اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

المسيح يصلب من جديد في العراق// د. هاشم عبود الموسوي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

المسيح يصلب من جديد في العراق

د. هاشم عبود الموسوي

 

مقال سبق وان نشرته قبل أكثر من3 سنوات حول هجرة المسيحيين العراقيين وتداعياتها

 

في لجّة الاحداث المتفجرة لدى شعوب المنطقة، والتي اشعلتها شرارة الثورة الشعبية التونسية، بدأ التغاضي عن بعض المظاهر والاخبار الهامة المحلية التي تكتنف بعض البلدان، ومنها وطننا العراق، ومثال على ذلك تفاقم هذا النزيف البشري لاخوة لنا عاشوا قبلنا ومعنا في هذا الوطن. واذ يمر العراق في الوقت الراهن بمرحلة، هي من اخطر المراحل التي واجهته في تاريخه الحديث.واخطر ما في هذه المرحلة هي هجرة ابنائه منه،هذه الهجرة التي تشمل جميع المواطنين على اختلاف مذاهبهم واديانهم، لكن الظاهرة الاكثر خطورة فيها، هي انها شملت العرب المسيحيين على قلة عددهم، وهم واحد من الاجنحة الحضارية المهمة في العراق، ومكوّن من مكوناته الاساسية، بعد ماتعرضوا الى الاختراقات والاحداث المؤسفة والظالمة.

 

لم يكن يخطر ببالنا ولا ببال الذين يقفون خاشعين في كنائسهم يؤدون عبادتهم ان ايدي بشرية يمكن ان ترتكب مثل هذه الجرائم رغم انها ليست الاولى ولم تكن الاخيرة،فقد تبعتها حوادث قتل وترويع وتهديد.وطالت هذه الجرائم دور العبادة وانتقلت الى المنازل والحدائق والاحياء والمؤسسات.

 

ووصل الاجرام حداً بعيداً فاستغلت ذلك بعض الاقلام المريضة والدول الاجنبية داعية من جديد على هجرة العرب المسيحيين، ليس من العراق او من مصر، بل من جميع الدول العربية التي يتواجدون فيها. وهذا ان دل على شيء فهو يدل على انّ المخطط الذي ارتسم منذ مدة طويلة بدأ  يأخذ مفعوله.

 

ربما الان ادرك السياسيون والمثقفون العراقيون ان وجود المسيحيين في المجتمع العراقي اصبح في خطر، وان الهجرة التي شملتهم مع غيرهم بحثاً عن مستقبل اعتقدوا انه الافضل، اخذت تتحول الى عمليات تهجير متعمد، بعد جرائم القتل التي تعرضوا لها في الفترة الاخيرة.

 

وقبل ذلك ادى الحصار الذي فرض على العراق منذ عام 1990 الى هجرة اعداد من المسيحيين العراقيين الذين تزايد عددهم بعد الاحتلال الامريكي وما خلفه من مآسي للشعب العراقي بكل طوائفه ومذاهبه خاصة بعد ان تعرضت الكنائس والمنازل لاعتداءات متكررة، الا ان النسبة بقيت ايضاً محدودة اذا قورنت بعدد العراقيين الذين غادروا وطنهم هرباً من اعتداءات متنوعة. وادى الاحتلال ايضاً الى تعرض عدد من المسيحيين للاعتقال والقتل اثناء مداهمات المدن والقرى، والمواجهات مع الارهابيين، لكنه لم يكن يعلن عن هويتهم او مذهبهم كونهم مواطنون يتعرضون لمآسي الاحتلال وما نتج عنه كما يتعرض لها الشعب العراقي والغريب في هذه الهجرة بأنها اخذت تتحول الى عملية تهجير واسعة من مدنهم ومنازلهم الى مناطق داخلية اكثر اماناً او الى الدول المجاورة والخارج. واصبح هدف الهجرة المحافظة على حياتهم ووجودهم بعد ان تهدد هذا الوجود. ويعبر احد الذين نجو من جريمة كنيسة سيدة النجاة لجريدة الشرق الاوسط، انه لم يفكر ابداً بالهجرة من وطن آبائه واجداده، لكنه يخشى الان على ابنه الذي يعيش هاجس الخوف المستمر بالقتل في المدرسة والبيت وخاصة بعد التهديد المباشر باستهداف جميع المسيحيين، وبعد حوادث القتل في بغداد والموصل التي تلت جريمة الكنيسة.

 

يقول هيغل"ان الاحداث التاريخية دائماً ماتخفي وراءها ارادة مخططة، وهي ليست وليدة الصدفة، وبالتالي فان هذه الاحداث اذا اضيفت الى التوترات الدينية في المجتمع والربط بين المسيحيين في العراق وماجرى بنفس الفترة في مصر، ستبدو وكأنها ضمن مخطط اصبح واضحاً ويهدف الى تفريغ المنطقة منهم، بأفتعال الحوادث التي تجبرهم على الهجرة، ولا احد يستطيع ان يتكهن من هم وراء هذا المخطط.

 

لاشك ان احداثاً كثيرة جرت وتجري على خلفية حوادث فردية حيث تكون المسؤولية فيها متساوية بين الفاعلين فيها، وهي لاتدفع لمواجهات شاملة اذ ان الطرفين يدركان ان الذين يقومون بها لا يمثلون هذا الجانب او ذاك،وهي مشاكل تحصل في كل المجتمعات، واذا كان المسيحيون يشعرون ببعض القيود والحدود، لكن المشكلة لم تعد الان في اطار هذه القيود بل تحولت الى البحث عن الوجود كما يقول الكاتب القطري عبد الحميد الانصاري في جريدة الاتحاد 24/11/2010. والمشكلة ان الحكومات وخاصة في مصر والعراق اصبحت عاجزة او متخلفة عن حماية مواطنيها بالشكل الذي يجعلهم يأتمنون على مستقبلهم. وهذا ما دفع جلال الطلباني الى تأييد فكرة انشاء محمية للمسيحيين في سهل نينوى كوسيلة لحمايتهم وهي تعبير عن حالة العجز هذه، كما ان الفقر والحاجة والبطالة، والاستبداد، ورهن القرار الوطني بالخارج وغياب الفعل السياسي والعدالة والديمقراطية، والتمسك بالسلطة والابتعاد عن هم المجتمع، هي من العوامل الاساسية التي ولدت الخلل خاصة في ظل فتاوى جاهلية غير مضبوطة تصدر عن الطرفين وتحرض على التفرقة وعدم المساواة بين المواطنين. والمشكلة انها غالباً ماتصدر عن رجال لهم مكانة دينية تجعل العامة وفي ظل وعي متخلف يصدقونها دون مناقشة. كل هذه العوامل كانت تدفع الى الهجرة، لكن حوادث القتل والتفجير للكنائس ودور العبادة في العراق ومصر( حادثة تفجير كنيسة القديسين في الاسكندرية في الساعات الاولى من عام 2011)، والتهديدات التي بدأ بعضها جدياً شكل عملية تهجير قسرية للمسيحيين لم تكن على ما هي عليه الان وجعلت الدول الغربية تتبنى هذه الهجرة بحجة حمايتهم.

 

ان وجود المسيحيين في الدول العربية وخاصة في مشرقه ومصر، يختلف عن وجودهم في افريقيا عدا الحبشة، فهم جزء من السكان الاصليين اعتنقوا المسيحية منذ ظهورها الاول، ولم يعتنقوها عن طريق البعثات التبشيرية او بتأثير قوى الهيمنة الغربية. وعاشوا مع المسلمين كمواطنين لهم همومهم الوطنية في الحقوق والواجبات، يشاركونهم افراحهم واحزانهم واستنكروا وادانوا جميع الاساءات التي ظهرت في الدول الغربية ضد الاسلام والمسلمين.

 

في رسالة وجهها بطريرك السريان الانطاكي اغناطيوس يوسف الثالث الى نوري المالكي رئيس وزراء العراق بعد جريمة اختطاف المطران بولس فرح رحو رئيس اساقفة الكلدان في الموصل وقتله 29/2/2008.(ويبدو ان وراء الجريمة مطالبة بفدية مالية) وبعد جريمة الموصل ايلول من نفس العام التي ذهب ضحيتها ثمانية من المسيحيين. يقول فيها." الم يحن الوقت لكي تقوم حكومتكم في دولة القانون بمعاقبة المجرمين. اننا لا نستخلص من عجزكم سوى التواطؤ في عملية تفريغ الموصل من المسيحيين القاطنين فيها منذ قرون" ( حسب موقع عنكاوا).

 

واذا كان هذا هو شأن الحكومات فان المؤسسات المدنية والثقافية والدينية كانت اكثر عجزاً وتجاهلاً لقضية هجرة المسيحيين وايجاد السبل لمواجهة هذه الهجرة وهذا التهجير منذ البداية.

 

لقد كان من الصعب ان نعزو حادثة كنيسة بغداد او حادثة كنيسة الاسكندرية وما سبقهما او تلاهما الى الحرص على فتاتين اعتنقتا الاسلام وسجنتا في احدى الكنائس بمصر كما اشارت التهديدات، وهل كان الاسلام بحاجة لهن؟ واذا كان مبررلذلك، فمن قام بعمليات القتل والاعتداء على الكنائس والمنازل بعد الاحتلال الامريكي والتي سبقت هذه الحوادث ولماذا؟ وهل كان من الصعب معالجة موضوع الفتاتين عن طريق القضاء المصري وبالاستناد الى القوانين الكفيلة بحماية المواطنين من مثل هذه المخالفات، ان كان لها وجه حق؟ بدلاً ان تضع الفئات التي تبنت العمليات نفسها حكماً في القضية ووصية على الاسلام والمسلمين.

 

ان الادانة والاستنكار لهذه الجرائم لاتكفي للتعبير عن الحزن والاسى بل والخسائر المعنوية التي اصابت العرب المسيحيين، والمسلمين. الذين تلصق بهم هذه الافعال، والجميع يعلم ان الايدي التي ترتكبها هي اكبر من الايدي التي ادعت انها نفذتها وهي نفس الايدي التي فجرت المساجد والحسينيات ودور العبادة لمختلف المذاهب والطوائف لزرع الفتنة بين ابناء الوطن الواحد وادت منذ الاحتلال الامريكي الى مئات الالاف من الضحايا الابرياء وهي ايدي خارجية لها مصالحها في هذه الفتنة.

 

يذكر السيد علاء الدين حمدي من مصر ان رسالة وصلته على بريده من الدكتور ليون برخو وهو قسيس مسيحي واستاذ بعلم اللغة والاعلام في احدى جامعات السويد حول مأساة كنيسة بغداد، يحمل المسؤولية فيها للمخابرات الاسرائيلية والامريكية، ويؤكد ان اتهام العرب والمسلمين هو محاولة لتبرئة المسببين من الغزاة والاشرار، وان الربط بين مسيحيي العراق ومصر على هذا النحو لا يفكر فيه سوى الدهاة من تلك المخابرات...الخ ( المقالة منشورة في موقع صوت العروبة بعنوان: "من يقتل مسيحيي العراق"). ولا ننسى ما قاله احد الناجين من جريمة الكنيسة وهو يخرج منها ملطخاً بدماء اقربائه، في دلالة عن شعوره باتهام امريكا "لقد فعلتها امريكا وشكراً لها" لكن السؤال هو كيف يمكن لهذه الفتن ان تأخذ طريقها للنجاح الا في ظل وعي جاهلي مستعد لقبولها، وكان اولى بالجهات التي صدر بأسمها البيان ان تنفيها او تعتذر عنها.

 

لقد اوحت الجرائم الاخيرة وما اثير حولها، ان مخطط هجرة او تهجير العرب المسيحيين من الوطن العربي بدأ يأخذ طريقه للنجاح خاصة بعد ان اعلنت المانيا انها على استعداد لاستقبال اعداد من المسيحيين العراقيين كلاجئين على اراضيها، وكذلك فرنسا، وعرضت بعض الدول الاوربية ان تكون هجرة المسيحيين في مقابل هجرة المسلمين اليها، وكأن السياسة الغربية تريد ان تخلق صراعاً جديداً، وهو ما يجب ان ندركه ونحذر منه ونقف في وجهه، فلا الاسلام مسؤول عن هذه الهجرة ولا المسلمين في اوربا على علاقة بهذه الاحداث.

 

ان هذه السياسات تسعى ان تعيدنا من جديد الى المسألة الشرقية والى عام 1850 عندما قامت بالتدخل في شؤون المنطقة بحجة حماية المسيحيين، وتبنت كل منها طائفة معينة كانت نتيجتها الاقتتال المذهبي الذي حصل بين الاعوام 1854-1860.

 

اننا امام فاجعة اجتماعية وسياسية، وكارثة انسانية، اذ من المؤلم وليس من السهل اقتلاع مواطناً من وطنه. وعلى ذلك يجب ان نبقى نعمل من اجل وقف هذه الهجرة بكل ما يتاح لنا من جهد، وندعو المؤسسات المختلفة الى بذل كل الجهود لوقفها. وقناعتي ان الحقيقة التي كررتها ولا ازال ويجب ان اكررها، هي ان هذه القضية هي سياسية بالدرجة الاولى وتأتي كنتيجة من نتائج تراجع وانحسار المشروع الوطني وان اعادة تفعيل هذا المشروع وتحقيق الديمقراطية والتنمية الحقيقية في مجتمعنا المتداعي ، بسبب النكبات الكبيرة التي تعرّض لها، هو الكفيل بأعادة الوحدة له بعد ان فقدها ويفقدها، والا فان مصيرنا كله مهدد بالانهيار وان غياب هذه الحقيقة هي التي ستعطي المجال للقوى الاخرى ان تتدخل في تحديد هذا المصير.

 

د.هاشم عبود الموسوي

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.