مقالات وآراء
بين مفهومي التخريب والإرهاب في الصراع الشرق أوسطي// أسامة خليفة
- تم إنشاءه بتاريخ السبت, 25 تشرين1/أكتوير 2025 11:20
- كتب بواسطة: أسامة خليفة
- الزيارات: 82
أسامة خليفة
بين مفهومي التخريب والإرهاب في الصراع الشرق أوسطي
أسامة خليفة
كاتب فلسطيني
ما أكثر ما يتردد مصطلح «الإرهاب » في وسائل الإعلام، وعبر التصريحات الصحفية للسياسيين في الاتهام والرد على الاتهام، الولايات المتحدة وإسرائيل الأكثر تبجحاً به والأكثر استخداماً له، يثير المصطلح إشكالات عديدة، بدءاً من الاختلاف في تعريفه، وانتهاء باستخدامه الجائر. فهو مفهوم يستخدم لإرهاب الخصوم، وباسم مكافحة «الإرهاب » يُرتكب «الإرهاب »، وقد صار في السياسة الأميركية شعاراً للتخويف والترهيب والتوظيف والاستثمار وفقاً للمصلحة الاستعمارية التي تطلبت صنع ودعم جماعات إرهابية تعمل لحساب الاستخبارات الأميركية، مثلما حدث في أفغانستان وعدد من دول أميركا اللاتينية. يبسط البعض تعريف «الإرهاب»، هرباً من تعقيدات تعريفاته الاستخباراتية غير الاكاديمية التي تزيف الواقع ولا تنتهج العلمية، يشير المصطلح إلى استخدام العنف لتحقيق غايات وأهداف، دون توضيح وتحديد هذه الأهداف، ودون الإشارة إلى أسباب العنف السياسي، واقتصار تحديد من يقوم بالعنف على الأفراد والجماعات، وتوجيه اتهامات ضد أعداء أميركا استناداً إلى تعريف غير جامع مانع، وغير صريح لـ««لإرهاب»، ودون الحديث عن «إرهاب الدولة»، واستثناء «العنف» المرتكب من قبل دول مثل أميركا وإسرائيل، مع غض النظر عن الأعمال العسكرية السرية الأميركية وعدم شملها في تعريف «الإرهاب»، وقد اعتبرت بعض البلدان الممارسات الأميركية في فيتنام تشكّل «إرهاب دولة». الجزء المركزي من الخطاب الأميركي حول «الإرهاب» كما تم صياغته في الثمانينيات هو أن «الإرهاب شكل من أشكال العنف السياسي غير الأخلاقي الذي لا يمارسه سوى الآخرين». إذ أصر أنصار هذه السردية، في الولايات المتحدة وفي إسرائيل، ولا يزالون يصرّون حتى اليوم: أن «الإرهاب» يشكل تهديداً يهدد العالم الغربي المتحضر فقط، وقد قبلت واشنطن مفهوم «إرهاب الدولة» بعد 23 تشرين الأول /أكتوبر 1983، حين دمّرت شاحنتان مفخختان مبان تابعة لمشاة البحرية الأميركية والمظليين الفرنسيين في بيروت، فُتل في الهجومين 241 جندياً أميركياً، بالإضافة إلى 58 جندياً فرنسياً، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن توّرط سوري وإيراني، ووسعت تعريفها لـ«الإرهاب» ليشمل الدول التي تستخدم الإرهاب إما مباشرة، وإما عن طريق الوكلاء، أو عبر توفير ملاذ آمن للارهابيين.
في الستينات والسبعينات من القرن الماضي استخدمت إسرائيل مصطلح « المخربين» لوصف الفدائيين الفلسطينيين الذين يقومون بعمليات ضد العدو في إطار نضالهم من أجل الحرية والاستقلال، لم تستطع إسرائيل تطوير إطار نظري ومنهجي لمفهوم التخريب -كما هو الحال بالنسبة لمفهوم «الإرهاب »- صالح للاستخدام السياسي والإعلامي يهيئ لتدخل عسكري أو لفرض عقوبات قاسية مؤلمة بمشاركة حلفائها الأميركيين والأوربيين، وجرى استخدامه لتجريد الآخر من إنسانيته وشرعيته، بينما يُضفي الشرعية على استخدام العنف ضده.
تجاوزت بعض العمليات الفدائية حدود الوطن، ليمتد نشاط الفدائيين إلى خارج أرض فلسطين تحت شعار «وراء العدو في كل مكان»، حيث تمنح المؤسسات الدولية الشرعية لحركات التحرر إذا انحصرت عمليات المقاومة لأجل تقرير المصير على الأراضي المحتلة، وكان هذا أيضاً رأي وموقف بعض التنظيمات الفلسطينية مثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، بينما مارست تنظيمات فلسطينية العمل الخارجي، كمنظمة أيلول الأسود التي قامت بعمليات اغتيال، واحتجاز رهائن، وخطف طائرات بهدف لفت الأنظار إلى الظلم الذي تعرض ويتعرض له الشعب الفلسطيني، ولأجل تحقيق الاعتراف الدولي بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني.
وكانت منظمة التحرير الفلسطينية جزءاً من الدول العربية التي اتفقت على تعاون الشعوب من أجل إقامة السلام وعقد اتفاقية عربية لمكافحة «الإرهاب » الذي يهدد أمن الأمة العربية واستقرارها ويشكل خطراً على مصالحها الحيوية، وتدعو الاتفاقية إلى حماية حقوق الانسان، وتؤكد حق الشعوب في الكفاح ضد الاحتلال الأجنبي والعدوان بمختلف الوسائل، بما في ذلك الكفاح المسلح من أجل تحرير أراضيها، والحصول على حقها في تقرير مصيرها واستقلالها، وفقاً لمقاصد ومبادئ ميثاق وقرارات الامم المتحدة، والتزاماً بالمبادئ الاخلاقية والدينية السامية، ولا سيما أحكام الشريعة الإسلامية، والتراث الإنساني للأمة العربية التي تنبذ كل أشكال العنف والإرهاب، والتزاماً بميثاق جامعة الدول العربية وميثاق هيئة الامم المتحدة، وجميع العهود والمواثيق الدولية الأخرى.
تزامن الانتقال من الاستخدام الإسرائيلي لمفهوم «التخريب» إلى استخدام مفهوم «الإرهاب» في وصف عمليات المقاومة الفلسطينية، مع عهد الرئيس الأميريكي رونالد ريغان، حين طغى على الخطاب الأميركي وخطاب الرئيس الأميركي ريغان موضوع «الإرهاب» في العقد الأخير من الحرب الباردة، بدأ من خلالها السياسيون الأميركيون والشعب الأميركي بالتحدث عن «الإرهاب»، واتسعت ساحة النقاش بعد هجمات 11 أيلول /سبتمبر 2021، مشيراً إلى قبول الادعاء المخالف للحقيقة والواقع، بأن الولايات المتحدة تقف ضد كل أنواع «الإرهاب »، وبأنها تشارك في حرب عالمية ضد «الإرهاب الدولي»، على العكس من ذلك اتُهمت واشنطن بإثارة أعمال «إرهاب»، والبعض اتهمها بأنها لم تحترم حقوق الإنسان في الأعمال التي قامت بها ضد ما سمته «إرهاب» مثل أحداث سجن أبو غريب في العراق، أسهم النقاش في بروز الأبحاث الأكاديمية حول هذا الموضوع، واستُخدم مصطلح «الإرهاب» بشكل واسع في السياق السياسي والايديولوجي. وكان من أسباب فشل المناقشات الدولية في الوصول إلى استراتيجية لمكافحة «الإرهاب »، عدم مناقشة مسألة «إرهاب الدولة»، والتركيز على خطف الطائرات وبعض الأعمال الأخرى المرتكبة على متن الطائرات، في سنوات الستينات والسبعينات من القرن الماضي، من تلك الاتفاقيات: اتفاقية طوكيو الموقّعة في 14/9/1963، واتفاقية لاهاي الموقّعة في 16/12/1970.
تأخر اعتماد استراتيجية عالمية لمكافحة «الإرهاب» إلى 8 أيلول/ سبتمبر 2006 التي تتضمّن خطة عمل تعالج الظروف التي تؤدي إلى انتشار «الإرهاب»، ومنعه ومكافحته، واتخاذ تدابير لبناء قدرات الدول، وتعزيز دور الأمم المتحدة، وضمان احترام حقوق الإنسان في أثناء مكافحة الإرهاب. فشلت هذه الاستراتيجية في أن تكون أداة عالمية حقيقية لتعزيز الجهود الوطنية والإقليمية والدولية لمكافحة «الإرهاب» لدور الولايات المتحدة في إثارة الخلاف، حول الطريقة الصحيحة لفهم وتعريف هذا المفهوم، وبالتالي أي من الجهات والمجموعات حول العالم تستحق أو لا تستحق تسمية «الإرهابيين» وأن تدان على هذا النحو من قبل المجتمع الدولي.
في يونيو/حزيران 2011، كرّست مجلة التاريخ الأميركي عدداً خاصاً حول «الإرهاب والتجربة الأميركية »، أوردت أن عدداً من الأسئلة المهمة تبقى دون إجابة، مثل: أولا، كيف قامت الحكومة الأميركية بتحديد المجموعات التي قد يتم تصنيفها كمنظمات إرهابية؟، وثانيا، كيف حاولت أميركا تجنب تطبيق مثل هذه الصفات على عملائها الذين يخوضون حروبها بالوكالة؟.
أصرت واشنطن على أن أي تعريف لـ«الإرهاب» في القرارات التي تتخذها الجمعية العامة، يركز فقط على عنف الجماعات الصغيرة أو الأفراد في حين أنه يتجاهل العنف واسع النطاق من قبل الدول. وفي مقدمتهم إسرائيل التي مارست «إرهاب الدولة» على نطاق واسع وبدلاً من أن تواجه العقوبات الدولية على ممارساتها الإرهابية في المنطقة، لقيت الحماية من قبل الحكومة الأميركية التي لم تتوانَ عن استخدام حق النقض في الأمم المتحدة لأبطال مشاريع إدانة على أعمال إرهابية ارتكبتها إسرائيل، فأين دور الولايات المتحدة في مكافحة «الإرهاب الدولي»؟.
من هو «الإرهابي « في الحرب الأخيرة على غزة؟. لمدة عامين من حرب الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، بلغ مجموع الشهداء من الأطفال في قطاع غزة نحو 18592طفلاً، وقُتلت الطفلة هند رجب وعائلتها أمام أنظار وأسماع العالم، يعكس حجم الدمار ومعدل القتل اليومي الطبيعة الإجـرامية الوحشية لجيش الاحتـلال، والذي جعل من إسرائيل تستحق بجدارة لقب «الإرهابي الأول»، و «المخرب الأول » دون منافس، حسب مصادر، يقدر الركام اـلذي أحدثته آلة الدمار الإسرائيلية بـ 61 مليون طن في كامل قطاع غزة، تملأ 1000 استاد ضخم لكرة القدم، لو عملت معدات وآلات ثقيلة و100 شاحنة لإزالة الركام لاحتاجت إلى 15 عاماً بحد أدنى دون معيقات، مثل وجود ذخيرة غير منفجرة بين الركام، وتوفير الأموال اللازمة لإزالة هذه الأطنان والتي تقدر بـ860 مليون دولار.
لقد حل الخراب في كل شيء حتى في نفوس الأطفال والنساء وجميع من خرج حياً من تحت الركام، وقد خرّب القصف ليس فقط البيوت والبنية التحتية، بل أيضاً خرّب أحلام الناس، وطموحات الشباب وضاع من عمر طلاب العلم سنتين دون دراسة. هل يدرك العالم حجم ما خربوا؟. أمام هذا الخراب يخجل ما خربه الفدائيون، رغم ذلك ما زالت منظمة التحرير الفلسطينية والتنظيمات الفلسطينية على قائمة «الإرهاب » الأميركية، أمام هذا الإرهاب الذي أودى خلال عامين بحياة نحو 90000 وأعداد من المفقودين، والذي جرح وأصاب نحو 150000، وجوّع الملايين. وأمام هذا الدمار العظيم، من هو المخرب؟. وأمام هذه المقتلة من هو الإرهابي؟. لا فرق من حيث النتيجة بين مجرم الحرب والإرهابي.


