اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

يوميات حسين الاعظمي (974)- ذكريات مبكرة/ 16

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعظمي

 

عرض صفحة الكاتب 

يوميات حسين الاعظمي (974)

ذكريات مبكرة/ 16

***

زيارة القبانجي التاريخية

      لقد كان عام 1973 وعام 1974، وعلى الاخص عام 1974، كثيفا ومتسارعا في احداثه الفنية بالنسبة لي، فقبل ان ينتهي هذا العام، زارنا الى معهد الدراسات النغمية العراقي، استاذ الجميع مطرب العصور المقامية محمد القبانجي مساء يوم 11/11/1974، ليطلع على ما انجزه المعهد خلال السنوات الاربع التي مرّت على تأسيسه، باعتبار ان فكرة تأسيس المعهد كانت من بناة افكاره كما مر بنا في حلقة سابقة. فكان يوم الحادي عشر من تشرين الثاني من هذا العام 1974، يوما مشهودا يتذكره الجميع ولايمكن نسيانه، يوم لاينسى حقا..! جاء في مساء هذا اليوم الاستاذ القبانجي الى المعهد وبصحبته مجموعة من مغني المقام العراقي. وهم شهاب الاعظمي ومجيد رشيد ويونس يوسف وحسن البناء والملا بدر الاعظمي وغيرهم. وكان في استقباله مدير المعهد الاستاذ الدكتور صبحي انور رشيد وبقية الاساتذة، منهم الاستاذ روحي الخماش والاستاذ شعوبي ابراهيم والشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد الذي كان يدرسنا مادة اللغة العربية والاستاذ غانم حداد وغيرهم. كان الترحيب بالضيوف من قبل المدير والاساتذة والطلبة جيدا جدا.

 

        لقد تم تحضير مكان في صالة المعهد الوسطية الكبيرة نسبيا لجلوس الضيوف، القبانجي مع الزملاء المرافقين، وكذلك الاساتذة وبقية طلبة المعهد، ثم نودي على بعض الطلبة ممن له صوتا غنائيا كي يقدم احد المقامات العراقية التي تعلمها في المعهد امام استاذنا محمد القبانجي وبقية الضيوف.

 

      كان الاستاذ شعوبي ابراهيم عازف الجوزة، والاستاذ روحي الخماش عازف العود، والطالب امجد خضر هندي عازف الايقاع. هم من رافق الطلبة الذين تم اختيارهم للغناء امام الاستاذ محمد القبانجي وضيوفه. حيث غنى اولاً الطالب حسين الوردي مقام الحكيمي وهو من طلبة الدورة الثانية، ثم غنى الطالب جودت عبد الستار مقام الاوج وهو من طلبة الدورة الاولى، بعد ذلك غنى الطالب صلاح عبد الغفور مقام البنجكاه وهو من طلبة الدورة الثالثة. واخيراً جيء بي وانا من طلبة الدورة الرابعة وفي الصف الاول من دراستي في المعهد في هذا اليوم من زيارة استاذنا القبانجي، لأجلس امام ملهمي الكبير وباقي الضيوف لاغني مقاماً رئيساً، مقاماً يصعب على شاب في عمري ان يغنيه، خاصة امام مطرب الاجيال محمد القبانجي..! وكان مقام الحجاز ديوان.

 

     ان الحديث عن تفاصيل هذه الليلة التاريخية كثير جدا. ولا يمكنني ان اضعها وارويها بتفصيل في هذا الحيز الصغير، وقد سبق لي ان تحدثتُ باسهاب عن هذه الليلة في اكثر من لقاء وحوار تلفزيوني وكذلك في حوارات صحفية.

 

     على كل حال، غنيتُ مقام الحجاز ديوان بقصيدة جديدة غير مغناة من قبل..! وهي قصيدة للشاعر البهاء زهير، اطلعتُ عليها في كتاب (المقامات) تأليف استاذي شعوبي ابراهيم، فراقت لي واخترتها كي اغنيها في مقام الحجاز ديوان أما مطرب العصور المقامية محمد القبانجي وضيوفه المقاميين..! وعندما شرعتُ بالغناء، وكل من الاستاذ شعوبي ابراهيم والاستاذ روحي الخماش والطالب الزميل امجد خضر هندي يرافقوني عزفاً في غنائي لمقام الحجاز ديوان. كان الجميع ينصتُ لي وعنصر الدهشة والمفاجأة يغلب عليهم..!

كيف يجرء لشاب في عمري ان يغني امام مطرب القرن العشرين مقاماً رئيساً كالحجاز ديوان..؟

بل كيف يجرء ان يغنيه بقصيدة جديدة غير القصيدة المغناة في اسطوانة استاذ الجميع محمد القبانجي التي كانت للفاتح النحاس وهذا مطلعها..!؟

(باتَ ساجي الطرف والشـوق يـلحُّ/ والدجا ان يـمضِ جـنـحٌ يـأتِ جـنـحُ)

 

والاكثر من هذا وذاك، كان اسلوب غنائي لمقام الحجاز ديوان مغاير لأي اسلوب آخر، وقد اختلف تماماً عن اسلوب مطرب الاجيال محمد القبانجي نفسه..!

 

      هذه الامور وامور اخرى كثيرة لا مجال لذكرها تفصيلياً الآن، كانت مثار انتباه ودهشة كل الحاضرين بما فيهم استاذنا القبانجي وهو يستمع مني الى مقام حجاز ديوان جديد بقصيدة جديدة للشاعر البهاء زهير في هذه الابيات.

(نهاك عن الغــــــواية ما نهاكا/ وذقت من الصـــــبابة ما كفـاكا)

(وطال سراك في ليل التصابي/ وقد اصبحت لــــم تحمد سراكا)

(فلا تجزع لحادثة اللــــــــيالي/ وقل لي ان جزعـت فما عساكا)

(اراك هـــجرتني هجرا طويلاً/ وما عودتنــــــــي من قبل ذاكا)

(فكيف تغيرت نلك الســـــجايا/ ومن هـــــــــذا الذي عني ثنـاكا)

(فيامن غاب عني وهو روحي/ وكيف اطيق من روحي انفكاكا)

(يعزُّ عليّ حين اديــــــر عيني/ افتش في مكــــــــــانك لااراكـا)

 

     واتذكر جيدا عندما وصلتُ الى غناء قطعة القزاز (جنس بيات) اوقفني الاستاذ القبانجي، وقال لي معلقا.

-    ابني حسين، قطعة القزاز جميلة جدا في مقام الحجاز ديوان، فهي صلب هذا المقام، تربط بين الحجاز وقطعة الصبا الآتية في نهاية المقام. وانا في اسطوانتي لمقام الحجاز ديوان، غنيتُها بأكثر من بيت شعري، لانها قطعة مكثفة وتتحمل بعض التكرار لجمالها وتعبيرها المؤثر في النفس، وبالتالي فهي عصب مقام الحجاز ديوان في جمال تعبيرها المؤثر..!

 

      اخيرا اكملتُ غناء مقام الحجاز ديوان، الذي أمتلك نسخة مسجلة له في ذلك اليوم الاثير، وفي نهاية هذه الزيارة التاريخية، قال استاذنا القبانجي كلمته الاثيرة التي كانت منعطفاً كبيراً جداً بالنسبة لي، ونقلتني الى آفاق جديدة، خاصة بعد نشر الخبر مع صورة للزيارة في جريدة الثورة، وهي كبرى صحف العراق، تجمعني باستاذ الجميع محمد القبانجي من وقائع هذه الزيارة الخالدة، وتصريحه التاريخي المنشور مع الصورة في الجريدة حيث قال موصياً ادارة المعهد (الطالب حسين امل ومستقبل المقام العراقي، ووصيتي لادارة المعهد والهيئة التدريسية، الاهتمام بهذا الطالب والاخذ بيده الى التعلم والمعرفة في العلوم الموسيقية وكل المقامات العراقية، واتمنى له النجاح ان شاء الله).

 

      لقد كان الخبر والصورة المنشورة في جريدة الثورة عن هذه الزيارة، قد انتشر بين الجماهير والاوساط الفنية كالنار في الهشيم..! واصبح اسمي يذكر مع الاسماء المعروفة من مغني المقام العراقي، بل كانت أخبار هذه الزيارة وتفاصيلها، قد أدت الى ان يذكر اسمي مع مصاف المغنين المقاميين المشاهير وانا ما زلتُ حينها في المهد من تجربتي الفنية..! وترتبت عنها امورا ايجابية كثيرة حصلتُ عليها، وسيأتي تأثيرها تباعاً عندما نتحدث عن المنعطفات الاخرى ان شاء الله.

 

      بعد انتهاء هذه الزيارة التاريخية لاستاذنا القبانجي، عدتُ الى الاعظمية بمعية الاساتذة الملا بدر الاعظمي والاستاذ شعوبي ابراهيم والمطرب شهاب الاعظمي، وقد قال لي المطرب المقامي شهاب الاعظمي.

 

ابني حسين، جاءني الخبر بالحضور الى المعهد هذا اليوم من قبل الاستاذ القبانجي مع بقية من حضر معي من المقاميين، وعندما التقينا بالاستاذ القبانجي قبل وصولنا الى المعهد، لاننا جئنا سوية بمجموعنا الى المعهد. قال لي الاستاذ القبانجي باعتباري من الاعظمية. لقد سمعتُ ان طالباً في المعهد يغني في المتحف البغدادي اسمه حسين، وهو من الاعظمية، ويقال عنه انه جيد عسى ان نسمعه اليوم..! وهكذا كان هذا سببا لهذه الزيارة..!

 

والى حلقة قادمة ان شاء الله.

 

 

استاذنا الراحل مطرب العصور المقامية محمد القبانجي، يوجه نصائحه الى الطالب حسين الاعظمي بعـد ان استمع الى غنائه في مقام الحجاز ديوان، ويظهر في الصورة العازفون الاساتذة روحي الخماش وشعوبي ابراهيم ومجموعة من الطلبة من اليمين باسل كامل الجراح وسعدي حميد ومختار ومحمد زكي ومانوئيل وحسين الوردي ومحمد صالح عمر وحمودي عزيز وجودت عبد الستار. في يــــــوم 11/11/1974.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.