اخر الاخبار:
الإعدام بحق إرهابي أقدم على قتل خمسة عراقيين - الثلاثاء, 16 أيلول/سبتمبر 2025 10:36
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

الشاعر إبراهيم الشيخ حسون: صائغُ الحرف الشعبي ومغني الروح الحسينية// محمد علي محيي الدين

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد علي محيي الدين

 

عرض صفحة الكاتب 

الشاعر إبراهيم الشيخ حسون: صائغُ الحرف الشعبي ومغني الروح الحسينية

محمد علي محيي الدين

 

في أزقة طويريج، حيث يختلط صوت الماء في الفرات بأنين العاشقين، وتهيم الأرواح بين العشق الحسيني والهوى الشعبي، وُلد شاعر حمل في اسمه نغمة الطين، وفي لسانه لهبًا لا يخبو. هو إبراهيم الشيخ حسون المرزة، الشاعر الذي رسم بالكلمات وجوه الناس، وكتب على جدران الذاكرة وجع الأرض وحكايات العشق والكرامة. وُلد عام 1915 في محلّة الشيخ حمزة، من بيت له سؤدد المكانة ومقام الكرامة.

 

نشأته لم تكن إلا انعكاسًا لزمن كان للعلم فيه أنفاس تشبه الصلوات. جلس عند قدمي والده الشيخ حسون يلتقط من فقه اللغة ما يتجاوز حدود الحرف إلى سرّه، ثم نهل من معين السيد محيي الدين القزويني وأخيه السيد مهدي، وتلمذ على الخطيب السيد صالح الحلي، فأورثوه علماً وأدباً، وصقلوا فيه شاعراً يكتب الفصيح كما يتنفس، لكنه اختار أن يوجّه روحه إلى الشعر الشعبي، لأن فيه صدى الناس، وهمهم، وعشقهم، وألمهم.

 

لم يكن إبراهيم الشيخ حسون شاعر ترف، بل شاعر قضية، وأداة من أدوات النضال الشعبي. دخل معترك السياسة من بوابة الشعر، وكان صوته، حين يُلقى في المحافل، أشبه بطلقة في صدر الظلم. انضم إلى حزب الاستقلال، وتقدّم صفوف المنادين برحيل الاستعمار البريطاني، ولم يتوانَ عن هزّ المنابر بقصائده التي أدانت العهد الملكي الجائر، فصار صوتًا من أصوات الناس، وجمرة في يد الغاضبين.

 

ولم تقف شاعريته عند ساحة السياسة، بل امتدت لتطال جميع أركان الحياة: الحب، الغربة، الفقد، الحنين، بل وحتى الفلسفة الوجدانية التي عبّر عنها بألفاظ موغلة في الموروث الجنوبي والوجد الحسيني. كما غنى المطربون نفائس من شعره، ومن قصيدته التي غناها له مطرب المقام عبد الأمير طويرجاوي، نقرأ كيف يصير الوطن منفى حين يَجفّ وجه الناس فيه:

مــن شفــت دهــري بحدّه المهجتي فيهه

شــدّيت  راكـب ذلــولـي  گــاطعٍ  فيهه

عـن  شجرةٍ حـرّمت عـن ارضـها فيهه

يـــا كبّـح  الله درها  وفيّــــــهــا  مــــــن فـــاي

تنــــعد بلادي واعــــدها مـــــن الارض منـفاي

تا الله مــــــــا ساعةٍ  ذمها وكـــع مـــن فـــاي

موش الأرض مكصدي الناس الذي فيهه([1])

 

بهذا الموال وحده، يتجلى معدن شعره، فهو لا يكتفي بوصف الألم، بل يذهب إلى ما وراءه، إلى فلسفة العلاقة بين الإنسان والمكان، بين الجسد والحنين.

 

ولأن الطف كان محراب الشعراء ومهوى أفئدتهم، كان لا بدّ له أن يقيم في خيمة كربلاء، فكتب القصائد الحسينية بوجد المريد وعقل المتصوّف، فجاءت قصيدته "من الخدر زينب لفت شجايه" نائحةً" في صحن الإمام الحسين، وردّدها الرواديد حتى كأنها لطمات الزمن الحي. تلك القصائد، التي كتبها في ليالي عاشوراء، لم تكن طقوسًا، بل رؤى. كانت أشبه بما يسميه النقاد "التجليبة المعاصرة"، لأنها تمزج الواقعة بالتجربة، والدمع بالفكرة.

 

وقد أجمع النقاد الشعبيون على فرادة إبراهيم الشيخ حسون في مزجه بين المتن التراثي والأسلوب الحداثي في الشعر الشعبي، إذ عدّه بعضهم امتدادًا للطبقة المثقفة من الشعراء الشعبيين ، القادرين على تضمين القصيدة الشعبية مفردات النحو والبلاغة والفكر، دون أن تفقد نكهتها العامية. وقال عنه السيد سلمان هادي الطعمة إنه برع في تناول مختلف الأغراض الشعرية، لكنه حجز مقعده في الخلود عبر مراثيه الحسينية التي ظلّ ينظمها كل ليلة عاشر من محرّم، حتى آخر نفس من حياته.

 

ولم تَكُن شهادات التقدير بعيدة عنه؛ ففي الزمن الذي لم تُطبع فيه دواوين الشعراء الشعبيين بسهولة، بقيت قصائد إبراهيم الشيخ حسون تُتناقل شفاهةً وعلى الأشرطة الصوتية، حتى قرر مجلس محافظة كربلاء، وفاءً لهذا الإرث، نصب تمثال له في طويريج، تخليدًا لاسمه وصوته.

 

لقد كان إبراهيم الشيخ حسون أُستاذاً في مدرسة الحياة، ومعلماً في مدرسة الأدب الشعبي، وصوتاً يعبر من زمن إلى زمن، حاملاً دفء اللهجة، ونار القضية، وحنين الأرض التي أحبّها حتى قال:

    تنعد بلادي وأعدها من الأرض منفاي...

 

فهو لم يكن يكتب عن الطين فقط، بل عن الجرح الذي يتقيّأه الطين حين يُحتقر الناس، ويُظلم الوطن.

 

له كثير من الشعر مبثوث في الكتب، وفي فنون الأدب الشعبي للأستاذ علي الخاقاني، ومن شعره على وزن التجليبة قصيدته التي مطلعها:

اجلبنك يليلي والعيون اعيــون  تنضح والـگـلب بـيه اثنـعش ﭽـانون

انه اولفي صفينه ليله ومجنون  حــط گــــلبي ابطاوه وگـــام يجليبه

 

ومع أن ديوانه لم يُطبع بعد، إلا أن صدى شعره يملأ المجالس الحسينية، وينبض في مواكب العاشقين. وقد آن للأجيال أن تتلمس صوته بين الأسطر، لا أن تكتفي برنينه في المنابر، فهو شاعر لا يكتمل طيفه إلا بين دفتي كتاب، وحنجرة رادود، ودمعة موالية.

 

رحم الله شاعر طويريج، الذي كتب بدمه، وردّد الناس شعره بقلوبهم.

 

[1] - فيها ، الفيافي – الفي الظلال – الظل – المنفى – فمي – بها أو فيها.

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.