كـتـاب ألموقع
ثرثرات في الحب (الثرثرة 32)- أتحِبُّني حقاً؟// د. سمير محمد أيوب
- المجموعة: سمير محمد ايوب
- تم إنشاءه بتاريخ الأحد, 21 تموز/يوليو 2019 18:46
- كتب بواسطة: د. سمير محمد أيوب
- الزيارات: 1691
د. سمير محمد أيوب
ثرثرات في الحب (الثرثرة 32)- أتحِبُّني حقاً؟
د. سمير محمد أيوب
جَلَسَتْ بِجانبه في ظلال شجيراتٍ منَ الزَّعرورِ والسِّماق ، على تلَّةٍ من تِلال السويداء في جبل العرب ، مُطلَّة على وادٍ قَدْ جَفَّ ضرعُه ، وكثُرَ نَبتُه وزَرْعُه ، تحيط كرومُ العنبِ بِضفَّتيه . ونظراتُها تُتابِعُ بشغفٍ سِرباً من الفراش المُلوَّنِ ، يدور بانتظامٍ وهو يرتفع ، ويهبط بتكاسلٍ مُنسَّقٍ ، يُراقِصُ بعضُه بعضَه ، على شيء من دَندناتِ فريد الاطرش المُتسلِّلَة ُ من البعيد ، برفقةِ نسائم حييَّةٍ شبهَ ساكنة ، قالتْ بشجنٍ بعدَ أن التفتت اليه محدِّقَة في عينية : ما بِكَ صامتا يا سَنَدي ؟ إفتحْ لِيَ لوْ طاقةً على قلبك . أطلقْ سراحَ ما تعتقله عميقا في خوابيه . فأنا يا شيخ المشاغبين ، إن كنتَ لا تعلَم ، أغارُ عليكَ ، حتى من المسكوتِ عنهُ فيك .
طأطأ رأسه ليُخفِيَ وميضَ عينيه ، ولكن سرعان ما رفعه إلى الأعلى ، مُتلفِّتاً يَمنة ًويَسرةً بحركاتٍ سريعةٍ مُتتالية ، ثم حدَّقَ صامِتاً في الأفقِ أمامَه ، وجفناه يرتعشان . أمْسَكَتْ بذقنه المسكونةِ بغمَّازٍ عميقٍ ، يعلوه شاربٌ مُشذَّبٌ أنيقٌ ، وأدارَتْ وجهَهُ باتجاهها ، وما أن تلاقحتْ عيونُهُما ، عاجَلَتهُ بِما يُشبه الوشوشة المسكونة بالقلق : أحقّا تُحُبُّني يا رجل ؟
قال وكأنه يزيح عن كاهلة حِمْلا ثقيلا : ومن أوَّلِ نظرة .
سارَعَتْ بكل ما فيها من دهاءٍ ، لُتشاغب قائلة بوقار مُفتَعلٍ: أصحيحٌ يا عنترة ؟ فأنا لا أكاد أن أصدِّقَ شيئا مِمَّا تقول ، إحلف لي .
قال بصوتٍ مشوبٍ بالكثير من العتب الحَيِيْ : أعندَكِ شكٌّ يا دهقونتي الجميلة ؟!
قاطَعَتْ ما كان يود استكمالَه ، برجاءٍ شاكٍّ باحثٍ عن يقين : إذن قل لي بربك لِمَ ؟
وضعَ اصبعه على شفتيها المكتنزتين ليقطع تدفق أسئلتها المُتذاكية ، وقال بقهقهةٍ حاسمةٍ : من غِير ليه . فلا يصح ولا يليق ، سؤالُ عاشقٍ تبريرا لِمشاعِرِه .
تظاهَرَتْ بالاستسلام مشترطة ان تعرف فقط قدِّ إيه ؟
تنهَّدَ وهو يطوِّقُ خصرَها مُتلعثما : فاكره البحر ؟!
قالت مُستَنكِرَةً : بَسْ يا بخيل ؟! يا ويلَك وسوادَ لَيْلَك . البِحارُ صغيرةٌ يا سَندي .
قال مُقهقها : لا تزعلي يا طماعة . فأنا احبك قدر شوقِ أمٍّ للراحلينَ من أولادها .
تلاشت بين ذراعيه حزينة ، وبصوتٍ كسيرٍ مُرتجفٍ همَست : أولَم أخبرك أكثرَ مِنْ مرَّةٍ ، أنني يتيمة ٌمقطوعةٌ من زيتونة ٍكنعانية ؟ قذيفةٌ حاقدةٌ كانت قد مزَّقَتْ أمي إربا في مخيم تل الزعتر ، وبعدها بسنوات ، سكِّينُ عميلٍ ذبَحت جسد أبي في مخيم صبرا . أما اخي ألأكبر عائد ، فقد قصفته دبابةٌ جاهلةٌ في مخيم البداوي . وأخي الأصغر جهاد ، وكان آخر من تبقى لي ، فقد أجبره إرهابيون محاصِرون لمخيمِ اليرموك ، على أن يعود إلى ربه جائعاً عطِشاً من هناك . وإن سألتني عن باقي العائلة ، فإعلم أنَّهم كانوا قد طُمِروا أحياءً تحت ركام بيتنا في دير ياسين في فلسطين المحتلة .
مُبَعثَرا مهزوماً قال عنترة مُواسيا : يرحمهم ربي وربك . وأضاف بصوت مُحتارٍ : ما رأيك لو أني نسجتُ لك حبَّاً بحجمِ وجعِ أمةِ العرب وأحلامها المُجْهضَة ؟
تحسَّستْ يسارَ صدرهِ بكفٍّ حانية ، ثم احتضنت خدية بين كفَّيْها ، وقالت بصوت دامع يحاول التماسك : بربك ، دعِ الغُفاةَ من امة العرب ، في سباتهم وغفلتهم يعمهون .
كالمحاصر الذي اكتشف خلاصه فجأة ، سألها : ما قولك بِحبٍّ من كَرَمِ الله ورِزْقه ؟
توهجت عيناها بفرحٍ دمْعَهُ بارداً كماءِ بردى . طوَّقَت عنقَهُ ، وهي تُمَرِّغُ رأسَها المُثقلَ في سهوبِ وغيطانِ صدْره . تلاحقَتْ أنفاسُها وتهدَّجَ صوتُها ، وجاءَ كالصدى الآتي من البعيد البعيد : تعال إليَّ يا عنترة ، أضمك وأشمك . لألَمْلِمُ وأرمم ما تبقى لي من أهلٍ . فأنا معك ولك ، بنتك وأمك .
المتواجون الان
914 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع