اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• الصراع حول الدستور والدولة المدنية في مصر -//- مصطفى محمد غريب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

مصطفى محمد غريب

مقالات اخرى للكاتب

الصراع حول الدستور والدولة المدنية في مصر

هناك أزمة فعلية حول مفهوم الدولة المدنية ووضع دستور جديد لمصر بعد الربيع المصري الذي أنهى حكم حسني مبارك بعد أن حكم مصر حوالي ( 30 ) عاماً، الصراع إذا اتبعت أدواته وهم الأخوان وحزبهم والسلفيون وحزبهم بالذات ستجده لن يهدأ لان هؤلاء جاءوا ليحكموا باسم الشريعة الإسلامية لكي يؤسسوا دولة شبه فاشية ورجعية بدون أي اعتبارات أخرى، فبعد تجربة السنين السابقة و قمع الحريات والرأي الآخر لم يستفد هؤلاء من أن قمع الحريات لا يمكن إن يفضي إلا بانقلاب الناس حتى وان ساندوا في بداية الأمر، ولهذا نجد اليوم في مصر مشكلة جديدة لكنها قديمة، جديدة لسن دستور جديد غير الدستور القديم، وقديمة هي التوجه من خلاله لقيام الدولة الدينية الدكتاتورية بدلاً عن الدولة المدنية بمفهوم سياسي يتطابق مع مجريات الحالة التي عمت العديد من الدول العربية، وبهذا تختم مرحلة التزاوج ما بين الشريعة والقوانين الوضعية التي كانت عبارة عن أسس لدعم الحكام وبمساندة المؤسسات والمرجعيات الدينية، فالذي كان مرئياً بان الدستور هو دستور مدني لكن وجود الشريعة كمصدر له يدل على عدم استقلالية الدستور وعدم وجود الدولة المدنية المنفصلة عن الدين بشكلها ومضمونها القانوني الصحيح، وبهذا ظلت العلاقة بين الدين والدولة محل تجاذب وتناقض فعندما يرى الحاكم " الرئيس وحزبه " أن يدعي المدنية والقوانين الوضعية فهو يستغل ما موجود في الدستور لصالحه وبخاصة حول الحريات بشكل عام منها الحريات المدنية والشخصية وحرية الصحافة والانتخاب، وعندما يجد الضرورة في أن يستخدم الشريعة الإسلامية أو الدين للقمع ولحجب الحريات المدنية فهو لا يتوانى من استخدامهما وبموآزرة المؤسسات والمرجعيات الدينية والبعض من رجال الدين المعروفين، وبهذا ضاعت على الناس معنى الدولة المدنية بمفهومها الديمقراطي العام وبقى التأثير الديني في دفع المواطنين للقبول والطاعة وان كانت عمياء إلى ولي الأمر، وأمام هذه التناقضات وتنامي الغضب والاحتقان الجماهيري بفقدان الحريات وسوء الخدمات والبطالة والفقر وتردي أوضاع أكثرية المواطنين اقتصادياً واجتماعياً مما أدى إلى الهبة المعروفة التي غيرت مثلما اشرنا العديد من الأنظمة العربية، لكن هنا يبرز السؤال التالي ـــ هل تغير كل شيء على نسب معينة من التحسن ؟ نشك بذلك لأن الذين جاءوا إلى السلطة بانتخابات أو بغيرها بدءوا ينهجون النهج نفسه وان اختلفت تفاصيله، وهذه المرة يريدون وبخاصة في مصر قيام دستور حسب المقاييس التي يسيرون عليها لكي يحكموا بالدستور الجديد وكأنه آية قرآنية متناسين أن في المجتمع المصري قوى مدنية واسعة واديان لا تؤمن بالدولة أو الدستور الديني الذي يتخذ من الشريعة الإسلامية وسيلة لقيادة السلطة والقمع والهيمنة عليها، بل هم مع دستور مدني لا يحط من معتقداتهم ويعتبرها ثانوية، وانطلاقاً من هذا الموقف فقد تطورت المواقف لدى العديد من القوى السياسية بعدما تم الإطلاع على شبه مخططات للاستئثار والهيمنة وقد انسحبت الكنائس الثلاث للطائفة القبطية والقوى المدنية بعد تطورات الأزمة السياسية بشأن الدستور ويستشف ذلك من خلال تصريحات القيادي بحزب النور وعضو التأسيسية لكتابة الدستور الدكتور يونس مخيون مدى النظرة المتخلفة والرجعية بخصوص الحقوق المدنية وحقوق المرأة المصرية فهو يشير بأن أعضاء الجمعية التأسيسية " بصدد إلغاء المواد الخاصة بالمساواة بين الرجل والمرأة " كما انه شدد على إلغاء جميع المواد التي مثلما قال " التي اعترضت عليها في السابق القوى العلمانية ، وقد كشف عن تلك التوجهات والمخططات التي تبنوها سراً حول القوى المدنية أو الدولة المدنية.

أن هذا الصراع تجلى بشكله الواضح مابين مخططات الأخوان المسلمين والسلفيين وبين القوى المدنية الرافضة لإقامة الدولة الدينية على أساس الشريعة الإسلامية هذه القوى التي تطالب أن يتم بناء دولة مدنية تعددية ووفق دستور مدني يحقق متطلبات ملايين المصريين الذين يطالبون بها ويعتمد المواطنة أساساً للوطنية ، ولم تمر إلا فترة على بدأ الصراع حتى أصدر الرئيس المصري محمد مرسي قراراته غير المتوازنة والتي تدل على العودة للقرار المقدس الذي يصدره الحاكم بأمره وبمفرده وبعقله الذي حسب اعتقاده يساوى عقول الملايين من المواطنين المصريين والذي يجب أن يطبق مهما كانت المعارضة له وبين هذه القرارات " تحصين كل القرارات والمراسيم التي يصدرها محمد مرسي حتى انتخابات برلمان جديد" أي وفي بادرة نادرة ركز السلطات الثلاث " القضائية والتشريعية والتنفيذية" بيده مستغلاً غياب مجلس الشعب ( البرلمان ) وبالمعنى الواضح أن القرارات تعتبر سماوية نافذة لا يمكن الطعن أو الوقوف بالضد منها، واعتبرت الأحزاب القريبة من الأخوان المسلمين ولاسيما حزب الحرية والعدالة أن القرارات جاءت في وقتها المناسب أما حزب النور السلفي فقد أيدها وأطلق عليها " الموافقة، والثورية " ولكن وفي الوقت نفسه هناك قوى مدنية وطنية وديمقراطية والملايين من المصريين وقفوا بالضد منها واعتبروها انقلاب واحتكار للسلطة والإعلان بالضد من مفهوم الدولة المدنية والشرعية وكذلك انقلاب على الديمقراطية، كما وقف الأقباط موقفاً معاكساً لتوجهات احتكار السلطة التي تمثل تراجعاً عن ما أكده محمد مرسي بعدم التدخل في " أعمال الجمعية التأسيسية للدستور" وفور الإعلان عن القرارات عمت المظاهر والاحتجاجات في جميع المدن المصرية وحرق المتظاهرون مقرات لحزب العدالة والحرية المنبثق من الإخوان المسلمين، كما شملت المظاهرات ميدان التحرير الذي يعتبر منطلقاً للثورة واحتج المتظاهرون رافضين القرارات التي أعلنها باعتبارها محصنة لا يمكن الطعن فيها، وقد أبدى مئات الآلاف مخاوفهم من أن يصبح محمد مرسي دكتاتوراً تحت حجة ومظلة قضايا الفساد وإعادة المحاكمة في جرائم قتل المتظاهرين، كما أدان متحدث باسم منظمة حقوق الإنسان الأممية الإعلان الدستوري الجديد لرئيس الجمهورية وأشار " إن الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس المصري محمد مرسي يثير مخاوف كبيرة بشأن حقوق الإنسان" وفي سياق إدانته عبر عن قلقه بشأن التداعيات والخشية من أن تؤدي إلى أوضاع غير مستقرة ومضطربة، فضلاً عن قيام نادي قضاة مصر في نهاية اجتماع جمعيته العمومية بتوصية بتعليق العمل في كافة المحاكم والنيابات في مصر احتجاجاً على القرارات وطالب الرئيس المصري بإلغاء الإعلان الذي أيضاً أقال النائب العام عبد المجيد محمود باعتبار ذلك ليس من صلاحيته وخوفاً من استمرار النهج الرجعي في إعاقة تنفيذ الحقوق المدنية وصولاً للدولة والدستور المدني.

وفي الاعتقاد الطبيعي السائد لا بأس من أن يصدر الرئيس إعلانات دستورية مثل إعادة التحقيق في جرائم ارتكبت ولم تستوف العدالة مجراها و بـ" تطهير القضاء " إذا ثبت فساده وعدم استقلاليته القضائية

وغير ذلك لكن أولاً: ان لا تكون انتقامات شخصية وحزبية وجلب الأتباع المطيعين بدلاً منهم،

وثانياً : ان لا يجري الطعن فيها وكأنها آيات منزّلة ولا يمكن مناقشتها أو أنها محصنة حتى وان كانت القرارات أو الإعلانات خاطئة..

ومثلما اشرنا بمجرد الإعلان عن القرارات ظهرت بوادر الاحتجاجات والمظاهرات ثم تجددت بعد ذلك مما أدى إلى مواجهات دامية بين قوى الأمن المصرية والجماهير المحتجة في ميدان التحرير وهذا أمر خطير لأنه يعد انقساماً خطيراً في الشارع المصري، وبخاصة بعدما أعلنت حركة الأخوان المسلمين الخروج بمظاهرات مضادة وطالبت ان تكون مليونية، وهذا أيضا ما يثير عشرات الاستفسارات عن مواقف هذه الحركة وحزبها والسلفيين وحزبهم ومنها ـــ هل من المعقول ان يجري انتهاج سياسة حسني مبارك وحزبه الذي وقف بالضد من إرادة الجماهير الشعبية وتجري معالجات الوضع بالرصاص والقنابل المسيلة للدموع! ـــ وهل الرئيس المصري الجديد الذي اقسم القسم أثناء تسلمه المنصب قد تنصل عنه وراح يتخبط ليُظهر لأكثرية الجماهير الوجه الآخر للحاكم بدون ان يحاسب نفسه عن ما جرى في ميدان التحرير مجدداً ! ـــ وهل بدأ العد التنازلي ! لقيام دكتاتورية فاشية تحت يافطة دستور جديد يلغي حقوق المراة ويدفع المتطرفين والسلفيين ومن خلفهم حزبي النور والحرية والعدالة للمطالبة بهدم الاهرامات وباقي الآثار وهي رمز حضارة مصر واعتبارها أصناماً حسب دعوات المتشددين الإسلاميين " بأنها حرام شرعاً " وهذا ما يعيد إلى الأذهان ما قامت به طلبان عندما حطمت تمثالاً أثرياً لبوذا في أفغانستان وقد ردده القيادي الجهادي مرجان الجوهري من على شاشة التلفزيون " نعم حطمنا تمثال بوذا في أفغانستان .. وسنحطم تماثيل أبو الهول والاهرامات لأنها أصنام وثنية تعبد من غير الله " ولو نوجه له البعض من الأسئلة الصغيرة ومنها ـــ لماذا الدول الإسلامية وبعد احتلال مصر ودخولها إلى الإسلام لم تحطم هذه الاهرامات والتماثيل؟ ـــ هل هو أكثر إسلامية من الأوائل؟ ثم ـــ ليدلنا من هم في مصر على الأقل من يعبد هذه التماثيل والأصنام؟ ـــ وهل أصبحت قضيتهم هو تدمير حضارات مصر وغيرها من الدول وتدمير شعوبها تحت طائلة الشريعة الإسلامية وهي بالتأكيد بريئة منهم ومن أمثالهم.

ان الصراع حول قيام دولة مدنية ديمقراطية تعددية وبدستور وطني مدني سيستمر طويلاً وهو صراع في الوقت نفسه من اجل عدم عودة الدكتاتورية والفاشية الدينية وان تعلل البعض بالشريعة الإسلامية، ولابد من ان يحسم هذا الصراع آجلا أم عاجلاً إلى انتصار القوى المدنية الوطنية والديمقراطية لان الحياة تقول ذلك، وستكون حتماً هزيمة لكل الذين لا يؤمنون بالعقل الحضاري الإنساني وبحقوق الإنسان وحرياته وحرية الاعتقاد والتعددية الدينية والقومية ويحاولون إعادة العجلة إلى الخلف لعلهم يحكمون بالنار والحديد مثلما فعل أسلافهم من الحكام الدكتاتورين والرجعيين المعادين لأبسط حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ويبدو ان هؤلاء نسوا ما جرى للذين قبلهم عندما داسوا على حقوق المواطنين واعتقدوا أنهم خالدون وباقون في قمة السلطة إلى أبد الآبدين .

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.