اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• نصب تذكاري للخالد توما توماس في القوش

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

باسل شامايا 

 

نصب تذكاري للخالد توما توماس  في القوش

 

بلدة صغيرة تقع على سفح جبل اجرد ، صغيرة في مساحتها وكبيرة في عطاءاتها ، أتحفت العراق بل العالم بشرقه وغربه بأسماء وانجازات عملاقة حفرت بعمق في وجدان التاريخ القريب والبعيد وبقيت على امتداد الزمن متميزة متلألئة في سماء الوطن وزاهية متألقة ومبدعة تؤطر الحياة .. تلك هي القوش الباسلة التي أنجبت علماء وفلاسفة وفنانون وأدباء وأساتذة كبار ،القوش هذه البلدة الواهبة المعطاءة ، التي أنجبت في أوائل القرن العشرين ابنها البار البطل توما توماس ، هذا المحنك المغوار الذي أطلق عليه حقا وفعلا رجل المهمات الصعبة  .. لقد كان جسورا وقائدا شجاعا ومقداما لم يتمكن الخوف والغرور منه يوما ، عاش متواضعا يحمل هموم الناس .. رقيقا شفافا في تعامله معهم لا بل حتى مع أولئك الذين كانوا يضمرون له الحقد والعداء ،كثير التسامح حتى مع الذين أعمت العمالة والجشع بصيرتهم ، أولئك الضعاف النفوس الذين باعوا ضمائرهم بابخس الأثمان فقبلوا بعروض أسيادهم حينما تم اختيارهم لاغتيال الفقيد لكنهم كانوا في كل محاولة يجرون أذيال الخيبة والفشل لأنه بحنكته وذكاءه كان يكشف ما يخططون له ، ومع ذلك كان يرفض معالجة الخطأ بالخطأ في معاقبتهم  فيعفي عنهم ويسامحهم بالرغم من كل شيء .. كان الشيء الذي يقربه أكثر إلى الناس تفضيله الدائم ان يكون قريبا من الكادحين والبسطاء والمحرومين ليشاركهم همومهم ومعاناتهم .. يقف معهم خصوصا في أوقاتهم العصيبة التي يتألمون فيها لكي يخفف عن آلامهم وجراحاتهم التي يجد بذلك كل الراحة والفرح والسرور .. كان يمتلك قلبا ممتلئا بالحب للجميع خصوصا أهل بلدته  دون تمييز أو تفضيل أحدا على الآخر .. لشخصيته الوطنية والاجتماعية والسياسية خصال فريدة تميزه عن غيره من السياسيين لذلك استحق أن يلقب بجيفارا العراق لأنه فعل مثلما فعل جيفارا، الذي بات بنضاله وتضحياته رمزا من رموز حركة التحرر العالمية .. قارع الظلم في جبال بوليفيا وهكذا قارعه توما توماس في جبال كردستان .. اندمجت فيه مزايا الالقوشي الشجاع مع مزايا الوطني الغيور المؤمن بقضايا شعبه ووطنه وبتطلعه إلى الحياة الحرة الكريمة ..كان يفضل دوما أن يكون قريبا من بلدته في نضالاته ضد السلطة الدكتاتورية البغيضة لكي تبقى عيناه حارستان أمينتان لحمايتها من شر الأعداء وأطماع الغزاة .. لقد حاولوا الحد من عزمه وتواصله في ذات الطريق الذي امن به  فاحرقوا منزله وصدّروا أمواله وشردوا عائلته الى شتى أصقاع الأرض حتى وصلت بهم الوحشية أن تمتد  مخالبهم القذرة لتنهي حياة ابنه الشاب الذي توه قد بدا الحياة ومع كل ذلك لم يتمكنوا من إيقاف ذلك الدفق الهائل من العطاء بل استمر في كفاحه المرير بكل شجاعة ونكران الذات دون أن تثنه تلك الممارسات اللانسانية عن التواصل بل جعلته يزداد قوة وصلابة في مواجهة أعداء الحياة فأشاع بصبره وشجاعته المعهودة الرعب في قلوبهم ...كان قائدا عسكريا محنكا لكنه لم يعتبر نفسه يوما إلا جنديا مقاتلا ضد كل من تسول له نفسه لإيذاء ثلاثة أشياء كان يحبها كثيرا وهي ( الوطن .. الشعب .. القوش ) ولم يبحث يوما عن أمجاد ومراكز سلطوية كالتي يهرع خلفها الكثير في أيامنا هذه وكان الجميع صغارا وكبارا تغمرهم الفرحة عندما ينادونه ( عمي توما ) .. هذا ما كان يفتخر به دوما ويعتبره افتخر أثمن رأسمال في حياته  .. فالحديث عنه يحتاج الى مساحة للتأمل في مسيرته الحافلة بالنضال ويكاد يعجز عن إيفائه ما يستحقه من الوصف، لأنه تجاوز بانجازاته ونضاله المرير كل الحدود حتى أغنى بها مسيرة الحركة الوطنية وأثرى تأريخ حزبه المناضل تلك التي ستبقى ذكراها القا في عالم الخلود ونبراسا في ضمائر الأحرار لا تمحوها الأيام والسنين .. فقد تمكن هذا الرمز أن يحفر في ذاكرة الزمن اسمه الذي سيبقى عزا وفخرا تعتز به الأجيال على مر الزمن .خطفه ملاك الموت ورحل به إلى عالم الخلود قبل أن يقطف ثمار نضاله الذي أرهقه كثيرا ويعيش يوم سقوط الصنم ، رحل تاركا ذكرى لا تزول، فتوشحنا بفراقه الأسى والحزن .. رحل بعد أن أفنى عنفوان شبابه من اجل تحرر الوطن والشعب من عبودية الدكتاتورية المقيتة ، رحل غريبا عن بلدته التي أرضعته الحب والوفاء .. رحل دون أن يقتني لأولاده أكثر من تاريخه النضالي الثر، فخلده التأريخ وبات رمزا من رموز الحركة الوطنية . بعد شهرين ونيف سنعيش الذكرى الرابعة عشر على رحيله وفراقه الأبدي عن بلدته ومحبيه،أليس الأجدر بنا أن نقف بكل حب واحترام مستذكرين ذلك التاريخ الناصع الزاخر بالتضحيات الجسام من اجل شيء متسام عظيم اسمه الوطن .. أما آن الأوان لنحافظ على منجزه الكبير وتاريخه الحافل بالمآثر والبطولات من غدر الزمان، فنسعى معا لنشيّد له مكانا يليق به يحمل اسمه، مكانا تزينه أشجار الياس وتعبقه أزهار النرجس والياسمين، يمنحه عطرا فواحا ساحرا  نصبا  يجسده عمنا الغالي أبو جوزيف ، انه اقل ما يجب علينا أن نقدمه لهذا الإنسان الذي ظل وفيا لبلدته ، فداها بروحه حينما كانت تكتنفها الذئاب واللصوص من كل صوب ، وفتح صدره لغدر الغادرين حينما كانت تتعرض لغارات وأطماع كثيرة . فما خذل قوم اجتمعوا على الخير والبناء وما افلح من التقى على الشر والبلاء .. هيا أبناء جلدتي لنشد الأيادي ونعمل بما يستحقه هذا الإنسان الخالد ونشيد له في مدخل أمه العزيزة القوش جنينة زاهية ليدخل إليها ابنها البار الذي أجبرته الظروف أن يموت غريبا عنها علما إن أمنيته التي كانت تراوده حينما يموت ان يكون بين أهله وناسه في بلدته القوش ، فيرقد إلى جانب آبائه وأجداده العظام ليبقى هناك أبد الدهر ، ونجعل من هذا النصب والجنينة  صرحا تفتخر به الأجيال ، نزوره في كل يوم لنستذكر في أيامنا العصيبة هذه حديثه الذي كان يزرع الأمل فيذلل صعابنا ونقيم له احتفاء في كل ذكرى رحيله لنجدد ذكراه التي ما زالت طرية في قلوبنا ، تسكن في ثنايانا يتوّجها الحب والشوق إلى ابد الدهر ،هكذا نكون قد أوفينا جزءا من تضحياته الجسام التي وهبها من عمره خصوصا حينما تشردت عائلته وأولاده دون أن يقتني من ذلك غير محبة الناس ،هيا افتحوا قلوبكم ولا يفرقكم شيء لأنكم جميعا أبناء بلدته الشامخة ،هيا لتحققوا معا منجزا تاريخيا يعطينا الراحة والفخر والسؤدد ، ونشكل به بنيانا مشرقا في تاريخ بلدته العريقة القوش  .  

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.