اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

تجربتي في مسرح الطفل// باسل شامايا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

باسل شامايا

 

عرض صفحة الكاتب 

تجربتي في مسرح الطفل

باسل شامايا

 

 

إن المسرح هو من أهم الوسائل التثقيفية والتنويرية الذي يوظف في رفد الحركة الثقافية ويؤدي دورا فاعلا ومؤثرا في عملية بناء المجتمع لكي يواكب مسيرة التطور الحضاري في العالم ، فيعمل على تشخيص  الظواهر السلبية التي تحد من عملية التطور،  ثم يضع من خلال المسرحيات التي تقدم على خشبة المسرح الحلول والمعالجات الضرورية التي تساهم في عملية التغيير الى واقع أفضل ، وبما انه أي المسرح هو وسيلة تثقيفية كما ذكرنا اذن يعتبر عاملا مهما في اغناء الوعي الثقافي عند كافة شرائح المجتمع .. إننا اليوم نحلم بالثقافة التي تسمو فوق كل شيء وعلينا أن نفكر كيف نستثمرها في أعمال ومنجزات تخدم مجتمعنا ومنها عالم الطفولة وذلك من خلال مسرح الطفل الذي يعتبر وسيلة مهمة من وسائل تربيته وصقل موهبته ويشكل أرضية خصبة  لتنمية مداركه وبناء شخصيته ويعمل على زيادة  قدراته وإمكاناته .. فحينما نفكر بالولوج إلى هذا الميدان الحيوي والزاخر بالمفاجآت علينا أن ندرك  بدءا ما هي المتطلبات التي نعتمدها في انجاز هذا المشروع المسرحي ، تلك المتطلبات التي تتحدد (بالمتلقي والشخوص والحوار والتمثيل والإضاءة والديكور والموسيقى ) وغيرها من عناصر العرض المسرحي منطلقين في الكتابة لمسرح الطفل التي تعتبر من أصعب أنواع الكتابة ، لأن ذلك يتطلب من الكاتب ان يكون دقيقا في اختيار الموضوع المطروح والذي يجب ان يوازن فيه بين المضمون والأسلوب المشوق الذي يخاطب حواس الطفل .. ولأجل أن نجعل هذا البرعم الصغير قريبا منا وصاغيا إلى ما نريده منه علينا أن نستخدم لغة يستوعبها ويستسيغها بحيث تكون قريبة من لغته المحكية والابتعاد عن استخدام اللغة المعقدة  التي لا يجد فيها وسيلة سهلة للانطلاق في التحاور، والبحث عن البديل الأفضل(اللهجة) التي يتوفر فيها عنصر التشويق لكي ينجذب

 

 

إليها الطفل متابعا ومشاهدا مزيدا من الأحداث دون ملل. إن هدف أصحاب الشأن الرئيسي من مسرح الطفل هو إدخال عنصر البهجة والتسلية البريئة عنده  ثم المعرفة التي يكتسبها من خلال الأعمال التي يشارك فيها .. إذن إننا لا نغالي إذا قلنا أن المسرح يكون بمثابة مدرسة للطفل يتعلم فيها كيف يفكر وكيف يكتسب الوعي .. وكلنا نعلم انه أي المسرح يسعى حثيثا ليزيد من إمكانات الطفل الفكرية والاجتماعية والنفسية ويعمل على تحريره من الصعاب ومتاعب الأيام ويحميه من الشارع الذي يجعله هدفا سهلا للحوادث الكثيرة ويبتعد عن الممارسات التي تجلب الهمّ لعوائلهم ، إذن يجب أن تكون العروض المسرحية التي تعرض على خشبة مسرح الطفل بمستوى طموح الأطفال وكما ذكرنا آنفا تعتمد على لغة تتسم بالوضوح ، تجسد الظواهر السلبية التي يعاني منها مجتمعنا عموما وأطفالنا خصوصا وأحيانا تصبح تلك الظواهر سببا دون نهوضه ووعيه .. أما عملية التجسيد فـتأتي من خلال الرؤى الإخراجية المبسطة التي يبدع  فيها المخرج عندما يضع حلوله ومعالجاته في نهاية المسرحية .. ولو نتوغل بعض الشيء في دور المسرح محليا وعالميا  نجده قد لعب دورا رياديا في الوقوف إلى جانب الشعوب  في نصرة قضيتهم العادلة وهنا تكمن أهمية المسرح ، والمسرحيات التي عالجت الكثير من المشاكل حتى المستعصية منها يشهد عليها التاريخ قديما وحديثا ..

 

 

فنشاهده خلال الأنظمة الدكتاتورية المتسلطة على رقاب الشعوب يعمل على تعرية تلك الأنظمة الفاسدة ويفضح أسيادها المتسلطين .. وباعتباره هو الأكثر تأثيرا في العقول والنفوس لعلاقته المباشرة أو مواجهته المباشرة بين الممثل والمتلقي نشاهده  يأخذ دورا متميزا في تغيير ذلك الواقع المأساوي الذي يسبب  لأطفالنا الأحبة أمراضا نفسية ، ويعمل بكل جد ومثابرة من اجل إزالة جميع إفرازات الماضي البغيض التي تحد من رقيه وتطوره .. ويقتنع الأطفال من خلال ما يطرح على مسرحهم من المواضيع المهمة وبمعالجات صحيحة لكي يرفع من مستوى وعيهم ويعطي لهم البدائل عن ما يحد من نشاطهم ويعرقل مسيرتهم . كانت هذه مقدمتي للولوج إلى موضوعي في عالم ( مسرح الطفل ) من خلال مسيرتي الفنية والتي بدأتها منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي والتي كان لي فيها تجربة متميزة مع أطفالنا الأحبة ، وأود أن أتطرق في مقالي هذا إلى تجربتين مفعمتين بالنجاح والغنى .. واللتين كلفت بهما من قبل فرقة مسرح شيرا الناطقة بالسريانية أولها في تسعينيات القرن الماضي عندما أخرجت  عملا مسرحيا مثلّ الفرقة في مهرجان مسرح الطفل الأول في العراق ، حيث أقيم هذا المهرجان على قاعة مسرح الشعب في بغداد وقد شاركت فيه العديد من الفرق المسرحية العراقية وبأعمال مختلفة .. وكان عملنا متميزا عن باقي الأعمال المشاركة في المهرجان ، لأن الشخوص التي اخترتها لتجسيد أحداث المسرحية (التي كانت من تأليف الأستاذ سعيد شامايا ) معظمهم من الأطفال وجميعهم لم يرتقوا  خشبة المسرح قبل هذا النشاط  وكان يبلغ عددهم  خمسة عشر طفل وطفلة ومن مختلف الفئات العمرية ، جاءوا من أماكن عديدة من بغداد حاملين براءتهم وعفويتهم لتنفيذ منجزهم الفني في تلك المناسبة المهمة (( مهرجان مسرح الطفل )) حيث وضعتهم فرقة مسرح شيرا في مسار صعب وضيق في تلك المشاركة ولا بد من قطعه بدأب ونشاط .. وحينما راحوا يباشرون بروفاتهم الصعبة تصوروا أن ذلك الطريق سيكون شاقا ومتعبا ، وبالفعل عانيت الكثير من  تلكؤهم في حفظ الأدوار، وضعفهم في الأداء على الخشبة اثناء التمارين ، وفي عملية التقمص وحتى في التزاماتهم في حضور المواعيد حسب جدولة البروفات ، لذلك كانوا حذرين جدا في اختيار مواقع أقدامهم .. وكنت قد أبلغتهم خلال لقاءاتي بهم بعد التمرين بأنهم سيخوضون تجربة جديدة يتبارون فيها مع منافسين ربما بينهم ممثلين أشداء تمرسوا في اختيار صعوبات المسرح وعرفوا بخفاياه ، وبالرغم من كل هذه المعوقات انطلقوا معتمدين على حبهم المبكر للمسرح وإيمانهم بالقضية التي كانت من صلب ثيمة المسرحية و من اجلها ارتقوا خشبة المسرح ليجسدوا أحداثا متنوعة أمام المئات من الحضور الجماهيري المتميز ومن كافة شرائح المجتمع العراقي يستلهمون منها حبهم للوطن ذلك الحب الذي رضعوه مثلما رضعوا الحب المعجون بالأصالة من حليب أمهاتهم ، وكنت دائما من خلال لقاءاتي الدورية بهم اقسم اللقاء الى شطرين ( نظري وعملي ) فأعطي وقتا للمناقشة النظرية والوقت الآخر للعملية وأؤكد لهم بأن من يرتقي الخشبة يجب ان يعي كيف يوظف إمكانيته وقابليته وحبه للمسرح وليس فقط لأجل التسلية بل من اجل مساهمته الفعالة في خدمة مجتمعه بشكل عام . لقد وقع اختيار اللجنة المشرفة على مهرجان مسرح الطفل  أن يكون العرض الافتتاحي للمهرجان مسرحية فرقة شيرا ، فغمرتهم الفرحة على تلك المكانة المتميزة التي أعطيت لهم .. وبكل شجاعة وثقة بالنفس ارتقوا خشبة المسرح ولعبوا دورا متميزا أمام المئات من الحضور ولمدة ساعة واحدة ، وكان عاملا الانسجام

 

 

والإصغاء التام يعمان قاعة العرض ، أما تفاعل  الجمهور بين مشهد وآخر مع أحداث المسرحية ونهوضهم أكثر من مرة مصفقين بحرارة ومعبرين عن اعجابهم بالمبدعين كان خير دليل على نجاح العمل .. وهكذا أبدعوا البراعم أمام ذلك الحضور  الكبير .. أجادوا وجسدوا وامتلئوا غيرة وعشقا للرسالة التي كلفوا بتقديمها أمام الناس .. وترك ذلك العمل آثاره الايجابية في أعماق المشاهدين ، فقطفنا ثماره من المهرجان حينما صدح صوت عريفة المهرجان حينما قرأت اسم فرقة مسرح شيرا واسم مخرج الفرقة لاستلام جائزتين إحداها للفرقة والأخرى للمخرج .. وبالرغم من التعب والإرهاق الشديدين الذي قضيته خلال السقف الزمني مع الممثلين الصغار حتى إتمام عملية الانجاز إلا إنني أحسست بنشوة النجاح حينما استلمت جائزتين من وزير الثقافة فأيقنت ان ذلك  خير دليل على نجاح تلك التجربة .   وبعد انهيار النظام السابق وحلول الوضع الجديد الذي عاشه بلدنا الجريح من التشتت والخراب والاقتتال ودماء الأبرياء التي سالت نتيجة الأعمال الإرهابية المفروضة على شعبنا المرهق اختار الكثير من المبدعين الهجرة مرغمين الى بلاد الغربة هربا من الظلم والتهجير القسري والموت البطيء ولم تقتصر الهجرة فقط إلى خارج الوطن  بل إلى الداخل أيضا  فاخترتها أنا إلى مسقط رأسي القوش العزيزة وبالرغم من كل هذه الأعمال الإجرامية وعدم الاستقرار والأمان وظروف المعيشة الصعبة ، لم أتوقف عن نشاطاتي في مجال المسرح بل عاودت نشاطي وتمكنت من تشخيص مجموعة من الأطفال المبدعين وأنجزت معهم مسرحية ( صوت الأطفال ) باللغة السريانية من تأليف الكاتب سعيد شامايا وعرضتها على عدة مسارح وعلى شاشة فضائية عشتار وغيرها من النشاطات .. أما التجربة الثانية التي اعتز بها فكانت في منتدى شباب القوش في بداية العام الحالي حينما أنجزت خلال شهرين منجزا فنيا كبيرا يحوي مسرحا وشعرا وغناءا تحت عنوان ( مهرجان مسرح الطفل الأول في القوش ) وقد شارك فيه أكثر من ثلاثين طفل وطفلة ومن أعمار متفاوتة (( 4 –13  سنة ))  حيث حمل هذا النشاط اسم فرقة مسرح شيرا وبالتعاون مع مركز كلكامش للثقافة والفنون ومنتدى شباب ورياضة القوش وقد تم عرضه على مسرح المنتدى وعلى مسرح جامعة دهوك ومسرح جمعية الثقافة الكلدانية في عينكاوا وتم تغطيته إعلاميا من قبل فضائية عشتار وكردستان والموصلية وحضر عروضه العشرات من الشخصيات الثقافية والأحزاب الوطنية والقومية ومنظمات المجتمع المدني وجموع غفيرة من محبي مسرح الطفل .. حيث تكللت هذه التجربة بالنجاح الجماهيري والفني ، تمكنت فيها من صقل وتهذيب قابليات الأطفال الذين كانوا مصدر إعجاب  الجمهور خصوصا الصغار منهم ، وتم عرض هذا النشاط على شاشة فضائية عشتار كاملا وقد أحس المشاركون الأطفال بنشوة النجاح وادخل ذلك الانجاز الفرح والبهجة الى قلوبهم .. وما زلت أتواصل مع هذه الشريحة الاجتماعية المهمة وسوف يكون لي معهم مزيدا من الانجازات في مجال المسرح وفي مسك ختام موضوعي هذا أود أن أتطرق الى ما استنتجته  في المحصلة النهائية من هاتين التجربتين وأقول : إن الجهود المتضافرة التي بذلت من قبل طاقم العمل جسدت واقعا يقول : ان الطفل تعلم من العمل الجماعي انه لا يستغني عن الجماعة ولا الجماعة تستغني عنه .. مراعاة مشاركة اكبر عدد ممكن من الأطفال في المشروع المسرحي وهذا ما تم في تجربتي وعليه أحس الطفل المشارك بقيمة مشاركته وإيمانه بأنه كان ركنا كبيرا في إنجاح المنجز المسرحي .. وتعلم الطفل من هذه التجربة كيف يتعاون مع أقرانه من الأطفال لانجاز نشاط متكامل لا يمكن انجازه إلا بالتعاون المثمر بين الجميع .. وربما أدت هذه المشاركة الى القضاء على الوحدانية والعزلة التي كان يعاني منها الطفل وتحول ذلك الشعور الى إدراكه التام بأن له مكانة متميزة بين الذين كان يتعامل معهم خلال فترة البروفات والعرض .. ومن النقاط المهمة التي استنتجتها أيضا تضحيته بوقته وإعطاءه لالتزامه أهمية كبيرة لكي يشارك في عمل مسرحي أحبه والتصق به .. وفي الأخير  حينما رست سفينة المهرجان على شاطئ النجاح راح الأحبة المشاركين يدركون إن لمشاركتهم دور فاعل في إنضاج العمل ونجاحه وهكذا تحملوا جزءا كبيرا من المسؤولية التي ألقيت على عاتقهم حينما ارتقوا خشبة المسرح .

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.