اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

في المرأةِ وفلسفةِ القهوة: النص 28- ماذا أقولُ له، وقدْ عادْ؟// د. سمير محمد أيوب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. سمير محمد أيوب

 

عرض صفحة الكاتب

في المرأةِ وفلسفةِ القهوة: النص 28- ماذا أقولُ له، وقدْ عادْ؟

الدكتور سمير محمد أيوب

 

  غامِدِيَّةٌ كالمَها، أقبلتْ من البَعيدِ العربي، من بلادِ غامدٍ في عُمقِ الجزيرةِ العربية. بأناقةٍ كركيةٍ وشَمَتْ مَفْرِقَها. إمرأةٌ بطعمِ القهوةِ العدنية، ونكهةِ الهيلِ في مِهْباشٍ مُرَصَّعٍ، يَعزفُ مع أوَّلِ المَغيب، ألحانَه الشَجِّيةِ في بوادي بلاد الشام. صوتُ الغامدية، رنانٌ شجيٌ ، كصوتِ الدِّلالِ النُّحاسِيَّة، وهي تتراقَصُ بِحَمْلِها من القهوة، وتَتقافزُ برشاقةِ ألْمَها العراقية، مُكتَوِيَةٌ بجمرِ النارِ في المواقد البدويه.

 

منذ ايامٍ، جَلَسَتْ بِجانبي إلا قليلا، في قريةِ المُخيبةِ الأردنية، المُرابطةِ مُباشرةً على الضفة الشرقية لنهر الاردن، على بعد مئاتِ الأمتارِ من مدينة طبرية وبُحيرتها، في الجليل العربي الفلسطيني المحتل، وعلى مرمى كرامة من الجولان العربي السوري المحتل. أوجَعَتْنا تداعياتُ المكانِ ورمزياتُه.

 

إنْتَشلَنا مما نحن فيه من شجنٍ صامتٍ موجِع، فَرَحٌ إنتابَ الغامدية، حين هوى بَصَرُها على قطيعٍ من البط الأبيضِ والأسود، سابحا أمامنا في ما تبقى من ماء النهر المنهوب. إلتَفَتْ إليَّ وناولتني بِيَدها، فنجاناً من القهوةِ المُرَّة، ويَدُها الأخرى تُعانِق فِنجالَها.

 

قبل أن تَرفَعَ لها عَينايَ إمتناني، وقبلَ أن تلتحم شفتايَ مع حوافِّ الفنجال، أو الغوص عميقاً في قيعانِه، إعتدَلَتْ في جَلْسَتِها، وأعادت ترتيبَ تضاريسها. جالَتْ عيناها مُطولاً، في البعيدِ من الأرض العربية المحتلة. جَذَبَت نَفَساً عميقاً لإخفاءِ قلقها، المُتناثِرِ حول حَوافِّ فنجالها، الذي كادت أن تُحَطِّمُ أضلاعَهُ، بين أصابِعِها المُطْبِقَةُ عليه بِقسوة. أشفقتُ عليه منها. تَنَهَدَتْ طويلا لإعادة تنظيم دقات قلبها، والسيطرة على دَمدماتِ شفتيها. ثم إنهمرتْ كالسَّيلِ بوحاً حزيناً.

 

قالت: على حوافِّ أحدِ فناجيلِ قهوتي، نَشبَ في وجهي ليلةَ البارحة، نقشٌ لسؤالٍ بات منذ أيامٍ، يلازمُني كالقرين. يكاد يقتلني. يُطل عليَّ من خلفِ ضبابِ كلِّ قلقٍ، ومن ثنايا سُحُبِ الوجعِ المُحِّير.

 

قلت وانا مثلها انظر الى الذل العربي المحتل: الفناجيلُ يا سيدتي، مساحةٌ رحبةٌ، تتسعُ لمخزونِ كلِّ الناسِ من الأسرار. تختزنُ في قيعانها كلَّ شئٍ من الأسرار، المُفْرِحُ منها والمُؤلِم. ولكن، لا تثقي كثيراً، بقدرةِ تلكَ الحوافِّ أو القيعان، على كتمان الأسرار. فهي  إن دَنْدنَت فَضَّاحَةً بَوَّاحَة.

 

قالت والكثير من الفرح يكسو وجهها: تَعرِفُه جيدا. أشهدُ أنني أحببته، ولم أُشْرِكْ بِحُبِّه أحداً. وأشهدُ أنَّهُ الأحبُّ ولا يزال. أذكُرُهُ والنجومُ طَوالِعٌ. وأراهُ كلما عَنَّ عالبالِ شوق. من خَلَلِ الدموع أبكيهِ، كلما هتف قلبي بإسمهِ مُنادِياً. وإن إحتج عقلي مُذَكِراً برحيلهِ المُفاجِئ، ويختصمان بقسوة. صحيحٌ هَجَرْ، وبِقسوةٍ لا أسْتَحِقها. ولكن، لم يسرق أحدٌ مني حتى الآن، شيئاً من ذكرياتنا.

 

كانت حزينة، تتنهد بكثرةٍ. تنظرُ للبعيدِ الأبعد. تصارعُ أصابِعُها أصابِعِها. وساقها ترتعش. فقلت مُقاطعاً، وأنا أعلمُ أنَّها مِمَّنْ يَكْتُمونَ عواطِفَهُم باتقان. وأعلمُ أنها تدري، حاجتي للإستماعِ لها، وشوقي لأحاديثها: جميلٌ أن يكونَ لكِ شريكٌ تحتَ أيِّ مُسمّى، والأجملُ أن يعرفَ الشريك ذلك. هيا أكملي يا سيدتي ما عندك، فكُلِّي على السَّمَعْ.

 

قالت متضاحكة: دَعْكَ من التخابُثِ يا صديقي. مِشْ وَقْتُهْ. فأنتَ منذ أمَدٍ طويلٍ، الأدرى بحكايتي مع الهاجِرِ لِتضاريسي كلها. ومُطِلٌّ أنتَ، على حِكايتي مع العابِرِ المُقيمِ الآنَ، في محرابِ أوجاعي، مالِئاً كلَّ حَواسيَّ دِفْئاً.

 

 قلت متخابثا بالفعل: إذن ، أينَ الحِكايةُ يا إمرأة؟

 

قالت بِنَزَقٍ بَيِّنٍ: لقد عادَ إيجابيا، الحبيبُ الهاجِرْ. فما ذَنْبُ الشريكِ العابِرِ المُقيم؟ جريئةٌ أنا كما تَعْلَمْ . لا أريدُ أنْ أُعانِدَ الينابيعَ ولا السواقي، فكُلُنا خطاؤون. لا أريدُ ان أخاصِمَ ألأقمارَ ولا النجوم. فَمَنْ مِنَّا على صِراطٍ مُستقيم؟! ولكني ايضا، لا أريدُ أنْ أقَعَ صريعةَ الوهمِ، حتى لو كانَ رائعاً أو أخاذا. ولا أريدُ أن يُثْقِلَني الإحساسُ بِدونِيَّةِ الغَدْر.

 

واكملت بما يشبه التمني، قُلْ لي يا شيخي، فأنا في مهب الريح. كيف أُنْصِتُ لقلبي كما أُحِسُّ به الان؟ وكيف أستَمعُ لِوساوِسِ عقلي؟ قل لي بربك، كيف أمضي لأصِلَ إلى جوهر نفسي؟ قُل لي وقد قرأت الكثير من الحيرة في عيني وعلى صفحات وجهي، قالت وهي تحملق في عيوني وتحتضن أصابعي بكلتي يديها: قل لي يا شيخي، ماذا أقول له، وقد عاد؟!!!!

 

الأردن -25/4/2014

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.