اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

معركة فكرية صاخبة -//- صالح ياسر

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

معركة فكرية صاخبة

موقف حزبنا من الحصار الاقتصادي والعقوبات الدولية عموما

صالح ياسر

تعرض الحزب الشيوعي العراقي لمحاولات كثيرة، من جهات متعددة المشارب، لتشويه مواقفه الثابتة من قضايا عديدة، ومن بينها تلك المتعلقة بالحصار الاقتصادي، فارتباطا باللوحة المعقدة للاوضاع في البلاد خلال الفترة التي سبقت السقوط كثيرا ما اشاع النظام الدكتاتوري المقبور أن الحزب الشيوعي العراقي دعم الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق بعد غزو قوات هذا النظام للكويت وهذا يجافي الواقع وممارسة الحزب الفعلية، الأمر الذي يحتاج الى وقفة.

تقتضي الامانة التاريخية القول ان حزبنا كان بين قلة من القوى المعارِضة للنظام الدكتاتوري، التي طالبت برفع العقوبات الاقتصادية عن الشعب العراقي دون قيد او شرط، وقوبلت دعوته الى ذلك، ووضعه هذا المطلب في صلب شعاره المركزي الذي تبناه المؤتمر الوطني الخامس (تشرين الثاني 1993) واكد عليه في المؤتمرين اللاحقين، السادس (1997) والسابع (2001) بمعارضة من قبل العديد من قوى المعارضة آنذاك التي كانت ترى في الحصار وسيلة لاضعاف النظام، تتيح للشعب فرصا أكبر لاسقاطه، وترى في رفعه خطرا على هذا النضال "لانه سيقوي النظام"!.

وفي الوقت نفسه اعتبر حزبنا قرار مجلس الامن رقم 986 وتطويره اللاحق في القرارين 1153 و 1284، وبعض الاجراءات الاخرى خطوات نحو التخفيف من معاناة شعبنا، ولكنه بالمقابل حذر من المساعي، لاسيما الامريكية، التي كانت تهدف الى جعل تنفيذ القرار 986 بديلا عن رفع الحصار عن شعبنا، وأكد أنه سيواصل نضاله حتى يتم رفع الحصار عن شعبنا.

واستند الحزب في موقفه هذا الى حقيقة ان الحصار الاقتصادي لعب ادوارا مدمرة إذ بيّنت حصيلة ثلاثة عشر عاما من العقوبات الدولية المفروضة على بلادنا، أن شعبنا كان ضحيتها الاولى والكبرى، وانه دفع ثمنها باهظا في معاناته الانسانية المتعاظمة، وفي ما لحق بقاعدة البلاد الاقتصادية بسببها – أي العقوبات - من اضرار جسيمة، وما تسبب لعموم قواها وقدراتها من اهدار وتعطيل، وفي ما تركت في نسيج المجتمع من آثار مدمرة.

وكشفت الحصيلة المروعة بجلاء كامل الطابع الوحشي للعقوبات الاقتصادية، التي عمدت الدول الامبريالية، خاصة الولايات المتحدة، في العقود الماضية، الى فرضها على الدول الاخرى بدعوى "معاقبة حكامها الدكتاتوريين"، وساهمت هذه الحصيلة من ثم بنصيب حاسم في تقويض القاعدة "الاخلاقية" لهذا النوع من العقاب الجماعي، الذي لا يعدو كونه وسيلة لاملاء الارادة على الغير.

غير ان الآمال التي علقت على تطبيق هذه القرارات، التي انتقد حزبنا في الوقت نفسه عيوبها ونواقصها، لم تتحقق الا جزئيا، ويرجع سبب ذلك الى عاملين اساسيين:

العامل الاول يتمثل في مواقف النظام السلبية منها، وعزوفه عن تنفيذها إلا بالقدر الذي يخدم احتياجاته المالية ومصالحه السياسية، والى تلاعبه بتطبيقها حين لا يجد مفرا من التطبيق!.

كما يرجع العامل الثاني الى اساليب المماطلة والتسويف، التي كان يلجأ اليها ممثلو الولايات المتحدة وبريطانيا في اجهزة الامم المتحدة بهدف عرقلة التنفيذ، والى تباطؤ بيروقراطية المنظمة العالمية ذاتها في انجاز واجباتها المرتبطة بذلك، وضعف رقابتها واشرافها.

لقد أكد حزبنا على الدوام، وهو يلح على التطبيق السليم للقرار 986، ان هذا القرار لا يوفر الحل الناجع لاوضاع شعبنا وبلادنا المأساوية، الناجمة عن الحصار الاقتصادي الدولي، حتى في حال تطبيقه على افضل وجه، وانه لا بديل من اجل ذلك، عن الرفع الكامل، الشامل، الفوري، وغير المشروط لهذا الحصار عن الشعب، وتكريس الموارد المالية - بجانب استخدامها في تأمين كامل احتياجات الشعب الغذائية والصحية والانسانية الاخرى - لإعادة الحياة الى الاقتصاد الوطني من خلال اطلاق الدورة الانتاجية السلمية من جديد.

ولهذا ايضا طالب حزبنا بالفصل بين موضوع رفع الحصار الاقتصادي عن شعبنا، ومهمة التفتيش عن اسلحة النظام الدكتاتوري المحظورة وتدميرها، بحيث لا يكون إنجاز هذه المهمة شرطا لرفع الحصار، وفي هذا السياق طالب حزبنا كذلك بإطلاق الارصدة العراقية المجمدة في الخارج، للإفادة منها في تخفيف معاناة شعبنا الغذائية والصحية، كما في تحريك الدورة الاقتصادية في البلاد.

وكان حزبنا قد طالب ايضا بخفض النسبة العالية جدا (30%) من العائدات النفطية، التي كانت مخصصة لصندوق تعويض المتضررين من غزو الكويت، وقد تحقق ذلك فعلا بقرار مجلس الأمن 1330 الصادر في 5 كانون الاول 2000، الذي خفظ النسبة الى 25%، وهي مع ذلك نسبة بقيت عالية ولهذا أكدنا على أنه من الضروري خفضها الى أدنى حد ممكن، الى جانب اعادة النظر في المعايير المعتمدة في تحديد حجوم التعويضات والعمل على تأجيل دفعها.

وفي حال الرفع غير المشروط للحصار الاقتصادي عن الشعب، وضمانا لوصول موارد البلاد المالية، النفطية وغيرها، الى مستحقيها من ابناء الشعب والى ميادين معافاة الاقتصاد وتنميته، ولمنع الحكام من توظيفها بطريقتهم المعروفة من العقود الماضية: على العسكرة والتسلح وشن الحروب وقمع الشعب، وللحيلولة دون مصادرتهم حصة اقليم كردستان من العائدات النفطية، أكد حزبنا في العديد من المناسبات واخرها في المؤتمر الوطني السابع (آب 2001) على ان "من المناسب وضع آلية لتأمين اشراف مؤقت من جانب الامم المتحدة، يبقى مابقي النظام.. قائما، على اتجاهات انفاق الموارد المالية المذكورة، او توفير ضمانات وترتيبات دولية مناسبة وفعالة لهذا الغرض، فليس من الانصاف او المنطق ان يخضع الانفاق مجددا لارادة النظام، الذي يتوجب عزله سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا"، واضاف: "لقد اثخنت العقوبات الاقتصادية الدولية شعبنا بالجراح، واتاحت للحكام الذين بذلوا كل جهد لمفاقمة عواقبها، فرصا لم يكونوا يحلمون بها ليس فقط للافلات من العقاب، بل ولإرهاق شعبنا وتكبيله بالمزيد من القيود، وشل حركته ونضاله ضد نظامهم، وان مطالبتنا التي يتوجب ان تتصاعد برفع هذه العقوبات عن الشعب، انما تنطلق من ادراك ان ذلك سيمكنه من النهوض في وجه الدكتاتورية بقوة اكبر وعزيمة اشد، ومن تصعيد الكفاح الذي لم يكف عنه يوما، من اجل التغيير الديمقراطي في العراق".

ولم يكن هذا الموقف يعني، بأي حال من الاحوال، القبول بفك عزلة النظام السياسية والدبلوماسية، أو تمكينه من التحكم بعائدات النفط وبناء ترسانته العسكرية من جديد.

وبمقابل ذلك طالب حزبنا بتعديل قراري مجلس الامن: 706 و 712، بما يؤمن زيادة كميات النفط المصدرة، وجعل الحصة المقررة لصندوق التعويضات ونفقات مبعوثي الامم المتحدة الى العراق خارج الكمية المطلوبة، واستثناء كردستان العراق، وهي خارج سلطة الدكتاتورية، من العقوبات الاقتصادية، وضمان التوزيع العادل للمواد المطلوبة على جميع ابناء الشعب، وتحت رقابة الامم المتحدة.

وقد أخذ بعض هذه المطالب طريقه الى القرار 986، الذي رأى حزبنا آنذاك انه:

"رغم كونه يبيح بيع كمية اكبر من النفط، ويوفر مقدارا اكبر من الدولارات" فإنه لا يلبي كل مطالبنا، ولا يضمن تلبية كامل الاحتياجات الملحة لشعبنا، "ولكنه يمكن ان يكون خطوة على هذا الطريق"، الى جانب ذلك دعا الحزب الى "اطلاق تصدير النفط والغاء تجميد الارصدة العراقية في الخارج، من اجل تأمين الموارد الكافية، ليس لتوفير الغذاء والدواء للشعب فحسب، بل ومن اجل المساعدة في اعادة الدورة الاقتصادية، على ان يتم كل ذلك باشراف ورقابة الامم المتحدة"، كما انتقدنا تشدد واضعي القرار 986، وخصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا، في فرض اقتطاع الحد الاعلى البالغ 30% لاغراض دفع التعويضات وسد النفقات المتعلقة بتنفيذ القرار، وانتقد الحزب ايضا فرض تصدير معظم النفط عبر الاراضي والموانىء التركية، ورأى في ذلك اجحافا بحق شعبنا الذي يعاني الجوع والمرض، وفي الوقت نفسه اعتبر قرار مجلس الامن رقم 986 وتطويره اللاحق في القرارين 1153 و 1984، وبعض الاجراءات الأخرى، خطوات نحو التخفيف من معاناة شعبنا.

غير ان وضع القرار 986 لم يكن يتم دون منغصات وعوائق من طرف النظام المقبور من جهة ومن طرف الولايات المتحدة وبريطانيا من جهة اخرى لا بد من الاشارة اليها هنا.

فبعد المباشرة بتنفيذ القرار 986 في كانون الاول 1996، واصل النظام الدكتاتوري مناوراته للتحكم بالتنفيذ، وللتلاعب والغش في المواد الموزعة، واستخدام الحصة التموينية كسلاح ضد فئات واسعة من أبناء الشعب.

وفي الوقت نفسه وضعت الولايات المتحدة وبريطانيا العراقيل في طريق التنفيذ، وتلكأت الاجهزة البيروقراطية للامم المتحدة في القيام بواجباتها في هذا الشأن، الأمر الذي افضى بدوره الى تأخير وصول الاغذية والادوية الى المحتاجين اليها من السكان.

هكذا إذن بيّنت نتائج تطبيق العقوبات الدولية ان شعبنا كان ضحيتها الاولى، وانه دفع جراء فرضها ثمنا باهظا في معاناته وفي الاضرار التي لحقت باقتصاده، وفي ما نجم عنها من آثار على المجتمع ونسيجه، بينما "اتاحت للحكام الذين بذلوا كل جهد لمفاقمة عواقبها بالنسبة للجماهير، فرصا لم يكونوا يحلمون بها ليس فقط للافلات من العقاب، بل ولارهاق شعبنا وتكبيله بالمزيد من القيود، وشل حركته ونضاله ضد نظامهم، وان مطالبتنا... تنطلق من ادراك ان ذلك سيمكنه من النهوض في وجه الدكتاتورية بقوة اكبر وعزيمة اشد، ومن تصعيد الكفاح الذي لم يكف عنه يوما، من اجل التغيير الديمقراطي في العراق".

وثمة ملاحظة استدراكية هنا وهي انه وعلى الرغم من مطالبة حزبنا بالتطبيق السليم للقرار 986، فانه لم يكن يرى في القرار الحل الناجع، حتى وان طبق على افضل وجه، لذا أكد المؤتمر الوطني السابع (2001) على "العمل من اجل الرفع الفوري وغير المشروط للحصار عن شعبنا، ودعم الخطوات والمواقف والقرارات العربية والاقليمية والدولية، التي تساعد على التعجيل في تحقيق هذه المهمة، مميزا بين الشعب وحكامه الدكتاتوريين، ومن المهم بجانب ذلك مواصلة تعرية ومواجهة محاولات السلطة والاوساط الامريكية والبريطانية، الرامية الى ابقاء الحصار على شعبنا واذلاله والمتاجرة بمعاناته ".

ان تفكيك النص السابق ودفعه الى نهايته المنطقية يتيح الاستنتاج بان موقف الحزب الشيوعي العراقي من الحصار الاقتصادي لم يكن احاديا بل كان ذا شقين.

فمن جهة، دعا الى "الرفع الفوري وغير المشروط للحصار عن شعبنا... مميزا بين الشعب وحكامه الدكتاتوريين".

ومن جهة اخرى، الى "تعرية ومواجهة محاولات السلطة والاوساط الامريكية والبريطانية، الرامية الى ابقاء الحصار على شعبنا واذلاله والمتاجرة بمعاناته ".

1- الحزب الشيوعي العراقي، وثائق المؤتمر الوطني الخامس "مؤتمر التجديد والديمقراطية" 12- 25 تشرين الاول 1993.

2- الحزب الشيوعي العراقي وثائق المؤتمر الوطني السادس 26- 29 تموز منشورات "طريق الشعب" ايار 1998.

3- الحزب الشيوعي العراقي وثائق المؤتمر الوطني السابع 25- 28 آب 2001 منشورات "طريق الشعب" تشرين الثاني 2001.

4- المصدر السابق ص 26.

5- الحزب الشيوعي العراقي وثائق المؤتمر الوطني السادس مصدر سابق ص 20.

6- الحزب الشيوعي العراقي وثائق المؤتمر الوطني السابع.. مصدر سابق ص 26.

7- نفس المصدر السابق.

8- الحزب الشيوعي العراقي وثائق المؤتمر الوطني السادس، مصدر سابق ص 20.

9- انظر وثائق المؤتمر الوطني السابع مصدر سابق.

10- نفس المصدر السابق، ص 29.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جريدة "طريق الشعب"

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.