواسع.

الشعب غير راضٍ، الشعب غير مرتاح، بل الناس عموماً يعبّرون عن استيائهم وتذمرهم ومخاوفهم. كيف يصف وكيف يفسّر الحزب الشيوعي العراقي ما آلت اليه الأوضاع بعد سقوط الصنم؟

بالتأكيد الشعب غيرُ راضٍ، وخاصة ما يجري الآن من تطورات خطيرة وشؤون البلد كلها على حافة كارثة حقيقية. وحينما نقول أن الشعب غير راضٍ فهذا مرتبط أولاً، بالتضحيات الجسام التي قدمها في نضاله ضد الدكتاتورية هادفاً الى إسقاطها. وثانياً، تضحياته في التصدي لاحقاً للارهابيين من القاعدة وبقايا النظام السابق، المناوئين للعملية السياسية. وثالثاً، طريقة إزاحة النظام التي تمت عبر الحرب والاجتياح العسكري الغربي والذي تحول لاحقاً الى احتلال أدى الى انهيار الدولة العراقية. هذه عوامل جعلت عملية اعادة بناء العراق الجديد عملية صعبة ومعقدة. وبالرغم من معارضتنا للحرب كوسيلة للتغيير وحرصاً منّا في أن نلعب دورنا الى جانب شعبنا وقواه الوطنية لانهاء الاحتلال واستعادة الاستقلال والسيادة الوطنية الكاملة ومن أجل بناء الدولة الجديدة لصالح الشعب والوطن، قررنا المساهمة بالعملية السياسية واعتبرنا ان مهمة إزالة تركة الدكتاتورية والاحتلال تحتاج الى جهود كل الوطنيين الحريصين على مستقبل العراق.علينا أن نكون صريحين وواقعيين، فقد كانت تركة النظام الدكتاتوري ثقيلة جداً والتحديات أمام السلطة الجديدة صعبة، والاحتلال نفسه أضاف تعقيدات أخرى من خلال سياساته وأساليبه التي استخدمها في حكمه للعراق في الفترة التي أعقبت التغيير. كل هذه أضافت صعوبات جدية أمام العملية السياسية. ومما لاشك فيه ان هذه الاوضاع الصعبة كانت ولازالت حاضرة أمامنا، وبالتالي فعلينا ان نبذل جهوداً استثنائية لمواجهة التحديات الجسيمة التي تواجه بلادنا حالياً، والخروج من المأزق السياسي الخطير الناجم عن سياسات القوى المتنفذة.

في كل خطاباته يقول الحزب الشيوعي العراقي انه جزء من العملية السياسية، ولكن ما هو ملموس هو محاولة إبعاد الحزب عن المشهد السياسي. كيف تفسرون ذلك؟

بدءاً لنستعرض مفهومنا للعملية السياسية. انها عملية تهدف الى الانتقال بالعراق من الدكتاتورية والنظام الشمولي والإرهاب الى نظام دستوري ديمقراطي مدني يضمن الحقوق والحريات لجميع أبناء الشعب واستكمال السيادة الوطنية وإقامة نظام حكم وطني ديمقراطي اتحادي مستقل. هذا لا يمكن ان يتحقق إلاّ من خلال حشد كل جهود وطاقات القوى التي لها مصلحة في تطور العراق. ولهذا السبب وحسب منظورنا فأن العملية السياسية يجب ان تعتمد الأساليب السلمية لتداول السلطة ومبدأ التوافق السياسي في التصدي لمهمات تصفية تركة النظام السابق، والتي يعاني شعبنا منها حتى الآن، واستكمال السيادة الوطنية واعادة بناء الدولة ومؤسساتها وصياغة دستورها.

الحزب الشيوعي لا يحتاج موافقة من هذا أو ذاك كي يشارك بالعملية السياسية، بل كان الحزب المبادر والسباق في النزول الى الشارع والعمل مع الجماهير شعوراً بالمسؤولية الوطنية لإعادة العراق على السكة الصحيحة. فبعد ايام من سقوط النظام أصدرنا جريدة الحزب،"طريق الشعب"،وكانت الاولى التي توزع علناً في العراق. وبعد مرور بضعة اسابيع من سقوط النظام البائد نظمنا تظاهرة كبرى بمناسبة عيد العمال العالمي في بغداد. ثم بدأ الحزب بإعادة ترتيب تنظيماته وفتح مقرات في إرجاء البلاد، وساهمنا وبنشاط في كل المؤسسات التشريعية والتنفيذية حرصاً على ان تحقق العملية السياسية اهدافها لمصلحة الشعب وخاصة الكادحين منه. وبالتالي فان الحزب لا يحتاج الحصول على موافقة الاخرين ليشارك في العملية السياسية. إلا أنه في وقت لاحق جرت محاولات، مكشوفة وخفية، للتضييق على نشاط الحزب والقوى الديمقراطية من خلال الهجوم على الحريات العامة وانتهاكها وممارسات بعض الاجهزة الامنية. ومن المهم الاشارة الى استمرار علاقات الحزب، قيادة وتنظيمات ورفاق، مع مختلف القوى والشخصيات السياسية الوطنية المشاركة في العملية السياسية، نلتقي معها ونتداول في شؤون الشعب والوطن.

هل تقف المحاصصة الطائفية والأثنية وراء دخول الوطن والشعب في انفاق مظلمة ام ان هناك اسباب اخرى؟

عانت العملية السياسية منذ نشأتها ولا تزال من نوعين من الصراعات؛ صراعات بين القوى المساهمة في العملية السياسية وصراعات دموية بين هذه القوى وبين أعداء العملية السياسية من الارهابيين وبقايا النظام الصدامي وبدعم اقليمي وخارجي سافر. أي ان هناك محورين؛ الأول، وللأسف، بدلاً من أن تكون المنافسة بين القوى المساهمة في العملية السياسية من أجل بناء عراق ديمقراطي ومؤسسات تستند الى الدستور وتبادل السلطة سلمياً، أخذت هذه القوى تتنافس انطلاقاُ من مصالحها الخاصة على السلطة والثروة والنفوذ والقرار،وايضاً على شكل الدولة ومضمونها.والثاني؛ هو محور الصراع بين هذه القوى ومع من يعمل من اجل العودة بالوضع الى النظام السابق.

وارتباطا بالنشاط الارهابي التخريبي لعناصر من القاعدة وبقايا النظام البائد المدعوم خارجيا، وسياسات الاحتلال الامريكي، وبسبب الشروع في بناء الدولة الجديدة ومؤسساتها على اساس المحاصصة الطائفية – الاثنية البغيضة، وتعمق الصراع بين القوى السياسية المتنفذة، أدى هذا كله الى تدهور الوضع الأمني والخدمات وتزايد البطالة ونسب الفقر وتفشي الفساد في كل مؤسسات الدولة، وانتهكت حقوق الانسان والحريات العامة التي يضمنها الدستور، اضافة الى اتساع التدخلات الخارجية في شؤون البلاد. كل هذا تحول وبالتدريج الى أزمة شاملة. كل هذا أعاق العملية السياسية وحال دون تحقيق أهدافها.

وعندما نتحدث عن بناء الدولة المدنية الديمقراطية نعني انشاءها على أسس المواطنة  والحريات والحقوق والعدالة الاجتماعية، والشراكة من قبل جميع القوى التي تريد الخير لشعبنا. وهذا هو ما طرحه الحزب منذ بداية التغيير، فقد أكدنا على أن المهمات الوطنية والديمقراطية تحتاج الى جهود كل القوى الوطنية. وحينها طرح الحزب مشروعه الوطني الديمقراطي من أجل تجميع كل القوى والشخصيات الوطنية وبمشاركة واسعة من جماهير الشعب، صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير وتحقيق اهداف العملية السياسية. إلاّ أن إصرار القوى المتنفذة على بناء أسس الدولة الجديدة وفق المحاصصة الطائفية - الاثنية، أدخل البلاد في أزمة حقيقية وشاملة.

هل تعتقد ان هذا الاصرار له ارتباط بأجندات خارجية؟

نعم! له بهذا القدر أو ذاك، وأستطيع القول بأن عقلية السياسيين المتنفذين كانت بالأساس مؤهلة لمثل هذا الارتباط. هذه التوجهات لها علاقة بطبيعة  التحضيرات ومؤتمرات المعارضة، التي سبقت إسقاط النظام الدكتاتوري، وبالطريقة التي جرى بها التغيير من قبل الدول التي احتلت العراق، حيث عملت على ان تكون الدولة العراقية ضعيفة مشتتة كي تملك القدرة على التحكم بها من خلال خلق عدة مراكز قوى لها صلة مباشرة بها. ولم تقتصر ارتباطات القوى المتنفذة بأجندات دول الاحتلال بل تعدتها الى الدول الاقليمية المجاورة ودول الخليج. والشئ الذي يثير القرف والاشمئزاز ان بعض القوى المساهمة في العملية السياسية تُنسّق مع اجهزة مخابرات دول اقليمية وتتلقى الدعم المادي والمعنوي منها، وبدون حياء، لضمان استمرارها في مواقع السلطة والنفوذ. وبالتأكيد فأن ارتباطات هذه القوى بالأجندات الخارجية سوف لا تجلب للعراق وشعبه الخير والاستقرار بل المزيد من الدمار والخراب، وهذا ما نشهده اليوم في بلادنا.

إذن ما هو موقف الحزب في مواجهة هذه التطورات؟

كل هذه العوامل التي ذكرتها ساعدت على بناء العملية السياسية وفق أسس محاصصاتية. ولكن دعني أشير الى ان هذه المحاصصة هي ايضا عمّقت الصراع بين القوى المشاركة بالعملية السياسية لأنها كانت وما تزال تسعى للحصول على المكاسب والغنائم على حساب مصلحة الشعب والوطن. المحاصصة أصبحت اليوم كالأخطبوط وقد مدّ أذرعه الى كل المرافق وعلى جميع المستويات، بحيث أعطت نتائج مرعبة من الفساد الاداري والمالي والتخلف العام ورداءة الوضع الأمني. وهذا يرتبط ايضاً بموضوع سؤالك السابق بشأن دور المحاصصة الطائفية - الاثنية في ادخال البلاد في نفق مظلم.

كحزب قمنا بالعديد من المبادرات وفي كل المراحل، ابتداءً من وجودنا في مجلس الحكم ولحد الآن. بادرنا من منطلق الشعور بالمسؤولية تجاه شعبنا من اجل أن نضع العملية السياسية على السكة الصحيحة وأن نعمل من أجل التغيير الحقيقي الفعلي. طرحنا بعد انتخابات عام 2010 وبعد ان شعرنا بأن نتائج الانتخابات، التي شابها الكثير من الشكوك والتلاعب وتزوير ارادة الناخبين، سوف لن تخلص البلاد من أزمتها، طرحنا فكرة العودة الى الشعب واجراء انتخابات مبكرة، بعد توفير شروط ومستلزمات انتخابات نزيهة فعلاً، والتقينا وتداولنا مع مختلف القوى السياسية حول التهيئة لعقد مؤتمر وطني، تشارك فيه كل القوى المساهمة بالعملية السياسية، يجري فيه تقييم شامل لمسيرة العملية السياسية ويقر بإنهاء عملية بناء الدولة العراقية على أساس المحاصصة الطائفية – الاثنية ويضع برنامجاً وطنياً لحل مشاكل البلاد. لكن هذه المبادرات لم تجد آذاناً صاغية، بل بالعكس استمرت الأزمات وتفاقمت وكانت هناك عملية تفريخ مستمرة لسلسلة منها.

وفي هذه الاجواء ومن خلال تجربة حزبنا، ولنا من تجربة تظاهرات الخامس والعشرين من شباط 2011 دروس غنية، توصلنا في المؤتمر الوطني التاسع للحزب الى استنتاج هام مفاده أن "القوى السياسية المتنفذة والتي بيدها القرار لا يمكن ان تتفق، وذلك ارتباطاً بعقلية الإقصاء والتهميش وعدم القبول بالرأي الآخر والحديث عن الخطر القادم من المقابل، إضافة الى المكاسب الحزبية الضيقة. وانها، في ظل توازن القوى السائد، غير قادرة على حل الأزمة، التي هي نفسها خلقتها. ولذا فان هذا يتطلب إدخال عامل هام ومجرّب، ألا وهو إشراك الجماهير والحركة الشعبية كعامل حاسم في المعادلة السياسية لخلق توازن جديد ينبذ المحاصصة، وكقوة لها مصلحة حقيقية في استقرار وتقدم البلاد، ترغم القوى المتنفذة على الحوار وتقديم التنازلات واستخدام لغة العقل والبحث الجاد في حل أزمات البلاد".

نشهد بين حين وآخر انسلاخات من كتل سياسية مختلفة، كيف يفسر الحزب هذه الظاهرة؟

في البدء يمكن القول ان هذه الظاهرة هي ظاهرة صحية وموضوعية في مثل ظروفنا، خاصة وان الكتل السياسية لم تتشكل على أساس وطني وبرامج تسعى لتحقيق التطور والتقدم للبلاد، وإنما على أساس طائفي أو أثني. وفي خضم الصراعات والمنافسات غير المشروعة على المكاسب والمغانم والمناصب، ومحاولة وضع قدم هنا وقدم هناك، والضغوط من المواطنين الذين وضعوا ممثليها في مواقعهم في السلطة، وارتباط بعضها بأجندات خارجية، فأن هذه الكتل تواجه تمزقا داخليا يؤدي الى اصطفافات جديدة. نحن لا ولن نتأسف على تفكك الاصطفافات الطائفية - الاثنية، لأنها جلبت الخراب للبلاد والعباد، وان ما بُني على أساس خاطئ يؤدي الى نتائج خاطئة.

نحن مع وحدة الصف ومع العمل الوطني المشترك على أساس البرامج التي تطور وتقدم البلاد، ومع التحالفات والائتلافات التي تبنى على أساس المواطنة والبرامج ولمصلحة استقرار البلاد وبناء العراق الديمقراطي الاتحادي المستقل.

هناك من يقول أن السيد المالكي ينحى منحاً تفردياً في إدارة البلاد. كيف ينظر الحزب الشيوعي الى حكومة المالكي وادائها الذي لم يخرج بنتائج ايجابية لحد الآن رغم ان ولايته الثانية تقترب من نهايتها؟

عندما تُبنى الدولة على نهج المحاصصة الطائفية - الاثنية فإن التنافس اللامشروع واللاديمقراطي يصبح سيد الموقف في الصراع. كان بالإمكان تجاوز الكثير من المشاكل والصعوبات لو جرى تبني لغة الحوار وبناء أسس للثقة المتبادلة. ومن جانبنا، فقد نبهنا وحذرنا مما قد تؤول إليه الاوضاع، وهو ما آلت إليه بالفعل، وقدمنا مقترحات عملية وواقعية خلال لقاءاتنا مع الرئاسات الثلاث ومختلف الكتل السياسية، وبالذات مع رئيس الوزراء بإعتباره على رأس السلطة التنفيذية والمسؤول الأول في الدولة. إلاّ ان الإصرار على عدم القبول بالرأي الآخر والتشدد في المواقف، فسح في المجال الى زيادة الفرقة بين القوى المتنفذة وبصورة تدريجية. فإنعدام البرنامج الحكومي، وعدم إقرار النظام الداخلي لمجلس الوزراء، وفقدان التداول مع القوى المشاركة في الحكومة، وانعدام التنسيق مع مجلس النواب، ومحاولات الضغط على المؤسسة القضائية، وعدم الالتزام بالاتفاقات المبرمة بين الكتل المتنفذة ذاتها التي تتقاسم"حكومة الشراكة"وفقاً لقاعدة المحاصصة الطائفية – الأثنية، والاستحواذ على التعيينات للدرجات الخاصة العسكرية والمدنية وفي"الهيئات المستقلة"دون العودة الى مجلس النواب، هذه الى جانب ممارسات اخرى أدت الى تمركز معظم السلطة بيد رئيس الوزراء. وساعدته على ذلك المواقف المتذبذبة للكتل الأخرى المنافسة لكتلته. حيث بدأ بأتخاذ إجراءات لا يكترث فيها برأي القوى المشاركة معه في الحكومة، ولا تأخذ بنظر الاعتبار مطالبها، ناهيك عن المطالب المشروعة للشعب العراقي ككل.

ولما كان السيد المالكي هو الشخص الأول في السلطة وله السلطة الأعلى، تقع على عاتقه المسؤولية في تقريب وجهات النظر بين القوى السياسية المتنفذة. ومن جانبنا قدمنا إليه، وايضاً الى رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان، مجموعة المقترحات لحل الأزمة السياسية المتعمقة انطلاقاً من الحرص أولاً وقبل كل شىء على المصلحة العليا للشعب والوطن.

الحزب الشيوعي تحالف انتخابياً مع العراقية في الانتخابات البرلمانية قبل السابقة، واليوم يعيد إصطفافه الانتخابي لمجالس المحافظات مع قوى وشخصيات وطنية وديمقراطية أوسع في بعض المحافظات. ما هي تكتيكات الحزب الانتخابية، ماذا يبغي؟

كل حزب سياسي يحترم تأريخه ونضاله عليه أن يقيّم تحالفاته وتحركاته وسياسته، وما نفتخر به نحن الشيوعيين، امتلاكنا للوسائل الحزبية الديمقراطية التي تمكننا من تقييم وتدقيق وتقويم سياستنا ونشاطنا ونضع الأمور في مجراها الصحيح. ما ذكرته في سؤالك هي واحدة من الحالات التي حصلت في تاريخ نشاطنا الانتخابي. حزبنا  ناضل ولعقود طويلة من اجل حرية اختيار من يحكم عبر صناديق الاقتراع، إلا ان هناك ظروفاً موضوعية لم تساعد الحزب في الحصول على ما يستحقه من تمثيل في المؤسسات التشريعية كي يلعب دوره المؤثر والملموس في هذا الظرف الحساس لأسباب لا يسع المجال الآن للخوض فيها.

منظماتنا الحزبية تعمل بكل طاقاتها من اجل ان يتحول حزبنا الى أداة هامة في عملية التغيير ولدينا الإمكانيات. الظروف السياسية التي توفرت لنا ايجابية للنشاط السياسي والجماهيري، حيث يبذل رفاقنا واصدقائنا جهوداً مثابرةً من اجل تبني مطالب الشعب والدفاع عن حقوقه وتحقيق مكاسب له. لكن تجربتنا تؤكد انه لا يمكن ان يكون هناك حزب قوي ومؤثر ما لم يحقق أهداف برنامجه. توفرت للحزب فرص جيدة للنضال، لكن الظروف الموضوعية ليست سهلة. فهناك الوعي المتدني، وتشجيع الانتماءات الفرعية، المذهبية، الاثنية، العشائرية، المناطقية على حساب المواطنة، استغلال التواجد في الدولة وتوظيف إمكانياتها، الوعود الكاذبة بالتعيين، النزعة الذاتية وتشجيع الروح الاستهلاكية، الفساد، الارتباطات الخارجية، البطالة، التضييق على الثقافة التقدمية والمثقفين، وانتشار الفكر المتخلف والمتشدد، وصرف انتباه المواطن عن مصالحه الفعلية، كل هذه عوامل ضاغطة على منظماتنا ورفاقنا.

رغم كل هذه التحديات لدينا إمكانيات كبيرة ونمتلك صفات لا تمتلكها القوى الاخرى، منها؛ تأريخ نضالي مجيد حيث قدمنا آلاف الشهداء في سوح النضال من اجل الديمقراطية وسعادة الانسان. ولدينا تنظيمات تنتشر في كل انحاء العراق تضم آلاف الشيوعيين المخلصين لقضية الشعب وخاصة كادحيه، ومن مختلف قوميات ومكونات الشعب. وفي المجتمع العراقي مئات الألوف من الوطنيين الذين ارتبطوا بهذا القدر أو ذاك بالحزب عبر سِفره الطويل وناضلوا في صفوفه وبقوا اوفياء للأفكار الوطنية. وتكتسب سياستنا ومواقفنا الاحترام والتقدير من مختلف الفئات الاجتماعية، ولنا علاقات واسعة مع القوى السياسية العراقية. كما نمتلك تأثيرا كبيرا في أوساط المثقفين والمبدعين والاعلاميين. وتبقى شهادة الشعب بأن كل شيوعي عمل في الوظائف العليا سواء في المؤسسات التشريعية أو التنفيذية أثبت نزاهته وكفاءته واخلاصه لواجباته الوظيفية، وبإستحقاق حمل الشيوعيون لقب ذوو الأيادي البيضاء. والشيوعيون لهم دور بارز في محاربة الفساد وعملوا من اجل المواطنين والكادحين. وينشط الشيوعيون في التيار الديمقراطي وفي منظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية والمهنية، ولدينا علاقات أممية واسعة. كما تجد جمهرة واسعة من الشباب، ومن كلا الجنسين، في الحزب مجالا رحبا لتطوير وعيهم وتلبية طموحاتهم المشروعة. كل ذلك يجعل الشيوعيين ومن خلال الالتزام والانضباط العالي ونكران الذات، قوة مؤثرة نستند فيها الى نظرية وفكر وسياسة صحيحة سليمة وعقلانية ومعتدلة قادرة على تحقيق طموحات الشعب في بناء دولة مدنية ديمقراطية مستقلة اتحادية.

علينا ان نطوّر تنظيمنا نوعياً من الناحية الفكرية والسياسية. والمسألة المهمة هي استيعاب المتغيرات في المجتمع والنظر بعين الواقعية لما يجري، ورسم سياسة على ضوء المستجدات وبناء تنظيم على أساس مستوى وعي فكري سياسي عالٍ.

ضمن توجهاتنا في المؤتمر الوطني التاسع واستناداً لتجربتنا الغنية في العمل ضمن قوى التيار الديمقراطي، توصلنا الى ان نوسع ائتلافاتنا الانتخابية لتضم دائرة القوى التي لها المصلحة في عملية التغيير نحو بناء عراق ديمقراطي، ويمكن تحقيق الأهداف بشكل أسرع. ولهذا ففي الحملة الانتخابية الحالية لم نتوجه الى التيار الديمقراطي فحسب وإنما ايضاً توجهنا الى طيف اوسع من القوى التي تشاركنا بعضاً من أهدافنا وهي بالتأكيد أهداف وطنية ديمقراطية، وهي(أي القوى) ايضا تشعر بخطورة الوضع ونشترك بنفس الهم والقلق على مستقبل العراق. هذه هي توجهاتنا الانتخابية في الوقت الراهن.

الحزب الشيوعي جزء مهم وأساس في التيار الديمقراطي الذي بدأت تتبلور صورته. كيف تفسرون تعاضد التيار مع معتصمي الانبار والفلوجة رغم الشكوك التي تحوم حول تلك الاعتصامات كونها طائفية؟

نحن مع الدور الذي يلعبه التيار الديمقراطي بل نعمل على زج قوى أكثر. فعندما تدهور الوضع الى ما عليه الآن، والذي قد يؤدي الى كارثة من خلال التجييش الطائفي والتي تفصل بشكل مستمر بين أبناء الشعب، طرح التيار وعدد من منظمات المجتمع المدني مبادرة واضحة وجلية: "لا للطائفية .. نعم للمواطنة". وتدعو هذه المبادرة، ارتباطاً بتفاقم مخاطر الوضع، الى الحوار والجلوس الى طاولة واحدة وتقديم التنازلات المتبادلة ورفع شعار ان هذا البلد هو ملك الجميع. ان البلد بثرواته وارضه هو ملك العراقيين ولا يمكن ان يكون عراقي أفضل من عراقي آخر إلاّ في مقدار استعداده لتحمّل المسؤولية والعمل من اجل عراق أفضل.

ماهي الخطوات العملية في هذا الأتجاه؟

الخطوة العملية هي الضغط على القوى السياسية المتنفذة، وحينما نقول الضغط فأقصد مشاركة الجماهير صاحبة المصلحة الأساسية في تهدئة الأوضاع وان تتحول الصراعات بين القوى من صراعات من أجل مصالحها واقتسام السلطة الى التنافس من اجل مصلحة الوطن والشعب.

هل تم تقديم ورقة أو لقاء مع القوى السياسية بهذا المعنى ؟

نحن لن نتوقف عن إيصال صوتنا وملاحظاتنا ومقترحاتنا، ومن منطلق الشعور بالمسؤولية تجاه الشعب والوطن، الى القوى الأخرى ابتداءً من رئيس الوزراء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وكذلك الى مكونات القائمة العراقية والى التحالف الكرستاني، ومن خلال اعلامنا وجريدتنا، علماً أن الجريدة تصل الى معظم مؤسسات الدولة وكذلك مجلس النواب. فرأينا قد وصل اليهم، ولكن عندما تكون حالة عدم سماع الآخر وعدم قبول المشورة والنصيحة، تصبح المأساة كبيرة.

نحن ندعو الى تحقيق المطاليب المشروعة للمتظاهرين والأكثرية منهم والمتواجدين الان هم أبناء الشعب ولهم الحق في التظاهر، ولكن التظاهرات تستغل من قبل القوى التي ليس لها مصلحة في استقرار العراق. وبالتأكيد جرى استغلالها ورفعت شعارات خطيرة جداً، لا بل تدفع بالوضع الى مستوى يهدد وحدة العراق. وحينما سعت عناصر معادية ومندسّة الى استغلال هذه التظاهرات فهنا دق جرس الإنذار، وخصوصاً عندما علت أصوات تدعو الى إسقاط العملية السياسية وإسقاط الدستور. والسؤال هو ماذا ستكون نتائج اسقاط العملية السياسية؟ البديل هو العودة الى الدكتاتورية واقامة مجتمع ظلامي متخلف.

نحن مع المطالب المشروعة، والحكومة العراقية تتحمل القسط الاكبر من المسؤولية في عدم تلبيتها بالسرعة الكافية لتضع حداً لتدخل العناصر المعادية.

في الايام الاخيرة حصلت انعطافات جديدة  فبعد استقالة العيساوي ،استقال وزير الزراعة وتبعته استقالة نائب في البرلمان. هل يرى الحزب أننا أمام معضلة حقيقية كما اشار الى ذلك المحرر السياسي لطريق الشعب في عددها الصادر يوم 10/3/2013؟

نعم نحن نعيش وضعاً خطر جداً. لا نقول ذلك نحن وحدنا، وإنما رئيس الوزراء قالها: "نحن على ابواب حرب طائفية". لا نتفق مع دوافع هذه التصريحات والتي غايتها تجييش طائفي وزيادة فرقة أبناء الشعب، لأننا نعرف أن القرار في يديه وبأيدي القوى المتنفذة التي بإمكانها اتخاذ اجرءات لمواجهة هذا الخطر. لا تكمن الخطورة فقط في الفتنة الطائفية ولكن من الصعود المتنامي والمستمر للمليشيات. والآن هناك دعوة واضحة من مختلف القوى المتنفذة ومن يتبعها في إنعاش التجمعات المليشياوية والدعوة الى التسلح وبحجة الحفاظ على المتظاهرين واستمرار التدخل الخارجي مما يدفع الجانب الآخر الى التصلب في مواقفه، مما يدفع البلد الى وضع لا تحمد عقباه. ولذا فان دعوتنا الى الحوار هي الحل الأمثل للخروج من هذه الأزمة الملتهبة.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.