مقالات وآراء

حوار هادئ // سعدية العبود

• 

تقييم المستخدم:  / 1

سيئجيد 

تم إنشاءه بتاريخ السبت, 25 تشرين1/أكتوير 2014 17:25

كتب بواسطة: سعدية العبود

الزيارات: 1799

اقرأ ايضا للكاتبة

حوار هادئ

سعدية العبود

بدأت الصبية في تقليب صفحات الكتاب الذي حاولت جاهدة فك رموزه, في محاولة لأقناع العجوز التي تراقبها انها منهمكة في الفراءة, فالمادة الخاصة بالتاريخ السياسي اعلى من مستوى نضجها, ناهيك عما تتلوه امامهم بصورة ببغائية معلمة المادة دون ان تدرك محدودية استقبال الطالبات لهذه المادة .

انصتت العجوز الى مفردة تحاول الصبية قراءتها على ما تحاول فهمها من مفرداتها المألوفة لديها  فطلبت منها اعادة تلاوة الكلمة قالت الصبية:

-فرق تسد .وكأنها تلفظها بلفظ فرقة تسد .

ماذا؟ استطردت العجوز مقربة بذلك راسها وجوارحها للاستماع اليها –ها فرق تسد

-نعم اجابت بتلعثم ,وماذا تعني؟ وكأنها تدافع عن عدم معرفتها .

قالت العجوز :يا عزيزتي وجد الاستعمار الحديث ان الاسلحة والطوربيد آت تدفع الشعوب المحتلة الى المقاومة لإدراكها بأن القادم محتل ووجدت ان قضية خلق فتن طائفية وانقسامات هي من يفتت امر الامة ويوجه السلاح الى بعضهم, ويتركون المحتل يعث في مقدراتهم .عندما كنا صغار كانت القضية الفلسطينية شغلنا الشاغل وكنا نتبرع بمصروفنا اليومي لمساندة الشعب الفلسطيني وبعد النصر الذي حققه العرب عام 1973 وجدت اسرائيل ان من الانسب لها ان تغذي الفتن في داخل فلسطين وتجعلهم يتحاربون فيما بينهم فهذا ما يضعفهم ويبدد قوتهم وبذلك تناسى العرب القضية الفلسطينية .

لقد كنا شعب موحد استطاع بتوحده تحقيق فتوحات نشرت الرسالة المحمدية شرقا وغربا وعندما وجدنا الغرب بهذه القوة سعى الى فح سمومه في داخل الامة واضعف بناؤها واسقط دولا كما في الاندلس واستمر ينخر في جسد الامة ويمزقها مستغلا بعض الثغرات ليضع فيها اسفينا يهدم هذا البناء ووحدة الاسلام .

منذ ان دخل الاستعمار البريطاني الى وطننا وسبقه جواسيسه امثال نورس العرب وقبله همفر, وجدوا ان موضوع الدين والطائفة من المواضيع الرئيسة والشائكة لدى المجتمع فقد قاومه المسلمين عند دخوله من جنوب العراق بدعوى ان الحاكم العثماني مسلم وهذا الغاصب غير مسلم مما يجب مقاومته التي تعني الجهاد. وقد سعى جاهدا لخلق فرق طائفية مستندا في ذلك على الدستور الذي كتبه في حينه وقلد المهام والمناصب الوزارية لشخصيات معينة دون اخرى وبهذا خلق فجوى نفسية ومعنوية في المجتمع .

وبعد الاحتلال الامريكي للعراق كان للسفير بريمر دور كبير في التركيز على مجموعة دون اخرى فقد اتصل بهم وقال لهم (القطار في محطتكم لا يفوتكم كما فاتكم سنة عشرين ) وركز على حل الكيانات العسكرية والمخابراتية والامنية في العراق  إرضاء لحلفائه الجدد انظري (واشارت الى جملة في كتاب عام قضيته في العراق للسفير بول بريمر) الى هذه الجملة (فيما كنت اعد لمغادرة العراق ,ابلغني الزعيم الكردي جلال طالباني بأن القرار السابق بحل الجيش العراقي كان افضل قرار اتخذه الائتلاف طوال مدة الاربعة عشر شهرا في العراق) .

  كما الغى الاعلام بحجة الاعلام المأجور وبذلك خلق فوضى لم تستقر الى الان, اسفرت نتائجها على خلق فتن طائفية كنا في غنى عنها .كما اوعز ببيع وتصفية بعض الصناعات الوطنية امثال الصناعات الصوفية والنسيجية وصناعات اخرى تحت ذريعة انها مدعومة وتكلف الخزينة دون خل فرص عمل وتطوير في الاقتصاد وهذا ما جعل اقتصاد البلد يعتمد بصورة رئيسة على النفط المصدر, وعلى الاستيراد لكل المستلزمات الضرورية والكمالية ,مما اجهض الصناعات المحلية للقطاع الخاص والعام, وبذلك زاد من البطالة, وخلقت طبقة رأسمالية جديدة, وفوارق كبيرة في مستويات الدخل للأفراد. وتم دس عناصر مأجورة استغلت الوضع وبدأت تنفث سمومها سببت في اغتيالات عشوائية او على الهوية مزقت الوطن الواحد ,والعائلة الواحدة .فقد كنا يا عزيزتي نعيش في محلة واحدة نتقاسم افراحها واتراحها ونتزاوج ونتناسب دون ان يطرأ على بال احدنا من اي طائفة هو,  فكلنا نتوجه الى قبلة واحدة ونبي واحد ونقرأ كتاب واحد يجمعنا . اللهم العن من كان سببا في فرقتنا .

عندما سألت المعلمة في اليوم التالي كانت الصبية اول من طلب الاذن بشرح الموضوع حيث قالت:

قال الشاعر :تأبى الرماح اذا اجتمعن تكسرا    واذا افترقن تكسرت احادا

ثم اردفت كان هناك شيخا عجوز عندما حضرته المنية جمع ابناؤه وقال لهم اجمعوا عصيكم في ربطة واحدة وطلب منهم ان يكسروها فلم يستطيعوا ,فقال لهم ليأخذ كلا منكم عصاه ويحاول كسرها ,وبذلك تمكنوا من كسرها .فقال لهم هكذا انتم اذا اتحدتم لا يستطع احدا ان ينال منكم ولكن بتفرقكم , ينال منكم .

هذه الوصية هي خير مثال على التوحد والفرقة فأذا افترقنا نال منا من يريد تفسيخ جسد الامة .

اومأت المعلة رأسها وقالت: يزخر تأريخنا بكثير من الامثال والحكم فقد  الحروب والفتن بين العرب قبل الاسلام تستمر لقرون, حتى جاء الاسلام فوحدها ,وقال تعالى في كتابه الحكيم (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فآلف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا ).

روى البخاري ان زعيم اليهود شاس بن قيس مر على الأوس والخزرج وكانوا يعيشون في انسجام ووئام ,فلم يهن عليه ذلك فصار ينشد اشعارا قيلت في الجاهلية اثناء معركة بُعاث التي نشبت بين الأوس والخزرج واستمر القتال فيها عقودا ,حتى اثار فيهم القبلية وشهروا سيوفهم .وعندما وصل الامر الى رسول الله هرع اليهم ونادى فيهم (دعوها فأنها منتنة ,ابدعوى الجاهلية وأنا بينكم) فألقوا سلاحهم وتعانقوا .

يا أعزاءي لقد خلق اعداء الاسلام فتنة تأكل الاخضر واليابس ان غديناها حققنا  هدفهم في تقسيم وطننا والتسلط على ثرواتنا ,نحن شعب طيب نصدق بما يقال لنا ,علينا ان نفرز عدونا من صديقنا ونجد سبيلا لتحقيق وحدة وطننا وبدون توحدنا لا يكون لنا وطن .

سعدية العبود 22-10-2014

• < السابق
• التالي >