اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

مقارنة بين جدلية هيجل ووجودية كيركيغارد// يوحنا بيداويد

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

يوحنا بيداويد

 

عرض صفحة الكاتب 

مقارنة بين جدلية هيجل ووجودية كيركيغارد

يوحنا بيداويد

 

المقدمة

تعرضت مثالية هيجل بعد وفاته عام 1831م إلى نقد شديد وتحليل معمق من قبل عدد كبير من الفلاسفة والمفكرين، اغلبهم تلاميذه، لأن جدليته كانت مثالية، طوباوية ومجردة. حيث تجعل من كافة الموجودات في الكون كأنما هي عبارة عن جزئيات منصهر تجري في نهر نحو نقطة واحدة، لتحقيق غاية الوعي التام، من خلال صراعها مع نقيضها والتأليف في كل مرة. فكانت هذه الأفكار معقدة، بعيدة عن الواقع، يشعر معظم الباحثين والمحللين انها صعبة التحقيق، لهذا ظهرت عندهم قناعة يجب البحث عن الحقيقة عن طريق آخر، هكذا انبثقت عدة مدارس فكرية جديدة من بعدها مثل الجدلية المادية (كارل ماركس)، والوضعية - الواقعية (اوغست كونت)، والإنسانية المطلقة (فيروباخ)، والوجودية (سورين كيركيغارد).

 

لماذا ظهرت الفلسفة الوجودية؟

نعيد تعريف الفلسفة المثالية لهيجل باختصار لتسهيل الموضوع، هي فكر مبني على الصراع بين الموضوع ونقيضه وعملية اتحداهما (تأليفهما) في مركب جديد (هوية جديدة). انه صراع العقل أو الروح عبر التاريخ لبلوغ نقطة الوعي التام، فالتاريخ إذا ما هو الا سجل لمسار الروح إلى الحقيقة المطلقة، النقطة التي يزول فيها الصراع بين الموضوع ونقيضه، في تلك النقطة تتحقق الحرية المطلقة، والوعي التام حيث يكون للكون جوهر واحد، هو الموضوع والذات في نفس اللحظة، بدون أي تعارض أو صيرورة.

حينما درس كارل ماركس النظرية الجدلية-الديالكتيكية لهيجل وجدها غير مجدية للإنسان، لإنها لا تحل مشاكله في ذلك العصر. فحاول إعادة صياغتها بنظرية جديدة، بقالب جديد.

 

 اعتبر ماركس ان الصراع الموجود في المجتمعات أو بين أركان سلطة الدولة ليس صراع روحياً - عقلياً هدفه بلوغه الوعي التام أو الحقيقة المطلقة كما فسره هيجل، وإنما هو صراع ناشئ بسبب الاختلافات بين الطبقات الاجتماعية والتي نتجت بسبب النظام الاقتصادي والتناقضات السياسية والحروب والكوارث وفشل الانظمة السياسية الحاكمة في إدارتها للدول، وكذلك نفوذ رجال الدين على الحياة العامة. فحاول ماركس القضاء على هذه الطبقات والفكر الفلسفي وسلطة الدولة والكنيسة وإزالة حق الملكية والتوارث بين الأجيال، طارحاً نظريته الاشتراكية الشيوعية التي تطمح إلى إزالة كل الفوارق والامتيازات بين البشر. فكانت النتيجة هي تأسيس نظام سياسي - اجتماعي شمولي على حساب الفرد وحريته وحقوقه، الأمر الذي كان العامل الأول في فشل تطبيقه!!

 

مفهوم الجدلية عند كيركيغارد

ظهر مفكر آخر في تلك المرحلة من التاريخ، درس كلا النظريتين ولم يقتنع بهما، بل وصفهما بعملية خدع للعقل والمجتمع. كان ذلك المفكر هو الفيلسوف الدنماركي سورين كيركيغارد. ذهب هذا الفيلسوف عكس اتجاه كلا المدرستين الجدلية المادية (كارل ماركس) والجدلية المثالية (هيجل)، حيث التزم بحق الفرد وحريته واعطى أهمية تحقيق ذاته من خلال وعيه الشخصي.

 

يرى سورين أن الحقيقة تساوي الذاتية، وان الفرد هو الموجود الأهم بين كل الموجودات في العالم، وان أي نظام شمولي سواء كان ديني أو فلسفي مثل مثالية هيجل، أو اشتراكية ماركس، هو نظام قمعي، غير عادل، وغير مقبول، لإنه غير واقعي، لان الفرد هو نواة المجتمع. هذه الذات يجب ان تمتلك الحرية كي تحقق ذاتها ووجودها، لهذا وجودها يسبق ماهيتها (جوهرها). فبدون وجودها لا أهمية لماهيتها؛ وهذا ما يخالف كل الفلسفات القديمة التي سبقتها باعطاء الأولوية لماهية الإنسان.

 

أن هذه الماهية يعطيها المجتمع وتقاليده وقيمه واخلاقه وديانته، لان دين المجتمع وأعرافه وقيمه واخلاقه ودستور الدولة هي التي تحدد مكان ودور وهوية الفرد وتلزمه بحدودها حينما يولد. وحسب فكر كيركيغارد دون وجود الإنسان لا أهمية لهذه الاعراف، إذا وجود الإنسان يسبق ماهيته، التي يجب ان يحققها فيما بعد.

 

مقارنة بين جدلية هيجل ووجودية كيركيغارد

   كان كيركيغارد استقراطي المذهب مثل أفلاطون (1)، ضد حكم الشعب - الجمهوري، لان النظام الشمولي يحجم إرادة الفرد ويسلب حريته. لهذا يعتبر رجعياً حسب مفاهيم الجمهوريين الثوريين الجدد، ويفضل حكم الملكية العادلة وسلطة الكنيسة المطلقة.

   رفض كيركيغارد الوجود الكلي مقابل وجود الفرد العيني، فهو قدس حرية الفرد واعتبرها الحجر الأساسي لمذهبه (المدرسة الوجودية). فالذوبانية أو الانصهار الذي تطلبه جدلية هيجل للذات والفرد من أجل يصبح الواقع معقولا غير صحيحة(2).

   يرفض كيركيغارد النظام الشمولي الذي تسعى إليه جدلية هيجل لبلوغ الكمال، حينما يتوقف صراع الأضداد (الموضوع ونقيضه)، أو سعيها لسلب حرية الفرد بل ينفي الفرد من وجوده من أجل بلوغ الارادة النهائية المتحدة الواعية لذاتها، لا يراها كيركغارد تمثل إرادة أفراد، لان بهذه الطريقة الأفراد أو الذوات لا يعد لها وجود. حيث يصرح سورين كيركيغارد عن ماذا يبحث: «أن ما ينقصني في الحقيقة هو ان أرى نفسي بوضوح، ان اعرف ما يجب عليّ ان أعمله، لا ما ينبغي علي ان أعرفه الا بمقدار ما تسبق المعرفة العمل بالضرورة. أن المهم هو ان أفهم مهمتي في هذه الدنيا، وان ادرك تماماً ما يريده الله ان افعله»(3).

   ينطلق كيركيغارد من فكرة هيجل عن الله التي يصفه بالمطلق(4)، هذا الله المطلق الكامل الغير محدد، يقرر (حسب كيركيغارد) ان لا يحتفظ بذاته المجردة، في عالم الطوباوي كم يعتقد هيجل، وإنما يكشفها ويصبح ظاهراً، بكلمة أخرى الموضوعية الشاملة تقرر ان ترجع إلى الذاتية أو الفرد (المتجسد في شخص المسيح)، أي ان كيركيغارد يتجه من الشمولية إلى الفردية أو الذاتية معتمدا على فكرة تجسد المسيح.

   حسب رأي كيركيغارد، الوجود يبدأ من (الوجود الخالص) وليس كما يفترض هيجل من حالة الدنيا، أي الوجود المباشر، من لحظة التي يبدا التفكير.

   مفهوم العدم ليس اللاوجود كما يفهمه العامة، بالنسبة لكيركيغارد حينما يتحول المتغير من واقع ممكن إلى واقع حقيقي اخر، فيشعر الإنسان كأنه أصبح له وجود من العدم، بينما في الحقيقة هي عملية تغير الامكانية، لهذا ان الممكن والواقع لا تنطبق عليهما مفهوم الديالكتيكية الهيجلية.

   يعتبر كيركيغارد «الوجدان» مصدر الشعور بالوجود، واكتشاف الحقيقة، بدون وجدان يصعب على الباحث (المؤمن) أن يصل إلى معرفة الله أيضاً، لان الله ذات وغير معروف إلا للذوات، ولا يوجد إلا بفضل الوجدان(5).

 

المراحل الثلاثة التي تمر فيها كل ذات لها وجود

يعطي سورين للوجدان أهمية قصوى ويعتبره منبعا للشعور والاحساس والوعي. فالوجود العيني انه «اختيار ووجدان» اختيار لانه الذي يحدد الهوية الذاتية، ووجودان لأنه هو القوى المحركة الدافعة للصيرورة(6).

نتيجة هذه الطبيعة المنغمسة كلياً في الوجدان وتقديس الحرية تمر الذات بثلاث مراحل هي:

أولاً - المرحلة الحسية

في هذه المرحلة، الذات تكون متشربة بل منغمسة في عالم الحسي تماماً، لا تمييز بين حقيقة الأشياء الموجودة حولها، لهذا يصعب عليها الاختيار بين الخيارات الموجودة بسبب تعددها وتنوعها. هذا الانغماس الحسي يجعل من الذات ان تشعر بالنشوة في كل لحظة من لحظات وجودها، لكن لا تستمر الذات على هذه الحالة، فتمل وتشعر باليأس من تكرار المظاهر الحسية، حينها تنتقل إلى المرحلة الثانية بدون ان تتحد أو تندمج معاً كما توقع هيجل كنتيجة حتمية حينما يكون هناك صراع بين نقيضين.

 

ثانياً - المرحلة الاخلاقية

بعد شعور الذات باليأس من تكرار لحظات السعادة والنشوة، يتعمق الوجدان إلى درجة أكثر عمقاً، فيتحول الصراع بين الأخلاق والقانون من جانب وبين الذات الفردية المكبلة برغبة الحرية من جهة أخرى. نتيجة ذلك يرفض الفرد كل أنواع التسلط من الدولة والمجتمع والسياسية والدين والفكر. فالحرية هي الذاتية المطلقة كما قلنا عند كيركيغارد. الآن السؤال المهم هو، كيف تقاوم الذاتية الفردية تأثير التيار العام؟

 

ثالثاً - المرحلة الدينية

هنا ينتقل الوجدان إلى مرحلة جديدة كي يحسم قراره، فيحاول الوجدان ان يبحث عن الحل النهائي عن الطريق الإيمان. هذا الإيمان هو مفارقة كبيرة، أعقد وأصعب من الإيمان بجدلية هيجل، حيث تلزم هذه المفارقة الإيمان بالله المطلق، بما ليس هو معقولا لكنه ضروري. هذه المخاطرة المعتمدة على الوجدان واللامعقولة واللامنطقية ملزمة لكل مؤمن مسيحي، لهذا كيركيغارد يقول: «المسيحية مفارقة، والوجود المسيحي يجمع مفارقات، لهذا الإيمان المسيحي غير مقنع عقلياً، وإنما نحن نقبله بقلوبنا رغم ما فيه مفارقات، نقبله بقلوبنا المتفقة بالعاطفة....»(7). حسب كيركيغارد كانت هذه المفارقة لابد منها، كي تنهي الذات صراعها الوجودي المتناهي بعلاقة مع اللامتناهي!

 

الخلاصة والتعليق

 هناك عدة تعليقات نلخصها بما يلي:

إن الوجودية ما هي إلا خلجات وإرهاصات الذات، حينما تواجه التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في عالم الواقع، التي كانت سحقت الفرد في القرن التاسع عشر بسبب الاضطرابات والثورات القومية والعواصف الفكرية في مقدمتها الجدلية المثالية لهيجل.

 

طرح سورين كيركيغارد مشكلة عصرية مهمة جداً، هي أهمية الشعور(الوجدان) وأهمية الحرية بالنسبة للإنسان المعاصر. فهو يدافع عن حرية الفرد ويعتبرها حجر الأساس للشعور بوجوده. بلا شك ذلك هو انجاز عظيم يحسب له حقاً.

 

نرى النتيجة النهائية (المرحلة الدينية) هي فعلا مختلفة عن ما توقع هيجل، لإنها تمثل حالة اللااتحاد بين النقيضين ولا تحصل عملية التأليف بينهما.

حصلت مشكلة التطرف عند بعض رواد الوجودية فيما بعد انتشار أفكار سورين كيركيغارد، حيث أخذ بعض الوجوديين اللاحقيين الاقتراب من الفلسفة «العدمية- التشاؤمية والشكوكية» أكثر من أي مدرسة أخرى، وبالأخص المدرسة (النقدية التواصلية) التي هي أفضل مدرسة عصرية، لإنها تقبل الحوار الفكري مع جميع المدارس الفكرية، في جميع المواضيع.

 

سورين كيركيغارد في جداله مع مثالية هيجل أو مادية ماركس، كأنما أعاد الجدال بين الفلسفة الاسمية والفردانية -الواقعية في القرون الوسطى إلى الأوساط والمؤسسات الفكرية المعاصرة الذي لم ينته إلا بانبثاق عصر النهضة والأنوار؟

هل هناك عصر فكري جديد سندخله في الألفية الثالثة في عصر العقل الألي الذي يغزو عالمنا؟!! ذلك يعد من أهم المواضيع على الإنسانية حسمهم قبل فوات الأوان.

.................

1-كيركيغارد رفض الفلسفة الأسمية القريبة من المثالية وتبنى الفردانية الواقعية. نفس المصدر، ص 53.

2-نفس المصدر، ص 18.

3- جدل الإنسان (تطور الجدل بعد هيجل) المجلد الثالث، د امام عبد الفتاح أمام، دار التنوير للباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة، بيروت-لبنان، 2007، ص 26.

4- نقد فلسفة هيجل (كيركجورد-فيورباخ-ماركس)، د. فريال حسن خليفة، طار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيوت- لبنان، 2006، ص84.

5- نفس المصدر، ص 88.

6- كإنما يعيد كيركيعارد مقولة هيرقليطس:» لا تستطيع ان تضع رجلك في نفس النهر مرتين»

7- نقد فلسفة هيجل (كيركجورد-فيورباخ-ماركس)، د. فريال حسن خليفة، طار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيوت- لبنان، 2006، ص67.

 

نشر المقال في مجلة بابلون العدد 33

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.