اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

تطور موقف الحزب الشيوعي العراقي من خيار الحرب والاحتلال ونتائجها -//- د. صالح ياسر

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عشر سنوات على سقوط النظام الدكتاتوري

تطور موقف الحزب الشيوعي العراقي

من خيار الحرب والاحتلال ونتائجها

د. صالح ياسر

مقدمات السقوط

في 9/ 4/ 2003 تهاوت آخر اركان النظام الدكتاتوري، ليغادر مسرح التاريخ غير مأسوف عليه، لكن متابعة تطورات الاحداث تشير الى ان هذا الانهيار لم يحدث بغتة او بدون مقدمات، بل كان نتيجة طبيعية لتفاعل جملة من الاوضاع والسياسات التي اعتمدها هذا النظام، والتي ادت الى تفاقم ازمته البنيوية الشاملة وازديادها استعصاء، وانفجارها وحلها عبر خيار الحرب والاحتلال.

في العديد من الفعاليات الحزبية المركزية توقف الحزب الشيوعي العراقي عند هذه الاوضاع، وقدم تحاليل عميقة شخص فيها الجذور الحقيقية للاوضاع التي كانت تمر بها البلاد واسبابها، ورؤيته للحلول المطلوبة التي تتيح لشعبنا الاطاحة بالنظام الدكتاتوري، والرهان على بديل وطني عراقي يخلص البلاد من الدكتاتورية من جهة ومن الرهان على العوامل الخارجية للتغيير وبضمنها العمل العسكري الاجنبي من جهة اخرى.

سنحاول هنا تقديم صورة مكثفة للوضع، استنادا الى ما توصل اليه المؤتمر الوطني السابع للحزب من خلاصات لتطورات الاوضاع في البلاد، خلال الفترة التي سبقت سقوط النظام الدكتاتوري.

كما هو معروف اتسم التطور لغاية التاسع من نيسان 2003، في ظل تسلط النظام الدكتاتوري وازدياد أزمة حكمه استعصاء، وبفعل التاثيرات المدمرة للحصار الدولي على الشعب، بتفاقم الازمة العامة المخيمة على البلاد، واشتداد مأساة الشعب ومحنة الوطن، كما اتسم بتعمق العزلة الداخلية للنظام ورفض غالبية الشعب الساحقة له، واتساع المعارضة الجماهيرية لنهجه الارهابي، وبقاء روح التحدي والمقاومة متقدة رغم كل ما بذله النظام من عسف وبطش وقمع.

ومثلت طبيعة النظام المنهار وممارساته المتمثلة في احتكار السلطة والاستبداد بها وتسخير اجهزة الدولة ومؤسساتها لتحقيق ذلك، بما فيها حزب السلطة، والحروب الثلاث وما خلفت من دمار وخراب وخسائر بشرية لا تعوض، محور وأساس المحنة العميقة التي عانى منها شعبنا، وشكلت عاملا رئيسيا في جميع الازمات والكوارث التي تعرض لها.

وتجلت الازمة العامة الخانقة باوضح أشكالها وأشدها خطورة واذى، في التدهور المتواصل لاحوال الشعب المعيشية والصحية، وقد استمر هذا التدهور في السنوات الاخيرة التي سبقت سقوط النظام، بفعل اصرار الحكام على نهجهم المعروف في المجال الاقتصادي، الذي وضع اقتصاد البلاد وثرواتها، والنشاط الاقتصادي للدولة بكل توجهاته، في خدمة نظامهم أولا وقبل كل شيء، وبما يصونه ويؤمن ديمومته، كما انه نجم عن بقاء العقوبات الاقتصادية الدولية مفروضة على شعبنا، وعن تقليص الحصيلة الايجابية لتطبيق القرار 986 من خلال شتى اساليب التلاعب والغش والنهب التي كان يعتمدها النظام.

وارتبط استمرار الضائقة المعيشية بما سببته العوامل المشار إليها من ركود اقتصادي مزمن وشلل في حركة السوق، ومن تذبذب متواصل في سعر صرف الدينار المتدهور أصلا، وغلاء فاحش، وبطالة مكشوفة ومقنعة شملت أكثر من ثلثي اليد العاملة في البلاد.

وفي السياق ذاته وفي اطار اجراء النظام بعض المناورات الاستراتيجية في الحقل الاقتصادي، استمر تطبيق سياسة الخصخصة، وجرى بيع المزيد من ممتلكات قطاع الدولة الزراعية والخدمية والكثير من المعدات والتجهيزات الصناعية الى القطاع الخاص، فيما بوشر بتحويل المنشآت الاقتصادية التابعة للدولة والعديد من المؤسسات الحكومية، لا سيما المؤسسات الصحية التي تقدم خدماتها مجانا، الى العمل على اسس تجارية بطريقة "التمويل الذاتي"، التي هي شكل اولي للخصخصة.

واذا وضعنا هذه الاجراء على طاولة البحث الدقيق لوجدنا انها كانت تستهدف في الواقع ترميم قاعدة النظام الاجتماعية، فالمنشآت والتجهيزات والمعدات العائدة لقطاع الدولة تم بيعها الى اعوان النظام (اصدقاء صدام، اعضاء اتحاد الصداميين، حملة الاوسمة والنياشين الاخرين) قبل غيرهم، وباسعار تقل حتى بنسبة 30 في المئة عن قيمتها الحقيقية، كذلك الحال بالنسبة للمالكين الجدد في الزراعة، وهم حصرا  كانوا من كبار المسؤولين الحزبيين والحكوميين ومن الاعوان، الذين يحصلون فوق ذلك على المستلزمات الزراعية من مؤسسات الدولة باسعار مخفضة، ويتاجرون بالفائض منها في السوق السوداء!.

والى جانب هذا كله ظلت الغالبية العظمى من الشعب تعاني من ارتفاع أسعار السلع والخدمات الضرورية والكثير من المواد الغذائية، وقد نتج ذلك، من ناحية، عن بقاء قيمة الدينار متردية، كما جاء حصيلة لالغاء الرقابة على الاسعار أو تغييبها، وفرض الوسطاء والسماسرة الطفيليين زيادات في هوامش ربحهم، وللعديد من الاجراءات الاقتصادية التي سبق ذكرها.

وفي مقابل ارتفاع الأسعار بقيت مداخيل العاملين لدى الدولة على مستواها بالغ التدني، وظلت الرسوم المتزايدة والاتاوات المتكاثرة و"التبرعات" القسرية تبتلع "الزيادات" التجميلية في مخصصات بعض فئات العاملين، ومنهم المعلمون، وتحول دون وقف الهبوط المتواصل للقيمة الحقيقية للمداخيل، الناجم عن استمرار التضخم وتصاعد تكاليف المعيشة.

ومن جهة اخرى لعب الحصار الاقتصادي أدوارا مدمرة، فقد بيّنت حصيلة ثلاثة عشر عاما من العقوبات الدولية المفروضة على البلاد، أن شعبنا كان ضحيتها الاولى والكبرى، وانه دفع ثمنها باهظا في معاناته الانسانية المتعاظمة، وفي ما لحق بقاعدة البلاد الاقتصادية بسببها من اضرار جسيمة، وما تسبب لعموم قواها وقدراتها من اهدار وتعطيل، وفي ما تركت في نسيج المجتمع من آثار مدمرة.

خلف نهج النظام وخططه واجراءاته في المجال الاقتصادي، ومجمل سياسته الهادفة اولا وقبل كل شيء الى حماية سلطته وادامتها، بجانب العواقب الثقيلة للحصار الدولي، آثارا سلبية عميقة في واقع المجتمع، وتشويهات في حياته وبنيته ومثله، وتدهورت احوال جماهير الكادحين والمتقاعدين وعامة شغيلة اليد والفكر، وبضمنهم المستخدمون والموظفون وذوو الدخل المحدود والشباب، كما شمل التدهور أعدادا كبيرة من الفلاحين المعدمين، خاصة من أبناء المحافظات الجنوبية، الذين اضطروا الى ترك اراضيهم وقراهم والهجرة حتى من محافظاتهم، وشهدت هذه الفترة تعاظم الاستقطاب الاجتماعي، ففي مقابل الملايين المسحوقة، تنامت فئة محدودة من كبار المسؤولين في النظام وحاشياتهم وأزلامهم، ومن تجار الحرب والحصار المرتبطين بمافياتهم، والذين تحولوا بفضل الامتيازات الكبيرة الممنوحة لهم من النظام، ونتيجة لنشاطاتهم "الاقتصادية" الطفيلية، الى اصحاب مليارات ينعمون بحياة تحسدهم عليها نخب الاثرياء في كثير من البلدان الاخرى.

ملخص القول ان جوهر الازمة العامة في البلاد كان يكمن في احتكار السلطة والاستبداد بها، وحرمان الشعب من حقوقه وحرياته الاساسية، وتردي احواله المعيشية والحياتية، وافتقاده الامن والاستقرار، وتشوه حياته الروحية وقيمه الاجتماعية والاخلاقية، وفي عزلة البلاد اقليميا ودوليا، وتراجع مجمل مسيرتها الاقتصادية - الاجتماعية والسياسية والحضارية، ومن الواضح ان النظام، بسبب من طابعه وعموم نهجه وتوجهاته، كان يفاقم باضطراد هذه الازمة، ويتحول هو نفسه الى عقبة كأداء في طريق استرداد البلاد عافيتها واستئناف تطورها وتقدمها الطبيعيين.

ونتيجة لهذا التطور طرأ مزيد من التغيير على طبيعة العلاقة التي تربط القاعدة الاجتماعية بالنظام، وحولها اكثر واكثر الى علاقة ارتزاق وانتفاع مجردين.

من ناحية اخرى - اذا كان التطور المذكور افلح بدرجة او باخرى في كبح عملية تآكل القاعدة الاجتماعية للنظام، فانه عجز عن ايقافها، ويدلل على ذلك استمرار انسلاخ وتسرب الاعضاء الحزبيين مثلا، وابتعادهم عن النظام واجهزته، في الوقت الذي لجأت فيه السلطات حتى الى الاساليب القسرية لتأمين تعويض "المفقود" منهم بانتماءات جديدة.

وتظهر الوقائع المذكورة جميعا وغيرها مما سبقت الاشارة اليه، شدة العزلة الداخلية للنظام، وسعة الرفض الجماهيري لنهجه الدكتاتوري الدموي، وعمق قطيعة الشعب معه، وانعكس ذلك ايضا في استمرار روح التحدي واعمال المقاومة المباشرة، بأشكال مختلفة، من جانب أبناء الشعب، التي لا تخفت احيانا تحت وطأة القمع الوحشي، الا لتتصاعد من جديد بعزم اشد، رغم الامعان في البطش والترويع وتصعيد وحشية الارهاب، واللجوء الى مختلف الاجراءات الهادفة الى حصر ازمة نظامهم وتصريفها، وفي معرض تقييمه للحراك المجتمعي المناهض للنظام الدكتاتوري، توقف المؤتمر الوطني السابع للحزب عند هذه النقطة واستنتج، بعد مناقشات مستفيضة "ان العمل الكفاحي المنظم، الضروري لتقريب ساعة الاطاحة بالنظام، لا يزال ينمو ببطء مقارنة بالحاجة المشتدة الى وقف التدهور الشامل المتسارع في احوال الشعب والبلاد"، وارجع التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر سبب هذا البطء "أولا وقبل كل شيء، الى ضعف نشاط المعارضة المنظمة في الداخل والى استمرار تبعثر قوى المعارضة، خاصة العاملة في الداخل، وعدم توصلها الى صيغة تعاون وتنسيق مناسبة، والى وحشية الارهاب الذي تمارسه السلطة الدكتاتورية، ولا تكف عن تصعيده كلما اشتد ساعد المقاومة الشعبية، فضلا عن ظروف الحصار الاقتصادي وعواقبه"، واكد ان معالجة ذلك تتطلب، الى جانب تكثيف الجهود لتجاوز تشتت قوى المعارضة "تكثيفا مماثلا لجهود كل من القوى المذكورة، وبضمنها حزبنا، من اجل النهوض بقدراتها الكفاحية ونشاطها الملموس في مواجهة النظام المستشرس"، وبالمقابل اتسمت العلاقة بين النظام السابق والامم المتحدة منذ اواسط التسعينات بالتوتر والتأزم حينا والانفراج النسبي حينا آخر، تبعا لتعامل النظام المذكور مع القرارات الدولية ومدى ما كان يبدي من استعداد للالتزام بها، ووفرت التطورات التي اعقبت العدوان الانكلو - امريكي في كانون الاول 1988، فرصا  للنظام لتحسين ادائه وتخفيف ازماته مع المجتمع الدولي، سيما ان العدوان لاقى رفضا عربيا ودوليا واسعا وادانة لسياسة التفرد والعربدة العسكرية الامريكية، واثار ردود فعل سلبية في مجلس الامن ذاته.

ولكن قادة النظام المقبور احبطوا، بتصرفاتهم الرعناء وبعدوانيتهم، الآمال في الافادة من الاحتجاجات المذكورة والاصوات الداعية لفك الحصار الاقتصادي وتخفيف معاناة الشعب العراقي، وعاودوا نهج الغطرسة والتهجم على الذين وقفوا معهم، ورفضوا المشاريع المطروحة في مجلس الامن وقرارات مجلس الجامعة العربية لتجاوز الازمة، وعادت حالة التأزم في علاقة النظام مع الامم المتحدة بعد رفضه القرار 1284 الصادر عن مجلس الامن في كانون الاول 1999، علما اننا اعتبرنا هذا القرار، رغم ما احتواه من ثغرات ومن غموض في صياغاته، "خطوة على طريق التخفيف من معاناة شعبنا وباتجاه الخلاص من العقوبات الاقتصادية، حيث طرح لاول مرة امكانية تعليقها"، في هذه الاثناء ساد السياسة الامريكية في تعاملها مع الشأن العراقي توجهان، الاول في اعوام الدورة الثانية لادارة كلينتون والثاني مع بداية الادارة الجديدة برئاسة بوش الابن.

مثل الاول امتدادا لسياسة احتواء النظام في العراق عبر مواصلة الحصار الاقتصادي، وفرض التفتيش والرقابة على برامج النظام التسلحية، وتدمير اسلحة الدمار الشامل، والضغط العسكري، وبضمنه استخدام القوة بين فترة واخرى بدعوى إجباره على الالتزام بتنفيذ القرارات الدولية ومنعه من تهديد جيرانه. فضلاً عن الابقاء على المنطقة الامنة في كردستان والحظر الجوي في الشمال وفي الجنوب، واذا كانت هذه السياسة قد نالت قبولا في بعض الاوساط الدولية بعد حرب الخليج الثانية، فانها اضرت بالشعب العراقي وعمقت من معاناته المعيشية في ظل استمرار الحصار الذي تحمل شعبنا اعباءه، بينما استطاع النظام التكيّف معه واستثمر الاوضاع الناشئة عنه لتشديد قبضته في الحكم ومواصلة نهج القمع والارهاب من جهة، وللتحايل على العقوبات وخرقها من اجل استحصال اموال تمكنه من تثبيت دعائم حكمه واعادة تجهيز مؤسساته الامنية والعسكرية والاعلامية من جهة اخرى، والمفارقة الجديرة بالاشارة هنا هي ان هذه السياسة لم تسع لاحتواء النظام وحده، بل تعدت ذلك الى محاولة احتواء المعارضة ايضا، بما يسيء اليها ويشوه سمعتها، ويحول دون نجاح اطرافها في تحقيق وحدة العمل والتنسيق المشترك وتصعيد النضال لاسقاط الدكتاتورية واقامة البديل الديمقراطي المنشود.

لقد جهدت السياسة الامريكية هذه لاضعاف المعارضة العراقية وتشتيت شملها، وذلك بدعم جهات معينة منها وتقديم المستلزمات المالية واللوجستية لتكوين اطر ترتبط بسياستها وتروج لمواقفها، وهذا ما بينه اقرار الادارة الامريكية في نهاية 1988 قانون ما سمى في حينه بـ "تحرير العراق"، الذي زعمت ان هدفه هو تقويض النظام، فيما تحول عمليا الى اداة للتعامل مع بعض اطراف المعارضة القريبة من الادارة الامريكية، بينما لم  تطرأ على سياسة الاحتواء اي تغييرات جدية، وبقيت في جوهرها تهدف الى توفير مناخ مناسب للابقاء على النظام ضعيفا وتحت مطرقة القرارات الدولية، الى حين الاتيان ببديل يخدم مصالحها الستراتيجية في المنطقة ويؤمن لها الهيمنة على المصادر النفطية خاصة.

وإزاء مأزق هذه السياسة وتصاعد المطالبات العربية والدولية بانهاء الحصار عن الشعب العراقي وتخفيف معاناته، وما حققه النظام على الساحتين الدبلوماسية والاعلامية عربيا ودوليا، خاصة في السنة الاخيرة في ولاية كلينتون وهي سنة الانتخابات الرئاسية، اضطرت الادارة الجديدة للحزب الجمهوري الى الاعلان عن نيتها اعادة النظر في السياسة إزاء العراق، وسارعت الى التشاور مع حلفائها وقادة دول المنطقة لبلورة خطة جديدة للتعامل مع القضية العراقية وإلزام النظام تنفيذ القرارات الدولية، وعملت على اعادة التوافق الدولي ازاءه بعد ان كثرت الخلافات والمواقف المعارضة لها.

ويبدو مما أعلن في حينه عن ملامح السياسة التي كانت تنوي الادارة الجديدة اتخاذها، أنها كانت تستهدف في جوهرها استبدال نظام العقوبات الاقتصادية بنظام يشدد الرقابة العسكرية والمالية، وهي انطلقت في ذلك اضافة الى العوامل الجيوسياسية، كما بدا جليا، من دوافع اقتصادية ايضا، ترتبط بأزمة الطاقة التي كانت تواجهها (وستواجهها في المستقبل كذلك)، وبحاجتها الى توفير مصادر اضافية.

وبدأت الادارة الامريكية الجديدة بطرح بعض الافكار والمفاهيم الجديدة حول التعامل مع مسألة العقوبات الاقتصادية، وهو ما اطلقت عليه اسم "العقوبات الذكية".

ومع كل هذا ينبغي ألا يقودنا ما طرح الى القول أن تغيرا جذريا في السياسة الامريكية قد حصل، فـ "العقوبات الذكية" التي تحدثت عنها واشنطن لم تكن سوى صيغة امريكية للعقوبات تنسجم مع مصالحها الاستراتيجية وموقفها من القضية العراقية، ولهذا السبب قلنا في حينه أن "العقوبات الذكية" كان "يراد منها تحقيق ما عجزت الادارة الامريكية عن تحقيقه منذ 1990 ولكن بواجهة انسانية براقة وبزعم التخفيف من معاناة الشعب... بل ان المشروع.. لم يؤد في آخر المطاف الا الى اطالة الحصار"، فالادارة الامريكية، ديمقراطية ام جمهورية، كانت تسعى الى التغيير الفوقي، والى الحيلولة في الوقت ذاته دون نضوج الحركة الجماهيرية الساعية الى ازالة الدكتاتورية القائمة، وبعبارة اكثر تبسيطا انها كانت تريد "تغييرا في النظام" وليس "تغيير النظام" ذاته، وان استراتيجيتها الوحيدة هي حماية وتطمين مصالحها الحيوية في المنطقة، وبضمنها تأمين الهيمنة على النفط العراقي وعلى اقتصاد البلاد، وهذا يتقاطع كليا  مع مصالح شعبنا وحقوقه ومع استقلال البلاد وسيادتها الوطنية.

وبمقابل ذلك كانت اوضاع المعارضة العراقية في حينه تتنازعها عدة اتجاهات ورهانات.

فقد شهدت السنوات الاخيرة التي سبقت سقوط النظام استقطابا واضحا بين اطراف المعارضة العراقية، خاصة بعد اقرار الكونغرس الامريكي والادارة الامريكية ما يسمى بـ "قانون تحرير العراق" واعلان الاخيرة رسميا بعد عملية "ثعلب الصحراء"  نيتها إحداث تغيير في العراق.

فقد نشطت بعض الاطراف في الخارج، المؤيدة للمشروع الامريكي والتي كانت تستمد حضورها من الدعم الخارجي وتراهن عليه في تغيير النظام، وجرى تفعيل هذا النشاط بعد تعيين الادارة الامريكية منسقا لها مع المعارضة العراقية، نجح في عقد اجتماع لبعض اطرافها في تشرين الاول 1999، لكن هذا الاجتماع فشل في جمع اطراف المعارضة وتحقيق نقلة نوعية في نشاطها، ولم يأت بجديد سواء في طروحاته المروجة للسياسة الامريكية أو في ارتباطه بمؤسساتها.

وفي المقابل كثفت الاحزاب والقوى والشخصيات الوطنية من جهودها لتضييق الكثير من نقاط الخلاف، وتم التوصل الى فهم مشترك لبعض الامور العقدية وحتى صياغة ذلك، الا انه لم يمكن حتى تلك اللحظة، ولعوامل عدة معروفة، تحويل حصيلة هذه الجهود الى صيغة موحدة تعبر عن القواسم المشتركة لهذه الاطراف، ومن جانبنا فقد توجه حزبنا في تحركه نحو القوى الاساسية ذات الامتداد داخل الوطن والتي تعتمد على قواها الذاتية وتستند الى جماهير شعبنا في عملية التغيير المنشود، كما واصل اتصالاته مع العديد من الاحزاب والقوى الاخرى والشخصيات المستقلة، وعقد الحزب عددا من النشاطات المشتركة صدرت عنها بيانات ومذكرات تعبر عن مواقف موحدة لاطراف عديدة من المعارضة الوطنية، تتعلق بتطورات الاحداث الجارية في الوطن وبالدفاع عن شعبنا، ورغم هذه النشاطات والفعاليات، وفي معرض تقييم ما انجز في حينه، توصل المؤتمر الوطني السابع (اب 2001) الى ما يلي: "من الواضح ان وضع المعارضة العراقية اليوم هو دون المستوى الذي تتطلبه مهمة اسقاط الدكتاتورية واقامة البديل الديمقراطي المنشود، التي تستلزم التنسيق المشترك والاتفاق على برنامج عمل موحد... ان ما يؤذي المعارضة العراقية ويضر بنضالها ضد الدكتاتورية، هو كونها لم تتمكن حتى الآن، رغم توافقها عموما حول عناصر اساسية في الخطاب السياسي الموحد، من الاتفاق بشكل جماعي على برنامج عمل يعبر عن القواسم المشتركة، ويشكل سندا ومرجعية سياسية لابناء الشعب الذين يواجهون الدكتاتورية كل يوم ويتطلعون للخلاص منها ".

ـــــــ

الهوامش:

-لمزيد من التفاصيل راجع وثائق المؤتمرات للحزب وخصوصا: الكونفرنسين (المجلسين) الحزبيين: الرابع والخامس.

-انظر:الحزب الشيوعي العراقي. التقرير السياسي للمؤتمر الوطني السابع 25/ آب/ 2001 منشورات "طريق الشعب".

-انظر:الحزب الشيوعي العراقي، وثائق المؤتمر الوطني السابع 25/ آب/ 2001، منشورات "طريق الشعب"، تشرين الثاني 2001 ص46.

-المصدر السابق، نفس الصفحة.

-المصدر السابق ص47.

-انظر:الحزب الشيوعي العراقي، وثائق المؤتمر الوطني السابع، مصدر سبق ذكره، ص60 ولاحقا.

-انظر: سكرتير عام الحزب الشيوعي العراقي في حوار مع "الزمن: العدد 171 ـ 16 شباط (فبراير)، المقابلة منشورة في: الحزب الشيوعي العراقي ـ موقف ووثائق 2001 ـ 2004، منشورات "طريق الشعب"،دار الرواد المزدهرة، بغداد 2007 ص29.

-انظر:الحزب الشيوعي العراقي، وثائق المؤتمر الوطني السابع، مصدر سابق، ص68 ولاحقا.

- انظر: الحزب الشيوعي العراقي، وثائق المؤتمر الوطني السابع، مصدر سابق، ص71.

ـــــــــــ

جريدة "طريق الشعب"

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.