اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• « تبييض» الاستيطان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد السهلي

مقالات اخرى للكاتب

« تبييض» الاستيطان

 

النقلة النوعية في الخطاب الإسرائيلي بشأن الاستيطان كانت على لسان حكومة نتنياهو التي اعتبرت الاستيطان في الضفة والقدس شأنا إسرائيليا داخليا

طلب بنيامين نتنياهو من وزير «القضاء» في إسرائيل أن يشكل فريقا من الحقوقيين مهمته البحث عن سبل لتسوية أوضاع الأبنية الاستيطانية التي أقيمت على أراض فلسطينية خاصة، وإعطائها الصفة القانونية. وتشكل هذه الخطوة تراجعا واضحا عن قرار سابق تم اتخاذه في شهر شباط/ فبراير الماضي ويميز بين نوعين من الأبنية غير المرخصة، فقرر هدم الأبنية التي أقيمت على أراض فلسطينية خاصة، وتسوية أوضاع الأبنية أقيمت على ما تسميه تل أبيب «أراضي دولة إسرائيل».

وفيما تحاول أوساط حكومة نتنياهو أن توحي بأن هذا التغيير يأتي ردا على التوجه الفلسطيني نحو الأمم المتحدة كإجراء أحادي الجانب، إلا أن الأكيد بنظر المتابعين أن الحكومة الإسرائيلية وبالتواطؤ مع المستوطنين تواصل مهمة تثبيت الاستيطان وتأبيده، وخاصة أن تلك الوحدات المسماة «غير مرخصة» قد تم تشييدها تحت أنظار الحكومة بل وتشجيعها قبل أن يعلن الجانب الفلسطيني خياره الأممي بأشهر وسنوات.

إذا كان من البديهي القول إن الاستيطان هو جوهر السياسة الإسرائيلية وإن توسعته وتعزيز بنيته هو عماد هذه السياسة، فمن الضروري ملاحظة التبدلات التي طرأت على آليات ممارسة التوسع الاستيطاني في الضفة بما فيها القدس، كما التبدلات التي طرأت على الخطاب الإسرائيلي الموجه إلى المجتمع الدولي بشأن الاستيطان.

فبعيد احتلال الضفة وقطاع غزة حاولت تل أبيب تبرير الوجود الاستيطاني بأسباب أمنية بحتة تحت عنوان مواجهة عمليات المنظمات الفلسطينية «التخريبية»، فأحاطت وجودها العسكري بتجمعات سكنية على أساس أنها ذات صلة مباشرة بهذا الوجود. كما حاولت تبرير توسعها الاستيطاني في القدس على أنه «عودة» السكان اليهود إلى المدينة بعد أن طردوا منها في حقب سابقة!.

مع انكشاف المناورة الإسرائيلية بشأن الاستيطان، وبدء الحديث عن تسوية سياسية تحدد مصير الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان العام 1967، أشهرت تل أبيب بوجه المجتمع الدولي تصنيفاً مستحدثا قوامه تقسيم الوجود الاستيطاني في الضفة إلى نوعين: أمني وسياسي، وطالبت بعدم نقاش مسألة الاستيطان الأمني والسماح ببحث مستقبل المستوطنات «السياسية» في حال كان هناك عرض تقبله بشأن التسوية. وفيما كانت بعض أطراف المجتمع الدولي مشغولة بالتفريق ما بين السياسي والأمني في مسألة الاستيطان، كانت الحكومات الإسرائيلية تطلق العنان لحركة الاستيطان بعد أن اتخذت مجموعة واسعة من القرارات والإجراءات وضعت أكثر من نصف أراضي الضفة الفلسطينية قيد الاستخدام الإسرائيلي حصراً، وما كان يعرف لدى السلطنة العثمانية بأنه «أراضي أميرية» أصبح بقدرة الاستيطان يعرف بأنه «أراضي دولة إسرائيل».

مع الوقت ألغت تل أبيب من قاموس خطابها الموجه إلى المجتمع الدولي ثنائية الأمني والسياسي، حول المستوطنات، وخاصة بعد توقيع اتفاق أوسلو حيث بدأ الحديث الفعلي عن مستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

وليس صدفة أن نبضات الانسحاب الإسرائيلي من أراضي الضفة بدأت وانتهت خارج حدود الاستيطان ومجاله الحيوي في الضفة والقدس. وعلى هذا الأساس تم تحديد جغرافيا «نبضات» الانسحاب، وسابقت حكومات رابين ـ بيريس ونتنياهو وإيهود باراك، الزمن خلال ما سمي بالفترة الانتقالية ومدتها خمس سنوات من أجل تمتين شبكة الاستيطان. وعندما حل موعد استحقاق أيار/1999 بانتهاء الفترة الانتقالية وموعد البحث بالحل الدائم، قلب إيهود باراك طاولة التفاوض وخرج من الحكومة وعملية التسوية في وقت واحد، فيما كان التوسع الاستيطاني بنية ومستوطنين هو المعطى الرئيسي الوحيد الذي يدل على انقضاء المرحلة الانتقالية.

مع وصول شارون إلى سدة الحكم في إسرائيل، كان الاستيطان قد قطع شوطا كبيرا وأصبح من المعالم الرئيسية في جغرافيا الضفة الفلسطينية وديموغرافيتها. وعندما طرحت خطة خارطة الطريق بدا يعلو الحديث عن تصنيف آخر للاستيطان، حيث معظمه أعتبر قانونيا، فيما تم توجيه الأنظار إلى مجموعة من البؤر الاستيطانية الصغيرة والمعزولة على أنها من الممكن أن تكون هدف «معالجة» الاستيطان في أي مبادرة سياسية. وبحسب هذه المعايير كان من المفترض أن يتم إزالة جميع البؤر وعددها نحو مئة، ولخص الموضوع في حينها بإزالة البؤر الاستيطانية التي أنشأت منذ العام 2001. وبعد مسرحيات هدم ثانوية وجه شارون رسالة إلى المجتمع الدولي بأن إزالة أي بؤرة ستفتح عليه «نار جهنم» من قبل المستوطنين ومؤيديهم في الخارطة الحزبية والسياسية في إسرائيل.

وتم استدعاء العامل الأمني مجدداً، ولكن هذه المرة في بناء جدار الفصل العنصري الذي «أكل» مساحات شاسعة من أراضي الفلسطينيين وممتلكاتهم وحاصر تجمعاتهم وعزل بعضها، وكان واضحا الهدف السياسي من ذلك وهو رسم المعالم الأولية لحدود الدولة الفلسطينية التي من المفترض أن تكون بحسب الرؤية الإسرائيلية مقطعة الأوصال ومحاطة بالأسوار شرقا وغربا. وعلى الرغم من أن أطرافا هامة في المجتمع الدولي بمن فيهم واشنطن لم تقبل بداية وجود جدار الفصل إلا أن الرئيس جورج بوش الذي وصف الجدار بالأفعى التي تتلوى على الأرض، قد عاد عن هذا الكلام ورأى في وقت لاحق (رسالة الضمانات إلى شارون) بأنه من الصعب إعادة الواقع في الضفة الفلسطينية إلى ما كانت عليه الأمور قبل توسع الاستيطان وبناء الجدار.

وعلى الرغم من محاولة حكومة أولمرت إعطاء انطباع بأنها بصدد إيجاد تسوية مشتركة مع الجانب الفلسطيني، إلا أن لاءات رئيس الحكومة تجاه القدس ومستقبل الاستيطان كانت خير دليل على أننا أمام إستراتيجية استيطانية منهجية لدى إسرائيل بغض النظر عن الحكومة التي تجلس على هرم السلطة هناك؛ ويؤكد ذلك الخرائط التي قدمها فريق أولمرت في عملية التفاوض إلى الجانب الفلسطيني وظهر فيها بوضوح المساحات الواسعة المقتطعة بفعل الجدار والاستيطان والاعتبارات الأمنية إلى جانب تحييد القدس عن دائرة التسوية المباشرة.

لكن النقلة النوعية في الخطاب الإسرائيلي بشأن الاستيطان، كانت على لسان ويد حكومة بنيامين نتنياهو الثانية، (2009 ـ ..). وفيها تحدث صراحة وبشكل علني وفي تحد للإدارة الأميركية بأن الاستيطان في الضفة والقدس شأن إسرائيلي داخلي، ولا يجب أن يتصل بعملية التسوية السياسية من قريب أو بعيد. لهذا السبب فإن منسوب الاستيطان ومستقبله لا يتحدد وفق معطيات التفاوض أو أسس أي عملية تسوية منظورة، بل يرتبط بقرار من المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر، بل وإنه وفي الإجراءات الأخيرة تجاه تسوية أوضاع «المخالفات» الاستيطانية، فإن القرار بهذا الشأن يتخذ من قبل فريق صغير من الحكومة ومعها بعض المستشارين الحقوقيين من أجل إضفاء مسحة قانونية على القرارات المتخذة وآخرها هذه الأيام إجراءات إضفاء القانونية حتى على الوحدات الاستيطانية التي أقيمت على أراض فلسطينية خاصة.

تزداد أهمية هذا الحديث مع محاولات اللجنة الرباعية الدولية إطلاق المفاوضات مجددا بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وقد تراجعت اللجنة عما ورد في بيانات سابقة لها دعت فيها تل أبيب إلى تجميد الاستيطان ووقف هدم المنازل الفلسطينية في القدس. وعلى الرغم من هذا التراجع تصر اللجنة على دعوتها هذه، مما يعني أن الفلسطينيين مطالبون بأن يجلسوا على مائدة التفاوض مع عتاولة الاستيطان من أجل بحث مصير ما تتركه التوسعية الإسرائيلية من أراضي الضفة الفلسطينية.. وهذا غير معقول.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.