بقلم اكرم يوسف تمرو

قصة قصيرة : أمي وان لم تلدني

كنت طفلة صغيرة فتحت عيني لم أمي وابي ، كان جدي شيخا كبيرا يسهر عليه ليكبرني  ويربني  أصبحت في ربيعي  السابع ونيف تمرض جدي وانتقلنا حينها من القرية الصغيرة الى المدينة الكبيرة الصاخبة بمركباتها  وكثرة ناسها ليتمكن جدي من مراجعة الأطباء الاختصاصين ليساعدوه على الشفاء من مرضه الذي يعاني منه ..

      سالت جدي يوما وقلت له اين ابي وامي ؟؟ فتقطر الدمع في أحداقه وانهمرت دموعه على خديه وبكى  كأنه طفل صغير  واخذ يحدقني بنظرات شعـرت من خلالها أنه يبكي على حالي لأنني طفلة صغيرة ، لانه سوف يفارقني  ويتركني في هذه الدنيا وحيدة لكونه طاعن في السن واشتد عليه المرض.. كلمني جدي وقال لي كان عمرك لا يتجاوز الأربعة عشر يوما تشاجر  والداك  وافترقا من يومها ولم اسمع أي خبر عنهما ولااعرف اين ذهبا ،  وتركا لي طفلة صغيرة في المهد..

          ابنتي لقد سهرت عليك ليلا ونهارا الى ان كبرت واصبحت في هذا العمر ، وما ان مرت الايام والشهور اصبح جدي طريح الفراش من شدة المرض اللعين  الذي لم يرحمه  ولا احد يسال عنا أو يزورنا ونحن غرباء في هذه المدينة الكبيرة . في يوم من الايام طلبني جدي موشرا بيده , فلبيت طلبه واقتربت منه وتكلم بعض كلمات بصعوبة شديدة وقال ؟ انني سوف افارق هذه الحياة خذي هذا المفتاح انه لصندوق صغير فيه بعض المال واعتـني بنفسك واطلب من الـله ان يحرسك ويحفظك من كل زلة ؟

            فارق جدي الحياة وحزنت عليه كثيرا ولم يبق  لي من يعينني  ويرشدني في هذه الحياة القاسية المليئة بالدهاليز المظلمة وانا في عمر الزهور . ترك لي جدي قليلا من المال يكفي ان يسد رمقي  لشهور عـدة  فقط وبعد ذلك نزلت الى الشارع واطرق الابواب لأ عمل في تنظيف البيوت وأتقاضى بعض المال ولكن لا احد يصدقني لأنني صغيرة جدا لهذه  الا عمال الشاقة , في يوم  من الايام صباحا طرقت بابا من الابواب وكان بيتا صغيرا ذا  بناء قديم  ، خرج طفل صغير يكبرني قليلا وكأنه ملاك أرسله اللـه لعوني  وإنقـاذي من محنتي هذه ..

           لما رآني وانا في حالة يرثى لها وبملابس رثة وشعر غير ممشط مبعثر ، ذهب راكضا واستدعى امه  وبعد قليل شاهدت امراة متوسطة العمر تتقدم نحوي  وحين راتني وانا في هذه الحال حملتني على صدرها وادخلتني الى الدار وقالت لي ماذا تريدين يا طفلـتي , قلت لها اريد ان اعمل  كي احصل على المال لأشتري به طعاما اسد  رمقي , قالت اين والديك يا عزيزتي  قلت لها ليس لدي احد لان ابي وامي  افترقا حين كنت صغيرة جدا ورباني جدي ولكن وافاه الأجل  من جراء مرض اصابه ولا املك الان شيئا ..

    قالت لي هذه المراة ( واسمها جميلة ) الطيبة وهي تبكي على حالي ما رأيك ان تبقي معنا لي ولدين وبنت واحدة وأنت البنت الثانية سوف أرسلك الى المدرسة واشتري لك ملابس جديدة وأنظف شعرك , وافقت على ذلك مباشرة لان ليس لي خيار أخر،أخذتني ( الأم جميلة ) الى الحمام ثم البستني ملابس ابنتها التي هي في نفس  عمري تقريبا وقالت أنا امك وهولاء اخوتك  وهم الكبير الذي يبلغ من العمر احد عشر عاما واسمه ( حميد ) والاصغر منه واسمه (صفوان )  وعمره تسع سنوات  وهذه اختك ( بشرى ) وتبلغ من العمر سبع سنوات وهذا والدك ( كريم ) ..

     دخلت المدرسة وبقيت بينهم وأصبحوا عائلتي بالرغم من وضعهم المالي الذي هو دون الوسط وابي كريم مريض بعض الِِشي‘  ولكنه يعمل بكل جد ليعـيل عائلته ولا يبخل عليهم حقا انه كريم .. واخذوا يراعونني أكثر من أولادهم ويشترون لي اشياء حتى ان اختي(  بشرى  ) أخذت تغار مني .  وما ان مرت السنين والايام و كبر الأولاد وكبرت أنا معهم وتخرجنا  من المدارس واخذنا  نعمل بكل جدية كل منا في عــمله وجمعـنا  مالا جيدا وبنينا دارآ كبيرة لأبي ( كريم ) وامي ( جميلة )  لأنهم يستحقون أكثر من هذا .

    وبعد سنوات تزوج ( حميد )  وبعد   سنوات عـدة أخرى تزوج ( صفوان )  . كما تزوجت أنا من شاب أحبـني وأحبـبته ،  وسكنت معه في داره ومع عائلته , وتزوجت اختي  ( بشرى ) ولكننا لم نبتعـد  لأن الزيارات بيننا ظلت  مستمرة والمحبة تشدنا الى بعـضنا ،  وخاصة أمي ( جميلة ) وابي  (كريم ) ،  كما أنني لااستطيع ان أنسى هذا العـمل الجميل الذي قدموه لي فتربيت عندهم وتخرجت من المدرسة وبفظلهم تخطيت كل المصاعب في هذه الحياة الصعبة التي لاترحم احدا . .   وأظل اشكر أمي ( جميلة ) وابي ( كريم ) الى الأبد؟؟؟؟؟؟