اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• العمارة والتنمية السياحية

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. هاشم عبود الموسوي

 

              العمارة والتنمية السياحية

 

أستاذ مشارك في العمارة والتخطيط العمراني

 

 

 

تُعتبر التنمية السياحية من أهم عناصر التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، كما تعتبر في بعض الدول من أهم مصادر الدخل القومي تعادل أهمية التنمية الصناعية أو الزراعية، وقد تفوقها في الدول ذات المقومات السياحية الكبيرة مثل مصر، وتعالج التنمية السياحية على مختلف المستويات التخطيطية القومية والإقليمية والمحلية بدءاً من الكليات حتى الوصول إلى الجزيئات.. ولمل مستوى من هذه المستويات خصائصها التخطيطية التي ترتبط جميعها في إطار الحركة التبادلية بين المستويات المختلفة. وهذا هو المبدأ التخطيطي الأساسي في معالجة أي جانب من جوانب التنمية ومنه تنبثق كل الدراسات على كل المستويات. والدراسة على كل مستوى بهذا المفهوم لا يجب أن تتوقف حتى تظهر نتائج الدراسات على المستوى الأعلى، ولكن لابد وأن تسير كل الدراسات التفصيلية والمحلية والإقليمية والقومية في آنٍ واحد مع تنسيق الربط بينها جميعاً.

فالتنمية السياحية بهذا المفهوم ترتبط بعددٍ من العناصر الأخرى للتنمية خاصةً في المناطق الخالية من أي ناحية من نواحي التنمية، مثل ساحل البحر الأحمر والساحل الشمالي وشبه جزيرة سيناء في مصر... فالتنمية السياحية في أيٍ من هذه المناطق لابد وأن تتم في إطار التنمية المتكاملة. وهنا لابد من الربط بين مراحل تنمية العناصر المختلفة على المستوى المحلي. ومنها تنبثق الدراسات التفصيلية للمشروعات في كل جانب من جوانب التنمية ومنها التنمية السياحية. والدراسات التفصيلية على مستوى المشروع تتطلب التعرّف على مجموعات من المرادفات المناسبة لكل مشروع وعلى الجدوى الاقتصادية لكلٍ منها في ضوء خصائص ومقومات وإمكانات الموقع. من هنا يظهر الجانب المعماري في التنمية السياحية.. خاصةً بالنسبة لتأصيل خصائص العمارة كعامل جذب سياحي يُضاف إلى المقومات السياحية للموقع. والخصائص المعمارية المحلية على مستوى المنطقة لابد وان تعكس أيضاً إضافة عوامل أخرى للجذب السياحي الذي لابد وأن تتصف به المنطقة كإطار عمراني أو بيئي لمشروعات التنمية السياحية.

والعمارة بمفهومها الواسع هي تعبير عن المستوى الحضاري السائد.. فكلما ارتفع هذا المستوى ارتفعت درجة اجتذابه للسياحة بأنواعها المختلفة. سواء أكان ذلك في مباني المدن القائمة أم المدن الجديدة التي لا تبنى أساساً كمشروعات سياحية ولكن لتؤدي الأغراض الأخرى في التنمية العمرانية. وهنا يجدر التحذير من الإفراط فيما ينشأ من مباني سكنية اقتصادية سرعان ما تتحول بعد فترة وجيزة إلى هياكل من الأطلال المعمارية تشوّه البيئة الحضارية للمدينة وخاصةً ينشأ منها حول مجموعات المباني الأثرية أو على طول الطريق المؤدية إليها أو ما ارتفع في المجال البصري "الحركة العامة".

وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لما ينشأ من المباني السكنية ذات المستوى الاقتصادي فإنه من الأجدى العناية بالمستوى المعماري للمباني السكنية ذات المستوى المتوسط أو الفاخر حتى تعبر عن الخصائص المعمارية المحلية أو تعكس التراث العمراني السائد في المنطقة – فالاهتمام بالطابع المعماري أو بالمستوى الإنشائي للمباني خاصةً السكنية منها ليس من قبيل الترف بقدر ما هو عامل مؤثر على الوجه الحضاري للدولة. ومن ثمّ على تنشيط الحركة السياحية إلى هذه الدولة.

والعناية بعمارة المدن القديمة أصبحت حاجة ملحة ليس فقط للحفاظ عليها كتراث حضاري أو ثقافي ولكن أيضاً لكونها أساساً للمقومات السياحية. من هنا كانت العناية الشديدة بتنظيم وتطوير المدن القديمة لما لهذه المدن من أهمية فائقة ليس فقط كجزء من تراثها الثقافي لكن أيضاً لكونها مصدراً هاماً من مصادر الدخل السياحي وعلى هذا الأساس يُمكن دراسة الجدوى الفنية والاقتصادية لتطوير هذه المناطق مع حساب حجم العائد المتوقع من تطويرها من خلال الدخل السياحي. وأمامنا أمثلة ناطقة في أوروبا وأمريكا... بل وفي المغرب العربي كما في مدينة فاس أو مدينة الرباط القديمة بالمغرب أو في مدينة تونس العاصمة أو في المشرق العربي كما في مدينة جدة القديمة التي بدأت تدبّ فيها الحياة المعاصرة مع ما تحمله من خصائص حضارية وثقافية قديمة.

وإذا دخلنا في اقتصاديات العمارة السياحية في الدول النامية سواء في الفنادق أم الشاليهات أم الأندية العامة أم غيرها فإن الأمر يتطلب إعادة التقويم لتحديد المواصفات الخاصة بمستوياتها خاصة بالنسبة للفنادق ذات النجوم المتعددة بحيث لا يعتمد التقويم هنا على مستوى التشطيب والخدمات والتكاليف. ولكن على أساس الالتزام بقيم العمارة المحلية سواء العمارة الخارجية أم العمارة الداخلية التي تعتمد في الوقت الحاضر على الأثاث والتجهيزات المستوردة الأمر الذي يزيد من الأعباء المالية على هذه المنشآت السياحية.. فالسائح القادم من الغرب يزيد من استمتاعه أن يعيش بيئة الشرق في العمارة الخارجية أو الداخلية على السواء..

فالهدف الأساسي من السياحة هو التجديد الحسي والمعنوي للإنسان الذي لا يتحقق إلا بالإحساس بتغير البيئة ونمط الحياة.. مع التمتع بأكبر قدرٍ من الخدمة والنظافة والنظام.. وعلى هذا الأساس يُمكن إعادة الحسابات الاقتصادية للمشروعات السياحية.. فإن تقديم المباني السياحية في الدول النامية في صورتها المحلية المتواضعة والمعبّرة عن الأصالة والتراث هو عامل جذب آخر يُضاف إلى جوانب الجذب الطبيعية أو المناخية أو التاريخية. من هنا ظهرت المنشآت السياحية في المراحل الأولى للتنمية السياحية في صور متواضعة سواء من ناحية مادة البناء أم الأثاث مع التركيز الأكبر على الارتفاع بمستوى الخدمة والنظافة والنظام.. فهذا هو المدخل الأمثل للتنمية السياحية في الدول النامية اقتصادياً ومعمارياً.. فلنغيّر حساباتنا على قدر ما لدينا من إمكانات.. وبقدر ما نُعطي من خدمات.

ولتدعيم السياحة فإننا نحتاج إلى تضافر كل الجهود، حيث أن هناك أهمية إلى التعدد والتنوّع في السياحة، إلا أن الحكومة لديها بالفعل أولويات يجب أن يوجّه لها الاهتمام الأساسي مثل حل أزمة الإسكان أو تجديد المجاري أي التركيز على أعمال المرافق في المدن نفسها، وذلك لأننا نعمل في إطار حجم محدد من الموارد مما يجعلنا نحدّد أي المواضع تعطى لها الأولوية، ولكن هناك ضرورة ملحة إلى إيجاد مناطق جذب سياحية ومحاور متعددة بدلاً من عملية التكثيف أو التركيز في منطقة واحدة، فهذا إلى جانب ما سيحقّقه من فائدة في المجال السياحي سوف يؤدي أيضاً إلى استيعاب عمالة جديدة في مجال الخدمات إلى جانب تخفيف الكثافة السكانية عن المدن القائمة.

وبالطبع سوف تتنوع وجهات النظر حول بعض الأمور الخاصة بتنظيم السياحة، وذلك بتنوّع المواقع وباختلاف المسؤوليات، إلا أن الآراء تكاد تقارب الاتفاق عندما نتحدث عن السياحة في مفهومها العام. فالسياحة ما هي إلا عملية متعددة الجوانب ومتشابكة الأطراف منها ما هو اقتصادي ينظر إلى السياحة كصناعة تحتاج لرؤوس أموال طائلة ونجاحها هنا يتوقف على مدى ما تضيفه للدخل القومي من تراكم مادي، ومنها ما هو ثقافي ينظر إلى السياحة كعلاقة بين الشعوب المختلفة واتصال إنساني يعكس طبيعة البيئات المتباينة، وكوسيلة لنقل الأفكار والقيم وأنماط السلوك بل والتراث الحضاري بين الأمم، وبقدر ما تحققه هذه الوسيلة في عملية التقارب هذه بقدر ما تنجح السياحة.

أما على المستوى الداخلي فإن السياحة هي وظيفة يشترك فيها كل فرد في المجتمع وكل هيئة من الهيئات، لأننا بالتأكيد لا نستطيع أن نُطلع السائح على آثارنا الإسلامية القديمة دون أن يرى معالم أخرى في المدن مثل تراكم القاذورات أو الاعتداء على الآثار كاستخدام بعضها في إيواء من تهدّمت منازلهم، أي أن العمل السياحي ليس بذلك المفهوم الضيق الذي يركّز المسؤولية في يد وزارة أو مؤسسة للسياحة بل أنّه يمتد ليشمل مجالات أخرى – فمثلاً من يبني ويوجّه اهتمامه بالطابع المعماري على الأقل لا يشوّهه يسهم في إنجاح العمل السياحي. فإذا اتفقنا على هذا المفهوم فلنحاول جميعاً أن نُسهم في عملية ترشيد السياحة.

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.