اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

Beez5

حكاية ونَص: (بغداد) لاجئةٌ تبحث عن وطن يأويها!// محمود حمد

محمود حمد

 

عرض صفحة الكاتب 

في مثل هذا اليوم

حكاية ونَص: (بغداد) لاجئةٌ تبحث عن وطن يأويها!

محمود حمد

 

حينما عرفت أن مقامي في المستشفى سيطول، صرت اميل إلى قراءة روايات الأزمنة التي تدون إضاءات الفكر واصطخابه بين المتفكرين والمتحجرين، تلك الأعاصير التي عصفت بذاكرة التاريخ تارة وأخمدت مواقد التَفَكِّرْ الطليق تارة أخرى...

 

جاءني صديقي (أبو عمار) بالمجلد الثالث من مجلدات كتاب (تاريخ بغداد) الواحد والعشرين، الذي جعل فيه (أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن احمد بن مهدي الخطيب البغدادي) الإطار المكاني رابطاً  لترجمة العلماء الذين عرفتهم بغداد حتى أواسط القرن الخامس الهجري، دون أن يُغرق المكان بتاريخ وسير الخلفاء والسلاطين والوزراء ومكرهم السياسي ، حتى تراءى لي تزاحم قوافل الجِمال تسبقها وتعقبها خيول الفرسان وهي تنقل بيت المال والدواوين من الكوفة إلى المدينة المدورة التي أنشأها بُناتُها الفقراء الحُفاة في (خلافة المنصور)، منتصف القرن الثاني الهجري (762 م) لتكون عاصمة للخلافة العباسية!

 

وانا استمع إلى صوت فيروز يطرق عليَّ زجاج النافذة في آخر الليل (بغداد والشعراء والصور...) تذكرت ما كتبه ياقوت الحموي:

(ما دخلت بلداً قط إلا عددته سفراً إلاّ بغداد فأني حين دخلتها عددتها وطناً)!

فـ (بغداد في البلاد كالأستاذ في العباد) كما يقول ابن زريق الكوفي!

حينها دخلتْ عليَّ الممرضة حاملة عُدَّتَها قاطعة علي قراءة ما كتبه الخطيب البغدادي:

    (سافرت إلى الآفاق ودخلت البلدان من حد سمرقند إلى القيروان ومن سرنديب إلى بلاد الروم فما وجدت بلداً أفضل ولا أطيب من بغداد.........)!

 

بعد تلقي جرعة المُسَكِّن من الألم أحسست بخدر لذيذ، وغرقت في نوم عميق، حتى ظهر اليوم التالي...

عندما أيقظتني الممرضة على مشاهد يعرضها التلفاز لسيارات " الهامفي " وهي تقف على بركة من الدم الساخن وإلى جوارها جثث مقطعة في ساحة التحرير وسط بغداد...تراءى لي (نصب الحرية) ينزف دماً والأرصفة تنتحب، والنخيل المُنتَهَك بالشظايا يرفع سعفه للسماء مستغيثاً...

ألقيت وجهي وروحي على صفحات دفتري مناجياً من يعشق (بغداد) ويَخُرُ ساجداً لها:

 

(بغداد) لاجئةٌ تبحث عن وطن يأويها!

الموتُ يطاردها...

والتصحرُ...

وسفلسُ الغزاة...

والمحاصصةُ...

والملثمونَ...

والازبالُ...

ومغتصبو المقابرَ...

والحواجزُ الأسمنتية...

وأفواجُ الموت...

و"الخطة الأمنيةُ “المضرجة بالدماء...

والوعيدُ...

وأبو سفيانُ بن مَقْتٍ...

والبطاقةُ "التمويهية"...

والعمائمُ المدججة بالكراهية...

والطرقُ المعبدةِ بالإذعان...

ولصوصُ المكاتب الحفاة...

واسطوانات الغاز المعبأة بالبارود...

وبائعو الأوطان...

و" المصالحةُ "بين القاتل والقاتل...

وفضائياتُ البترول...

والطوائفُ الدموية...

وأسلاكُ الكهرباء الذبيحة!

****

بغدادُ ناحبةٌ ...

ينزفُ من ضلوعها الفقراءُ...

يتبادلون الجماجمَ والوجعَ في الأسواق المُكْتَظَّة بالفاقةِ والمُتَربصين!

يُشَيَّعُ عمالَ "المَسْطر" من ساحة الانتظار اليباب...إلى شرفات الليل البغدادي المهجور!

تشكو المدنُ المَسبيَّةُ جَورَ التوحُشِ المُدَرَّعِ...ينهشُ لَحمَ الغرفِ العذراء!

يتناوبُ الغزاةُ والملثمونَ نَحْرَّ الشوارع...تَقطيعَنا في الساحات العامة...

وفي المقابرِ الخاصة!

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.