اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

قتل العراقيين .. السؤال الصعب -//- د. نعمه العبادي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. نعمه العبادي

ـ مدير المركز العراقي للبحوث والدراسات

قتل العراقيين .. السؤال الصعب

منذ أكثر من عقد ودوامة الموت الزؤام تحصد العراقيين في مختلف مناطقهم ،وعلى إختلاف أعمارهم وأجناسهم وتوجهاتهم ،دون أن ترفق بشيخ أو طفل أو أمرأة أو فقير أو مسكين ،ودون أن يجدوا حلا ناجعا لمصيبتهم يمنع طاحونة الموت ويوقف إصرارها على طحنهم تدريجيا.

وعلى الرغم من هذا الحال المفجع إلا أن موت العراقيين (على وجه الخصوص) ،لا يجد من الصرخات أو التأوهات والإفتجاع ما يستحقه ،لا من ما يسمى بالقادة والزعماء داخل الوطن ،ولا من المجتمع الإقليمي والدولي ،وكأنهم خلقوا للموت ،فالقاعدة هي موتهم والإستثناء نجاتهم وسلامتهم.

منذ أن بدأت دوامة العنف في العراق عقيب أيام قليلة من التغيير في نيسان 2003 ،أهتممت كثيرا بسؤال :" من يقتل العراقيين؟" ،وأنجزت في هذا الصدد دراسات عديدة منها ،"دوامة العنف العراق ..من ولماذا وإلى متى؟ " ،وهناك عددت المجموعات التي تشير بوضوح دلائل الواقع أنها المتورطة حد النخاع بسفك الدم العراقي البريء ،ورغم أن هذا السؤال له مكانته وأهميته في المعالجة والحل ،ولكني أنتقل في هذه المقاربة إلى سؤال (بحسبي) أصعب منه ،وهو : "من بيده وقف القتل عن العراقيين؟".

أجوبة كثيرة لهذا السؤال يطرحها المجيبون (شعبيون ونخبيون ،ضحايا ومتفرجون ،مختصون ومتابعون ) ،يمكن أن يتم مقاربتها بصياغات علمية تفصح عنها .فأول الأجوبة ،السياسيون العراقيون ورؤساء الكتل وقادة الأحزاب والتجمعات ،هم من بيدهم وقف دوامة القتل ،وذلك من خلال توافقهم على المصالح الوطنية وتجاوز التقاطعات بينهم ،وتغليب مصالح المواطنين على مصالح أحزابهم وقومياتهم وتجمعاتهم وأشخاصهم ،فإن العنف في العراق مرتبط جوهريا بالمشهد السياسي ،وهو من إفرازته ونتائجه ،لذلك حالما يتوتر الوضع السياسي يتداعى الوضع الأمني تبعا له ،بل يرى البعض أن السياسيين يستعملون ورقة الأمن في صراع بعضهم مع البعض الآخر.

الجواب الآخر:القوات الأمنية بمختلف صنوفها وتنوع مهامها ،هي القادرة على منع الموت عن العراقيين بوصفها المسؤول المباشر للقيام بهذه المهمة ،فإذا ما تأسست على المهنية والنزاهة والخبرة ،وإذا كان ولائها الوحيد للوطن وللمواطنين ،وإذا كانت إجراءاتها تقوم على وفق القانون ،فإنها قادرة على إيقاف عجلة الموت وحفظ أرواح العراقيين.

ومجيب ثالث يرى :أن الشعب العراقي بمختلف تلواناته وطوائفه وشرائحه المسؤول عن حماية نفسه ،وذلك من خلال سد الفجوات والفراغات التي يتسلل منها شياطين القتل ومردة الموت ،ومن خلال قطع الطريق على القادة السياسيين الذين يضعون الشعب مادة مبتذلة لصراعهم السياسي وشراهتهم في البحث عن السلطة ،وكذلك بعدم الإنصياع إلى جماعات التكفير والقتل ولفظهم ورفضهم لهم،وبالتحول من أمن الأجهزة إلى الأمن المجتمعي الذي يساهم فيه جميع أفراد الشعب بمختلف مستوياتهم.

أجابة رابعة ترى أن رجال الدين والقادة الإجتماعيين هم من بيده وقف عملية القتل ،وذلك لأن القتل في العراق مصبوغ بنزعة آيدلوجية ،ومرتكز على تسويغات دينية وثقافية ،لذلك فإن الموقف الحازم من قبل المرجعيات الدينية ورجال الدين والقادة الإجتماعيين الذي يكفر ويمنع على كل حال وفي كل حال ،قتل العراقيين مهما كانت الأسباب والموجبات  هو منع يمنع القتل ويوقفه ،وحتى مع وجود الجريمة والخطأ ،فإن آليات القانون والشرع الصحيح المسؤولة عن المحاكمات العادلة والمحاسبات الضرورية .

وخامس الإجابات ،ترى بأن الأمر منوط بدول الجوار والقوى الإقليمية والدولية التي تدفع بالقتل في العراق وتحرض عليه وتمد أدواته بالمدد المعنوي واللوجستي ،فهذه القوى ترى أن أهدافها ومراميها تتحقق عبر هذه السفك المريع لدم العراقيين الأبرياء ،لذلك فهي الوحيدة القادرة على إيقاف عجلة الموت عن العراقيين ،من خلال وقف مددها المعنوي والمادي ،ومن خلال بحثها عن الوسائل السلمية والمشروعة في الوصول إلى مصالحها الصحيحة في العراق ومع العراقيين .

تراهن أجابة أخيرة ،أن جميع ما تم ذكره لا يملك قدرة السيطرة على مولدات الموت ،والطرف الوحيد القادر على ذلك هم مجموعات الموت أنفسهم ،فهؤلاء لهم أجندتهم وأهدافهم الخاصة بهم بعيدا عن صراع السياسيين ودعم الدول وإخفاقات الأجهزة الأمنية ،وبعيدا عن الشحن الديني والطائفي ،لذلك لا يوقف القتل إلا من بيده القتل.وهؤلاء يمكن أن يوقفوا القتل وذلك إذا تم إقناعهم بوضوح ورسوخ أن القتل لا يورث إلا القتل ،وإن المراهنة على إبادة العراقيين من خلال القتل عملية خاسرة ،ففي كل يوم يولد ضعف من يموت مهما كان العدد ،وأنه لا فائدة للقاتل والمقتول من هذه الدوامة ،ويمكن لهؤلاء أن يصلوا لأغراضهم حتى السيئة منها عبر أدوات غير القتل ،فضلا عن إمكانية التفاوض والتفاهم مع من يحملون مشروعا سياسيا أو طلبات معينة وإن تقاطعت مع توجهات الدولة القائمة .

إن طريق القتل العصابوي والمليشياوي مهما كانت المراهنات حول جدواه ،وقدرته الفاعلة في تحقيق النتائج المرجوة لأصحابه ،فإن التاريخ والتجارب والحقائق تدحض بقوة ووضوح جميع تلك المراهنات ،وتؤكد خسرانه وخذلانه ،لذلك فإن الحكمة والحصافة وحتى المنفعة تقتضي من زعماء القتل البحث عن مشروع بديل.

ربما يكون واحدا من تلك الأجوبة أكثر صوابا ،وربما يكون كلها أو بعضها صحيحا بدرجات متفاوتة ،ولكن الأكيد ،أن جميع من تم ذكرهم في الإجابة لهم سهم وافر في المسؤولية عن وقف دوامة العنف والكف عن سفح الدم العراقي.

أخيرا يبقى التحدي الأكبر في كيفية حمل جميع تلك الأطراف على القيام بمسؤولياتها ،ودورها لإيقاف عجلة الموت ،فالكل يدرك أن صراع الساسة مولد للتوتر والعنف ومادة أولية للموت ،ولكن كيف السبيل لإيقاف هذا الصراع ولجم تداعياته ؟

حسبي في هذه المقاربة أني وضعت الأمور في جادة نقاشها الصحيح ،ويبقى الباب مفتوحا لكل ذي رأي وحكمة وحصافة بل وحيلة أن يبدع لنا وصفة تدفع طرفا أو أكثر من أطراف لعبة الموت في العراق للقيام بواجبه تجاه إيقاف هذه الدوامة المستمرة لحصاد أرواح الأبرياء دون هوادة.

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.