اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ارشيف مقالات وآراء

• شخبطة على الحائط ... د. طه حسين عميد الأدب العربي الاعمى احدث

توما شماني

 شخبطة على الحائط ... د. طه حسين عميد الأدب العربي الاعمى احدث

 

انفجارا ثقافيا في العالم العربي - توما شماني

د. طه حسين وجه ضربانت على مشايخ الأزهر المتقوقعين

سوزان الفرنسية زوجته بدلت حياة د. طه حسين

 

عشقت كتابات (د طه حسين) الاديب والناقد الضرير اي الاعمى من بين كتبه العديدة (في الشعر الجاهلي) قراته مرات ومرات رغم اعتباره الشعر الجاهلي منحولا الا اني ارتويت بما فيه من نقد ومعلومات. الواقع كان العصر الجاهلي عصرا مليئا بحيوية عصر المناذرة والغساسنة نتيجة رحلات الصيف الى الشمال حيت الغساسنة في تفاعلهم من الحضارة البيزنطية العالية في معطيات الحياة ورحلة الشتاء الى اليمن الغنية بالمصادر الزراعية ذات اتصال بالحضارة الحبشية الذين عرف عنهم انهم غزوا مكة في (عام الفيل). قرات كتاب (في الشعر الجاهلي) مرارا وارويت مما فيه من تحليلات وحفظت منه الكثير من الشعر كشعر (امرئ القيس) شاعر دولة المناذرة المسيحية في عاصمتها (الحيرة) لعلو مكانتها الثقافية (الحيرة) كانت تتكلم العربية كلغة الدولة والسريانية والفارسية. عرفت عن  (الحيرة) مدينة بناء القصور منهما قصران شهيران في التاريخ (الخورنق) و (السدير) فيهما الشاعر (المنخل اليشكري) يقول (اذا شربت فاني رب الخورنق والسدير) و (اذا صحوت فاني الشويهت والبعير) ثم يضيف (احبها وتحبني ويحب ناقنها بعيري) في (الحيرة) بنيت (اديرة الرهبان) احدها (دير الراهبة هند) للاسف عندما نشات الدولة العباسية قبل بناء بغداد هدموا (الخورق) و (السدير) اخذوا طابوقه لبناء عاصمهم الاولي (الهاشمية). ربما خرجت موضوع كتابات (د طه حسين)  الروائي المصري الكبير الذي لقّب بـ (عميد الأدب العربي) الذي شعت شهرته الآفاق (د طه حسين) فقد البصر في الثالثة من عمره إلا أنه واصل تعليمه فحصل على الدكتوراه عيّن عميداً لكلّية الآداب، جامعة القاهرة، ورئيسا مؤقّتا (لجامعة فاروق الأول) ثم أول مدير لـ (جامعة رية)، قرّر مجانية التعليم الثانوي في مصر مجانا ثم أنشأ (جامعة عين شمس) ثم غدى عضواً في (المجمع اللغوي) ورئيسه منذ 1963م حتى وفاته، ومديرا لـ (دار الكاتب المصري)  ثم عضواً في المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية ومقرّر للجنة الترجمة به منذ انشائها. كان (د طه حسين) داعياً قوياً إلى التجديد ذو إحساس يكتب في النقد والوصف والتراجم والأدب والمقالة والقصة لذا فهو مؤسس مدرسة ومنهج في النقد خاصة، في أدبه نوافذ على الآداب العالمية خاصة اليوناني والفرنسي. نال (د طه حسين) الدكتوراه الفخرية من اقطار عديدة  منها فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وأوسمة من لبنان وتونس والمغرب. من مصر منح قلادة النيل التي لا تمنح إلاّ لرؤساء الدول، كان قد حصل على أول جائزة تقديرية في الأدب ومنح جائزة الدولة عن كتابه (على هامش السيرة)، وجائزة الآداب، كان أول من منح جائزة الدولة التقديرية في الآداب، كما منح أيضاً وسام (وسام الشرف)  من فرنسا ومنح من هيئة الأمم المتحدة جائزة حقوق الإنسان تلقاها قبل وفاته بيوم واحد. جمع المخطوطات المصرية من مختلف نواحي العالم وفي إدارة خاصة في الجامعة نشر عددا من هذه المخطوطات نشراً علمياً كما مهّد لقيام المنظّمة العربية للتربية والعلوم والثقافة، عند قيام هذه المنظّمة أنهى عمله بالجامعة العربية. ولد (د طه حسين) فى الرابع عشر من شهر نوفمبر عام 1889 عاش طفولته المبكرة في قرية صغيرة تقع على بعد كيلومتر واحد من (مغاغة) بمحافظة (المني)  وسط صعيد مصر في (عزبة الكيلو).  (د طه حسين) قد فقد بصره في الثالثة من عمره كان فقدان البصر فى الكشف مبكرا عن ملكات (د طه حسين) استطاع تكوين صورة حية فى مخيلته عن كل فرد من افراد عائلته اعتمادا على حركة وصوت كل منهم. يذكرني بتلميذ اعمى عندما كنت في الصف السادس في (مدرسة المربد) الابتدائية في البصرة كان يدرس في مدرسة ايرانية اغلقت عندما كان معلم الحساب يضع على السبورة مسئالة حسابية كان الاعمى يعطي الجواب قبل ان يقول يساوي.

 

(حسين علي) والد (د طه حسين) عمل موظفاً في شركة السكر انجب ثلاثة عشر ولداً كان سابعهم في الترتيب (طه) الذي اصابه رمد فعالجه الحلاق – يذكرني عندما كانت امي العزيزة المرحومة  (نجيبة) تاخذني معها من البصرة الى الموصل لزيالرة اهلها كنت في الابتدائية كنت امر في الشارع قاصدا جسر الموصل اشاهد حلاقا يداوي الجروح بموسه الطويل المعهود لتطهير الاولاد دون تعقيم. مرة في صعدت الى (الخغأبي) حافيا الكائنة في السطح عندما تزلت احترقت رجلي عندما وصلت قبل ان اصل الارض سفطت على الارض  اصابني الالم من كتفي الايمن كانت الرحومة (نجيبة) امي تبكي اخذتني الى الحلاق المجبر الماهر فعدل الكتف لا ازال استخدمة بكفائة -  الحلاق عالج الطفل (طه) ذهب بعينيه (كما يقول هو عن نفسه في كتاب "الايام") كان الطفل  (طه) فقد بصره بسبب (الجهل والتخلف) كانت كلمات صديق والده بعد ذلك بأن (طه) لا يصلح إلاّ ان يكون مقرئا للقرآن عند المقابر فيتصدق عليه الناس، هذا الاقتراح \صاب (د طه حسين) بصدمة عنيفة، شعر بألم دفين داخله، اصابه بالاكتئاب. اذ كان طفلاً انطوائياً، لا يتكلم مع أحد ولا يشاطر أحداً اللعب. كان دائماً جاداً، في حفظ القرآن وهو ابن سبع سنوات، اصر على ان يحضر الدروس التي تلقى في القرية، حتى برز بين أقرانه المبصرين بحفظه وادراكه لما يلقى عليهم من دروس. انصرف في طفولته المبكرة الاستماع للقصص والأحاديث انضم إلى رفاق أبيه في ندوة العصر في فناء البيت يستمع إلى آيات من القرآن وقصص الغزوات والفتوح وأخبار عنتر والظاهر بيبرس وأخبار الأنبياء والنسّاك الصالحين. حفظ القرآن في كتّاب القرية ثم أتقن التجويد فنشأ على خلفية واضحة وجلية وثقافة كبيرة ومتميزة في التاريخ العربي الإسلامي. بدأت رحلته الكبرى عندما غادر القاهرة متوجها الى (الازهر) طلباً للعلم وهو في الرابعة عشر من عمره، في عام 1908 بدأت ملامح شخصية (د طه حسين) المتمردة في الظهور حيث بدأ يشعر بالاشمئزاز من محاضرات معظم شيوخ (الازهر) المتتوقعين .اقتصر حضور بعضها كدروس (الشيخ بخيت) ودروس الادب لذلك لم يقتصر اهتمامه على تعاليم (الازهر). اظهر (د طه حسين) حبه للنقد. (د طه حسين) صاحب جماعة ناقدي ا(الازهر)  فضّلوا دواوين الشعر والتمرد على مشايخ (الازهر). المتتوقعون طردوا (د طه حسين) بسبب كثرة انتقاداته لم يعد إليها إلاّ بجهود من أحد كبار الشيوخ !

 

في العام ذاته التحق (د طه حسين) بالجامعة المصرية ترك (الازهر) التحق بها وسمع دروس احمد زكي (باشا) في الحضارة الاسلامية واحمد كمال (باشا) في الحضارة المصرية القديمة ودروس الجغرافيا والتاريخ واللغات السامية والفلك والادب والفلسفة على من أساتذة مصريين وأجانب كان دخوله للجامعة المصرية بداية مرحلة جديدة في تلقي العلوم وتثقيف النفس وتوضيح الرؤية وتحديد الهدف. انتهى (د طه حسين) فى هذه الفترة من اعداد رسالته للحصول على درجة الدكتوراه  كانت عن (أبي العلاء ) الضرير، نوقشت الرسالة فى عام  1914 ليحصل بها على أول درجة دكتوراه تمنحها الجامعة المصرية لأحد طلابها التى احدثت عند طبعها فى كتاب ضجة هائلة ومواقف متعارضة وصلت إلى حد مطالبة أحد النواب فى البرلمان بحرمان (طه حسين) من درجته الجامعية لأنه ألف كتابا فيه الكثير من علامات التنوير قالوا أن ما فيه كان (الإلحاد والكفر) علماً بأنه كان أول كتاب قدم الى الجامعة المصرية واول رسالة دكتوراه منحتها الجامعة المصرية لأحد طلابها .لم يكتف (طه حسين) حينذاك بتدخل (سعد زغلول) رئيس الجمعية التشريعية في البرلمان آنذاك لاقناع هذا النائب بالعدول عن مطالبه بل رد على خصومه وقتها بقوة وبشجاعة في أن كل ما كتبوه عنــه لم يجد فيه شيئا يستحق الرد عليه كما وصفهم حينها بانهم يلجأون إلى طرق معوجة فى الفهم ومناهج قديمــة فى التفكير. دفعه طموحه واجتهاده لاتمام دراساته العليا في باريس، بالرغم من اعتراضات مجلس البعثات الكثيرة، الا انه اعاد تقديم طلبه ثلاث مرات، نجح في النهاية في الحصول على الموافقة ليرحل نحو تحقيق حلم جديد هو الحصول على الدكتوراه من فرنسا (بلاد الخواجات) اذ كانوا يطلقون (خواجات)  على الاوربيين  كانت الرحلة الاولى الى باريس  ذات اثر عميق في حياة (طه حسين) فكرا اما الرحلة الثانية  الى فرنسا كانت الاكثر تأثيراً في عام 1914 اذ التحق بجامعة (مونبلييه) لكي يبتعد عن باريس أحدى ميادين الحرب العالمية الاولى في ذلك الزمن في (مونبلييه) درس اللغة الفرنسية وعلم النفس والادب والتاريخ. لأسباب مالية أعادت الجامعة المصرية مبعوثيها في العام التالي 1915 في نهاية العام عاد (مونبلييه) الى بعثته الى باريس هذه المرة التحق بكلية الاداب بجامعة باريس تلقى دروسه في التاريخ ثم في الاجتماع أعد رسالة اخرى تحت رعاية عالم الاجتماع الشهير (اميل دوركايم) كانت في (الفلسفة الاجتماعية لابن خلدون) ثم اكملها برعاية (بوجليه) بعد وفات (اميل دوركايم) ناقشها فحصل بها على الدكتوراه في عام 1919 حصل في العام ذاته على دبلوم الدراسات العليا في اللغة اللاتينية.

 

عندما كان (د طه حسين) فى مقعده فى قاعة المحاضرات فى جامعة السوربون سمع صوتا جميلا يرن فى اذنيه صوت صبيه حنون تقول له بعذوبة (إنا أستطيع أن أساعدك فى استذكار الدروس) كان الصوت صوت (سوزان) الطالبة الفرنسية المنحدرة من عائلة كاثوليكية متعصبة  ظلت مترددة فترة طويلة قبل ان توافق على الزواج من (د طه حسين) الرجل المسلم، أحد أعمامها قسا قال لها (مع هذا الرجل يمكن ان تثقى بانه سيظل معك إلى الأبد سوف تسعدى ابدا) تزوجته فى عام 1917 عاشت (سوزان) مع أعمى أحبها بقلبه قبل أن يراها بعينيه أجمل واسعد أيامها بدلاً من أن تتزوج رجلا ذوعينين يرى النساء قد تتعلق روحه بأخرى. كانت لـ (سوزان)  ذات اثر عظيم فى حياته بعد ذلك، قال (د طه حسين) عن يوم لقائه بها ( كأنها الشمس التى شعت فى يوم من ايام الربيع) كان (د طه حسين) عندما ياكل يتناثر الأكل على ملابسه، كان هندامه مبعثرا جاءت (سوزان) فغيرت حياته كاملة، عندما كانت نائمة أشار إليها قائلا لابنته (هذه المرأة جعلت من أبيك إنسانا آخرا). في عام 1919 عاد (د طه حسين) الى مصر عين استاذاً للتاريخ اليوناني والروماني استمر حتى عام 1925 حيث تحولت الجامعة المصرية في ذلك العام الى جامعة حكومية. عين (د طه حسين) استاذا لتاريخ الأدب العربى بكلية الآداب. رغم تمرده على الكثير من آراء أساتذته الا ان معركة (د طه حسين) الاولى والكبرى من اجل التنوير في واحترام العقل تفجرت في عام 1926 عندما اصدر كتابه (في الشعر الجاهلي) الذي احدث ضجة هائلة بدأت سياسية قبل ان تكون ادبية، كما رفعت دعوى قضائية ضد (د طه حسين) فأمرت النيابة سحب الكتاب من مكتبات البيع واوقفت توزيعه. نشبت معارك حامية في الصحف بين مؤيدين ومعارضين لهذا الكتاب.  في عام 1928 قبل ان تهدأ ضجة كتاب الشعر الجاهلي بشكل نهائي تفجرت الضجة الثانية بتعيينه عميداً لكلية الآداب الامر الذي اثار ازمة سياسية اخرى انتهت بالاتفاق مع (د طه حسين) على الاستقالة فاشترط ان يعين اولاً  من ثم عين ليوم واحد ثم قدم الاستقالة في المساء وأعيد (ميشو الفرنسي) عميداً لكلية الآداب، مع انتهاء عمادة (ميشو) عام 1930 اختارت الكلية (د طه حسين) عميداً لها وافق على ذلك وزير المعارف الذي لم يستمر في منصبه سوى يومين بعد هذه الموافقة طلب منه الاستقالة. في عام 1932 حدثت الازمة الكبرى في حياة (د طه حسين) في عام 1932 كانت الحكومة ترغب في منح الدكتوراه الفخرية من كلية الآداب لبعض السياسيين. رفض طه حسين حفاظاً على مكانة الدرجة العلمية، مما دفع الحكومة الى اللجوء لكلية الحقوق. رداً على ذلك قرر وزير المعارف نقل (د طه حسين) الى ديوان الوزارة رفض العمل تابع الحملة في الصحف والجامعة كما رفض تسوية الازمة الا بعد اعادته الى عمله تدخل رئيس الوزراء فأحاله على التقاعد في 29 آذار 1932 لزم بيته بادئا الكتابة في بعض الصحف اذ اشترى امتياز جريدة (الوادي) تولى تحريرها، ثم عاد الى الجامعة في نهاية عام 1934 وبعدها بعامين عاد عميداً لكلية الاداب استمر حتى عام 1939 عندما انتدب مراقباً للثقافة في وزارة المعارف حتى عام 1942 انتدبه (نجيب الهلالي) وزير المعارف آنذاك مستشاراً فنياً له ثم مديراً لجامعة الاسكندرية حتى احيل على التقاعد في عام 1944 استمر كذلك حتى عام 1950 عندما عين (د طه حسين)  لاول مرة وزيراً للمعارف في الحكومة الوفدية التي استمرت حتى عام 1952 وهو يوم احراق القاهرة حيث سفطت الحكومة. كانت تلك آخر المهام الحكومية التي تولاها (د طه حسين) حيث انصرف بعد ذلك وحتى وفاته الى الانتاج الفكري والنشاط في العديد من المجامع العلمية التي كان عضواً فيها داخل مصر وخارجها. ظل (د طه حسين)  فعالا  في الإنتاج الفكري, يكتب في عهد الثورة المصرية, إلى أن مات (عبد الناصر), الذي مات في 28 أكتوبر عام 1973  تحفة (الأيام) التي صاغ فصولها كتابة وحقيقة (د طه حسين) لها أثر إبداعي من آثار العواصف التي أثارها كتابه (في الشعر الجاهلي), بدأ كتابتها بعد ما يقرب من عام من بداية العاصفة, كان يستعين على الحاضر بالماضي الذي يدفع إلى المستقبل، يبدو أن حدة الهجوم عليه دفعته الى مقاومة العمى والجهل في الماضي القدرة على مواجهة عواصف الحاضر. نشر عميد الأدب العربي (د طه حسين) الجزء الاول من الايام في مقالات متتالية في اعداد الهلال عام 1926، وهو يُعد من نتاج المرحلة التي كتب خلالها (في الشعر الجاهلي) تميزت هذه الفترة من حياة الاديب بسخطه الواضح على تقاليد مجتمعه وعادات أبناء وطنه كان نشر (الايام) سيرة ذاتية تعبر عن سخط كاتبها بواقعه الاجتماعي بعد ان عرف الحياة في مجتمع غربي متطور حيث عاش في الماضي حياة قاسية في وسط تسوده الخرافة والأساطير والتقاليد التي كانت سببا في فقداه بصره، بالإضافة إلى سلطة المؤسسات التقليدية خاصة (الأزهر)، كانت كل هذه العوامل ولدت في نفسه شعورا بالمرارة وإحساسا عميقا بالتخلف وإصراراً أكبر على الدعوة إلى التجديد والتطوير وعدم التقليد والاتباع الخاطىء الذي لا يوجد إلا في عقول وقلوب الضعفاء والجهلة من الناس؟

 

يعلق أحد الكتاب في وصف (الأيام) كانت (نوعا فريدًا من السيرة التي تستجلي بها الأنا حياتها في الماضي لتستقطر منها ما تقاوم به تحديات الحاضر, حالمة بالمستقبل الواعد الذي يخلو من عقبات الماضي وتحديات الحاضر على السواء. والعلاقة بين الماضي المستعاد في هذه السيرة الذاتية والحاضر الذي يحدد اتجاه فعل الاستعادة أشبه بالعلاقة بين الأصل والمرآة, الأصل الذي هو حاضر متوتر يبحث عن توازنه بتذكر ماضيه, فيستدعيه إلى وعي الكتابة كي يتطلع فيه كما تتطلع الذات إلى نفسها في مرآة, باحثة عن لحظة من لحظات اكتمال المعرفية الذاتية التي تستعيد بها توازنها في الحاضر الذي أضرّ بها) ثم (مثال حي لقدرة الإنسان على صنع المعجزة التي تحرره من قيود الضرورة والتخلف والجهل والظلم, بحثًا عن أفق واعد من الحرية والتقدم والعلم والعدل. وهي القيم التي تجسّدها – الأيام - إبداعًا خالصًا في لغة تتميز بثرائها الأسلوبي النادر الذي جعل منها علامة فريدة من علامات الأدب العربي الحديث). ترك (د طه حسين) حين غادر هذه الحياة أكثر من ثلاثمائة وثمانين كتاباً من الكتب منها - الأيام - الوعد الحق - المعذبون في الأرض - في الشعر الجاهلي - كلمات  نقد وإصلاح - من الادب التمثيلي اليوناني - طه حسين والمغرب العربي - دعاء الكروان - حديث الأربعاء - صوت أبي العلاء -  من بعيد - على هامش السيرة - في الصيف - ذكرى أبي العلاء - فلسفة ابن خلدون الاجتماعية وغيرها من كتب.

 

اود ان اقول لكم ان الاربعة قرون التي سيطر فيها العثمانيون على العراق وسوريا ومصر كانت عصورا سوداء لا مدرسة لامستشفى لاطبيب لا بنك الاسوأ بناء قلعات عالية في بغداد والبصرة يعيش فيها الوالي وحكومته نهارا تما ليلا كان يحتمي والحكومة وراء ابواب ضخمة حيث ترتع وتمرح العصابات في البصرة برئيسها (سيد طالب النقيب) الذي كان يفرض الاتاوات على اليهود لحمايتهم. كان اليهود والمسيحييون يدفعون الرشوات في الباب العالي ليفتحوا المدارس لليهود مدرسة (الاليانس) والمسيحيون (اللاتين) اما البنات (مدرسة بنات الماسيرات اي الراهبات) عندما كنت صفيرا وضعتني امي (نجيبة) في (الازيل –  اي روضة) في مدرسة الراهبات للبنات الروضة الوحيدة في العراق آنذاك. المثيل لها مدرسة الراهبات للبنات  بغداد حيث كانت تضم ملجا للبنات اليتيمات آوت ابنة عمتي (ايغلين)عندما ماتت تركتها عند احدى الراهباات العراقيات كان والدها سكيرا فاواتها حتى كبرت. ربما يمثيل الماوي الوحيد في العراق كان في البصرة (مدرسة الامريكان) كان يديرها (القس فانيس) المستشرق التي خرجت اعضاء يتقنون الانكليزية فاصبح واحدا منهم (مديرا عاما للمواني) (اتذكر جدتي المرحومة (امينة) كانت تذهب بعباتها الى (الصحية) هي (بنكلة) تركها الانكليز كمستوصف في ذاك العهد تاخذ مها (بطلا) لملئها بـ (القنقينة) هذه صورة للوالي العثماتي الذي كان يدفع الرشوة في الباب العالي واليا. رغم كل هذا كانت في لبنان (الجامعة الامريكية) و (جامعة اليسوعيين) وفي مصر (الجامعة الامريكية) في الاسكندرية في لبنان قامت حركة انتعاش فكري منها صدور اول موسوعة في العالم العربي وحتى الآن (موسوعة البستاني) والقواميس منها (الساق على الاساق لاحمد بن فارس الشدياق).

 

 مرت مصر في انفتاح ثقافي عنيف حين اصدر لبناني (جريدة الاهرام) اليومية وحيدة زمانها في العالم العربي ومجلات اخري مدعومة بالصور كـ (الهلال) بحجم الكتاب و (مجلة المقتطف) العلمية كنت اتابع قرائة (الهلال) و (المقتطف) في (مكتبة العشار العامة) في البصرة.  (المقتطف) مجلة علمية تعتبر اول مجلة علمية صدرت في العالم المغلق آنذاك. في الاسكندرية قامت (جامعة الاسكندرية الامريكية) علما شامخا في عصر مظلم تخرج منها الكثير من سياسيي مصر وخلقت طبقة عالية الثقافة في مصر في هذه الفترة ظهر عهد الثورة الثقافية اتل اطلقها (د طه حسين) كشعله ثقافية حطمت كافة الثقافات المغلقة الجامدة الماضية خاصة (الازهر). بحلول عهد (جمال عبد الناصر) حل عصر الجفاف الفكري لم تعد مصر كمصدرة لعصر  (د طه حسين). ثم غدت بيروت مركزا للاشعاع الفكري بيروت الحرية والاخاء والسلام قبل ان تجتاحها طواعين الخلافات الدينية. في بيروت في العصر العربي العثماني المظلم تاسست (جامعة اليسوعيين) و (الجامعة الامريكية) في بيروت خرجت طبقة عالية العدد عالية الثقافة من المثقفين بعد تتوقع جرائد ومجلات مصر. في العراق صدرت جرائد هزيلة بصدرها افراد نصف مثقففين عدى جريدة (البلاد) التي اصدرها (روفائل بطي) الصحفي الحقيقي الذي ارتقي الى منصب وزير بعد موته اصبحت الجريدة هزيلة. عند مجيء صدام الارعن اصبحت كافة الصحف حكومية يديرها رؤساء تحرير عضاريط  عدى جريدة (الزمان) الي اصدرها من لندن (سعد البزاز) الدمث الخق عالي الثقافة العالي الفعالية عرفته وجها لوجه حين كنت اكتب لاذاعة بغداد برنامج (آفاق العلم) الذي كان مسؤولا عن القسم الثقافي في الاذاعة بعد رحيله حل (احمد خلف) احد العضاريط من جملة العضاريط اللذين في دنيانا ازاحني لاني اكتب في التلوث حل محللي فلسطيني لم يستطع القيام ماقمت به فتوقف البرنامج الذي كان برنامجا علميا لم يقم قبلة ولا بعده برنامج يلخص ما يحدث من علوم وطب في الفترة كانت مرحلة انطلاقات علمية وطبية لا حد لها, اثرها اراد رئيس تحرير جريدة (الجمهورية) الحكومية اصدار ملحق (طب  وعلوم)  كنت اكتب مقالات في آخر ما يحدث في العلوم والطب مستلا من احدى الجرائد الامريكية كانت تصل جريدة (الجمهورية) ولا احد يقراها فيرمونها في الازبال ولا عراقي يستطع شرائها كتبت في الثمانيات مقالا في ان السيارة  اكبر ملوثة للبيئة مستل من الجريدة الامريكية اثار الضحك منها (يابة هاي السيارة اللي اجيبك وترجعك صارت ملوثة؟). جريدة (الزمان) التي يصدرها من لندن (سعد البزاز) عالية المكانة يساهم فيها اكثر من خمسين كاتب واديب وعلوم لها طبعات متعددة منها الخاصة بالعراق المحطم الآن. جريدة (الزمان) فخر للصحافة العراقية وان كانت تصدر في لندن.

 

بيروت قبل انقسامانها شمالا وجنويا ووسطا كانت سويسرا الشرق صدرت فيها صحف ومجلات منها (النهار) العالية المقام كان مؤسسها (غسان تويني) الذي اغتيل اثرها تولى مهمة انقاذ الجريدة ابنه (جبران تويني) يساهم في تحرير يومياتها 30 كاتب وكاتبات بحرية من مختلف الثقافات خاصة يوميات (المطران جورج حضر) العارف العالي في المسيحية والاسلام واليهودية يكتب بحيادية مطلقة. ثم ا(الحياة) اسسها الصحفي (كامل مروة) منذ عام 1947 القائمة شامخة مدير تحريرها في لندن لها 17 مكتب في البلاد العربية واوربا. الجرائد القائمة في بيروت (الاخبار) و (السفير) و (الانوار) كل هذا الجرائد في لبنان الوسط اتذكر مجلة (الاديب) ومجلة اخري في العلوم كتبت مرة في احداها مقالا عن اكتشاف دواء السل بعد اعوام شاهدني صديق كان مدير بنك الرافدي في الحلة الذي كان مصابا بالسل في الحلة قال لي مقالك احدث ضجة اللحو على مدير المستشفى ان يستورد الدواء. مجلة (الاديب) والاخرى في العلوم اختفيا لانهما لم يعتمدا على الاعلانات. في مصر صدر قاموس (الياس انطون الياس) بقي نصف قرن لم يتتجد مما يبس عقول العرب على اختلاف ديارهم. بيروت مركز الشعلة صدر فيها معجم (العلايلي) المضحك فقد اسمى (ماكنة الديزل) بـ (اجاجة) اي تاجج و (ألموتورسايكل) بـ (الاساجة) اي الابل االسريعة العدو. المعجم الحقيقي الي صدر عن بيروت (المورد – قاموس انكليزي عربي) مسطره (منير البعلبكي) امتلك طبعته 1980 من (دار العلم للملايين) في الف صفحة رغم انه لا يحتوي المصطلحات في اعدادها الخارقة الا ان هذا القاموس مفيد في الاساسيات في (المورد) ملحق (معجم اعلام) يورد بالابجدية اعلام في التاريخ والعلوم مدعومة بصورهم. الجا اليه في كافة كتاباتي (شخبطة على الحائط) بينا كنت سابقا الجأ الى مكتبة جامعة تورونثو فيها معاناة كبيرة لي. اود ان اقول لكم اننا نعيش عصر انفجار المعلومات حتى الانسكولوبيديات كانت تتجد كل عشر سنوات اما الآن في حلول انفجار المعلومات التي تتضاعف في كل عامين تلجأ الى (شبكة عنتر) لتجديد المعلومات التي قد تكون قد اندثرت. هنا في تورونتو دبجت (القاموس الطبي المبسط) و (كلوا ما تعرفون واعرفوا ما تاكلون) لكنهما قائمان في فايلات القبياطور. قبل (شبكة عنتر) نشرت (خيمة عكاظ) بوريقة طويله فيها نقد لدنيا العرب هنا الملوثة بالطائفية يديرها عفاريت. اشتغلت في (راديو كندا الدولي) في بداية التسعينات زرت اكثر من مئة معرض ومؤتمرات علمية وطبية. كنت اكتب التقرير ويذاع بصوتي قابلت  منحة كندا الطبية للعالم (الانسولين) الذي اكتشفه (بانتنك) هنا في تورونتو كندا تحدثت مرة مع رائدة الفضاء الكندية الا انني لم اكتب عنها كتبت مرة عن اجتماع (حملة جائزة نوبل) في العلوم والطب لم يحدث في اي قطر في العالم كان صوتي يسمع في العراق لا ان (راديو كندا الدولي)  فقد دوره الآن بعد اكتشاف الدشات.

 

في النهاية قرات انا لـ (د طه حسين) كتاب (في الشعر الجاهلي) اعدت قرائته ولم افرا اي كتاب آخر له لان هذا الكتاب (في الشعر الجاهلي) خلق ثورة في العقل العربي خلصته من القوقعية الفكرية السائدة الى ديناميكية فكرية في النقد خاصة في العالم العربي. تسمية (العصر الجاهلي) تسمية اعتباطية لا ادري كيف نساها (د طه حسين) الضليع في ذكر الشاعر (امريء القيس) من نتاح (الحيرة) عاصمة (المناذرة) التي كانت العريقة في التاريخ ورحلات الشتاء الى اليمن الغنية في الزراعة والاحجار الكريمة ورحلات الصيف الى بلاد دولة الغساسنة العريقة في التبادل التجاري والثقافي مع بيزنطة الغنية في كل مناحي الحياة خاصة الطب. كانت (الكعبة) مركزا لكافة اديان ذاك الزمان منها صورة لـ  (العذراء) مهداة من ملك الحبشة و (سوق عكاظ) في (مكة) كان الشعراء يعلقون معلقاتهم على استار (الكعبة)  لذا سميت بـ (المعلقات). لا ادري كيف نسي (د طه حسين) هذا وهو الضليع في التاريخ.

 

اخيرا ادبج كتاب يحمل عنوان (ما التاريخ الا شوربة عدس وبطيخ) لاؤلك الذي يركبون حصان طروادة او يحملون قنبلة نووية بايديهم ويجعلون الكون طوبة كرة قدم او يعيشون الاوهام او الذين يركبون الحصان بالمقلوب ضهورهم تحو راس الحصان ووجوههم في مؤخرة الحصان او الذين في قلوبهم كداء النقرص او الذين يبست عقولهم

 

توما شماني

عضو اتحاد المؤرخين العرب

عضو اتحاد الصحفيين العرب

مرشح جائزة كالنكا لليونسكو للامم المتحدة 

تورونتو كندا 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.