اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• المسرح الجاد والأنبا جبرائيل دنبو في القوش

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

مساهمات اخرى للكاتب

·        المسرح الجاد والأنبا جبرائيل دنبو في القوش

 

كثيرة هي النكبات والحوادث الأليمة التي مرّ بها دير الربان هرمزد عبر المراحل التاريخية المتعاقبة ، وفي كل نكبة يتعرض ساكنيه من الرهبان والقسس الى الضرب والاهانة والاعتداء والتعذيب الوحشي وعلى يد الغزاة الحاقدين الذين لا معنى للرحمة في قلوبهم ، لذلك كل من لم تطله أياديهم الآثمة في غاراتهم كان قد غادر الدير هربا من بطشهم وإرهابهم ويبقى مختفيا حتى يعم الهدوء والسلام أرجاء المنطقة وترحل تلك الغمامة القاتمة التي كساها الغزاة على أنحاء الدير وجعلوا الحياة فيه جحيم لا يطاق، حيث اخلي هذا البيت المقدس من ساكنيه ،غادروه مكرهين  سعيا وراء البحث عن مكان آمن بعيد عن أنظار أولئك الأوباش، فيلتجئون أحيانا إلى القوش الملاذ الأمن والدرع الحصين في الشدائد والأهوال ، وهناك يفتح أهاليها  الكرماء أبواب البلدة على مصراعيها  لحماية أولئك المسالمين الذين لا حول لهم ولا قوة من شر الجناة .      لقد بادرت فرقة مسرح شيرا لتجسيد إحدى تلك النكبات حينما عرضت عليها إدارة دير السيدة مشروعا فنيا / مسرحيا وهو إقامة نشاط مسرحي يتناول نص المسرحية أحداث مرحلة عصيبة مر بها الدير فلبت الفرقة طلب الإدارة بعد مرور فترة قصيرة على ذلك ، وبالرغم من القيود والأغلال التي قيدنا بها النظام الدكتاتوري المقبور والذي كان يحول دوما  دون تحقيق ما نهفو إليه في النتاجات والإبداعات المتميزة إلا أن ذلك لم يحد من نشاطنا بل زادنا إصرارا وتواصلا ، فتحدينا ذلك الواقع الذي فرض علينا قسرا بالمثابرة الدءوبة  وبكفاح مرير من اجل تحقيق الهدف الذي تشكلت من اجله الفرقة . اسمحوا لي أن أتحدث بعض الشيء عن المسرح التجاري الذي فرضته علينا الظروف التي مرّ بها البلد في تلك الفترة التي أقحم المسرح العراقي الأصيل  لقد باتت عروض هذا المسرح (التجاري) تنخر في جسد مسرحنا العراقي من خلال تلك الأعمال المسرحية الهابطة التي كانت تعرض على مسارح تزدحم في قاعاتها وصالاتها الإقبال الجماهيري الكثيف، على الرغم من أن ثمن بطاقة الدخول للفرد الواحد كانت مكلفة جدا ، مع ذلك كان الناس يتهالكون على شباك التذاكر بغية اقتنائها،لا بل كان هناك الكثير من رواد هذا المسرح يهرعون خلف هذا وذاك من الذين يتاجرون ببطاقة الدخول في السوق السوداء خصوصا بعد إعلان الجهة المنتجة عن غلق شباك التذاكر لانتهاء بيع بطاقات الدخول إلى العرض المسرحي، فتصل تلك البطاقة في بعض الأحيان الى سعر خيالي لا يقبله العقل..وبالمقابل كانت هناك أعمال رصينة تتناقض في محتواها عن أعمال المسرح التجاري يعرضها المسرح الجاد الذي كان قد اعتاد أن يقدم لجمهوره مسرحيات هادفة يجسد فيها سلبيات الواقع المعاش وبمعالجات كوميدية أو تراجيدية ، ويستنبط الوسائل الكفيلة لمعالجة تلك السلبيات . وكما قلنا إن هذا المسرح يتناقض تماما بأهدافه وطموحاته مع المسرح التجاري ، ومع ذلك كان يفتقر الى الجمهور إذا ما قارناه بجمهور المسرح الآخر ، وعانت الفرق المسرحية خاصة تلك التي تعرض أعمالا جادة من هذا الواقع الأليم واخص بالذكر فرقة مسرح شيرا الناطقة بالسريانية التي تأسست عام 1993 كفرقة مسرحية عراقية في أيام كان العراق يرزح تحت نير الحصار الاقتصادي الجائر على شعبنا العراقي ، وقدمت العشرات من الأعمال الدرامية الناجحة كما شاركت في مهرجانات وطنية وقومية وعروض متنوعة خارج بغداد في المحافظات الأخرى وخاصة محافظة نينوى وحتى خارج الوطن ، وعكست معاناة تلك الفرق سلبا على حركة المسرح وعلى النتاجات التي كانت تقدمها الفرق المسرحية آنذاك، فعاش مسرحنا العراقي (الجاد ) ظروف عصيبة في ظل تلك الأيام . وكان لفرقتنا ( فرقة مسرح شيرا ) حصة الأسد من تلك المعاناة ، ومع كل ذلك لم نتوقف في عطائاتنا بل تواصلنا بنفس الهمة دون أن يثننا عائق من هذا القبيل ، وتوالت الأعمال واحدا تلو الآخر (وتم تقييم معظم تلك الأعمال وارشفت  في خانة النتاجات الجادة الرصينة) متجاوزين كل الصعاب التي زرعوها في طريق تطور مسرحنا السرياني خصوصا الأعمال الهادفة التي كانت تعالج في ثيماتها الظواهر السلبية التي يعاني منها مجتمعنا العراقي عموما .عزيزي القارئ الكريم ليست غايتي الإسهاب في استعراض نتاجات شيرا الكثيرة والمتنوعة بل كانت هذه مقدمة للولوج الى الموضوع الذي اخترته والذي عزمت على كتابته بعد أن قرأت خاطرة الأستاذ جميل حيدو في العدد الأخير من جريدة صوت القوش يدعو فيها المسرحيين لكسر الجمود الذي طال أمده في بلدة الإبداع ، وتوحيد الكلمة لأغناء المسرح بأعمال درامية جديدة ، أثارتني كلمات الأستاذ وجعلتني أعود ثلاثة عشر عاما الى الماضي وتحديدا إلى عام 1997 لأستشهد بإحدى الأعمال المسرحية ( الأنبا جبرائيل دنبو ) التي تكللت بالنجاح الكبير، هذا العمل العملاق الذي تم انجازه بالتعاون بين فرقة مسرح شيرا وإدارة دير السيدة ومجموعة من مبدعي القوش ، حيث تضافرت جهود الخيرين من محبي المسرح وأثمرت تلك الجهود عن ولادة عمل جبار أضيف الى أرشيف القوش الزاخر بالإبداع نتاج جديد ليس بأقل شأنا من الأعمال الأخرى... لقد أمضيت أكثر من شهر في القوش بعد أن تم تشخيصي من قبل المخرج هيثم أبونا لتجسيد شخصية الأنبا ( دنبو ) وتزامن عرضنا المسرحي مع الذكرى السنوية لشيرا الربان هرمزد هذه الذكرى الزاهية التي يكتظ بها الديرين بالناس من مختلف مدن العراق  ومختلف شرائح مجتمعنا العراقي خصوصا إن هذه المناسبة باتت تقليدا اجتماعيا يحتفل بها المئات بل الآلاف من الناس .  تناولت المسرحية حياة هذا الشخص( دنبو ) المؤسس الثاني للرهبنة الهرمزدية  الذي كان قد اعتاد على حياة الترف والبذخ لكنه توصل الى قناعة بان حياته الجديدة ستكون الأفضل مما كان عليه سابقا ، فاختار الجبال الوعرة ناسكا متعبدا بعيدا عن حياة الدنيويات ونعمها مؤمنا إيمانا نقيا بالطريق الذي سلكه من اجل تحقيق هدفه المنشود في التقرب الى الله ، وهنا في جبل القوش اختار صومعته بعيدا عن ملذات النفس وشهوات الجسد. إن ما أثار انتباهي انه بمجرد الإعلان عن النية بإقامة عمل مسرحي في القوش يتناول حياة هذا الراهب حتى تهافت الكثير من محبي المسرح متطوعين للعمل  في هذه المسرحية ، حتى بلغ عددهم أكثر من ( 24 ) ممثل معظمهم من الهواة ، ولكنهم أصحاب تجربة مشهودة في أعمال درامية قدموها على مسارح القوش ومنهم المرحوم الشماس إيليا سكماني والأستاذ نوئيل عوديش والممثل القدير أبلحد سورو والكاتب جميل حيدو والشاعر سمير زوري  وزياد خوشووغسان حبيب  وناهض زرا وآخرون غيرهم استميحهم عذرا لعدم ذكر أسمائهم .. أما فرقة مسرح شيرا فقد شاركت في هذا العمل الكبير بكادرها الأستاذ كاتب النص سعيد شامايا الذي تمكن من خلال النص أن يعود بنا الى الماضي السحيق ويوقظ عندنا روح هذا الناسك العظيم بأحداث درامية مشوقة، أما الفنان المخرج هيثم أبونا فقد كان دقيقا في اختيار شخصياته وموفقا في توزيع الأدوار على الممثلين ، أما مجسد أحداثه الدرامية الفنان باسل شامايا فقد أجاد الدور وتقمص بكل انسيابية شخصية الأنبا ، علما كان هناك دبل كاست معه وهو الأب مفيد توما ، وأخيرا الأخ وائل شامايا مديرا للمسرح .... لو نعود الى أرشيف الفرق المسرحية ونتمعن بعض الشيء في الأعمال المسرحية التي تحتوي على مجاميع وشخصيات كثيرة نجد مخرجي تلك الأعمال  يعتبرون ذلك مجازفة كبيرة ،  لكن مسرحية دنبوالمتعددة الشخصيات والفنيين أنجزت دون أن تعتري العملية المسرحية أي إشكال أو إخفاق، والفضل يعود الى التعاون المثمر وتضافر الجهود الخيرة بين طاقم العمل عموما ، فاختصر علينا السقف الزمني أو مدة البروفات التي تبلغ أحيانا أكثر من ستة أسابيع لكننا أنجزنا هذه المدة بأقل من ذلك، وأخيرا قطفنا ثمار الجهد المبذول وتحقق طموحنا حينما تهافت الجمهور من أحياء القوش لمشاهدة العرض المسرحي حيث كان موعد العرض الأول أوالافتتاح على مذبح دير السيدة ، مستثمرين مناسبة شيرا الربان هرمزد وذلك عام 1997، كما عرضت أيضا على مسرح منتدى شباب القوش عدة أيام  وبحضور جماهيري غفير . لقد كان عملا متميزا حقق نجاحا كبيرا على المستويين الفني والجماهيري وأعطى هذا النجاح لطاقم العمل الراحة وأزال عن كاهلنا كل متاعب ومصاعب تلك الفترة التي استغرقناها في البروفات . وأخيرا أقول  للأستاذ الفاضل أبو وحيد حينما دعوت المسرحيين إلى التلاحم والاتحاد مشكورا على حرصك لتبقى بلدتنا متألقة دوما ، أقول أننا بهذا  أنجزنا بالتلاحم والتعاون وتذليل الصعاب وبالعزم والتصميم عملا مسرحيا عظيما قبل 13 عاما وما زالت آثاره قائمة لحد يومنا هذا والفضل يعود إلى تجردنا من الأنا وعدم التفكير مسبقا كم سنجني من هذا العمل أو ذاك كما يحدث في هذه الأيام وفي مختلف مجالات الحياة .. ربما يقول احد القراء انه الوضع المعيشي الصعب الذي يتطلب ذلك لكنني أقول  كان الوضع عندما أنجزنا مسرحية دنبوأصعب  وبالإمكان مناقشة ذلك .. اعتقد أن توجه الأنسان في الوقت الحاضر تغير وأصبحت التضحية في هذه الأيام عملة نادرة  بل بات التفكير  للمشاركة في نشاط ما ينحصر في سؤال ينتظر الجواب ( كم سأجني من المالفي هذه المسرحية او تلك ..؟ ) لذلك اعتقد انك ستوافقني الرأي بان الأعمال المسرحية إذا يتم تقييمها ونجاحها بالمادة سيكون مصيرها الفشل وحتى الاتفاق إذا تم معتمدا على شيء اسمه المصلحة الخاصة سيكون ذلك الاتفاق ناقصا مهما كان مدعوما لان عنصر الحيوية لان عنصر الحيوية سيكون معدوما فيه . أخيرا أتمنى  أن تتكاتف كل الجهود الخيرة من المسرحيين أن لتنصب في بودقة الثقافة العامة التي تزخر بها  بلدتنا الحبيبة القوش .

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.