اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• سلبية النظر، أحادي الاتجاه للتطور المعماري

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. هاشم عبود الموسوي

             سلبية النظر، أحادي الاتجاه للتطور المعماري

 

من المعروف بأن الحضارة هي التي أوجدت العمارة بالمفهوم الذي ندركه اليوم، وبعد ذلك مرّا سوية بدورات متعاقبة تاريخياً وجغرافياً.

 

وإذا كانت العمارة الأولى في التاريخ قد نبتت على ضفاف الفرات والنيل وامتد تأثيرها شرقاً وغرباً حتى دخل بلاد الإغريق والروم واستمر المد الحضاري غرباً حتى عصر النهضة ثم الثورة الصناعية وتعدى حاجز الصوت وخضعت العمارة في الغرب إلى كل وسائل التقنية المتقدمة، وانفتح العقل المعماري بعد ذلك على آفاق عريضة من الأفكار والابتكار تحت مسميات عديدة ومتعددة تصدر إلينا في العالم العربي بين الحين والحين حاملةً معها كل مقومات الإبهار والإظهار حتى أصبح كل شيء جائز في عالم العمارة. والمعماري العربي في كل هذه التطورات يقف متفرجاً أو ناقلاً أو متمسحاً بكل الإفرازات الحضارية والمعمارية في الغرب كما يقف عاجزاً عن المساهمة في خوض المجادلات الفكرية النابعة من خصوصيته الحضارية. فالمعماري العربي ليس لديه من المراجع إلا ما يقدمه له الفكر الغربي وليس عنده من التقنية إلا ما تنتجه المصانع الغربية.. وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على التخلف الحضاري الذي أصاب هذه الأمة بعد أن كانت مورداً للعمارة والفنون والعلوم إلى كل أرجاء العالم، ولكن الأيام دول فإذا كانت الحضارة الأولى قد نبعت من المشرق واتجهت غرباً ثم عبرت المحيط الأطلنطي حتى وصلت القارة الأمريكية ثم المحيط الهادي حتى مشارف الصين.. فمن الواضح أنها بدأت تغرس جذورها في جنوب شرق آسيا في بلدان مثل سنغافورة وماليزيا واندونيسيا وتايلاند والفلبين، وبدأت في هذه البلاد عمارة أكثر تطوراً كنتيجة حتمية للنمو الاقتصادي والذي بدأ يدب في أرجائها ويمتد حثيثاً إلى داخل الصين التي بدأت تدخل عصراً جديداً من التنمية الاقتصادية والعمرانية سوف تقلب الميزان الحضاري في العالم. هذا في الوقت الذي بدأت فيه أوروبا وأمريكا عهداً من التخلّف الإنساني والحضاري الذي سوف ينعكس بالتالي على مقوماتها الاقتصادية والمالية وبالتالي على إنتاجها المعماري والعمراني. وقد بدأت صورة الدورة الحضارية التي بدأت من المشرق تتجه غرباً لتعبر المحيطات حتى بدأت تظهر بداياتها السريعة في جنوب شرق آسيا، وتجتذب معها دولة الصين العظيمة، وظهرت الإفرازات المعمارية والعمرانية لهذه الحضارة الجديدة في العديد من المشروعات الإسكانية والإدارية والسياحية، وصدرت معها المجلات المعمارية التي تضم أحدث ما أنتجه الفكر المعماري لهذه الدول. ولم يكن التضامن الاقتصادي بين هذه الدول قاصراً على الجوانب التجارية والمالية والإنتاجية فقط ولكنه امتد إلى كل جوانب العمل والأعمال بما فيها العمارة. فقد تكون اتحاد للمعماريين من دول سُمّيت في زمنٍ ما بـ(النمور الخمس) له مجلته المعمارية الخاصة بخلاف المجلات المعمارية لكل دولة.. هكذا في هدوء وسكينة وبسرعة مذهلة لا يشعر بها حتى أن الدول الغربية بدأت تخشى هذا المد الحضاري الجديد، هذا في الوقت الذي لا يزال فيه المعماريون العرب متطلعين بأنظارهم إلى الغرب وظهورهم إلى الشرق. وقد آن الأوان لتحويل النظر شرقاً ليس فقط للتلقي والاستيراد ولكن للتفاعل والمساهمة في هذه الطفرة الحضارية، خاصةً وأن المقومات الاجتماعية والثقافية والدينية لهذه الدول أقرب إلى العالم العربي، الأمر الذي يساعد على سهولة الاتصال المهني والتفاعل العلمي والفكري، والاستفادة من التجربة الحضارية والمعمارية التي تمر بها هذه الدول دون حساسية أو حرج ودون استغلال أو تسلّط ودون الخلفيات التي تركها الغرب في الكيان العربي ورسّخت في وجدانه الفكري والثقافي بما فيها من مفاهيم وتعبيرات ومصطلحات يتناولها المعماري العربي كما هي بألفاظها الأجنبية وشروحها اللغوية، فلا نجد كتاباً أو مقالاً إلا واستشهد فيه المعماري العربي بمقولات أصحاب الفكر المعماري الغربي وكأنها آيات أنزلت دون تدخّل فكري أو اجتهاد علمي أو مناقشة من المعماري العربي ودون الرجوع إلى الجذور الثقافية والحضارية والفكر العربي بخصوصيته الشرقية، ودون الاجتهاد الفردي الذي يؤكد الشخصية العربية. وهكذا خلت الساحة العربية من أصحاب الفكر المعماري المكتوب أو المنشور إلا من عدد لا يزيد على أصابع اليد الواحدة. وبدأت ساحة النمور الخمس تمتلئ بالفكر الجديد النابع من بيئتهم الثقافية والحضارية يواجهون به العالم ويؤكدون شخصيتهم المعمارية. وها هي مجلاتهم المعمارية تصدر في أحسن صورها منافسةً ما تصدره المطابع في الغرب.

 

لقد حان الوقت لأن يراجع المعماري العربي موقفه من الحركة المعمارية العالمية ويخرج من تبعيته الفكرية إلى بناء مقوماته الذاتية وفي الشرق تجارب مُشرّفة... يُمكن الاسترشاد بها والاستفادة منها.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.