• غواية الظل
هشام بنشاوي
قاص وروائي من المغرب
غواية الظل
"عليك أن تكون طفلا بما يكفي، أيها العجوز، حتى تدرك هذا الإحساس الفتان"، ردد في سره، وهو هائم على وجهه. متعته الوحيدة والممكنة : التجوّل في الظهيرة، بعد أن يستيقظ متأخرًا، ويتناول وجبة فطوره على عجل..
همس لنفسه بصوت مسموع : "لا بد أن أجرب هذا الإحساس، وليس مهمّا ما سيقوله الآخر"!!.
مرّ بمحاذاته رجل يحمل كيسًا يحوي ما تبضع للغداء، رماه الرجل بنظرة إشفاق وغمغم ببضع كلمات مبهمة..
تأمل الكهل- منكس الرأس- ظله المتمدد قبالته على الرصيف، ساورته رغبة قديمة في أن يستلقي تحت أشعة الشمس ويلتحم بظله، وصورة حجرته الباردة، الشبيهة بزنزانة لا تزورها الشمس تطرق باب ذاكرته.
اختفت البنايات، السيارات والمارة، تبخّر الضجيج، وتراءت أمامه - فجأة- صحراء مترامية الأطراف.. انحنى، لامس بأصابع متضرعة الرمال الذهبية، وعيناه تبرقان فرحًا، كمن وجد كنزًا. تهاوى جسده، استرخت أطرافه، تنمّـلت، غفا في عمق، وملامحه تعكس صفاءً داخليّا افتقده منذ زمنٍ.
تناهت إليه أصوات خدشت سكينة اللحظة، فتح عينيه ببطء وهو يظللهما بيمناه..
- - ماذا يحدث؟ ما هذه الجلبة ؟..
- - أستاذ، ماذا تفعل هنا؟!.
بدا مرتبكًا كمن ضبط متلـبـّـسًا بجرمٍ أخلاقيّ، وقد تحلق حوله ثلة من الشباب.
- يا أصدقاء، بطل روايتي الجديدة يعاني من الانفصام في الشخصية. أحيانا، تنتابه رغبات غريبة، ولكي أصف، بدقة وصدق، استسلامه لغواية الظل، ولتلك الموسيقى الداخلية الساحرة.. يجب أن أجرّب هذا الإحساس وأتقمص الشخصية!.
تهللت وجوههم بشرًا، غير مصدقين كلام الكاتب الكبير.
- - كتبت هذا المشهد أكثر من مرة، لكن بدا لي باهتا، شاحبًا.. ومفتعلا!.
لاح له رجال الأمن مقبلين في اتجاههم، حاملين هراوات وواقيات.. استفسرهم باسمًا :
- - أتصورون مشهدا سينمائيا، يا شباب؟
لم يسمع سوى صدى خطواتهم تبتعد، وهم يهرولون.
في الصباح، كانت صورته بشعره الفضيّ وابتسامته الطفوليّة تزيّن صدر الصفحات الأولى من الجرائد، وإلى جانبها صور جماعيّة لضحايا تدخل قوات الأمن.
المتواجون الان
678 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع
ابواب الموقع
مقالات واراء
محاولات لطمس الحقوق والتجاوز والسيطرة على الإقليم- ج2// مصطفى محمد غريب
مصطفى محمد غريب
2024-05-02 20:22:11
مساوئ السياسة الاقتصادية المتبعة في كوردستان- ج4// د. عبدالعزيز رشيد و حاتم خاني
د.عبدالعزيز رشيد وحاتم خاني
2024-05-02 10:39:27
سيكولوجيا الحشود بين غياب التفرد وقوة الضعفاء// د. زهير الخويلدي
د. زهير الخويلدي
2024-05-01 10:46:27
قبل نصف قرن.. فـي مكتـب العمال المركزي، الشيوعي، ببغداد// رواء الجصاني
رواء الجصاني
2024-05-01 10:38:06
تطبيقات الذكاء الاصطناعي وانجازات الثورة الرقمية// د. زهير الخويلدي
د. زهير الخويلدي
2024-04-29 19:46:07
البطريرك الشهيد مارشمعون بنيامين.. ونظام الوراثـة- الجزء 9// يعكوب ابونا
يعكوب ابونا
2024-04-28 19:35:28
غزّة تُحرّك الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية والأوروبية// وسام زغبر
وسام زغبر
2024-04-27 19:40:43
ثقافة وادب وفنون
ديوان قصائد مُهْدَاةٌ إِلَى صَدِيقَتِي الشاعرة المصرية حنان رضوان {همس البحر}// د. محسن عبد المعطي عبد ربه
د. محسن عبد المعطي عبد ربه
2024-05-01 19:00:56
باتريشيا ليديا.. كف المتسول: هايكو// ترجمة بنيامين يوخنا دانيال
ترجمة بنيامين يوخنا دانيال
2024-05-01 10:53:10
مقاربة نقدية لكتاب- حياة لها معنى!؟ لديستوفيسكي// عبد الجبار نوري
عبد الجبار نوري
2024-04-30 20:32:20
ديوان قصائد مُهْدَاةٌ إِلَى صَدِيقَتِي الشاعرة زهرة عبد الهادي الطايعي ج2// د. محسن عبد المعطي عبد ربه
د. محسن عبد المعطي عبد ربه
2024-04-30 19:07:33
ديوان قصائد مهداة إلى العالم الجليل منصور الرفاعي عبيد// د. محسن عبد المعطي عبد ربه
د. محسن عبد المعطي عبد ربه
2024-04-28 19:23:47
دان يوليان.. القواقع المكسورة: هايكو// ترجمة بنيامين يوخنا دانيال
ترجمة بنيامين يوخنا دانيال
2024-04-28 10:53:30
ديوان وَلَا تَبْكِ غَزَّةَ بَلْ فَامْتَدِحْهَا// د. محسن عبد المعطي عبد ربه
د. محسن عبد المعطي عبد ربه
2024-04-27 19:55:17
مدى وجاهة تأويلات مارتن هيدجر للفلسفة الكانطية// د. زهير الخويلدي
د. زهير الخويلدي
2024-04-26 19:13:58