اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• كوكبة من الأنصار تعود إلى أحضان أمهم القوش

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

باسل شامايا

 مقالات اخرى للكاتب

كوكبة من الأنصار تعود إلى أحضان أمهم القوش

 

حينما تحل ذكرى الاستشهاد الأليمة تنساب أقلام الشعراء لاجترار مفردات جديرة ومتأنقة لغويا وأدبيا لتتمكن من التعبير والتجسيد لمآثر أولئك الثوار من فصائل الأنصار الذين  آمنوا بقضية شعبهم العادلة ووهبوا من اجل نصرتها أغلى ما يملكون ( وليس هناك أغلى من الحياة ).. وها هي جبال كردستان شاهد عيان على ما أقول ، تحكي لنا بفرح وألم عن الملاحم البطولية التي سطروها على صفحات تأريخ العراق الحديث دفاعا عن القيم والمبادئ الإنسانية التي كرسوها من اجل المظلومين والمحرومين من أبناء هذا الشعب الأبي ، ودفاعا عن أولئك الذين أودعوا زنزانات الطغاة وعذبوا إلى حد توقفت الأقلام في اختيار عنوانا يعبر عن تلك الأساليب القذرة التي مورست بحقهم في تلك السراديب النتنة .. وهناك مشاهد ومواقف لا تفارق الذاكرة مهما توالت السنين .. ومن بين تلك المشاهد ذلك اليوم المشؤوم أي قبل أكثر من عقدين ونصف ،عندما رحل عنا إلى عالم الخلود مجموعة من أنصار الحزب الشيوعي العراقي وهم في ريعان شبابهم أولئك الميامين الذين اختاروا طريقهم بمحض إرادتهم ناذرين العمر قربانا من اجل سعادة الآخرين لغد زاه تضلله الحرية والمساواة ، وما كانوا يوما هيابين مكترثين لهذا المصير لأنهم حينما جادوا بحياتهم من اجل الانعتاق من أغلال العبودية وعاهدوا أنفسهم بالتضحية من اجل تحقيق هدفهم المنشود في (وطن حر وشعب سعيد) كانوا على يقين بأنه سيأتي اليوم الذي يخضبون فيه الأرض بدمائهم الطاهرة وينالوا شرف الشهادة .. نعم نالوا ذلك المجد  في جبال الحرية ارض المقاومة والثوار وانظموا إلى موكب الخالدين الأحرار بعد أن اختاروا طريقهم الجبلي الوعر معبرين عن عشقهم المطلق للحرية والحياة الحرة الكريمة ، لينطلقوا من خلاله معلنين نضالهم ضد أبشع نظام موغل بالوحشية واللانسانية ، نظام لا يجد متعة اكبر من مشاهدته شعب يذبح من الوريد إلى الوريد ، دون أن يفرق في ذلك بين الطفل الرضيع والشيخ المسن ، اختاروا الموت في تلك الثرى التي عشقوها طيلة سني نضالهم فعانقوها خالدين إلى الأبد .. رحلوا رحيل الأبطال وكأنه أشبه برحيل أبطال الملاحم التراجيدية .. عانقوا ساحة الوغى لمجابهة أعداء الشعب وجها لوجه ، لكن الجبناء بالرغم من كثرة عددهم لم يجدوا في إيمانهم ذرة واحدة من الشجاعة  للمجابهة فأرسلوا طائراتهم للقيام بهذه المهمة ومن خلال ارتفاع لا تصله مقاومة الثوار راحت أطلاقات الأشرار عبر فوهات بنادقهم تطلق من طائراتهم المحلقة في سماء المعركة ، تحصد بالأنصار وهم فاتحين صدورهم لاستقبال وابل من رصاصات الجبن الحقيرة لتستقر في صدور النشامى الذين كانوا يحملون بين جوانحهم حب الوطن  فأردوهم قتلى ، وبعد أن تحررت أرواحهم من آلام أجسادهم المضرجة بالدم .. سخروا من طائراتهم المحلقة في ارض الشهادة وهي قادمة إليهم تحمل الموت فقالوا : أيها الأوغاد إننا سنصنع من كرنفال الموت هذا عيدا للحياة وفي الغد سيوزعون فيه الحب والخير والسلام  ، هكذا ولج الأبطال إلى ذلك الجو المفعم بالموت ورائحة البارود وصوت أزيز الرصاص الذي كان يأتيهم شرسا كهطيل زخات المطر .. وعلى الرغم من تلك المعركة الغير متكافئة بين جناحي الخير والشر لم يفقد الأبطال شجاعتهم ورباطة جأشهم وإصرارهم على مقاومة الأشرار بل راحوا يواجهون الموت وابتسامة الأمل تعلو شفاههم حتى سقطوا مضرجين بدمائهم الزكية في ارض المعركة فعانقوا ثرى بيرموس في كردستان العراق فامتزجت دمائهم النقية بذرات تلك التربة المعطاءة  ، وها قد جاء اليوم الذي نبت في كل قطرة سالت ثمار الحرية والديمقراطية .. لقد رحل الغيارى  وهم يحملون معهم عشق العراق ووفاءا لهم واستذكارا لمآثرهم في الدفاع عن قضية شعبهم ووطنهم للتحرر من رجس العبودية والظلم الدكتاتوري البغيض ارتأى رفاق وعوائل ثلاثة من هؤلاء الميامين إعادة رفاتهم إلى بلدتهم القوش أم الشهداء والأبرار ليرقدوا بأمان وسلام إلى جوار آبائهم وأجدادهم العظام . ففي 28/4/2011 توجه مجموعة من الأنصار وأشقاء الشهداء إلى حيث وّريوا الثرى في منطقة بيرموس البطلة التي كانت قلعة ينطلق منها المقاتلون الثوار ، فما أحلاها وما أزهاها من جنينة لفحت بانسامها المنعشة وجوه الأنصار حينما ولجوا إليها متلهفين لاستنشاق عبير الماضي المكلل بقوة الإرادة والمقاومة الصلبة ضد من كانوا يتسلطون على رقاب الشعب .. ومع همسات الربيع وهو يغازل سحر الطبيعة الأخاذ  .. وخلال مسير الأنصار القادمين من القوش وهم يشقون طريقهم بين ضلال أشجار بيرموس الوارفة وكرومها اليانعة وتفتح زهورها التي كانت تملأ تلك الأجواء بعطرها وشذاها وانطلاق أسراب الفراشات الملونة والمرتدية ثيابها من سحر الأرض ، ساروا والذكرى تعيدهم إلى أكثر من عقدين ونصف .. إلى زمن الصعاب والتحدي مرتشفين منها الإصرار والتواصل حتى تحقيق حلمهم الأزلي ، فوصلوا إلى حيث يرقد أبطال الحرية : 

 

  خيري توماس                             طلال توماس                               رعد بولص   وهناك توقفوا بعد أن حدد الدليل (عبدالرحمن بيرموسي) مكان لحود الشهداء .. هذا الرجل الذي كان شاهد عيان على تلك الجريمة ، فوقفوا جميعا وقفة صمت لاستذكار رفاقهم الشهداء .. حاموا حول مثواهم لعلهم يسمعون همسا يترنم بلحن الماضي السحيق .. ثم راحوا يتلمسون برفق وحنان ذلك التراب الذي احتضنهم تلك السنين الطوال والذي بات بأجسادهم الطرية خضابا أبديا أعطى لتلك الأرض الحياة .. وبينما يتهيئون لإخراج الرفات شاهدوا عشا لطير الدراج الجميل زاخرا ببيضات تنتظر اشراقة الفجر الجديد ...! ترى كيف اختارت الأم بين تلك الأضرحة التي تضم رفات ثلاثة شجعان رقدوا هناك قبل سنين مكانا  لتبني فيه عشا لتجدد الحياة ...؟ وبينما الأنصار يحفرون المكان المحدد وبكل همة ونشاط لإخراج الرفات راح الشاعر( لطيف بولا) وبصوته الجهوري يلقي مرثيته إلى الشهداء فأثارت شجون الحضور ليستسلم البعض منهم  الى البكاء خصوصا أشقاء الشهداء الذين عاشوا وقتا عصيبا حين إخراج الرفات وكأن استشهادهم كان في تلك اللحظات ، وهكذا حتى نقلت الرفات الى ناحية باعذرا ليبقوا هناك ليلة في ضيافة الشيوعيين  .. وفي اليوم الثاني تهافتت الحشود الجماهيرية الى القوش من شتى البقاع لتشارك في نقل وتشييع رفات أبناءها البررة ، وبعد أن قرع الناقوس معلنا عن وصول الموكب الذي كان يحمل ثلاثة نعوش ، خرج أهالي البلدة على جانبي الطريق لأستقبالهم في بلدتهم التي غادروها مجبرين .. وسارت الجموع من مكان توقف السيارات حتى وصولهم إلى باحة كنيسة مار ميخا ، وهناك أجريت مراسيم طقسية لهم وبحضور المسؤولين وجموع غفيرة من الأهالي وبعد ذلك توجه المشيعون إلى المقبرة وهناك وّريوا الثرى وسط شركائهم في النضال وأهالي القوش وأصدقائهم ومحبيهم وأشقاءهم وشقيقاتهم  الذين راحوا يذرفون الدمع على أحبتهم العائدين .. ووفاءا لهم وقفت تلك الجموع دقيقة حداد على أرواحهم الطاهرة ثم قدمت أمام تلك الحشود كلمات وقصائد ورثاء لما قدموه أولئك القناديل من أروع صور للتضحية ونكران الذات .. أنهم حقا أبطال حقيقيون كافحوا كفاحا عنيدا في زمن كانت الذئاب تنهش جسد العراق وبمباركة اعتى الأنظمة قسوة وجورا .. وهبوا أغلى ما يملكون لإزاحة ليل الدكتاتورية الجاثم على صدر الوطن .. شلت تلك الأيادي الآثمة التي حركت زناد الموت لتنتزع منكم الحياة فارقدوا بسلام أيها الأحرار ارقدوا هانئين قريري العين بين أحضان أمكم الحنون القوش .. ناموا في ثرى آبائكم فالطاغية الذي أمر بقتلكم قد ولى هاربا الى جحور الفئران فأخرجوه أسياده بعد انتفائهم منه ونال قصاصه العادل .. لقد رحلتم عنا أيها الأبرار جسدا لكن ذكراكم ستبقى تنعش حضورنا أينما كنا وأينما حللنا .. ستبقون حاضرين معنا ومن تضحياتكم نستمد العزم والتصميم  لمواجهة الأشرار ..بوركت ايها الثرى فكم اغتنيت حينما ضممت إلى أحضانك ثلاثة من أبنائك الخالدين .. وداعا يا ابناء الوطن الذي أحبكم وأحببتموه .. يا من تجاوزتم في تضحياتكم كل الحدود .. المجد لكم يا شهداء الشعب والوطن .. المجد كل المجد لكم يا شهداء الحرية .. سيبقى التاريخ يخلدكم ويخلد كل المناضلين الشجعان الذين لم يبخلوا بحياتهم من اجل تحقيق أمل المحرومين والمتعبين في الحياة الحرة الكريمة .

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.