سعديه العبود

 مساهمات اخرى للكاتبة

        المسكن

2-10-2010

 ارتفع صوت الطفل الصغير  باكيا يعلن انزعاجه,استيقظت الأم فزعة وتمتمت (اسم الله اسم الله ) في محاولة للتهدءة  واستطلاع السبب ,تأفف الأب وتقلب  في مضجعه يعلن انزعاجه من الصوت .تبين  أن  احد أبنائها قد تجاوز حدوده واخترق الفسحة المحددة لهذا الطفل مما ضايقه  وأدى إلى انزعاجه  .

تعيش هذه العائلة ذات السبعة أنفار في هذه البقعة التي اقطعها من بيت والده كي يستقر فيها ,لا تتجاوز مساحتها خمسه وثلاثون مترا, استطاع أن يشيد فيها هول وغرفة نوم إضافة إلى الخدمات الأخرى. أما الطابق الثاني ,مكون من صحن السلم (بيتونة)والمتبقي يمثل سطح الدار ,يحتل التنور جزء منها والمتبقي تستخدمه العائلة للمنام صيفا .ويعد صحن السلم بمثابة مخزن للدار والمتبقي يستخدمه رب الأسرة للمنام صيفا .

حاول الأب معاودة النوم,لكنه لم يستطيع ,كان طعم الإحباط والألم  الذي انتابه  مرا ,وتساءل ماذا لو لم يحصل على هذه الجزء المقتطع؟ من يتحمل إيواء عائلته ؟وكم سيكون مبلغ   الإيجار؟ .لقد منح حياته لبلده وضاع عمره ومستقبله في حروب لا ناقة له فيها ولا جمل ,انسلخ من عمره عشر سنوات متنقلا في الحدود الشرقية ,نجي من محاولات قتل بأعجوبة .ولما وضعت الحرب أوزارها  استبشر خيرا وحمد ربه وقال :المهم ألسلامه ما فقد يعوض .

حاول أن يستثمر شهادته بالحصول على فرصة تعيين في مؤسسات الدولة ,وجد إن  ملاكها الأصلي فائض ومسرح عن الخدمة ,بعد تسريحهم من الجيش .تنقل في العديد من المهن التي استنفدت رأسماله, لأنه ما أن يبع بضاعته ويذهب للتسوق يجد أن المبلغ  المخصص للشراء  لا يكفي لشراء نصف ما باعه, وهكذا تآكل رأسماله ولم يمس على شئ .جمع ما لديه ودفعها ضريبة لإصدار جواز سفر متأملا فرصة عمل  طيبه  خارج الوطن.كنه عاد صفر اليدين . استبشر خيرا بالتغير وانتظر الإصلاح ,مرت السنون والأيام بدون نتيجة, بل أكل اليابس والأخضر .

 - ماذا بعد؟

---ما الحل ؟

- أين المفر؟

أسئلة كثيرة لم يجد لها جواب .

 .بالكاد حصل على عقد في احد الوزارات وتمسك به لأنه فرصته اليتيمة والأخيرة  لكنه بُلغ إن عمره غير مؤهل للتعيين,. تقبل الموقف واستسلم للأمر بغم رافعا رأسه إلى السماء مناجيا ربه :

- إلى متى ادفع الضريبة ,وما الذي جنيته ؟

بالأمس تندر على احد الزملاء الذي تجاوز على المال العام وخطط بقعه ارض شاغرة  مع جماعته وكل منهم وضع اسمه على القطعة  (قطعة أبو جاسم ,قطعة أبو محمد ,..........)لأنه كان متواضعا في طموحه ,و لم يحدد أكثر من مئة متر وقال له بسخرية:

-إلى متى تستمرون بتقديم الكثير وتقنعون بالقليل؟ غيركم منح ألف متر مربع مع منحه نقدية , وأنت متجاوز لم تتجاوز أحلامك أكثر من هذه ألمساحه  ؟

-وقال آخر: حقه الظلم من زمان عندما تم توزيع أراضي حي اليرموك وزيونه, كانت مساحة القطعة الواحدة تعادل خمس مرات مأتم توزيعه في الثورة أو الشعلة

-وعلق آخر :وإذا حدد  مساحه اكبر من اين يأتي بما يؤمن بنائها ؟,ثم أعطي المتعلم واترك المشتهي ,من أول ما فتح عينه, ما عاش  بأوسع من هذه المساحة .

حاور نفسه أأتندر على الناس وانأ أ ستحق سخرية  الآخرين , لم ارتب أي شيء لعيالي ؟اكتفيت بهذا المرتب البسيط والغير مضمون ولم بحث عن  أي بديل ممكن؟

استعرض  مع نفسه حديث المدير الجديد عندما بين عدم اهتمامه براتب المنصب الجديد الذي نسب إليه ,وقال لهم باستخفاف :

ماذا تعني  بالراتب  مقابل هذه المسؤولية  ؟بضعة دنانير لا تتجاوز أل ثمانمائة ألف !

تنهد بألم ,وأستطرد , وكم هو مرتبه كي تكون زيادة ثمانمائة ألف تافهة في نظره  ,هل اخلص أكثر من إخلاصي ؟هل قدم عمره بمثل ما قدمت ؟ثم كم عدد أبناءه وهل هم بعمر يستحقون رعاية ومصاريف مثل أبنائي .بمثلنا يتكاثرون كالأرانب ,ومثلهم لا ينجب أكثر من طفلين .

هذا الصغير لم ينم هذه الليلة لا لعارض وإنما بسبب أن  جاري  أودع ابنته عندنا بسبب سفره ,فكان أن آثرت على حصة هذا الطفل من الحيز المحدد في سطح الدار وجعلته لايستطع التقلب في منامه .

      قبل أيام  كان يساعد ابنته في حفظ مادة  درس الجغرافية,قرأ أن مساحة العراق 434920 كيلو متر مربع ,مساحة السهل الرسوبي  منها 132000     كيلو متر مربع.لقد  جاب العراق من جنوبه إلى شماله يدافع عن حياض الوطن ,وهذه مساحة الوطن وهو لا يملك  فيها شبر عدا هذه المساحة التي خصصها له والده! أي وطن هذا  لا يعنى بمشكلة السكن ؟وأي مواطن  هو استسلم تحت ضغط ضمان معيشة عياله ؟ فالبيت وطن ,ومن لا  يملك بيت  في وطنه, لا وطن له .

قرأ أن متوسط حصة الفرد في منغوليا كيلو متر واحد ولو كان يعرف الطريق إلى منغوليا هذه لرحل إليها كي يتمدد أطفاله إثناء النوم .

------

اجمعي أغراضي وحضري حقيبتي وجوازي .

-------

حمل حقيبته ,وودع أطفاله ,وخرج .