اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

المكوك الأميركي -//- محمد السهلي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرا ايضا للكاتب

المكوك الأميركي

محمد السهلي

سيكون من المؤسف لو أعطيت أية وعود فلسطينية بإلغاء التوجه الفلسطيني نحو مؤسسات الأمم المتحدة أو حتى تجميده ولو لفترة مؤقتة لأن ذلك سيفتح على المزيد من الضغوط لإلغاء هذا التوجه.

يواصل وزير الخارجية الأميركية، جون كيري جولاته المكوكية على جبهة التسوية السياسية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي مدشنا مرحلة جديدة من استكشافات مواقف الطرفين تجاه مسعى واشنطن البحث عن حلول وسط يقبل بها كل منهما وتحظى في الوقت نفسه بالدعم الإقليمي «اللازم».

هذا يعني من حيث المبدأ أن الوزير الأميركي لا يحمل في جعبته خطة محددة، وسيتابع - على الأغلب - خلال الفترة التجريبية التي ستمتد لعدة أشهر التقاطعات المحتملة في مواقف الجانبين.

وكما كان يحصل في جولات جورج ميتشل المكوكية، فإن الوزير كيري جعل من لقاءاته مع نتنياهو حجر الزاوية في تلمس السقف الممكن لطرح الحلول الوسط مع الجانب الفلسطيني حرصا من واشنطن على ضمان الموافقة الإسرائيلية على أي اقتراح يطرح على الجانب الفلسطيني الذي سيكون بالتأكيد الطرف الذي سيتلقى سيل الضغوط الأميركية المتوقعة.

لقد بادر بنيامين نتنياهو إلى طرح مجموعة من الشروط الإسرائيلية يرى أنها لازمة كي تنطلق عملية التسوية مجددا وأجملها بثلاثة نقاط رئيسية بدأها بمطلب الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل كدولة يهودية ومن ثم تجميد الإجراءات أحادية الجانب، ويتعلق الأمر بتوجه الجانب الفلسطيني إلى الأمم المتحدة، والنقطة الثالثة هي وقف التحريض ضد إسرائيل في مناطق السلطة الفلسطينية.

بينما طرح الجانب الفلسطيني مطالبه التي بدأت بضرورة تجميد الاستيطان وتقديم خريطة تترجم الرؤية الإسرائيلية للحل بالإضافة إلى وقف حجز أموال السلطة المستحقة لدى إسرائيل وتحرير معتقلين فلسطينيين وفي المقدمة 123 فلسطينيا تم اعتقالهم قبل قيام السلطة.

وقبل بلورة المطالب الفلسطينية والشروط الإسرائيلية وإعلانها كان الوزير الأميركي قد أكد بشكل علني أن زاويتي الحل الممكن تتحددان من خلال تلبية الشروط الأمنية الإسرائيلية ومن ثم يأتي في الدرجة الثانية ما أسماه «تلبية تطلعات الفلسطينيين»، وكانت مصادر مقربة من كيري قد أشارت إلى أن البحث في حلول وسط بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي سيقتصر على «تحوير» بعض العبارات التي يرفضها كل طرف من نمط استبدال الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية بتعبير «دولتين لشعبين» وهو ما رفضه نتنياهو بشكل قاطع مؤكدا على الشروط التي سبق ذكرها. ومن جانب آخر تتحدث هذه الأوساط عن تغيير في مطلب تجميد الاستيطان الذي يصر عليه الجانب الفلسطيني لصالح الحديث عما يسمى «كبح جماح الاستيطان» بمعنى أن يتم توجيه مسار ووتيرة البناء الاستيطاني وفق الحاجات الإسرائيلية القصوى مثل تلبية احتياجات النمو الطبيعي. ويدرك الجانب الفلسطيني أن الحكومة الإسرائيلية قد وضعت توسيع الاستيطان وعدم المس به في مقدمة برنامج عملها وأن نتنياهو حتى عندما أعلن عن تجميد مؤقت للاستيطان شهدت الضفة الفلسطينية بما فيها القدس وتائر متسارعة من العطاءات الاستيطانية أزعجت الأميركيين أنفسهم.

وكما حدث قبيل انطلاق المفاوضات في العام 2010، تشهد المنطقة تحركات على مستوى لجنة المتابعة العربية التي يبدو أنها ستزور واشنطن للبحث هناك في مصير المبادرة العربية بعد أن تكرر الحديث الأميركي والإسرائيلي عن ضرورة تعديل هذه المبادرة لتكون أساسا صالحا - وفق الرؤيتين الأميركية والإسرائيلية - لأي حل يجري الخوض فيه. وقد ذكرنا في وقت سابق أن أبرز ما تريد واشنطن وتل أبيب تعديله في مضمون المبادرة العربية يتعلق أولا بتجاوز النص على حدود العام 1967 لقيام الدولة الفلسطينية، واستبداله بما يعني أن هذه الدولة ستقوم «ضمن» هذه الحدود وليس عليها بما يعني من وجهة النظر الفلسطينية الأراضي المحتلة بعدوان حزيران (يونيو) 67 بما فيها القدس كعاصمة للدولة العتيدة، بينما يصر الجانب الإسرائيلي على أن تكون القدس موحدة وعاصمة أبدية لإسرائيل.

ومن المفترض أن تتعامل لجنة المتابعة العربية مع أي طرح أميركي أو إسرائيلي تجاه عملية التسوية السياسية من زاوية الاعتراف بالمستجدات التي حصلت منذ ما بعد توقف  المفاوضات في أيلول (سبتمبر) من العام 2010، ويتعلق الأمر بشكل رئيسي هنا بترقية مكانة فلسطين في الأمم المتحدة والاعتراف بها كدولة غير عضو في المنتدى الدولي، وهو ما يعني الاعتراف أيضا بأن فلسطين وفق هذا القرار هي دولة موصوفة معرفة الحدود وواقعة تحت الاحتلال وأن من واجب المجتمع الدولي وقبل ذلك لجنة المتابعة العربية، واللجنة الرباعية الدولية بذل الجهود المتاحة لإزالة هذا الاحتلال، وتمكين فلسطين وشعبها من ممارسة كافة أشكال السيادة كما يعرفها القانون الدولي.

وفي الوقت الذي نتحدث فيه عن كل من الرباعية الدولية، ولجنة المتابعة العربية، فإن الحديث يعني بالدرجة الأولى الجانب الفلسطيني الذي من المفترض أن يلتزم قرارات المجلس المركزي الفلسطيني الذي أكد على أن لا عودة إلى المفاوضات مع استمرار الاستيطان ومن دون تحديد مرجعية هذه المفاوضات. والتزام قرارات الإجماع الوطني التي أسست لانطلاق المسعى الفلسطيني نحو الأمم المتحدة وأدى بالنتيجة إلى القرار الأممي حول فلسطين، وهذا يعني بالضرورة تثمير هذا الإنجاز والانفتاح على مؤسسات ومنظمات الأمم المتحدة الممكن الانتساب إليها كنتيجة للقرار الدولي حول فلسطين، وعدم الاستجابة للشروط الإسرائيلية والضغوط الأميركية التي تريد من الجانب الفلسطيني أن يعلن تنازله عن هذا الحق.

وسيكون من المؤسف فعلا لو أعطيت أية وعود فلسطينية بإلغاء المسعى الفلسطيني نحو هذه المؤسسات وحتى تجميده، لأن ذلك سيشجع على توجيه المزيد من الضغوط كي يقلع الفلسطينيون نهائيا عنه، وينحشرون مجددا في حلبة مفاوضات وفق الشروط التوسعية والأمنية الإسرائيلية بما يلغي أية إمكانية مستقبلة لقيام دولة فلسطينية مع هذا الإنفلات الواسع في نشر الاستيطان وتهويد القدس.

لقد سبق للحالة الفلسطينية أن تجاوزت الضغوط الأميركية وغيرها عندما انتقل المسعى الفلسطيني نحو الأمم المتحدة وتمكنت من تحصيل الإنجاز الفلسطيني المعروف. وخلق هذا الإصرار تجاوبا شعبيا متعاظما تُرجم في تظاهرات عارمة في مواجهة الاحتلال وتحديا للشروط والضغوط الأميركية والإسرائيلية.

كما سبق للحالة الفلسطينية بالمقابل أن شهدت تجاوبا «رسميا» مع ضغوط واشنطن بشأن المفاوضات ومنها ما حصل في العام 2010 من مفاوضات عقيمة كررت التجارب الفاشلة وخسر الفلسطينيون الكثير من وقتهم الحرج، وأرضهم التي يأكلها الاستيطان.. وستتواصل هذه الخسائر إذا لم يتم الوقوف في وجه الضغوط المتوقعة والالتفات إلى الوضع الفلسطيني الداخلي وبذل كل ما يمكن من أجل تصويبه إنقاذا لمسار العمل الوطني باتجاه إنجاز الحقوق.

الصورة:

كيري - نتنياهو: تدوير الزوايا في خدمة الشروط الأمنية الإسرائيلية

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.