اخر الاخبار:
حماس: نحتاج وقتاً لدراسة خطة ترامب بشأن غزة - الجمعة, 03 تشرين1/أكتوير 2025 10:15
أسماء المرشحين علی مقاعد الکوتا المسيحية - الجمعة, 03 تشرين1/أكتوير 2025 10:10
مصابون بحادث طعن خارج كنيس يهودي في مانشستر - الخميس, 02 تشرين1/أكتوير 2025 10:26
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

تغذيةٌ وريديّةٌ- قصّة قصيرة// عامر عودة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عامر عودة

 

 

تغذيةٌ وريديّةٌ- قصّة قصيرة

عامر عودة

 

المريض مستلقٍ على السّرير في المستشفى منذُ أسبوع، وكيسُ التّغذيةِ الوريديّة يقطر في شريانِ ذراعهِ اليسرى، وفي يدهِ اليمنى يمسك بكتاب يقرأه. كان يفكِّر بالعلاقة بينَ القراءةِ والتّغذيةِ الوريديّة، ويربط بينهما برباط غريب. هو يقرأ كلمة وراء كلمة، جملة وراء جملة، يطوي صفحة ويفتح أخرى. والقطراتُ في داخلِ الكيسِ المعلّق فوقَ رأسه، تَسقُطُ قطرة وراء قطرة، تنتهي وجبة، يحضرون أخرى... القراءة تُدخلُ الكلمات إلى الرّأس، تُغَذّي العقل بالحكمةِ والثّقافةِ والمعرفة. أمّا التّغذيةُ الوريديّة فيَدخل محلولها إلى الوريد، يُغذّي الجسم بالفيتامينات والأملاحِ المعدنيّة... أَلَمْ يقولوا العقلَ السّليم في الجسمِ السّليم؟ إذًا عليَّ أنْ أُغَذّي عقلي ليُشفى جسمي. هكذا كان يفكّر هذا الرّجل بعد أن عَبَرَ عمليةً جراحيّة صعبة.

 

يملُّ المريض منَ القراءة فيضعُ الكتاب جانبًا، متأملًا القَطراتِ النّازلة إلى وريده. إنّها بطيئة جدًا، فكلّ ثلاث ثوان تقريبًا تنزل قطرة واحدة... مراقَبةُ القَطرات أمرٌ مُمِلٌّ يُشعره بالنّعاس، لكنَّ النّوم على أسرّةِ المشفى غير مريح.

 

غزاه حنين لبيته وسريره. فخطرت له خاطرة جالت في رأسه؛ لماذا لا يُسرع قطراتِ التّغذيةِ الوريديّة ليُنهي كلَّ الوجبات المقرَّر أخذها في يوم واحد ليعود إلى بيته سريعًا؟ إنَّ يدهُ اليسرى تؤلمه فالإبرة مغروزة داخلها، وقد تَيَبَّسَت من قلّةِ الحركة، ولم يعد يستطيعُ التحمُّلَ أكثر.

 

يَـسْقُطُ الكتاب من يده على الأرض. وبدل أنْ يمدها إلى الأسفل ليرفعه، مدّها إلى الأعلى، حيث كيسِ التّغذيةِ الوريدي. وبأنمليْه يمسك بالزّرِ الذي يُحدّد سرعة تدفّقِ السّائل، ويرخيه إلى أسفل، فيتسارع تَدَفُّقُ القطرات، حتّى تصبح خيطًا رفيعًا نازلًا منَ الأعلى إلى الأسفل... ينتفخ وريده من ضغطِ السّائلِ المتدفّق... ينخزه ألم مفاجِئ في يده، فيصحى من حلمه مذعورًا.

 

يرفعُ الكتابَ الّذي سقط من يده على الأرض ويضعه على المنضدة. ينظر بضجر إلى الكيس المعلّق فوق رأسه. يمسكُ الزّرَ الّذي يحدّد تدفّقَ السّائل ليفعل ما رآه في الحلم، لكنّه يتراجع في اللّحظةِ الأخيرة خوفًا من أن ينتفخ وريده كما حدث في حلمه، ثم يعود إلى قراءةِ الكتاب لينسى أو يتناسى أمرَ القطرات...

 

في صباحِ اليومِ التّالي، عاينهُ الطّبيب، وأبلغه بأنّه سيحرِّر له تقريرًا طبيًا ليعودَ إلى بيته. فيسأله متسغربًا:

- هل شُفيتُ يا دكتور؟!

- نعم. وستعود اليوم إلى بيتك.

ينظر إلى كتابه على المنضدة، ثمّ يلتفت إلى الطّبيب قائلًا:

-    لكنّني لم أُنْهِ قراءةَ الكتاب بعد يا دكتور.

حدّقَ الطّبيب فيه وعلى وجهه علامةُ استفهام، ثمّ التفت إلى الطّاقمِ الطّبيّ المرافق له، لعلّه يفهم القصد ممّ قالهُ المريض، لكنّه رأى الدّهشة في وجوههم هم أيضًا. فلا أحد منهم قد فهم تلكَ العلاقةَ الغريبةَ الّتي نسجها هذا المريض، بين نهاية علاجهِ الجسدي في المستشفى ونهاية قراءتِه للكتاب.

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.