اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

صديقي المثقف وإسطوانة الباذنجان و..."لكن" !// يوسف أبو الفوز

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

صديقي المثقف وإسطوانة الباذنجان و..."لكن" !

يوسف أبو الفوز

 

( للاسف عند نشر المقال في صحيفة المدى  تعرض النص لبعض التجاوز ... هنا النص الكامل للمقال !)

ان المنطق، والعقل المتنور، لا يمكنه إغفال الايجابيات في كل ظاهرة او حدث او شخص، اذا تناول بالنقد، لاجل التقويم والتحذير ولفت الانتباه ، أي سلبية كانت. قبل أسابيع، روت لي أم عراقية، مقيمة في فنلندا، كيف أن المعلمة الفنلندية، ارسلت بطلبها، وراحت تعد لها الايجابيات التي يتميز بها أبنها ذو العشر سنوات في المدرسة: ذكاؤه وسرعة البديهية وحيوية تفاعله والتزامه بأداء الواجبات البيتية وغيرها، ثم توقفت المعلمة عن الكلام وقالت: ولكن ... ! تقول الأم العراقية، لاحظت ان المعلمة احتفظت بنفس الابتسامة، ونفس المحيا، لكن عباراتها صار لها ايقاع أخر، صارت مثل الصخر. وواصلت المعلمة حديثها لتأكد : ( وهذه الــ "لكن" هنا كبيرة جدا، ومهما كان حجمها فهي لا تمحو ايجابيات أبنك بل تدفعنا للتوقف عند مشكلته التي سنبحثها معك ، أن ابنك عنيف مع زملائه وردود فعله قاسية في الحوار والتعامل معهم، بحيث ان بعضهم صار يتحاشاه وقُدمت الكثير من الشكاوى ضده كونه عدواني في سلوكه مع زملائه، وستلجأ المدرسة الى اساليب تربوية لحماية الاخرين من عدوانيته ولنحميه من نفسه ونحتاج الى تفهمك ومساعدتك لتنفيذ بعض من اجراءاتنا !). هل يصح هذا المثال كمدخل لما اريد الحديث عنه، وهو موقف بعض المثقفين العراقيين حين  يُقدم رأيا من قبل احد زملائهم الذين ابتلاهم الله واضطروا للعيش خارج العراق ؟

لنأخذ مثالا، الموقف من الحشد الشعبي، ولنحذو هنا حذو المعلمة الفنلندية، ونتحدث أولا عن الكثير من الايجابيات المتعلقة بهذا الامر، والتي هي غير خافية عن المتابع الموضوعي. حيث ان قوات الحشد الشعبي، البطلة والباسلة،التي استجابت لنداء المرجعية الدينية، تؤدي مهمة وطنية نبيلة بمقاتلة ابشع منظمة ارهابية تتستر بالدين زورا وتتسمى بأسم "الدولة الاسلامية "، فالبعثيون الصداميون اطالوا لحاهم وتسللوا الى صفوف هذه "الدولة" وتحالفوا معها، وتجار السياسة الطائفيون من أبناء المنطقة دعموها وتضامنوا معها، ومخابرات دول اجنبية تنسق وتتعامل معها سرا وعلانية، فهذا التنظيم السرطاني الارهابي، الذي وصل مشارف بغداد، لم يمكن بالامكانية صده في ظل اوضاع العراق المتردية، لولا ابناء العراق الغيارى، ابناء الكادحين ، الذين انخرطوا في صفوف قوات الحشد الشعبي، وبذلوا دمائهم رخيصة لكسر شوكة الارهاب الذي يروم تمزيق وحدة العراق واشعال حرب طائفية تعيد العراق الى قرون ما قبل عصر الصناعة. ان الجهد الوطني النبيل الذي تقوم بها قوات الحشد الشعبي، يتطلب كل الدعم لمواصلة الانتصارات والصمود لكنس شراذم تنظيم عصابة "الدولة الاسلامية" من على تربة العراق . 

ولكن .. ! ــ ها نحن نصل الى هذه الـ "لكن" ، وهي كبيرة جدا ــ ولكن هل يحق لأحد ان يمحو كل هذه الايجابيات  التي ذكرناها وغيرها ، اذا ما تحدث مثلا عن ما صار يعترف به الكثيرون من انتهاكات ارتكبت من قبل عناصر او جماعات تعمل ضمن اطار الحشد الشعبي، او تتستر بأسم الحشد الشعبي؟ هذه الانتهاكات التي حذرت منها المرجعية الدينية، واطراف سياسية ومنها اطراف شيعية؟ أو .. أذا تم التعبير عن المخاوف من الدور السياسي المستقبلي المحتمل لاحزاب تحاول استثمار نجاحات وانتصارات الحشد الشعبي وتجييره في خانات مغانمها السياسية ؟ أو .. أثير التساؤل حول احتمالات ان تفرز المعركة مع داعش "أمراء حرب" ، على غرار التجربة اللبنانية، والتفكير بالدور السياسي الذي سيرسموه لأنفسهم مستقبلا ؟!

في العراق الجديد، من بعد سقوط ديكتاتورية المجرم صدام حسين، التي كانت تكم الافواه بالنار والحديد كما يردد الجميع ، ولمحاربة مشروع "داعش" الظلامي واللاأنساني، الذي يريد قطع اي رأس يحمل فكرة مخالفة، أليس من حق اي مواطن عراقي ــ ومنهم المثقفون بالطبع ــ ان يطرح رأيا للنقاش والحوار؟ وبغض النظر عن دقة هذا الرأي او صوابه؟ أين تبجحنا بالديمقراطية وحرية التعبير والاساليب المتمدنة والطرق الحضارية في الحوار؟ والتساؤل هنا لا يخص النخب السياسية، فهي اساس البلاء في وطننا الذي ابتلى بهم، خصوصا تلك المجاميع التي تتعامل وفق المعادلة الكريهة والممقوتة، الا وهي سياسة المحاصصة الطائفية والاثنية، المقصود بالكلام هنا ـ وتحديدا ـ "البعض" من الاخوة من المثقفين العراقيين داخل الوطن، وتذكر معي ــ عزيزي القاريء ــ اني قلت "البعض"، ووضعتها بين قويسات.

قبل اكثر من ثلاثة اعوام، حين طرحت ـ هنا على صفحات صحيفة المدى ـ وجهة نظر وملاحظات عن اسلوب توجيه الدعوات الى مهرجان المربد المنعقد في البصرة ربيع عام 2010 ، انبرى لي مثقف عراقي، لا اعرفه شخصيا عن قرب، ليصادر حقي في التعبير عن وجهة نظري فقط كوني اعيش خارج العراق، فهو يعتقد ان "مَنْ هو داخل العراق، فأن يده في النار ذاتها" ـ هكذا بكل بساطة ! ـ أراد القول من خلال حيثيات مقاله ان مثقفي العراق الذين يعيشون خارج الوطن لا شان لهم بقضايا العراق، ولا يفقهون شيئا في أموره ، فهم واذ يعيشون متنعمين بما توفره الحضارة في بلدان اقامتهم الاوربية من عيش رغيد، حيث لا مشاكل كهرباء ولا مفخخات ولا ارهابيين ولا حكومات محاصصة ولا فساد سياسي وثقافي بنزع قمصان الزيتوني ولبس قمصان العهد الجديد ، ولا ... ولا ... ، فان هؤلاء المقيمين خارج العراق بعيدين عن "نار"ه ، ليس لهم الامكانية لفهم ما يجري على ارض الوطن، وليس لهم من معاناة العراقيين وشؤونهم سوى "الرماد" وربما عجاجه ! لم تمر ايام حتى انبرى مثقف اخر، شاعر، وحول نفس الموضوع وردا على وجهات نظري واقتراحاتي ، اعتبرني من رجالات عدي بن صدام حسين ّ ــ  يا للهول !! ــ انا الذي سلبت حكومة البعث الهدوء والاستقرار من حياتي وانا في أول شبابي ، وطوردت وعشت تحت الارض متخفيا في بلادي لأكثر من عام ونصف، في زمن احمد حسن البكر، وعانت عائلتي ما عانت بسسببي، لاني رفضت أن اكون بعثيا، ثم اضطررت لترك دراستي الجامعية واحلامي، ومغادرة  وطني، مشيا على الاقدام، وفي فترة صيف 1979، عبر الصحراء السعودية والكويتية، وحتى قبل ان يطيح "السيد النائب" بحبيبه "الاب القائد"، ولاعود بعد سنتين الى كردستان العراق تاركا نعيم الخارج لاتشرف بحمل السلاح، ولثماني سنوات ضمن صفوف الانصار الشيوعيين، لمقارعة ديكتاتورية المجرم صدام حسين، بكل بساطة شطب هذا الشاعر، "المثقف"، كل تأريخي لكوني اقيم خارج العراق ولأني كما يبدو مسسته شخصيا بشكل ما، ودون ان اقصد، بملاحظتي واقتراحاتي !

الان، حين يتحدث أحد بفكرة ما تخص الحشد الشعبي، ويطرح مخاوفه، ووجهات نظر ما، تخص مستقبل الوطن، أذ يتحدث مثلا عن الثمن الذي سيترتب عن الانتصارات التي سيحققها الحشد الشعبي، بدعم من قوى اقليمية، وهي هنا ايران، ينبري له "بعض" المثقفين، ليصرخوا : "اسكت. نحن الاقرب الى الميدان". لا احد ـ يا اصدقائي المثقفين ـ يمكنه، واذ يطرح مخاوفه ووجهات نظره ، ان يتمكن من محوا الجهد الوطني الذي قامت به قوات الحشد الشعبي وأنكار الدماء الزكية التي سكبت لكسر شوكة داعش ، لكن أليس من الحق الحديث عن طموحات بعض ـ اقول بعض ـ من قادة الحشد الشعبي، حيث كما يبدو واضحا ان لهم مشاريعهم السياسية المستقبلية التي يحاولون فيها توظيف هذه الانتصارات لصالحهم ؟ اليس مشروعا القول ان فيهم من يخطط وينوي من اشتراكه في نشاطات الحشد الشعبي وبفعالية ان يكون ذلك حملة انتخابية له ليتبوأ ــ مثلا ــ رئاسة الوزراء في العراق، بعد ان يتم سحب الثقة من  رئيس الوزراء الحالي، لاسباب ستعلن في حينه ؟ دعوكم هنا من بعض الاصوات الطائفية النشاز، من مختلف الاطراف، التي تنعق بما يساهم بالحفاظ على مصالحها. فليس خافيا بعد الان، ان الصراع بين العديد من النخب السياسية في مجمله هو صراع مصالح وعلى قوى النفوذ . ان داعش ـ ايها الاصدقاء ـ ، سيحجم دورها، وستنهزم ، وستتحرر المناطق العراقية التي سيطرت عليها نتيجة لاخفاق حكومات المحاصصة الطائفية، فالقوى الدولية والاقليمية باتت تدرك ان داعش تشكل خطرا على مصالحها في المنطقة، ومن هنا يتطلب دعم الحكومة العراقية الحالية، التي تعاني من ضعف القوات المسلحة التي لا زالت لا تملك عقيدة وطنية شاملة، وتتنازع قياداتها الولاءات الطائفية والقومية ، مما يفقدها روح المبادرة .

يوما، خلال زيارتي الى بغداد، في عام 2004، من بعد غياب سبعة وعشرين عاما، تبجح امامي "مثقف" بأنه أيام الحصار الاقتصادي اكل الباذجان فقط والنخالة بينما غيره يعيش في نعيم اوربا ، والآن ـ كان يغمزني بشكل وقح ! ـ  قادمون من الخارج لتبوأ المناصب في الدولة. يومها عرضت له بطاقة السفر بالطائرة والتي تحمل تأريخ عودتي الى منفاي الاجباري، واخبرته اننا في سنوات وجودنا الجبل ي اما التحفنا الصخر طويلا وكنا لانجد حتى الباذنجان والنخالة لاكلها، واكلنا مضطرين من حشيش الارض، وثمة مناضلون حين حوصروا يوما اضطروا لشرب بولهم . أقول الان وبكل صداقة،  لمن يكرر اسطوانة الباذنجان والنخالة، رفقا بابناء وطنك، ان اي "لكن"، مهما كان حجمها، لا يمكنها ان تصادر الحقائق، وأن هزيمة داعش، تتطلب أولا وحدة ابناء العراق، ان يكونوا صفا واحدا، خصوصا مثقفيه المخلصين، اينما كانوا، وتحت اي نجمة، لان بوصلتهم الوحيدة هنا، هو مستقبل العراق المدني، وهذه الهزيمة لداعش لن تكون كاملة ان كانت عسكرية فقط ، بل يجب ان تكون فكرية وسياسية، لان هذا سيشكل سدا منيعا ضد اي مشاريع اجرامية بحق وطننا العراق!

14 أذار 2015  ـ سماوة القطب

 * المدى العراقية ... العدد رقم (3319) بتاريخ 2015/03/24 .

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.