اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

لها وحدها اكتب في عيدها الذي لم تكن فيه (ست الحبايب)// سعدية العبود

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتبة

لها وحدها اكتب في عيدها الذي لم تكن فيه (ست الحبايب)

سعدية العبود

 

صغيرة كنت عندما قيل لك سترحلين هذا الاسبوع الى دار ابن عمك ,ولا دار لك غيره ,عرفت حينها انك كنت ضيفة طيلة الاربع عشرة عاما وهنا ستحلين وعليك ان تعرفي امزجتهم وقوانينهم .عرفت ان دورك سيكون الزوجة والحبيبة والام والابنة ,ولك ان تنظمي امورك على هذا .

ما كان اهلك حاضري ساعات ولادتك او مرضك ,كان عليك تدبير امورك بنفسك, من المخجل ان تزور البنت دار ابيها قبل ولادة اطفال .هذا ما كانت تقوله والدتك وانت ترحلين الى دار زوجك .ولكنك اعتبرتها سلوكا مدى العمر ,وفي النفاس فلا طقوس ولا مراسيم فلديك الزهرة حاضرة وعجوز تسكن معك ,كانت تضيف طمأنينة وامان ,هي الاخرى تشعر انك وديعتها ,في بيت رب الاسرة فيه كثير الاسفار ,فقد كان يبحث عن لقمة عيش لابناءه.

تتوجعين ولما لا ! لم تذهبي الى الطبيب للمعاينة وهو جارك, وتستقبلي مرضاه في دارك لان لا ملجئ لهم لعدم وجود فنادق او مشفى وانت ابنة الكرام وزوجك لا يرد الضيف ,لا لأنك غير قادرة ,بل لأنك موقنة بتحملك الالم في غياب زوجك ولا يمكن  ذهابك دون علمه فعليها ان تحفظ غيابه .

لقد ملئت الدار ذكورا واناثا ,وكنت تقولين هم ذخري ورفعة رأسي ,ولكن المك تضاعف ولا احد يشعره به لانهم اتخذوا من المهاجر موطنا لهم .

لقد اصبح جسدك نحيلا وامسيت شبه وحيدة .تقولين هذا يؤلمني ,لا استطيع القيام ,ساعدوني على النهوض .ما لهذا الجسد الذي كان يصارع الزمن ,قد تهاوى !.كيف لا؟ وهل بمقدور غيره ان يقاوم ؟لقد حملت من الهموم ما اثقل حملك .من اين ابدأ؟

أ ابدأ عندما اقتيد البكر الى السجن وهو لم يبلغ بعد لأنه كان يقود تظاهرة في تلك المدينة ,شعرت حينها انه اصغر من ان يقف امام قاض او جلاد فجسده النحيل لا يتحمل السياط ,كنت يومها تفترشين الحضرة ولا شيء غير الدعاء ,فقضيته خسرانه .

اتذكرك وانت تتوسدين الارض امام خان الهنود الذي اتخذ موقف للسجناء السياسين  ,تنتظرين من يرق لحالك عله يعطيك خبر او يسمح لك بزيارة ,في يوم  من ايام الشتاء فسجينك ما زال صبيا ولا يتحمل رطوبة السرداب وقد اقتيد في ليلة عيد رمضان في اخر شهر شباط ,تقولين لجاراتك خرج من الحمام بجسده الندي ولم يقي جسده بما يؤمن سلامته .صحيح اني كنت صغيرة لا افقه الاسباب وكنت انتظر الصباح كي ارتدي ملابس العيد واستلم عيديتي ,في صباح اليوم التالي . ولكن هذا العيد استقبل بوجوم .

لم اصل يوما الى المدرسة متأخرة كحال زميلاتي في المدرسة لانك  تهيء كل شيء ولا اعلم كيف يمكنك ان تنظم امورنا ونحن بهذا العدد ,وكلنا يحتاج الى تهيئة الملابس والفطور والكتب التي لا نعلم اين وضعناها قبل يوم .فرائحة خبز امي تنتشر في المنطقة منذ الصباح الباكر وغيرها يقف في الطابور امام الفرن كي يجلب الرغيف الحار.

صحيح انك لم تدخلي المدارس ولم تتعلمي ,ولم نشعر يوما بهذا لأنك تطلبين منا تسميع مادة الدرس وتتابعين ايام امتحاناتنا وتسهرين معنا ,ونخشى ان نخطئ أمامك .بإحساسك كنت تعرفين ان كنا نفقه الدرس ام لا .

لم اضبطك يوما نائمة لا اعلم كيف تأخذين قيلولتك في يوم يبدئ بصلاة الفجر وينتهي بدخول الجميع كي توصدي الباب بنفسك فزوجك كان كثير الاسفار وقد تحملت ادارة هذا البيت الذي يحتاج تعداد لأجراء احصاء كل ليلة .

كنا ننتظر عودك من السوق وانت محمله بكل الاحتياجات واللعب والحلويات فهذه يحبها فلان وتلك طلبها فلان وهذه للصغير الذين ينتظرك عند عتبة الباب ,ولا تريدي ان ترديهم, تضعين سلة التسوق على رأسك وتحملين باليمنى وعاء اللبن وفي اليسرى اشياء اخرى تحتاجيها . عددنا كبير وطلباتنا اكبر ومنافستنا مع بعضنا تفوق ذلك  .كم مرة خلعت خاتمك او قرطك لتحوليه الى نقد دون علم والدي كي تغطي على طلباتنا الكثيرة وخاصة في الايام الاولى لبدء الدراسة .وتقولين فلان اسورتي وفلان قرطي وفلان متكأي ,ما فائدة احتفاظي بها فهم ذخري وهم سندي قد اتركها لهم في وقت تصبح غير ذات قيمة ولكنها الان تعني شيء لهم  .

هل تتذكرين كم سنة مرت عليك وانت تسيرين بضعة كيلومترات  في ذلك الطريق المتعرج,  الموحل في الشتاء والقاسي في لهيب الصيف وانت تحملين على رأسك متاعا لسجين ينتظرك في نهاية الممر في ذلك السجن .لم تفكري يوما ان تؤجلي ذهابك في موعد زيارة ,تبدئين بتهيئة ما يحتاجه منذ عودتك منه  الى ذهابك في الزيارة القادمة, مستخدمة كل الوسائل التي تساعد على حفظ الطعام  واستمرار جودته لحين الزيارة القادمة فقد قال لك في اول زيارة اجلبي الغذاء في اوعية الحليب (كيكوز)انها اسهل بالحفظ ,وليس لها تأثير على سلامة الغذاء .فقد ربيتهم على ان تكون يدهم العليا ولا تمد يدهم الى احد وبذلك تؤمني له حتى طلبات السجناء الآخرين . لم اسمعك تتوجعين من سياط شرطي او ثقل احمال وانت تقفين في الطابور من الفجر الى ان يسمح لكم بالدخول وقد يستمر الوقوف بضع ساعات .فما تريه من مناظر مؤلمة يخفف عنك المعاناة .

لقد كنت تكابرين وانت تقفين في الحدود مع ولدك الاكبر تبحثين عن اشلاء او جثة مفقود ,يومها قلت له لا اراه هنا فقلبي لم يرتعش لأي منهم ولا در حليبي لهذا الذي شككت به . لقد دعوت ربي يوما في امنية ان لا يريني اليوم الذي يفجعني بأحدكم ,ولكنك بقيت تأنين اكثر من ربع قرن دون نتيجة .

استجمعت قواك وانت تودعين الباقين المهاجرين منهم ودون علم منهم ترشقين الدرب بالماء كي يعودوا سالمين ,وعذرك( سعيد وعني بعيد ).

كيف لا يتهاوى هذا الجسد وهو يستل ضلوعه تباعا ,كيف لا وهو يجد ديارهم خالية .كيف لا وانت  تشعرين بأن امنيتك قد لا تتحقق عندما قلت  لقد إذخرتكم ليوم مواراتي في الثرى.

امي لقد فعلت ما بوسعك حتى وجدتك منكبة على الوسادة وكنت قبل دقائق اتحدث معك ,ولم تخبريني انك في الرمق الاخير ,لك الف رحمة وليرحمنا الله.

 

 

سعدية العبود-20-اذار-2014

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.