اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الانتفاضة الثالثة -//- محمد السهلي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

الانتفاضة الثالثة

محمد السهلي

ـ فلسطين

تعترف الأوساط السياسية والأمنية في إسرائيل بأن دافع نتنياهو الأساسي في المصادقة على صفقة إطلاق سراح الأسير سامر العيساوي مقابل فك إضرابه، إنما كان تخوف رئيس الوزراء الإسرائيلي من أن يؤدي استشهاد العيساوي نتيجة مواصلته الإضراب، إلى إشعال فتيل انتفاضة فلسطينية ثالثة.

يأتي ذلك في وقت صرح فيه مسؤول إسرائيلي كبير بأن إضرابات الأسرى الفلسطينيين المتكررة عن الطعام باتت ظاهرة وقفت أمامها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وقد تملكتها الحيرة.. والارتباك.

إذن، «يتحسس» نتنياهو وجود عوامل انتفاضة فلسطينية ثالثة وخاصة فيما يتعلق بوضع الأسرى عموما، ومسار وقائع إضراباتهم عن الطعام بشكل خاص، في الوقت الذي يتجاهل البعض في الحالة الفلسطينية علامات إندلاع الانتفاضة الثالثة وهي مؤشرات جدية فرضتها تطبيقات سياسات الاحتلال على الأرض.

فمن الطبيعي أن تؤجج الحالة المأساوية التي يعيشها آلاف الأسرى في سجون الاحتلال ومعتقلاته مشاعر الغضب الفلسطيني التي تجد تعبيراتها في الشارع، تظاهرات عارمة واعتصامات تضامنية وصدامات وصلت إلى محيط سجن عوفر نفسه. وقضية الأسرى تمس معظم الأسر الفلسطينية إن لم يكن جميعها بعد أن وصل عدد من شملتهم حملات الاعتقال منذ وجود الاحتلال إلى نحو 800 ألف فلسطيني بينهم أعداد كبيرة من النساء والأطفال وكبار السن، مما خلق في الأراضي الفلسطينية المحتلة أزمة مركبة، إنسانية واجتماعية واقتصادية، لم تفلح السياسات الخاطئة التي انتهجتها الحكومات الفلسطينية المتعاقبة منذ قيام السلطة في تخفيف آثارها، ولم تقم مؤسسات منظمة التحرير ذات الصلة بواجبها المفترض كما هو مطلوب.

ومع استمرار حملات الاعتقال وإدخال عملية إطلاق سراحهم في نفق الشروط السياسية الإسرائيلية بشأن التسوية، فإن حالة الاحتقان الشعبي بخصوص وضع الأسرى في تفاقم متواصل، مما يؤشر إلى انفجارات شعبية وشيكة على خلفية هذا الملف الحيوي. وساهمت نضالات الحركة الأسيرة في تسليط الأضواء السياسية والشعبية على معاناتهم وما يتعرضون له من تعذيب جسدي ومعنوي بالغ. ووصلت هذه النضالات إلى ذروتها مع إعلان الإضرابات الجماعية عن الطعام ونجح عدد منها في تحقيق مكاسب لا يستهان بها لصالح تحسين أوضاع الأسرى والتخفيف من معاناتهم. لكن التطور الأبرز على هذا الصعيد جاء مع سلسلة من الإضرابات الفردية طويلة الأجل عن الطعام، وإصرار أصحابها على الاستمرار حتى نيل مطالبهم ليس فقط في تحسين ظروف الاعتقال بل المطالبة الحاسمة بالحرية ولا شيء سوى ذلك، وإن أدى الاستمرار في الإضراب إلى استشهادهم وقد حصل ذلك مع عدد من المناضلين الأسرى الذين دفعوا حياتهم ثمنا من أجل الحرية.

وربما وصلت هذه الذرى النضالية إلى نقلة نوعية عندما تمكن الأسير سامر العيساوي من فرض حريته على الجلاد دون شروط، وأصر على أن خروجه من المعتقل ينبغي أن يكون إلى حيث مسقط رأسه في بلدته العيسوية في القدس، وليس إلى أي مكان آخر داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة أو خارجها. وهو ما فتح الباب أمام الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة كي تبلور آليات نضالية تستمد فاعليتها من الإنجازات الفردية والجماعية التي تحققت على هذا الصعيد، وهو ما يطرح أيضا على الحركة السياسية الفلسطينية بكافة مكوناتها ضرورة النهوض بما يلزم على الأصعدة السياسية والدبلوماسية والحقوقية لنصرة الأسرى، وإسناد مطالبهم وصولا إلى حريتهم الناجزة.

•     إن عوامل قيام انتفاضة فلسطينية ثالثة لا تقتصر على قضية الأسرى على أهميتها البالغة بل تتعداها إلى كل ما يتصل بالسياسات الاحتلالية بدءا من الاستيطان الذي يضع حياة كل فلسطيني في الضفة بما فيها القدس على كف عفريت التوسع الاستيطاني وحملات التهويد. فقد اتسع الاستيطان وتمدد ليعزل التجمعات والمدن الفلسطينية عن بعضها لتتحول إلى جزر شبه معزولة في محيط من الاستيطان مترامي الأطراف بما يشبه شبكة متصلة تتمتع بكافة أسباب الحياة بعكس ما هي عليه المدن والتجمعات الفلسطينية.

ومع استمرار التوسع الاستيطاني مضت إلى جانبه حملات مصادرة الأراضي تحت ادعاءات ودعاوى احتلالية مختلفة ومع هذه الإجراءات التعسفية جاءت أيضا حملات منظمة ومنهجية من هدم منازل الفلسطينيين وخاصة في أحياء القدس الشرقية إمعانا في تهويد المدينة ونسفا لإمكانية كونها عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة. وهذا من الطبيعي أن يفاقم أيضا من الاحتقان الشعبي الفلسطيني في وجه الاحتلال ويوصله إلى درجة الانفجار المتوقع.

•     ومن عوامل الاحتقان الذي يمهد الطريق باتجاه الانتفاضة الثالثة الأزمات الاقتصادية ـ الاجتماعية التي يعيشها الفلسطينيون نتيجة ثنائية السياسات الحكومية الفلسطينية الخاطئة على هذا الصعيد، وإلى جانبها إجراءات الاحتلال العدوانية ومن بينها الحصار الاقتصادي والعقوبات التي تمارس من نمط حجز إيرادات السلطة المستحقة لدى إسرائيل عقابا على خطوات فلسطينية باتجاه التحرر من أسر الشروط الأميركية ـ الإسرائيلية التي تريد أن تحشر الجانب الفلسطيني في حلبة مفاوضات بشروط تؤدي إلى تقزيم الحقوق الوطنية الفلسطينية إن لم يكن شطبها نهائيا.

الغريب في الأمر أن «يتحسس» الجانب الإسرائيلي من أعلى هرمه السياسي وجود حوافز فلسطينية قوية لاندلاع انتفاضة ثالثة في الوقت الذي يبدو فيه الفريق الفلسطيني المفاوض في واد آخر. وحقيقة الأمر أن هذه الحوافز موجودة وأسس لها الاحتلال فعلا بسياساته على الأرض، لكن ما ينقص هذه الحوافز والعوامل هو القرار السياسي الذي لا يزال منذ نحو عشرين عاما على الأقل أسير رهانات ثبت فشلها على إمكانية قيام الولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص بتقديم مبادرات وخطوات تمكن من الوصول إلى حل متوازن وشامل للصراع. وإلى الآن، ومع جولات وزير الخارجية الأميركية إلى المنطقة، لا يزال الفريق الفلسطيني المفاوض يراهن على إمكانية شيء ما من هذا القبيل خلال الشهرين القادمين في الوقت الذي أعلن كيري نفسه أن الحل المنظور يمكن أن يأتي خلال عامين.. وربما لا يأتي.

عوامل اندلاع الانتفاضة متوافرة بما يكفي لكن إذا استمر غياب القرار السياسي بمواجهة الاحتلال ومقاومته بجميع الوسائل المتاحة.. ستتفاقم الأزمات الفلسطينية ومعها سترتفع وتائر الاحتقان وربما عندها لن يتمكن حجر هذا القرار من منع المتضررين من التعبير عن احتقانهم.. كما يستطيعون.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.