اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• ((القوش ترتدي زهوها وعزها في ظل )) • ابنها البار توما توماس

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

باسل شامايا

 مقالات اخرى للكاتب

((القوش ترتدي زهوها وعزها في ظل ))

ابنها البار توما توماس

عرفناه أبا حنونا رقيقا شفافا طيب القلب والمعشر ، حارسا أمينا لبلدة آبائه وأجداده ، وفيا مفرطا بحب الناس .. مقاتلا شجاعا لم يتراجع في ساحات الوغى ولم يقبل بالمهادنة يوما .. حمل راية الشهامة والبطولة عالية خفاقة في سماء الوطن، لقب بجيفارا العراق لأنه مثلما قارع الثائر جيفارا الظلم في جبال بوليفيا ، هكذا قارعه المناضل توما توماس في جبال كردستان. بدأ نضاله المرير ضد الحكومات الرجعية المتعاقبة في العراق قبل أكثر من خمسين سنة  مقارعا اعتى الدكتاتوريات في العالم ومتجاوزا كافة أنواع الصعاب التي اقتحمت حياته  . عرفناه قائدا محنكا مغوارا أدخل الرعب في قلوب خصومه ومناوئيه وتشهد له بذلك تلك الصولات والجولات التي خاضها مع رفاق دربه في الحركة الأنصارية في كردستان العراق ، هذه الحركة التي أغنى مسيرتها وأثرى تاريخها حتى انصهر مع مقاتليها الأنصار في بوتقتها .. هناك في ارض الثوار بين تلك الجبال الوعرة انطلقت صرخة الحرية لتكسر أغلال العبودية التي جثمت على صدر العراق وشعبه الصامت عقوداً من الزمن . رغم كل المخاطر التي كانت تحدق به وبعائلته إلا انه لم يغادر ساحة النضال بل بقي يقارع الظلم الدكتاتوري متفانيا دؤوبا للذود عن أعداء الوطن والشعب .. واشتدت الملاحقات والمضايقات وإزعاجات مرتزقة الأمن والسلطة وبائعي الوطن والضمير بأبخس الأثمان ، وصودرت أمواله المنقولة وغير المنقولة وعرضوا في المزاد العلني  ما تبقى من كماليات المنزل ولم يكتفوا بذلك بل احرقوا المنزل أمام الملأ ، وغيرها من الأساليب التي يندى لها الجبين الإنساني ، وبالرغم من كل ما اقترفه الأوغاد لم يتمكنوا من استفزازه أو إثارته لكنهم عرفوا كيف يؤلموه ويقصموا ظهر عائلته حينما ارتكبوا جريمتهم النكراء باختطاف فلذة كبده ( منير) وهو لم يتجاوز( 25 ) ربيعا اختطفته أيادي الخيانة والغدر وهو يؤدي واجبه الوظيفي بكل تفان وإخلاص ، وبعد تعرضه لأبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي انزلوا به عقوبة الإعدام  دون محاكمة فأنضم إلى قافلة الشهداء الذين نالوا مجد الشهادة على يد أقذر نظام موغل في الدكتاتورية .. وهكذا تشتتت عائلته في أصقاع الأرض ، وأوصد ذلك الباب الذي بقي مفتوحا يستقبل الضيوف والزوار القادمين من شتى البقاع ، ومع كل تلك الممارسات القمعية لكسر شوكته وثنيه عن مواصلة النضال إلا انه ازداد قوة وصلابة ووقف شامخا بوجه جبروت السلطة الغاشمة ، فأشاع بصبره و شكيمته الخوف والهلع في صفوفهم ، مستمدا ذلك من انتمائه الوجداني الى تلك المبادئ التي حملها وآمن بها والتي تعلم منها كيف يجتاز الشدائد والمحن .. لقد حمل هموم القوش وأهلها الطيبين ، مكرسا جلّ أوقاته عطاءا للدفاع عن حقوقهم ، ومن اجل غد زاه تزدان فيه اشراقة  الحرية والحياة الحرة الكريمة ، وقد تجلت أعظم صور تضحياته ونكران ذاته في رفضه لكافة مغريات الدنيا ومناصبها القيادية وبمختلف المواقع السياسية  ،لأنه عاش لا لنفسه فقط بل لأولئك الذين كانوا يتوسمون فيه خير المدافع الأمين عن حقوقهم ،  فقد كان أبو جوزيف ذاك الإنسان الذي سعى دوما أن يكون إنسانا نقيا رافضا في فكره وسلوكه أية مساومة على مبادئه وإنسانيته حتى وان كانت على حساب مستقبل عائلته . مهما كتبت ومهما عبرت عنك أيها الثائر المظفر ، فأنني سأبقى عاجزا عن إيفائك ما تستحقه من الوصف والإطراء .. إنني لا اريد ان اتوغل او استعرض ما تزخر به حياة هذا الإنسان  لان أوراقي وما تخزنه ذاكرتي لا تستوعب ذلك ، فاكتفي بالشيء القليل لكي لا ابتعد عن صلب موضوعي .. فحلت الفاجعة الأليمة قبل (15 ) سنة حينما توقف قلبه الكبير المحموم بحب الوطن والناس وغادرنا بهدوء الى عالم الخلود .. رحل وهو يجتر شوق الغربة إلى الوطن والى بلدته القوش ، رحل تاركا لنا رصيدا ثرا من الإرث النضالي الخالد  والذي  سطره على صفحات التاريخ ، و إنسانيته المتجسدة  في شخصيته المعطاءة على طول السنين .. ومنذ وفاته والى هذا اليوم بقي الغائب الحاضر معنا في أفراحنا وأتراحنا نستلهم الدروس والعبر من تاريخه الناصع والحافل بالمآثر والتضحيات وما زال عائشا في ضمائرنا نذكره دوما في كل المناسبات ونقيم له احتفالية في  ذكرى رحيله ، وبعد مرور هذا السقف الزمني على فراقه الأبدي ، جاء اليوم الذي يجب أن يُرد له جزءا من تضحياته التي باتت ديناً في أعناقنا .. وذلك هو إقرار لما لهذه الشخصية الفريدة من تاريخ زاخر بالفخر والعز  والعطاء المتواصل ولأكثر من خمسة عقود . لقد جاء اليوم الذي يجب أن يستذكر جميل هذا الإنسان المكافح الذي نكر ذاته وتجرد من كل شيء اسمه ( أنا ) حمل بلدته على اكف الراحة والأمان ، ومهما كان هذا الرد فانه لا يساوي إلا الشيء اليسير مما قدمه خلال السنوات العجاف .  وهكذا جاءت مبادرة رفاقه ومحبيه لإقامة متنزها يحمل اسمه تخليدا له ونصبا تذكاريا يعتلي منصته  منتصبا شامخا ، ليكون وساما على التاريخ تفتخر به القوش التي أرضعته الأصالة والنقاء ، واستجاب لهذا المقترح كل من عاش تضحياته ومآثره  فهرع الغيارى  لتذليل كافة الصعاب التي قد تعترض الطريق للوصول الى تحقيق هذه الأمنية التي راودت القلوب . وبعد صراع مرير مع الروتين حصلت المنظمة على الموافقات الرسمية لتنفيذ المشروع ، فتشكلت اللجنة المشرفة في القوش مهمتها الإشراف ومتابعة مراحل الانجاز ، كما تشكلت لجان كثيرة في مختلف بلدان العالم تطوعت جميعها لجمع التبرعات لتمويل المشروع ، حيث أصر وثابر المحبون على انجازه ومهما كلف الثمن بالرغم من العراقيل التي حالت دون تحقيقه ، وهكذا استغرق انجاز هذا الصرح الكبير الذي توسط قلب القوش سنة كاملة حتى بانت جماليته ، فراحت الإعلانات تغطي مواقع الانترنيت ، معلنة عن موعد افتتاح المتنزه والنصب التذكاري متزامنة مع مرور الذكرى (53 ) لميلاد ثورة 14 تموز الخالدة ، ووجهت دعوات إلى المسؤولين والشخصيات السياسية والثقافية والدينية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني .. وفي تمام الساعة السادسة من عصر 14 تموز تهافتت الجموع الغفيرة إلى حيث افتتاح المعلم التاريخي الذي سيضيف جمالا ورونقا إلى القوش فازدحم الناس أمامه حتى امتلأت المقاعد المخصصة داخل المتنزه بجماهير غفيرة بحيث لم تعد تسعهم فاضطر الكثير منهم الوقوف خارج سياج المتنزه ينتظرون عريف الاحتفالية ليبدأ المنهاج . فأي فخر هذا الذي يتمناه المرء وأي مكيال يقاس به هذا الوفاء وأية أعماق هذه التي حوت بين أضلعها كل هذا الحب والوفاء .. هذه هي القوش .. هذه هي بلدة المثقفين والأحرار والأبرار . هكذا كانت وهكذا تبقى ، وفية .. أمينة .. صادقة .. لا تنسى أحبتها .. أولئك الذين غرسوا شتلات المحبة والطيبة والعطاء في كل شبر من ارض الرافدين .. ستبقى كما كانت لن تنسى من عشقوا ترابها ومن استرخصوا الموت دفاعا عن أصالتها وقيمها ومبادئها السمحة ، وها هم أبناءها وبناتها ، فتيانها وفتياتها ، عشاقها ومحبيها يؤطرون جنينة الفارس المقدام توما توماس بمحبتهم ، جاءوا للاحتفاء بإزاحة الستار عن النصب التذكاري لأبن القوش البار الذي سيقف على منصتها منتصبا شامخا كما اعتدناه في تلك السنين العجاف ، نعم في هذه الأيام  سترتدي القوش عزها وزهوها الزاخر بالشرف الرفيع  ، انه يوم جميل لمحت عليه ملامح الفخر والاعتزاز بما أنجز وأضيف الى رصيدك يا أم الأبطال . انطلقت أولى فقرات كرنفال الافتتاح بتفضل السيدين فائز جهوري مدير ناحية القوش والدكتور صباح توماس لقص شريط المتنزه وسط حشود غفيرة تغمرها الفرحة ثم تفضل سيادة المطران مار ميخائيل مقدسي لقص الكيك وبعد أن اخذ الضيوف والحضور أماكنهم داخل المتنزه صدح صوت عريف الاحتفال مرحبا بجميع الحاضرين وشاكرا الذين تجشموا عناء الطريق للمشاركة في هذه الفرحة الكبيرة ثم دعا سكرتير اللجنة المركزية للحزب  الشيوعي العراقي أبو داود لإزاحة الستار عن النصب التذكاري ووسط التصفيق والهلاهل أزاح الستار عن نصب المناضل الخالد حيث شد الفنان الشاب سلفر تومكا الحضور بالنشيد الوطني الذي ألهب هواجس الحاضرين فتفاعلوا معه واخذوا يرددونه وهم واقفون بخشوع ينظرون وبكل وقار الى نصب الثائر أبي جوزيف ، ثم ارتجل أبو داود كلمة بالمناسبة أشاد فيها بما أنجبته القوش من قادة ومناضلين أحرار أمثال المناضل توما توماس الذي وهب حياته من اجل سعادة شعبه ، وتوالت الكلمات ثم البرقيات التي أشادت بخصال المحتفى به وبمزاياه وسجاياه ومآثره ثم تلتها قصائد شعرية باللغتين السريانية والعربية قرأها كل من :   ( الاركذياقون اركان حنا حكيم والأستاذ سعيد شامايا والفنان الشاعر لطيف بولا والشاعر سمكو مراد والموهوبة بريفان عادل دكالي ) أما المفاجأة التي أدخلت الفرحة والبهجة إلى أعماق الحضور فكانت أغنية الفنان الالقوشي المغترب فريد هومي التي أرسلها عبر الانترنيت وأصر أن يكون أول عرضها في افتتاحية المتنزه ، حيث تعالت الهلاهل وتناثرت الحلوى في أرجاء المتنزه وصفق الجمهور للأداء الرائع والكلمات الأروع واللحن الجميل ، ومنهم من رقص وفي يده علم وفي الأخرى راية  . أما مسك الختام فكان من نصيب كلمة عائلة المناضل توما توماس ألقاها نجله سمير الذي وقف أمام نصب والده ويرتدي نفس الزي الذي كان يرتديه وكأنه نسخة منه ، وبعد ذلك راح الفنان الشاب سلفر تومكا يملأ المكان بالفرح والمسرة وبالدبكات الشعبية التي شارك بها الناس تغمرهم الفرحة وعلى أنغام تلك  الأغاني الجميلة ولم يتوقف في عطائه الا بعد استسلام الشمس للمغيب . وبهذه المناسبة العطرة التي كتب على وجه القوش اسم ابنها البار توما توماس وبين أحضانها وقف شامخا ارتأى القائمون على المشروع إقامة حفل عائلي فني ساهر على شرف المتبرعين وذلك في مساء اليوم الثاني في قاعة وردة للاحتفالات يحييه الفنان العراقي المغترب ماجد ككا والذي جاء متطوعا عبر البحار والمحيطات ليعيش هذا الحدث التاريخي ويعبر عن فرحته بإحياء حفل ساهر لأحبته وأهله الذين فارقهم قبل ثلاثة عقود . استهل الفنان باسل شامايا الحفل بكلمة ترحيبية بالحاضرين شاكرا إياهم على ما أغدق كل واحد منهم بعطاءاته من اجل انجاز هذا المعلم التاريخي / الاجتماعي ، ثم شكر الأخت المهندسة أشواق هادي مصممة المشروع والأخ جون نيسان المشرف على المشروع لجهودهما في انجازه ، كما رحب بكلمات ارتجالية بالفنان العزيز ماجد ككا فاستقبله الحضور بالتصفيق الحار وهو يلج الصالة فرحا مسرورا بذلك الاستقبال الرائع ، وقد أبدعت الفرقة الموسيقية المصاحبة له وبكامل طاقمها في عزفها الرائع وبرهنوا أنهم حقا متمكنون في قيادتهم وأدائهم الموسيقي ، وبعد ارتقاء الضيف مسرح الوردة ارتجل كلمة ترحيبية بالجمهور وقال باختصار: مهما قلت ومهما عبرت سأكون عاجزا عن وصف فرحتي وأنا بينكم في بلدتي الحبيبة القوش والتي فارقتها قبل أكثر من ثلاثة عقود وتحققت أمنيتي في هذه المناسبة العظيمة التي حملت فيها شوقي وحبي ولهفتي للبطل توما توماس ولأهلي وأحبتي في القوش  ، وبعد ذلك أطلق العنان لحنجرته فغنى للعراق ولتوما توماس وحزبه المقدام ولألقوش أم الأحرار ، وعلى أنغام الفرقة الموسيقية المبدعة رقص ودبك الشباب والشابات وهلهلت الأمهات وارتشف الأنصار والرفاق والأصدقاء نخب المناسبة السعيدة التي جمعتهم في أبهى ليلة ، وكان لأغنية طير السعد حصة الأسد في تفاعل الجمهور معها حيث ألهبت حماسهم وأعادتهم إلى ذكريات الماضي ، وكان لهذه الاغنية بداية موفقة لأنطلاقة الفنان ماجد ككا في عالم الإبداع ، وكان عريف الحفل قد دعا الفنانين التشكيليين سماري وعبدالرحيم اللذين أنجزا نصب الخالد واجرى معهما لقاء حول المناسبة فتحدثا عن شرف مساهمتهما في عملية تجسيد شخصية المناضل توما توماس في النصب الذي انجزاه والفرحة تغمرهم بهذا المنجز العظيم ، حيث تمنيا أن يكونا قد حققا فيه طموحات محبي القائد الرمز توما توماس  ، هذا واستمر الحفل إلى الساعة الثانية بعد منتصف الليل ولولا نظام القاعة في تحديد الوقت  لأستمر الحفل إلى الصباح .    

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.