اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

ملاحظات موجزة: هل من تجديد في الموقف من الجيش؟ -//- رحيم عجينة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

رحيم عجينة

ملاحظات موجزة:

هل من تجديد في الموقف من الجيش؟

تقديم:

إن الهزيمة العسكرية واستسلام الجيش العراقي المذل في المعركة غير العادلة وغير المتكافئة التي زجه فيها صدام حسين مع قوات الدول المتحالفة واحتلال الأخيرة أجزاء من وطننا، والانتفاضة الشعبية المتميزة في تاريخ العراق المعاصر دفعت المهتمين في داخل العراق وخارجه الى ترقب انقسام الجيش وتحول أكثريته وأقوى وحداته الضاربة الى صف الشعب الثائر ضد الدكتاتورية الطاغية والأقلية الحاكمة المعزولة، وساد الشعور بقرب خلاص البلاد من التسلط، وسيرها على الطريق الديمقراطي المنشود، وذلك انطلاقا من كون الانقسام والتحول المذكورين يشكلان شرطا لانتصار قوى الشعب.

وكان هذا الترقب مبررا من الناحية الموضوعية، حيث تجمعت عوامله على مدى فترة طويلة، وهي بالأساس:

* استمرار الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية (وهي ليست موضوع بحثنا هنا).

* زج الجيش في الحرب العدوانية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية في أيلول1980، وخروج النظام مهزوما في واقع الأمر من قادسيته بخسائر بشرية ومادية فادحة، ومن دون أن يحقق هدفه، ومن ثم تنازله لإيران عن كل ما طالب به وبدأ حربه العدوانية من أجله.

ثم جاء غزو الكويت وما نتج عنه من استسلام مذل بعد مئة ساعة فقط من الهجوم البري لقوات الدول المتحالفة.

وكان هذا أمرا متوقعا، بسبب موازين القوى البشرية والعسكرية والتكنولوجية، وبسبب جهل صدام حسين فن القيادة العسكرية الذي طالما ادعى إتقانه وامتلاك ناصيته.

والأنكى من ذلك انه بقي متشبثا بالسلطة ولم يبادر الى التنحي، كما ينبغي ان يفعل كل مسؤول عن أقل من هذه الهزيمة التاريخية، والحقيقة ان من يعرف صدام حسين وفكره ونشأته السياسية، لم يكن ليتوقع منه أن يفعل ذلك، وعلى العكس فقد أقدم على ما تنبأ به الحزب الشيوعي العراقي وسائر قوى المعارضة، إذ استأسد على الشعب الثائر وأغرقه بالدماء التي كان قد توعد الجيش الأمريكي بها، وأضاف إلى جريمة التدمير الذي أحدثته طائرات الدول المتحالفة، دمارا جديدا وتضحيات قدرت بعشرات الالوف من القتلى والجرحى، ثم تحول إلى من صار المواطنون يسمونه "السيد يس مان Yes Man" أمام شروط الولايات المتحدة المتزايدة،

ولم يمتلك صدام حسين وسيلة اخرى للحفاظ على سلطته غير العنف الدموي، ولربما يكون من المفيد أن نذكر بما توصل اليه الباحثون وقادة الحركات الاجتماعية في تشخيص أركان السلطة السياسية في دول عصرنا الحالي، وهي: موافقة الشعب، القوى الاقتصادية، والعنف.. ترى ما نصيب سلطة النظام العراقي من هذه الأركان؟.

وصل النظام العراقي إلى السلطة بانقلاب عسكري فوقي معزول عام 1968، وليس عن طريق القبول به والتصويت له بانتخابات حرة ديمقراطية، وعلى الرغم من كل وسائل الاعلام الديماغوجي واحتكار مؤسسات التعليم وعمليات غسل الدماغ ومشاريع تأطير المجتمع، لم تستطع السلطة ان تعالج أو تخفف عزلتها عن غالبية الشعب العراقي بقوميتيه العربية والكردية وأقلياته القومية وطوائفه الدينية، ولم ينبثق عن النظام العراقي "برلمان" إلا في العقد الأخير، وعن طريق "التعيين الانتخابي" في عملية تتسم بالتزييف وبفرض شروط تثير الاستنكار والسخرية في آن واحد.

أما الشعب فقد صوت، بطريقته الخاصة، مرات عديدة، ضد السلطة، وصوت من جديد في آذار 1991 بالانتفاضة المسلحة الشاملة، وبنزوح الملايين خارج الحدود العراقية، الأمر الذي أفحم كل الذين حاولوا أن يتصوروا نظام الحكم على غير حقيقته، وفاجأ الذين يئسوا من الجماهير الشعبية ووصموها بالإحباط والخنوع، أو وضعوا الشعب والحكم في خانة واحدة، ولا يجدي الحكام وأعوانهم الادعاء واتهام المنتفضين والنازحين بالوقوع ضحية تأثيرات وقوى أجنبية، والضلوع في مؤامرة امبريالية، ان هذا "التصويت" يستند إلى حقائق ملموسة لا يمكن ان لا يراها إلا المغرضون وغير المنصفين.

أما بالنسبة للعامل الاقتصادي، فقد تمتع النظام بقوة اقتصادية مؤثرة استمرت لبضع سنوات، بعد تأميم الثروات النفطية والطفرات في أسعار البترول، ومضاعفة الموارد المالية والعملات الصعبة مرات عديدة، وإقامة قطاع الدولة الصناعي والتجاري الواسع، الأمر الذي ساعد كثيرا على تشديد قبضة الحكام على الحياة الاقتصادية وعزز نفوذهم السياسي، ومن ناحية ثانية وفر فرصة للسلطة لتنفيذ مشاريع تنموية هامة وعديدة، ورفع مستوى المعيشة نسبيا لفئات غير قليلة من السكان واقامة قاعدة اجتماعية لها.

ومن الجدير بالملاحظة أن السلطة أقدمت، أواسط 1980، على زيادة رواتب وأجور الموظفين والمستخدمين والعمال في قطاع الدولة بنسب متباينة، وخصصت لذلك حوالي (1500) مليون دولار سنويا (وهذا يشكل حوالي 3% فقط من عوائد النفط سنويا آنذاك)، كما حدد الحد الأدنى لأجر العامل بـ (58) دينارا شهريا، وشملت هذه الزيادات أكثر من مليون مواطن في قطاع الدولة، وخلقت قاعدة اجتماعية للسلطة في الجهاز البيروقراطي وفئات رأسمالية كبيرة من مئات أصحاب الملايين.

لم يقتصر تأثير القوة الاقتصادية على تحييد فئات اجتماعية معينة وكسب أخرى، وإنما ساعد أيضا على تأمين دعم خارجي من دول عديدة في الشرق والغرب، وذلك عن طريق العلاقات والتبعية الاقتصادية والقروض والرشوات.

لكن كل هذه الأفضليات المتراكمة جرى استنزافها، كما جرى سلب المكاسب التي تحققت للفئات الشعبية، منذ مغامرة صدام حسين في العدوان على إيران، الأمر الذي أدى إلى تدمير العديد من المشاريع والقدرات الاقتصادية، وضياع الاحتياطي النقدي وازدياد الديون، وأعقبت ذلك مغامرة الكويت وما ترتب عليها من دمار شامل، قال عنه ممثل السكرتير العام للأمم المتحدة انه أرجع العراق إلى ما قبل عصر الثورة الصناعية، ومن تبعات مادية هائلة، وقضى كل هذا على أي أمل للنظام بالتمتع بنفوذ اقتصادي، إذا ما قدر لسلطته البقاء لفترة أخرى طويلة نسبيا، والأهم من ذلك، أن هذا العامل الاقتصادي سيلعب دورا كبيرا في إسقاط الطاغية.

لم يبق للنظام من وسيلة، بين أركان الحفاظ على السلطة، غير الإيغال في تشديد القهر، فبالإضافة إلى عنف القوانين والسجون ونشاط أجهزة الأمن والاستخبارات، لجأ إلى العنف المسلح السافر الشامل.

لا أعتقد اننا نجافي الحقيقة اذا قلنا ان النظام العراقي ينفرد في عالمنا اليوم بعدد وتنوع وقسوة قوانين العنف وأجهزته وأساليبه الفاشية التي يستخدمها في محاربة معتقدات ونشاط المختلفين معه والمعارضين له، وإنزال العقاب بالمواطنين حتى على نواياهم التي يتصورها الدكتاتور، ولا نعلم اذا ما كانت هناك حكومة في العالم غير حكومة العراق تحاكم مواطنيها حسب قوانين سرية لا يعرفها إلا مجلس قيادة الثورة ويجهلها من قد يتعرضون للمساءلة بسبب خرقها.

ونضيف إلى هذا احتكار السلطة والتنظيم السياسي والجماهيري والعمل في وسائل الاعلام ومؤسسات التعليم، على مختلف مستوياتها، وتحريم انتساب أفراد القوات المسلحة لأي حزب سياسي غير حزب السلطة، حتى قبل استيلائه عليها، ولا نعرف حكومة غير الحكومة العراقية، سنت مثل هذا العدد من القوانين التي تعاقب بالإعدام.

وعندما تلجأ قوى المعارضة للتعبير عن رأيها ومواقفها بنشاط سلمي، ديمقراطي، سائد في غالبية دول العالم، كالتجمع والتظاهر والاضراب، ترد السلطة على ذلك بالقوة المسلحة، وتحفل مسيرة النظام بالامثلة على ذلك منذ 1968 حتى يومنا هذا، مما يدفع قوى المعارضة، بالضرورة، بين فترة وأخرى وحسب الظروف، الى العنف المسلح، المحدود في غالب الأحيان.

لماذا لم يتحول الجيش إلى جانب الانتفاضة بشكل حاسم؟.

إن هذا السؤال مطروح على قوى المعارضة للدراسة والتحليل واستخلاص الدروس، وللإجابة عن هذا السؤال تهمنا هنا العوامل التي منعت انقسام الجيش وميزان القوى فيه الذي يعتمد على ظاهرتين: الأولى وضع الجماهير وقوى المعارضة، والثانية الوضع داخل الجيش، ولا نغفل هنا دور القوى الخارجية.

فبالنسبة للظاهرة الأولى، كانت الجماهير الشعبية تتحين الفرص للقيام بعمل حاسم ضد. الديكتاتورية والقضاء عليها، بعد تراكم عوامل انبعاث تحركها على مدى عقدين من السنين، لقد كانت تعيش في أزمات خانقة متلاحقة، سواء كان ذلك في كردستان أم في الجنوب والوسط، وشخصت بسليقتها ان هزيمة الطاغية العسكرية غيرت موازين القوى، ووجدت فيها فرصتها، فانطلقت أولا في الجنوب في الزبير وأبو الخصيب (المدينتين السنيتين في غالبية سكانهما)، وانتقلت إلى البصرة، وهي المنطقة التي عاشت مرارة الحرب العراقية – الإيرانية، وقصف قوات الحلفاء، وكانت أول من استقبل الجنود الغاضبين المنسحبين من الكويت، وهم في حالة يرثى لها نفسيا وجسديا، وسرعان ما انتشر التحرك الجماهيري الى المدن الاخرى ليشمل، العراق كله، بما في ذلك ضواحي مدينة بغداد (مدينتا الثورة والكاظمية)، وربما عدا المناطق الشمالية الغربية والغربية (مدينة الموصل ومحافظة الأنبار) ومركز العاصمة بغداد، وساعدت الثورة التكنولوجية المعلوماتية، ساعة فساعة، على انتقال وقائع الانتفاضة وتفاصيلها وعدواها إلى كل مدينة وبيت، وكل قرية وحقل.

لقد كانت الانتفاضة الشعبية عفوية وفاجأت التنظيمات السياسية لقوى المعارضة ولجنة العمل المشترك المنشغلة بتنظيم مؤتمرها في بيروت (11/3/1991)، ولم يكن في حساباتها ان تتهيأ لانتفاضة شعبية مسلحة أو تضعها في جدول عملها، ودون أن نظلم أحدا، يمكننا ان نقول ان بعض قوى المعارضة الذي لم يقيم تجربته السابقة بموضوعية وصواب، كان يعيش في وهم "المصالحة الوطنية" ويراهن عليها، وقد سارع الى "الحوار" في أصعب ظروف النظام، ورئيسه، الذي يواجه المطالبة بمحاكمته كمجرم حرب، وكان بعض آخر يعيش مرحلة صراع فكري داخلي غير جريء، غير صريح، وغير محسوم، للتخلي عن العنف المسلح من جانب، واحد في التعامل مع ديكتاتورية صدام حسين الفاشية، مستندا إلى التطورات العالمية، في الوقت الذي قام به الداعون إلى نبذ العنف في العلاقات الدولية، والنزاعات الاقليمية - ولا نتحدث عن الصراعات الاجتماعية الداخلية - بتأييد استخدام العنف لإجبار صدام حسين على الانسحاب من الكويت والرضوخ لإرادة المجتمع الدولي.

وفي المحصلة، التحقت القيادات السياسية بالانتفاضة لتقودها، وليس لديها برنامج للانتفاضة ولا تنسيق في الوسط والجنوب أو بين القيادات في هذه المنطقة والجبهة الكردستانية العراقية التي تمكنت، بالرغم من تأخرها، من قيادة الانتفاضة في كردستان، مستفيدة من تجاربها الغنية ومما تبقى لها من وحدات مسلحة.

وأضر بالانتفاضة كثيرا نشاط بعض تنظيمات قوى المعارضة في عملية الاصطفاف في موازين القوى، وذلك في إصرارها، بالأقوال والأفعال أو بالتحدث بشيء وممارسة شيء آخر، على اضفاء طبيعة ضيقة، دينية شيعية أو قومية كردية على الانتفاضة، فإذاعة "صوت العراق الثائر" دعت الى تشكيل "اللجان الثورية" على غرار تنظيمات "الكوميتة" في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والى ادارة المناطق المحررة وفق الشريعة الاسلامية، وكانت هناك ايضا التصريحات والمقابلات الصحفية والاذاعية والتلفزيونية لبعض قادة القوى الاسلامية. والكردستانية، ولم يساعد قول هذا القائد أو ذاك في ان الانتفاضة ليست اسلامية أو كردية، في الوقت الذي تدل كل المعطيات الملموسة على السلوك الانعزالي والانفرادي الضيق، علما ان كل اطراف المعارضة العراقية تعلم جيدا ان الانتفاضة ذات صفة شاملة جدا، وساهم فيها الإسلاميون والقوميون العرب والاكراد والديمقراطيون والشيوعيون والمستقلون وحتى بعض المحسوبين على النظام من القوات المسلحة والجيش الشعبي وأظهر المساهمون نضجا وسعة أفق حينما أكدوا في مقابلاتهم مع الإعلاميين الأجانب شموليتها، من ناحية القوى المشاركة فيها وأهدافها الديمقراطية الواسعة.

أما الاعلام الغربي والمسؤولون في الدول الغربية فقد أصروا بشكل يجلب الانتباه، على التحدث عن ثورة أو تمرد شيعي في الجنوب وكردي في الشمال، وكان هدفهم حرمان الانتفاضة من الدعم الكامل في الداخل ومن التضامن الاقليمي والعالمي، وبالتالي إلحاق الهزيمة بها، وقدموا الدليل على ذلك حين وفرت القوات الأمريكية مساعدات عسكرية للنظام العراقي في بناء جسور وقتية والسماح بنقل قواته من بغداد إلى الوسط والجنوب لكي ينفرد بمناطق الانتفاضة كل على حدة.

فالولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون يريدون، بعد الحصول من صدام حسين على أقصى ما يستطيعون، أن يتخلصوا منه وهو محاصر ومنبوذ داخليا وعربيا وعالميا، ولكنهم لا يريدون بديلا شعبيا ديمقراطيا تجيء به الانتفاضة، وإنما بديلا هم صانعوه، ولم يخفوا دعوتهم إلى انقلاب عسكري فوقي والعمل من أجله.

ويشكل انهيار السلطة بكل مؤسساتها في المدن والريف، انجازا كبيرا جدا للانتفاضة، ولكنها لم تقم سلطة بديلة لإدارة شؤونها، وبذلك لم يكن الانهيار كافيا كما انه ليس كافيا ان نؤكد حقيقة ان إسقاط الديكتاتورية يتم في نهاية المطاف في العاصمة بغداد، مركز القيادة السياسية والعسكرية، من دون أن تكون لدى قوى المعارضة خطة من أجل ذلك، وليس من المعقول ان نتوقع مثل هذه الخطة في الوقت الذي لم تكن هناك أية خطة للانتفاضة أصلا.

أما بالنسبة للجيش فالهزيمة التي لحقت به أمام قوات الحلفاء أضعفته، من دون شك إلى حد كبير، لكن السلطة احتفظت بقوة ضاربة هامة متفوقة كثيرا على قوى الانتفاضة العزلاء نسبيا، ولم يتغير ميزان القوى لصالح الجماهير بهروب أعداد كبيرة من الوحدات العسكرية وانضمام أعداد غفيرة منها إلى الانتفاضة، ولا بانهيار الجيش الشعبي وأجهزة الاستخبارات والأمن، فقد كان لا بد، لكي يتحقق التغيير المطلوب، ان تنحاز قطعات هامة أخرى إلى جانب الشعب أو ينقسم الحرس الجمهوري على نفسه، وهو القوة الضاربة التي حرصت السلطة على تحشيدها بعيدا عن المواجهة المباشرة مع القوات الأمريكية والمتحالفة لكي تستخدمها للدفاع عن نظامها ورئيسها.

أمام تلك اللوحة السياسية والقصور الذاتي لقوى المعارضة، لم ينقسم الأخير واستمر على إخلاصه لتنفيذ أوامر قادته بكل قسوة لقمع الانتفاضة والانتقام من الشعب، الأمر الذي أدى إلى سقوط عشرات الألوف من القتلى في البصرة وكربلاء والنجف ومدينة الثورة في العاصمة وكركوك وغيرها، وإلى الاعتداء على المدن الدينية وعتباتها المقدسة، وينبغي ان نضع في الاعتبار ان جزءا هاما من الجيش والحرس الجمهوري بالذات كان قد أعد لمثل هذه المهمة، اذ تمت تصفيته من كل العناصر المتحفظة والمعترضة على خطط صدام حسين، ومن المشكوك في إخلاصهم وحتى نواياهم إزاءه من منتسبي الحزب الحاكم ذاته، ودأب الدكتاتور على اصطفاء قادة الحرس ومراتبه في الغالب من أبناء عشيرته ومدينته وطائفته الدينية، وهو ما اطلق عليه "الجيش العقائدي"، لكنه في حقيقة الأمر فرق محترفة ربيت بالروح الشوفينية والطائفية، ووفرت لها الامتيازات المختلفة والمرتبات العالية، وآخرها قرار مجلس قيادة الثورة بزيادة المرتب الشهري لمنتسبي الحرس الجمهوري مبلغ (100) دينار، فيما لم تزد الزيادة بالنسبة لمنتسبي القوات المسلحة الأخرى على (25) دينارا.

لمحة تاريخية عن دور الجيش والموقف منه:

عندما أعلن وزير الدفاع (جعفر العسكري) في 26/5/1921، بدفع من المندوب السامي البريطاني، قانون التطوع للجيش ودعوة العراقيين للانخراط فيه، أهدت الحكومة البريطانية بالمناسبة بطاريتي مدفعية إلى الجيش العراقي، وكان مغزى ذلك واضحا، فالهدية موجهة ضد الشعب الكردي وبعد التطوع ارتفع عدد القوات المسلحة من بضع مئات إلى (6500) جندي، لكن الحكومة الوليدة لم تكتف بذلك، وحاولت ان تشرع قانونا للتجنيد الإجباري عام 1927، وأبرز رئيس الحكومة لائحة التشريع في "مجلس النواب" في 27/6/1927 بما يأتي:

* إن مهام الجيش هي "للأمن الداخلي والدفاع عن الوطن"، وهكذا انيطت بالجيش منذ تأسيسه مهمة بوليسية داخلية.

* إن تكاليف الجيش التطوعي تشكل 25% من الميزانية العامة، وهي نسبة يصعب على الدولة تحملها، بينما يقلص الاعتماد على التجنيد الإجباري هذه النسبة.

* ويظهر هنا ان الوعي بالأعباء المالية للجيش وتسليحه كان مبكرا.

* إن الدول المجاورة (تركيا وايران) تمتلك جيوشا قوية وينبغي للعراق ان يمتلك جيشا متكافئا.

* فتح أبواب الجيش أمام جميع طبقات الأمة للدفاع عن الوطن، وليضم كل الصفات العنصرية والقومية.

ومن المستبعد ان الحكومة آنذاك كانت تدرك بعمق ماذا يعني وجود كل طبقات الأمة في القوات المسلحة، أو أنها درست كيف ستتصرف هذه الطبقات في الأزمات.

لكن المندوب السامي البريطاني، الأكثر حنكة، عارض القانون لخشيته من أن يكتسب الجيش الطبيعة الشعبية الملازمة للخدمة العسكرية الإجبارية، وقد أخر تشريع القانون الذي لم ينفذ إلا بعد استقلال العراق وقبوله في عصبة الأمم عام 1933.

وإذا ما استعرضنا مسيرة الجيش العراقي منذ تأسيس الدولة العراقية إلى عام 1958، سنجد ان السلطة استخدمته، باعتباره قوتها الضاربة، حوالي 45 مرة ضد المظاهرات الجماهيرية والتحركات الفلاحية العشائرية وإضرابات العمال والنشاطات الاحتجاجية على الضائقة الاقتصادية وعلى المعاهدات العراقية البريطانية والانتفاضات الفلاحية ومواكب العزاء الشيعية والثورات الكردية والحركات اليزيدية وانتفاضتي 1952و1956، ولم يعص الجيش الأوامر الصادرة إليه بذلك ولم يقف ولا مرة واحدة مع الشعب ضد السلطة.

أما حركتا، عام 1926 وعام 1941 ضد الحكومة، فكانتا انقلابيتين فوقيتين، جسدتا مؤامرات القصور واستغلال الاستياء الشعبي لتصفية الحسابات بين المتنافسين على كرسي الحكم، ومع ذلك فإنهما حظيتا بتأييد جماهيري، وذلك لاشتراك جماعة "الأهالي" التقدمية في الأولى، ولوقوف الثانية ضد الاستعماريين البريطانيين، لكن الجيش لم يتدخل لدعم حركة المطاليب الجماهيرية التي انطلقت خلال فترة حكومة انقلابيي 1936، ولم تفلح جماعة "الأهالي" في الاستفادة من الانقلاب الذي تورطت فيه، وسرعان ما تعرضت الحركة الجماهيرية والشيوعيون للملاحقة والاعتقالات والسجون، وجرى تنظيم حملة ضد الشيوعية قادها بكر صدقي زعيم الانقلاب.

أما ثورة 14 تموز 1958 التي بدأت بانقلاب عسكري أيضا، فتميزت بارتباطها بالحركة الوطنية والديمقراطية وجبهة الاتحاد الوطني التي تشكلت عام 1957، وجسدت الأهمية القصوى لنشاط القوى الوطنية بين صفوف القوات المسلحة، ولتفاعل الأخيرة مع الصراع الدائر في المجتمع ومع التطورات في منطقة الشرق الأوسط والعالم، ولكنها تفسخت الى حكم عسكري دكتاتوري معزول عن الشعب، أمعن في قمع الحركة الديمقراطية وطرد أعداد كبيرة من الكوادر العسكرية الديمقراطية والثورية، ومهد النهج الدكتاتوري الفردي الطريق لانقلاب 8 شباط الفاشي عام 1963.

وفي العهد الجمهوري، ومنذ عام 1961 حتى الآن، كان الجيش من جديد أداة السلطة في حروبها الشوفينية ضد الشعب الكردي الذي تعرض لأبشع الجرائم، كالتهجير وحرق القرى والحقول واستخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا.

يتضح لنا، من هذا العرض السريع، أن مهمة الجيش الأساسية هي الحفاظ على "الدكتاتورية ملكية كانت أم جمهورية".

وبالنسبة للموقف من الجيش، فالأحزاب السياسية المعارضة، قبل ثورة تموز في غالبيتها إن لم نقل كلها، لم تول الاهتمام المطلوب لدور القوات المسلحة، وعالجته في برامجها بإيجاز ومن دون تعمق، فيما تحاشى بعضها ذلك لخطورته ولكي يخفي نشاطه السري التآمري.

فجمعية الإصلاح الشعبي التي أريد لها أن تكون التنظيم السياسي لانقلاب 1936، وحظيت بدعم القوى التقدمية والحزب الشيوعي العراقي وانضمام عدد من كوادره اليها، دعت إلى: "تعزيز الكيان الداخلي بتقوية الجيش وتعزيز سلاح الطيران، وبث روح الجندية بين أفراد الهيئات الشعبية، واصلاح الشرطة، ليكون مجموع هذه القوى قادرا على الدفاع عن البلاد إزاء أي اعتداء".

واحتوى الميثاق الوطني للحزب الشيوعي العراقي (1944) على نقلة نوعية أولية إذ أكد:

"الاعتناء بالجندي العراقي المكلف، بصحته وتغذيته، وتربيته التربية الديمقراطية، الغاء الأساليب غير الانسانية المتبعة في الجيش كالضرب والسجن، وإيجاد ضبط ديمقراطي، وتنظيف الجيش من الرتل الخامس والعناصر الرجعية، وتكوين جيش يخدم مصالح الشعب ويدافع عن استقلال البلاد".

وجاء في الوثيقة البرنامجية لحزب التحرر الوطني (1946)، الذي ضم العديد من الشيوعيين وقادتهم في صفوفه: "يدعو ويعمل الحزب لتقوية جيشنا الوطني وجعله جيشا عصريا، وعلى استعداد للدفاع عن حياض الوطن وعن كرامة الشعب وسيادته الوطنية، وتزويده بأحدث الآليات والمعدات وبالعلوم والفنون الحربية الحديثة، وتثقيف الجندي وتربيته التربية الديمقراطية، والاعتناء بمرتبه وملبسه وغذائه وبوسائل تسليته، ورفع الأساليب غير اللائقة التي يعامل بها الجنود كالضرب والسجن والعقاب وما أشبه".

وأكد برنامج حزب الشعب (1946)، على العمل من أجل: "تقوية وسائل الدفاع، رفع مستوى الجندي ماديا وثقافيا، وتعزيز الروح الوطنية وتهذيبهم بالأساليب الديمقراطية لضمان خدمة الشعب، والدفاع عن استقلال البلاد".

واكتفى برنامج الحزب الوطني الديمقراطي (1946)، بالإشارة إلى: "إصلاح الجيش وجعله جيشاً عصريا مدربا".

ودعا حزب الاستقلال (1946)، الى: "العناية بالجيش وتسليحه وتثقيفه لتعزيز الروح الوطنية والدفاع عن كيان البلاد والمساهمة في الأمن العالمي".

ولم يذكر حزب الاتحاد الوطني (1946) شيئا حول الجيش في برنامجه.

يتضح إذن ان أحزاب المعارضة آنذاك تجنبت المطالبة بحرية العقيدة الفكرية، الانتماء السياسي لمنتسبي القوات المسلحة، لكن هذا لم يمنع نشاط تلك الأحزاب لكسب الجنود والضباط وتنظيمهم سريا كأعضاء حزبيين أو إقامة الصلات والعلاقات السياسية معهم، وبرز الحزب الشيوعي العراقي في هذا المجال، منذ أواسط الثلاثينيات، وحزب البعث بعد تأسيسه في العراق في أوائل الخمسينيات والذي اعتمد اسلوب الانقلابات العسكرية.

وفي هذا السياق، لا يمكننا ان نغفل حقيقة أن الجيش العراقي، مثل سائر جيوش العالم، وبشكل خاص الجيوش في "العالم الثالث"، تأثر كثيرا بعد الحرب العالمية الثانية بالحركة الديمقراطية العالمية إثر إلحاق الهزيمة بالفاشية، وتأثر أكثر من ذلك بأزمة العراق السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخانقة، وبما شهدته البلدان العربية وبلدان الشرق الأوسط من غليان شعبي وتطورات عميقة وانتفاضات شعبية وانقلابات عسكرية، وازداد النشاط السياسي لمنتسبي القوات المسلحة (هذا النشاط الذي لم توله برامج أحزاب المعارضة الأهمية الضرورية)، وأدرك الضباط انهم يمتلكون قوة فاعلة بإمكانها ان تحسم مسألة غياب الديمقراطية السائد في البلاد، وذلك بالاستيلاء على السلطة بأسلوب غير ديمقراطي، ومن ناحية اخرى، تضاعف الاهتمام بمراتب الجيش المختلفة، على الرغم من بقائه كمؤسسة ضاربة بيد الدكتاتوريات الرجعية الحاكمة ضد الشعب.

ما الموقف من الجيش في ضوء هذه الخلفية، وفي ضوء النضال من أجل البديل الديمقراطي؟.

من الطبيعي والمفهوم أن تتكون اليوم نظرات ومواقف متباينة بشأن دور الجيش في العراق، وأن يجري التعبير عنها مجاهرة.

ثمة من يعتبر الجيش قوة رجعية ضاربة تنفذ أوامر الدكتاتورية بطاعة عمياء، لأنها جزء منها، ولذلك ينبغي تحطيمها وتخليص الشعب من شرورها.

وهناك بالمقابل من لا يرى خلاصا للعراق إلا بانقلاب عسكري فوقي يقوم به الجيش، ويقضي على الطاغية ونظامه، ولا يعتقد هذا البعض الآخر بجدوى الانتفاضة التي اندلعت في اذار الماضي ويعتبرها اندفاعا جماهيريا ساذجا أو مغامرة طفولية كان ينبغي الوقوف بوجهها أو تبريدها وإطفاؤها بـ "دش بارد"، وليس دعمها ودفعها كما فعلت قوى المعارضة.. ولا يرى ذوو هذا الرأي أفقا لانبعاث انتفاضة لاحقة، بعد قمعها في نيسان الماضي من قبل الجيش الذي سيقمع أية انتفاضة جديدة.

ان تغييرات كبيرة حدثت في القوات المسلحة، فبعد ان كان عدد أفرادها حوالي (46) الفا عام 1941، وصل تعداد الجيش النظامي، قبل غزو الكويت، إلى حوالي المليون، يضاف إلى هذا العدد أفراد الجيش الشعبي، الذي قدر تعداده بما يتراوح بين750 ألف ومليون، وعشرات الألوف من قوى الأمن والشرطة والاستخبارات (بلغ تعداد قوات الشرطة عام 1958، 23383).

وكان هذا الجيش مجهزا، حسب رأي البنتاغون، بثلاثة آلاف قطعة مدفعية، وأربعة آلاف دبابة وألفين وسبعمائة ناقلة جنود وعربة مدفع، وسبعمائة طائرة مطاردة ومائتين وخمسين قاذفة، وآلاف الصواريخ، هذه الأسلحة ذات التكنولوجيا الرفيعة التي استنفدت ثروات الشعب، إذ كلفته 14 مليار دولار، نصف ناتجه القومي عام 1984، واستورد العراقي بين 1982- 1985 ما قيمته 42,8 مليار دولار من السلاح وابتاع نحو10% من مجموع الأسلحة التي بيعت في العالم في الفترة 1985- 1990، ويعتبر العراق أكبر مستورد للسلاح في العالم.

إن هذه المؤسسة الضخمة تشكل مجتمعا يضم "جميع طبقات الأمة والصفات القومية والعنصرية"، قارب تعدادها تعداد الطبقة العاملة العراقية، وهي تتطلب وجود عدد كبير من المتخصصين والفنيين، وتوفر لهم الصلة مع أحدث التكنولوجيا في الهندسة الكهربائية والميكانيكية والمدنية والكيماوية والنووية وهندسة الاتصالات.

وإذا كانت السلطة قادرة على "التوثق" من ولاء وإخلاص الهيئات القيادية في المستويات المختلفة، فإنها عاجزة عنه، ولا تتطلبه، في ظروف الخدمة الإجبارية ولاسيما مع تضخم عدد القوات المسلحة بهذا الشكل الهائل نسبة لسكان العراق، غير أن الهزيمة العسكرية أدخلت تغييرا كميا ونوعيا على الجيش وعلى مستقبل مهماته، فتعداده تقلص إلى حد كبير عن طريق الابادة والإعاقة والهروب والتسريح، من ناحية يمكن القول ان نسبة الموالين للنظام فيه قد ازدادت كثيرا نتيجة ذلك.

ما العمل، اذن، مع هذه المؤسسة القهرية التي يحرم على غير أعضاء الحزب الحاكم أو مؤيديه ان ينتسبوا اليها، ويعدم فيها كل من يعثر على عدد واحد من مجلة "الثقافة الجديدة" تحت وسادته (كما حدث عام 1978)، أو من يتبرع بمبلغ زهيد جدا لمنظمة ديمقراطية مثل اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي (كما حدث عام 1975)، و"يعدم كل عسكري أو شرطي متقاعد أو مسرح، بمن فيهم اولئك الذين انتهت خدمتهم لأي سبب كان"، بعد 17 تموز 1968 يوم الانقلاب الذي أوصل الحزب الحاكم في العراق الى السلطة في حالة انتمائه إلى حزب أو اتجاه سياسي غير الحزب الحاكم، أو خدمته له ولمصلحته (المادة 200 من قانون العقوبات)، وما هو البرنامج المطلوب للقوات المسلحة في أعقاب الهزيمة والشروط المذلة التي فرضتها الدول المتحالفة، والتي يتحمل صدام حسين المسؤولية الرئيسية عنها؟.

لا نتصور أن هناك من يتبنى موقفا عدميا من الجيش، أو يدعو إلى إهماله وبالتالي تركه أداة للعدوان والقمع الداخلي ضد الشعب ونضاله، ومنذ سنوات دأبت القوى الوطنية والديمقراطية على كسب أنصار لها من الضباط والجنود، وكانت تفتش دائما عن السبل الملائمة لنشاطها من أجل تغيير موقف الجيش، الأمر الذي يعتمد على انطلاق الحركة الجماهيرية كما حدث في انتفاضة آذار 1991 أو أية حركة جماهيرية ذات طبيعة جديدة تنشأ ملامحها وتبرز بأعمال ملموسة في الظروف الجديدة.

وينطلق هذا التقدير من التمييز بين النظام ورئيسه، صاحب القرار الفردي، وبين القوات المسلحة، على الرغم من تربيتها على تنفيذ الأوامر والطاعة العمياء، إلا أننا نأخذ بنظر الاعتبار عصيان تلك الأوامر في ظروف متغيرة وانقسام الجيش، وبخاصة في حالة اختلال موازين القوى لصالح الحركة الجماهيرية المنتفضة، وليس من المتصور أن يحصل مثل هذا التحول دون عمل وبرنامج مسبقين، كما ينطلق هذا التقدير من التمييز بين القوات المسلحة كمؤسسة عسكرية بيد السلطة وبين أفرادها وانتسابهم لشرائح اجتماعية متباينة، هذه الفئات المرتبطة بوشائج عديدة ومتنوعة مع ما يجري في المجتمع، والمتأثرة بالصراعات السياسية والطبقية والإيديولوجية فيه.

ونحن اليوم نحتاج إلى نظرة جديدة لدور القوات المسلحة في برنامجنا، أو ما نسميه "سياسة عسكرية للنظام الديمقراطي المنشود"، الذي ينبغي أن يقترن بدمقرطة القوات المسلحة، وفي هذا الشأن يؤكد الحزب الشيوعي العراقي في برنامجه ان ذلك يتطلب "ضمان حربة الانتماء السياسي لمنتسبي القوات المسلحة، رفع الوعي الديمقراطي والثوري في صفوفها، إقامة علاقات ديمقراطية بين الجنود والضباط، إشاعة روح التعاون والتآخي بين الجيش والشعب ومكافحة النعرات العنصرية والطائفية والاقليمية، وبقايا التربية الفاشية، وإعادة جميع العسكريين الوطنيين المفصولين لأسباب سياسية إلى الخدمة في صفوف القوات المسلحة، ونعتقد ان سياستنا في هذا الشأن لا بد أن تستند إلى التطورات الجديدة في العراق والمنطقة والعالم، وقد تكون الأسس الآتية مرشدة لنا:

1ـ ان دمقرطة الجيش لا تتم بمعزل عن دمقرطة حياة المجتمع والحياة السياسية في البلاد، والعمليتان مترابطتان لا يمكن فصلهما، ومن العبث التفكير بتكوين جيش تسود فيه الحياة الديمقراطية في ظل الدستور العراقي الحالي واحتكار التنظيم السياسي وسيادة مقولة الحزب الواحد والقائد، ومجلس قيادة الثورة والقوانين والتشريعات واللوائح الفاشية والمعادية للديمقراطية، ووجود آلاف السجناء والمعتقلين السياسيين واقتراف الجرائم البشعة بحق الشعب، وبالتالي لا يمكن التفكير بدمقرطة الجيش في ظل الحكام الحاليين.

2ـ الجيش ضرورة للدفاع عن الوطن والسيادة الوطنية والنظام الديمقراطي.

3ـ الجيش هو جيش البلاد والشعب كله، وليس جيش فئة سياسية معينة، وان الوصول إلى هذا الواقع هو عملية معقدة وتحتاج إلى نضال دؤوب عملي وفكري ووعي عميق لظروف العراق، وهذا المنطلق لا يعني اعتبار الجيش مؤسسة مستقلة عن المجتمع أو فوقه، أو عن أجهزة الدولة الأخرى، والمقصود هنا هو ضرورة صياغة الضمانات التشريعية لكي يقوم الجيش بحماية الدستور والنظام السياسي الاجتماعي الذي يختاره الشعب بإرادته وعلى أسس ديمقراطية حقيقية، وأن لا يزج به كقوة بوليسية لقهر الشعب عامة، والشعب الكردي خاصة، وسيؤدي الإخلال بهذه الضمانات بالضرورة إلى اعتماد العنف المسلح والانقلابات العسكرية.

4ـ يبنى جيش الدفاع العراقي أساسا على الخدمة العسكرية الإلزامية، لفترة زمنية محددة، ويجري تسريح المكلفين، واعتبارهم جيش الدفاع الاحتياطي، وتوضع برامج لدعوتهم للتأهيل لفترات قصيرة وتدريبهم على المنجزات العلمية والتكنولوجية في مجال السلاح والفنون العسكرية، ويتلازم هذا التوجه مع انهاء مفهوم الجيش العقائدي على أساس التطوع، كذلك مع عدم الاحتفاظ بمؤسسة عسكرية كبيرة العدد من نخبة محترفة تتمتع بامتيازات ومكافآت خاصة، مثل الحرس الجمهوري، وبدل هذا يتم الاحتفاظ بعدد محدود ومناسب من الجيش التطوعي.

إن الاعتماد على الخدمة العسكرية الإجبارية يوفر قوة دفاعية كبيرة، ويقيم علاقات وطيدة بين الجيش والشعب.

ويتم تأمين ظروف معيشية مناسبة لجيش الدفاع في ما يتعلق بالغذاء واللباس والخدمات المختلفة، وضمان عودة المسرحين من الخدمة الى العمل والدراسة.

5ـ ضمان حق منتسبي القوات المسلحة في التصويت والترشيح لانتخابات المجالس التشريعية والمحلية، وضمان حقهم في الانتساب إلى الأحزاب السياسية، ولكن طبيعة القوات المسلحة ومهامها لا تسمح بنشاط الأحزاب السياسية داخلها.

ومن بين إجراءات إشاعة الديمقراطية، ضمان حق انتخاب الجنود من المكلفين والمتطوعين، على قدم المساواة مع الضباط ونواب الضباط للجان تدافع عن حقوقهم واللجان التحقيقية.

6ـ تخضع مهمات القوات المسلحة وميزانيتها وتسليحها للقرار السياسي لممثلي الشعب – البرلمان.

7ـ يلتزم النظام الديمقراطي بعدم زج الجيش في عمليات عسكرية عدوانية خارج حدود البلاد.

8ـ يجري التخلص من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والتقليدية ذات التدمير الشامل والالتزام بعدم إنتاج الأسلحة النووية.

9ـ إن الظروف التي يعيشها العراق ووضع منطقة الشرق الأوسط لا يحصران مهمة صيانة استقلال العراق والدفاع عن سيادته ووحدة كيانه السياسي على الشعب العراقي وجيشه فقط، بل يتطلبان ضمانات دولية صادرة عن الأمم المتحدة، ونظاما أمنيا لبلدان الشرق الأوسط ورقابة الأمم المتحدة، وتحريم إنتاج واستخدام أسلحة الدمار الشامل التقليدية والكيماوية والبيولوجية في جميع البلدان.

إن الشعب العراقي يواجه، لسنوات طويلة قادمة، مهمات جسيمة وشاقة للنهوض من كوارث صدام حسين ونظامه ومخلفاته.

أوائل أيار 1991

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الثقافة الجديدة

العدد 359ـ تموز 2013

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.