اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

عالم أخر (15): حكاية "الورقة العراقية" مع النزاهة والقانون الفنلندي! -//- يوسف ابو الفوز

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

عالم أخر (15): حكاية "الورقة العراقية" مع النزاهة والقانون الفنلندي!

أهمية التزام القادة السياسيين بالقانون لكونهم شخصيات اعتبارية ولسلوكهم جانب تربوي لعموم الشعب

يوسف ابو الفوز

ـ هلسنكي

في العراق تتواصل التحضيرات لانتخابات مجالس المحافظات ، وسط الكثير من التحديات ، ويواجه المواطن خيار التصويت للمرشح المناسب الذي يهتم بهمومه ومطالبه ، في ظل ما تعيشه الدولة العراقية والعملية السياسية من اختناقات متواصلة وضعف مؤسسات الدولة في تطبيق القوانين ، الذي يسهل للكثير من المفسدين النجاة بافعالهم فنجد المواطن العراقي يحلم بان يكون للقانون في بلده سلطة كتلك التي يسمع عنها في الدول المتحضرة . تعالوا نرى كيف ان خرق القانون اطاح برئيسة وزراء دولة اوربية ، الطريف ان القضية عرفت بأسم "الورقة العراقية " !

حصل الامر في فنلندا ، عام 2003 ، خلال الانتخابات البرلمانية ، التي اعلنت نتائجها في 16 اذار نفس العام حيث حقق حزب الوسط نجاحا بارزا اذ لعب قادته "الورقة العراقية " بدهاء فكانت سببا في ارتفاع نسب التصويت لصالح مرشحيه ، فحصد العدد الاكبر من مقاعد البرلمان التي سمحت لزعيمة الحزب السيدة "أنيلي ياتينماكي" (مواليد 1955) بتشكيل الحكومة الفنلندية .  النصر الذي حققه حزب الوسط جاء بفضل مناظرة تلفزيونية ، على الهواء مباشرة، خلال الحملات الانتخابية ، حيث فاجأت زعيمة حزب الوسط ، السيدة "أنيلي ياتينماكي"، رئيس الوزراء الاسبق وزعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي ، السيد " بافو ليبونين " ، بأنها تعرف الكثير عن اجتماعه مع الرئيس الأمريكي "جورج ديبليو بوش " ، الذي عقد في واشنطن في 9 /12/ 2002 . تحدثت زعيمة حزب الوسط عن ما سمته وعود بافو ليبونين للرئيس الأمريكي بضمان مساندة فنلندا للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وأيضا حملتهم العسكرية على العراق ، واتهمته بتوريط فنلندا بالموافقة على سياسة الحرب الأمريكية ، وبشكل مخالف لسياسة فنلندا الخارجية السلمية ، وموقفها الذي يجب ان ينسجم مع سياسات الاتحاد الأوربي ، والداعي إلى حل الأزمة العراقية من خلال الأمم المتحدة وبالطرق السلمية . في الأيام التالية للمناظرة تسربت معلومات إلى الصحافة المحلية عن وثيقة رسمية سرية هو محضر اجتماع رئيس الوزراء بافو ليبونين مع الرئيس الأمريكي الذي كان يعقد لقاءات واجتماعات مع قادة العديد من الدول الأوربية في سعي من الولايات المتحدة الأمريكية لكسب اكبر عدد ممكن من الحلفاء لحربه المنتظرة ضد العراق . ذكرت التقارير الصحفية وطبقا للوثيقة السرية ان الرئيس الأمريكي مدح فنلندا كشريك جيد للولايات المتحدة في مواقفه من الحرب ضد العراق. في ذلك الوقت كانت فيه شوارع العواصم والمدن الأوربية ومنها العاصمة الفنلندية ، تلتهب تحت أقدام المتظاهرين ضد الحرب ، هذه المعلومات دفعت بالعديد من الأحزاب الفنلندية لمهاجمة السياسة الخارجية للحزب الاشتراكي الديمقراطي، وبالتالي أدى إلى انفضاض الناخبين عنه ، وترك أثره على نتائج الانتخابات ، فحقق حزب الوسط فوزا مشهودا ، وكلفت السيدة "أنيلي ياتينماكي" بتشكيل الحكومة الجديدة ، لتكون اول أمرأة في تاريخ فنلندا تشغل منصب رئيس الوزراء . لم تنهنأ المنتصرة بمنصبها كثيرا ، فتبعا للاسس الديمقراطية والشفافية في المعلومات وحرية التعبير في الصحافة التي يكفلها القانون ، راحت الصحافة تتابع قضية الحصول على المعلومات السرية وتسرب وثائق الدولة للصحافة ، وتوظيفها للتلاعب بمشاعر الناخبين والتاثير على الراي العام واثبات ان هناك طرق غير قانونية اتبعت للحصول على وثائق سرية . وتواصل الحديث عن اهمية التزام القادة السياسيين بقوانين الدولة لكونهم شخصيات اعتبارية ولسلوكهم جانب تربوي لعموم الشعب  فخرق القانون امرا لا يغتفر . وسرعان ما كشفت الصحافة الفنلندية ان الوثائق الرسمية السرية تم تسريبها من ديوان رئاسة الجمهورية ووصلت إلى رئيسة حزب الوسط التي وظفتها في حملتها الانتخابية . وفور نشر هذه المعلومات تبنت الاحزاب المتضررة في الانتخابات دعوة البرلمان لمساءلة رئيسة الوزراء وأجراء التحقيقات الرسمية اللازمة من قبل الجهات المختصة. واستطاعت الجهات الرسمية بعد سلسلة من التحقيقات ان تحدد مصدر تسرب المعلومات ، وتبين انه مستشار رئيسة الجمهورية القانوني ، الذي اعترف للشرطة السياسية بفعلته ، فأقيل فورا من منصبه لعدم أمانته. في جلسة المسائلة في البرلمان حاولت رئيسة الوزراء أنيلي ياتينماكي التخفيف من الأمر كونها قدّمت وجهة نظر المعارضة ذلك الوقت، وان من حق المواطن معرفة كل المعلومات ، وأن خطر نشوب الحرب في العراق ترك تأثيره على مشاعر كل الفنلنديين ، وغرضها المحافظة على موقف الحياد الذي عرفت به فنلندا. لكن وأمام ثبوت الأدلة بحصولها على الوثائق بشكل غير شرعي، وفي جلسة خاصة استمع البرلمان لاعترافها وقدمت اعتذارها لرئيسة الجمهورية، وحاولت المناورة بأن الوثائق وصلتها عن طريق الفاكس وانها لم تطلبها أو تسعى أليها. لم يكن تبريرها مقنعا للكتل البرلمانية ولا للشارع الفنلندي الذي تابع القضية وراح في استطلاعات الرأي يعبر عن غضبه ويتهمها بالكذب المباشر. وفي تعليق مباشر لرئيسة الجمهورية السيدة تاريا هالونين  أشارت إلى حق كل مرشح أثناء حملة الانتخابات في استخدام المعلومات المناسبة ولكن وفقا للطرق القانونية والشرعية ، وبينت ان سلوك رئيسة الوزراء كان مخالفة قانونية وسياسية واضحة ، وكان هذا تأييد مباشر للأصوات التي تطالب باستقالة رئيسة الوزراء ، بسبب خرقها للقوانين الفنلندية . وفي ساعة متأخرة من مساء 18 حزيران 2003، بعد شهرين من تشكيلها للحكومة ، قدمت أنيلي ياتينماكي ، رئيسة حزب الوسط ، استقالتها لرئيسة الجمهورية ، التي أعلنت نفس المساء عن قبولها . ولتفادي نشوب أزمة سياسية جرت حالا مفاوضات طاحنة خلف الكواليس وبقت التشكيلة الوزارية ذاتها وجيء بـ"ماتي  فانهانينين" وهو واحد من ابرز قادة حزب الوسط  ليشغل موقع رئيس الوزراء ، وحضي بموافقة رئيسة الجمهورية . ولم تنتهي مصاعب السيدة أنيلي ياتينماكي من جراء استخدامها "الورقة العراقية " ، إذ تصاعدت الأصوات داخل حزبها تنتقدها لما سببته من أزمة سياسية في البلاد وانحسار في شعبية الحزب ، وصارت مادة مفضلة لرسوم الكاريكاتير والبرامج الساخرة ، ولحد توقع بعض المحللين انها ستبادر للاعتزال السياسي، وقامت بجولة في المدن الفنلندية في محاولة لتلميع صورتها أمام أعضاء حزبها ، الذي وبطلب من قاعدته هيأ لعقد مؤتمر جديد . وفي  الخامس من تشرين الأول  2003 ، عقد المؤتمر وسط ترقب شديد من الشارع الفنلندي ، ورغم خطابها اللين الذي حاولت فيه استرضاء مندوبي الموتمر تم التصويت بالإجماع بعزلها عن قيادة الحزب وبنفس الوقت تم انتخاب وأيضا بالاجماع ماتي  فانهانينين  زعيما للحزب ، وفي خطاب الوداع  بدت فيه منكسرة على عكس ما عرف عنها من الظهور بمظهر المرأة الحديدية . وهكذا لم تكن نتيحة خرقها القانون واللعب بنار الورقة العراقية الاطاحة بها فقط من رئاسة الوزارة التي لم تهنأ بها ، بل واجهزت على مستقبلها السياسي !

يا ترى هل يتعظ البعض من ذلك ؟!

*      عن الصباح البغدادية ـ  الاثنين 15 نيسان 2013

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.