ارشيف مقالات وآراء

• شخبطة على الحائط ... المتنبي الشاعر لم ينصفه الزمان

توما شماني

 شخبطة على الحائط ... المتنبي الشاعر لم ينصفه الزمان 

قال الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم

المتنبي هجى كافور الاخشيدي حاكم مصر قال

من علم الاسود المخصي مكرمة آبائه الغر ام اجداده الصيد

(المتنبي) قال (الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم) فاورده البيت موارد الحتف اي الموت

احببت (المتنبي)  مذ كنت في ثانوية المربد في البصره مدينة النخيل والشعر والتاريخ، وكان الباعث الاكبر لهذا الحب مدرسنا )الاستاذ محمد الصانع) كان  طيب الله ذكره  من ابناء الزبير  قرية يسكنها قوم من الفقراء على اطراف الكويت والسعودية يوم لم يكن فيهما قطرة من النفط الذي قتل العراق واحيى كل من السعودية والكويت، اما العراق العريق العتيد فقد انقلب الى ماخور للعصابات الذين ليس لديهم ذرة من الشرف. الحقيقة ان )الاستاذ الصانع كان مولعا بالمتنبي هو الذي جعلني مولعا بـ (المتنبي)  الذي كان يصوغ الشعر صياغة فريدة، اما )الاستاذ الصانع) فد قصد السعودية كان له هذا خير قرار. (المتنبي)  لم تأته الحياة لما ينشده فكانت مأساته سلسلة من الفشل. كانت علاقته مع (سيف الدولة الحمداني) في حلب الشهباء حسنة لكن ما لبثت تلك العلاقة ان حياته انقلبت فوق ذلك فقد تكاثر اقزام الشعر في منافسته الى درجة انه راح يستعطف (سيف الدولة الحمداني) لتخليصة من هؤلاء الثعالب، فوجه (المتنبي)  شعره لـ (سيف الدولة الحمداني) في صيغة المفرد لا الجمع مستغيثا قائلا (اغثني فداك فانني انا الشاعر المعنيي والآخر الصدى). (المتنبي) عاش حياة مضطربة اذ كان ينشد العلى الا ان الظروف في حلب لم تاته (كما يشتهي السفن). عندما تدنت اموره مع (سيف الدولة الحمداني).

قصد (المتنبي) حاكم مصرالخصي (كافور الاخشيدي) مدحة عندما لم ياتيه (كافور الاخشدي) بما يشتهيه هجاه قائلا (وكم بمصر من المضحكات لكنه ضحك كالبكى بها نبطي من اهل السواد يدرس انساب اهل الفلى)،و (من علم الاسود المخصي مكرمة ابائة الغر ام اجداده الصيد) هكذا مشت الامور مع (المتنبي) فانعكست في قصائده ولكنها قصائد مازالت حية يتغنى بها الشعراء والناس في دنيا العرب. ولد شاعرنا الكبير (ابو الطيب المتنبي) في كوفة العراق. قيل عنه كان ابن سقاء يسقي الماء بالكوفة، قيل انه من كندة، الملوك اليمنيون، كانت طفولته تتميز بالحرمان، ثم تنقل بين العراق والشام في زمن مضطرب تكاثرت فيه الفتن. (المتنبي)  كان شاعر وفق بين الشعر والحكمة، كان اكثر اهتمامه بالمعنى يسكبه في بيت واحد مهما اتسع ويصوغه بأبدع الصياغة التي تأخذ بالألباب. أطلق الشعر من قيوده التي قيده بها (أبو تمام) فخرج عن أساليب العرب الموروثة، لكنه كان إمام الطريقة الإبداعية في الشعر العربي آنذاك. شعر ا(المتنبي) صورة صادقة لعصره عصر الثورات والاضطرابات كان شعره انعكاسا لعهده هذا الا ان شعره تتجلى فيه قوة المعاني وألاخيله غير المعهودة من قبل. اما ألفاظه فجزلة وعباراته رصينة وأخيلته خصبة، الى درجة ان الشاعر (أبو العلاء المعري) كان يجل(المتنبي) معنيا بشعره في حادثة ادبية طريفة حدثت لـ (ابو العلاء المعري) عندما زار بغداد في وقت متأخر، اذ زار مجلس (الشريف المرتضى) الادبي الذي كان قائما في بغداد آنذاك عندما دارت الاحاديث، اخذ (الشريف المرتضى) يسيء الذكر لـ (المتنبي)  هنا انفعل (ابو العلا المعري) فرد قائلا يكفي (المتنبي)  فخرا انه القائل (لك يامنازل في القلوب منازل) فما كان من (الشريف المرتضى) الا الانفعال والغضب، فصاح غلمانه آمرهم (اخرجوا هذا الاعمى من هنا)، لان ما ذكره المعري انما كان قصيدة (المتنبي) التي مطلعها (لك يامنازل في القلوب منازل) تتضمن قوله (واذا اتتك مذمذمتي من ناقص فهي الشهادة باني كامل) تلك حادثة يذكرها التاريخ. عرف عن (المتنبي)  انه ادعى النبوة لرفعته في الشعر. اذ قيل عنه عندما اراد مدح (سيف الدولة الحمداني) طلب منه ان يلقي قصيدته بين يديه جالسا لا كما كان يفعل الشعراء، فأجازه (سيف الدولة الحمداني) أن يفعل ذلك، كان (سيف الدولة الحمداني) يجزل علية العطاء جعله من أخلص خلصائه، كانت بينهما مودة، تعد (سيفياته) اصفى شعره. غير أن (المتنبي) كان يكثر الثناء على نفسه في القسم الاكبر من قصائدة، كان يجزل الثناء على نفسه قبل ان يبدأ بمدح (سيف الدولة الحمداني)، لهذا السبب حدثت االجفوة بينه و بين (سيف الدولة الحمداني) ووسعها كارهوه اذ كانوا كثر في بلاط (سيف الدولة الحمداني). قيل أن (ابن خالويه) رمى دواة الحبر على (المتنبي)  في بلاط (سيف الدولة الحمداني)، ، فلم ينتصف له (سيف الدولة الحمداني)، طعن في هذه الرواية كثيرون لأسباب متعددة. بعد تسع سنوات في بلاط (سيف الدولة الحمداني) حدث الجفاء الأخير، زادت حدته بفضل ما كان كثيرون يكرهون

(المتنبي)، قيل ان السبب في هذه الجفوة ان (المتنبي)  كان يعشق (خولة) شقيقة (سيف الدولة الحمداني) التي رثاها (المتنبي)  في قصيدة ذكر فيها حسن مبسمها، كان ذلك لا يليق في رثاء بنات الملوك. انكسرت العلاقة الوثيقة التي كانت تربط سيف الدولة بـ (المتنبي) غادر (المتنبي) حلب قاصدا مصر حزيناً خائباً ليواصل النظر في أطماعه السياسية ذكرها في شعره اذ قال قصيدته الشهيرة (واحر قلباه ممن قلبه شبم ومن بجسمي وحالى عنده سقم) و (مـا لـي أُكَـتِّمُ حُبّـاً قـد بَـرَى جَسَدي وتَــدَّعِي حُـبَّ سَـيفِ الدَولـةِ الأُمَـمُ) ثم  (قــد زُرتُـه وسُـيُوفُ الهِنـدِ مُغمَـدةٌ وقــد نَظَــرتُ إليـهِ والسُـيُوفُ دَمُ) ثم يعاتب (المتنبي) يعاتب (سيف الدولة الحمداني) (يــا أَعـدَلَ النـاسِ إِلاَّ فـي مُعـامَلَتي (فيـكَ الخِصـامُ وأَنـتَ الخَـصْمُ والحَكَمُ) وفيها قوله (بــأَيَّ لَفْــظٍ تَقُـولُ الشِـعْرَ زِعْنِفـةٌ تجُــوزْ عِنـدَكَ لا عُـرْبٌ وِلا عَجَـمُ) فيه وصف لاعدائه ثم يقول (الخَــيْلُ واللّيــلُ والبَيـداءُ تَعـرِفُني  والسَـيفُ والـرُمْحُ والقِرطـاسُ والقَلَـمُ) البيت الذي اورده موارد الموت بعدئذ لعلاقة المتنبي ب (كافور الاخشيدي) قصة اخرى في تاريخ الادب اذ كان (كافور الاخشيدي) عبداً خصيا زنجيا، تولى الحكم في مصر ايام دولة المماليك، فقصد (المتنبي)  الفسطاط عاصمة مصر الاخشيدية إذ ذاك مدح (كافور الاخشيدي) فوعده بولاية طمعاً في إبقائه بالقرب منه. لكنه لم يفي العهد لـ (المتنبي) كان يريد قهر حساده. انقضت سنتان والوعد لا يزال وعداً فشعر (المتنبي)  بمكر (كافور الاخشيدي)  فانحاز إلى القائد الاخشيدي (أبو شجاع) لقي منه حسن التفات واخلاص ومودة، إلا أن الحظ لم يمتعه به طويلاً، فمات (أبو شجاع) فجأة فترك للشاعر لوعة ما بعدها من لوعة، عزم الهروب، الا ان (كافوراً) منعه وضيق عليه خشية من حدة هجائه. في عام 962 استطاع الهرب ، فهجى (كافوراً) هجاء ضمنه كل ما في نفسه من مرارة فقصد بغداد في خلالها، التف حوله علماء اللغة والنحو كـ (علي البصري) و (الربعي) و (ابن جني)، فشرح لهم ديوانه واستنسخهم اياه، ثم نرك بغداد قاصدا (ابن العميد) في أرجان ايران، كان (ابن العميد) وزير (ركن الدولة) البويهي فمدحه، ثم انطلق إلي شيراز نزولا عند طلب (عضد الدولة) السلطان البويهي، لقي حظوة كبيرة هناك فمدح السلطان بقصائد عدة، منها قوله (فِدى لكَ مَن يُقَصِرُ عن مَداكا فلا مَلِكٌ إذَنْ إلا فِداكا).

قصة (المتنبي) مع الزمان فيها الكثير من الغدر فلم يأته الحظ ما يهواه الا انه بقي شعلة لامعة في تاريخ الشعر، اما اهل زمانه فقد هاموا به هياما. قال (المتنبي) مرة (احاد ام رباع في سداسي لليلتنا المنوطة بالتنادي) دوخ العرب بهذا البيت اذ راح عشاق شعرة يتقاتلون في المقاهي ويتضاربون حول معنى هذا البيت، عندما كانوا يسألون (المتنبي)  عن معنى البيت، كان يجيبهم (سلوا ابن جني فهو اعرف بشعري مني) لان (ابن جني) احد ثقاة العربية، اما (المتنبي) يقول (أَنـامُ مِـلءَ جُـفُوفي عـن شَـوارِدِها ويَسْــهَرُ الخَــلْقُ جَرَّاهـا ويَخـتَصِمُ). أخر ما يمكن القول عن (المتنبي) البيت الشعري الذي قال فيه (الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم) قيل انه كان في معركة فر منها لكن ابنه قال له الست القائل (الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم) اجابه (المتنبي) قائلا (لقد قتلتني والله) فرجع الى المعركة ولم يعد. قيل كان قاتله (فاتك الأسدي) لان (المتنبي) هجى اخته (ضبة) فقتل (المتنبي)  ثأرا لشرفه هجاها بقوله (ما انصف القوم ضبة وامه الطرطبة) المعروف ان (المتنبي) كان ينوى الوصول إلى بغداد حذروه كثيراً من لصوص الطريق من واسط إلى بغداد إلا انه لم يصغِ إلى أحد،بقتله بعضهم يقول ان (المتنبي) قتل في جنوب غربي بغداد او موقع يعرف الأن بقضاء النعمانية حيث تشييد نصب تذكاري له يزوره الشعراء والأدباء خلال الملتقيات الثقافية والمهرجانات الشعرية . شعر (المتنبي) جزيل وكبير الأن يتسائل الكثيرون هل ان (سيف الدولة الحمداني) الذي خلد (المتنبي)  ام ان (المتنبي) خلد (سيف الدولة الحمداني) لولا (المتنبي) ماكان احد يعرف في التاريخ من هو (سيف الدولة الحمداني) فآلاف من السلاطين جائوا واندثروا واك يشر لهم التاريخ. الثقات يرون في كان نجما لامعا في الحضارة والتاريخ. اجمل ما قاله (المتنبي) بعد فشله الذريع، عندما قابل فتاة ذات عيون قاتلة قال (ولعينيك ما يلقى الفؤاد وما بقي) و (وللعشق ما لم يبق مني ومابقي) و (ما كنت ممن يدخل العشق قلبه) و (ولكن من يبصر عيونك يعشق). انه اجمل ماقيل في عيون بنات حواء الرموش القاتلة.

توما شماني

عضو اتحاد المؤرخين العرب

عضو اتحاد الصحفيين العرب

مرشح جائزة كالنكا لليونسكو للامم المتحدة 

تورونتو كندا