اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

معنى الحب الرومانسي.. يحتاج الى الأخلاق والتفاني الدقيق// علي اسماعيل الجاف

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

علي اسماعيل الجاف

 

عرض صفحة الكاتب 

معنى الحب الرومانسي.. يحتاج الى الأخلاق والتفاني الدقيق

استعراض// علي اسماعيل الجاف

 

على امتداد العصور الوسطى كانت هناك قسمة غريبة، او فجوة، بين التقاليد الاغريقية الرومانية للكنيسة الكاثوليكية وبين التقاليد التيوتونية الخاصة بالطبقة الارستقراطية.

 

وكل من هذين التقليدين كان له اسهامه في الحضارة، بيد ان اسهام كل منهما كان متميزا تماما عن اسهام الجانب الاخر.  فالكنيسة قدمت للحضارة الدرس والتعليم والفلسفة والقانون الكنيسي ومفهوم وحدة العالم المسيحي، وهي كلها مما انحدر الى اوربا من تراث الحضارات القديمة في حوض البحر الابيض المتوسط.  اما العلمانيون فقدموا القانون العام.  واشكال الحكومات العلمانية، والفروسية، والشعر، والرومانسية.  وما يخصنا من هذه الامور كلها الان هو الحب الرومانسي.

 

ولو قلنا ان الحب الرومانسي لم يكن معروفا قبل العصور الوسطى شكلا لكان قولنا هذا غير صحيح ... ولكن هذا الحب لم يصبح شكلا معترفا به من اشكال العاطفة الا في القرون الوسطى. 

 

وجوهر الحب الرومانسي انه ينظر الى المحبوب على انه عسير المنال جدا، وثمين القيمة جدا.  ولذا يبذل العاشق جهودا جبارة كثيرة ومتنوعة عسى ان يظفر بحب هذا الشخص المعشوق.  سواء بنظم الشعر او الغناء او الاعمال الباهرة بقوة السلاح او بأي وسيلة اخرى يرى انها اقرب الى الخطوة عند محبوبته.

 

والاعتقاد بالقيمة العالية جدا للمحبوبة نتيجة سيكلوجية للاعتقاد بصعوبة الحصول عليها.  وفي رأي انه اذا لم يجد الرجل صعوبة في الحصول على أمرأة، لم يأخذ حبه لها الشكل الرومانسي.

 

فالحب الرومانسي كما يبدو في العصور الوسطى لم يكن موجها في البداية الى النساء اللواتي يمكن للعاشق ان يتصل بهن بصورة حميمة، اتصالا شرعيا او غير شرعي.  بل كان موجها الى ارقى النساء، واكثرهن احتراما واعلاهن مقاما، ممن تفصلهن عنه حوجز لا يمكن تخطيها من صنع الاخلاق او من صنع العرف.

 

وكانت الكنيسة الكاثوليكية قد تمكنت من اشعار الناس اعمق الشعور بأن الجنس رجس ونجاسة بحد ذاته، بحيث صار من المستحيل ان يشعر الرجل بعاطفة شاعرية نحو اي سيدة الا اذا كانت نظرته اليها انها امنع من عقاب الجو، فلا آمل في الوصول اليها او نيل وصالها.

ولذا كان لابد للحب، كي يتحقق له شئ من الجمال، ان يكون افلاطونيا.

 

ومن العسير جدا على المحدثين والمعاصرين او يتخيلوا، او يشعروا عن طريق خيالهم، بسيكولوجية الشعراء العاشقين في العصور الوسطى.  فهم يعبرون عن تعلق قلبي منفر، بدون اي رغبة في الوصال او الاتصال.  وهذا شيء يبدو للمعارضين الان امرا غريبا جدا، بحيث يخطر له ان عشقهم لم يكن الا نوعا من العرف الادبي السائد في زمن ما.

 

وما من شك في انه كان كذلك في بعض الاحيان، وما من شك ايضا ان اشكال التعبير كان يحددها العرف الادبي، ولكن حب دنتي لبياتريس كما هو مصور في كتابه "الحياة الجديدة" ليس مجرد تعبير ادبي عرفي او تقليدي، بل هو – على العكس – عاطفة اشد اتقادا من كل ما يعرفه معظم المعاصرين.

 

والواقع ان ذوي النفوس النبيلة من بين اهل العصور الوسطى كان رأيهم سيئا جدا في الحياة الارضية، وغرائزنا البشرية كانت تبدو لهم ثمرة  الفساد والخطيئة الاصلية، وكانوا يمقتون الجسد وشهواته.  والفرح النقي الخالص لم يكن ممكنا في نظرهم الا في اطار نشوة تأملية تبدو لهم خالية تمام الخلو من اي شائبة من شوائب الجنس.

 

وتطبيق هذه النظرة في مجال الحب لابد ان يثمر ذلك النوع من العشق الذي نجده عند دانتي.  والرجل الذي يحب ويحترم من كل قلبه أمرأة لا يمكن – في هذه الحالة – ان يقرن بها فكرة الاتصال الجنسي، لان اي نوع من الاتصال الحميمي لابد ان يكون دنسا الى حد ما، بالقياس الى طهارة المحبوبة المطلقة.  فلا مناص اذن من ان تتخذ حبه لها اشكالا شاعرية وخيالية يزخر تعبيره عنه بالرموز.

 

وكان اثر هذا كله على الادرب رائعا، كما يتجلى ذلك في التطور التدريجي لشعر الحب، منذ بدايته في بلاط الامبراطور فردريك الثاني حتى ذروة ازدهاره فيعصر النهضة.

 

ومن احسن الكتب موضوع الحب في اواخر العصر الوسيط، ماكتبه "هويزنجا" في مؤلفه الصادر سنة 1924 بعنوان "اقوال العصور الوسطى".

 

ونستخلص من المعلومات التالية:

"كان ذلك العصر يتسم بالبلاغة الخارقة، لكن نوع الحب الذي تجلى في اعمال الشعراء – وان لم يكن عفيفا تماما بالمعنى الكنيسي او الكهوني – الا انه كان راقيا، رفيقا فيه رهافة ونخوة.  ولكن مثل هذه الافكار كانت وقفا على الارستقراطين دون سواهم، لانها لا تقتضي الفراغ فحسب، بل تقتضي ايضا شيئا من التحرر من الاستبداد الكنيسي او اللاهوتي ... وكانت المباريات التي تبرز فيها دوافع الحب ممقوتة لدى الكنيسة، التي كانت في الوقت نفسه عاجزة عن قمعها او مصادرتها.  وكذلك ايضا كانت عاجزة عن مصادرة نظام الحب الفروسي".

 

ونحن في زماننا المعاصر عاجزون عن تخيل مبلغ ما يدين به العالم في ازمنة شتى للطبقات الارستقراطية.  ولكن مما لاريب فيه ان عصر النهضة ما كان ليسنى له بعث سطوة الحب لولا ان رومانسيات عصر الفروسية مهدت له الطريق.

 

اما في عصر النهضة فقد حدث انعطاف مفاجئ نحو وثنية العالم القديم، ولذا كف الجد عن الاصطباغ بالافلاطونية المسرفة.  وان ظل شاعريا في جوهره.  وفي وسعنا ان نتبين بوضوح رأي عصر النهضة في التقاليد والاعراف التي سادت العصور الوسطى (وهي عصور الفروسية) اذا ما طالعنا "دون كيخوته" وحبه لدولسينيا، في كتاب ثيرفا نتس الشهير.  ومع هذا لم يمح تأثير العصور الوسطى تماما، كما يتجلى هذا في مقطوعات (سونيتات) سيكسبير مثلا الى مستر و. هـ. ولكن الصفة السائدة في شعر الحبفي عصر النهضة هي الحبور والصراحة.

 

"لاتزدرني في فراشك"

"فالليالي الباردة تجمد اوصالي حتى الموت!"

كما يقول احد شعراء عصر الملكة اليزابيث الاول.  فالعاطفة هنا صريحة جدا ولا كبت فيها او كبح على الاطلاق، وليست فيها اي مسحة افلاطونية.  لكن عصر النهضة تعلم من حب العصور الوسطى الافلاطوني ان يستخدم الشعر في الغزل والتودد الى النساء.

 

ومن الغريب ان فيما قبل العصر الوسيط – وعلى كثرة شعر الحب ... فلما كان يستخدم الشعر بصورة مباشرة للغزل والتودد للنساء.

 

وهناك شعر صيني يصور احزان سيدة ما لغياب زوجها، وهناك شعر صوفي هندي، تبدو فيه الروح في صورة عروس تتلهف على قدوم عريسها، الذي هو الله.  ولكن المرء يشعر ان الرجال لم يكونوا ليجدوا صعوبة او عناء كبيرا في الحصول على النساء اللواتي يستهونهن، بحيت لم يكن هناك داعي قوي واستهوائهن بالموسيقى والشعر.

 

واذا نظرنا من زاوية الفنون، وجدنا ما يدعو للاسف قطعا لان النساء كن سهلات المنال اكثر مما ينبغي.  وكان الافضل للفن ان يكن عسيرات المنال، وان لم يكن الوصول اليهن في النهاية مستحيلا تماما.

 

وقد كان هذا هو الحال منذ عهد النهضة.  وكانت الصعوبات بعضها خارجي وبعضها باطني.  والصعوبات الباطنية مرجعها غالبا الى التحرج نتيجة التعاليم الاخلاقية العرضية او التقليدية.

 

ووصل الحب الرومانسي الى ذروته العليا في الحركة الرومانسية.  ولعل شيلي رسول هذه الحركة الاعظم. 

 

كان شيلي عندما يستولي عليه العشق يمتلئ بمشاعر رقيقة، ويفيض بأخيله وافكار بديعة تتخذ شكل التعبير الشعري.  وطبيعي انه كان يعد العاطفة التي اثمرت هذه الثمرات الجميلة عاطفة جميلة وحسنة، ولذلك لا يرى اي سبب يدعو لكبح الحب او تقييده.

 

ومع هذا كانت حجته هذه قائمة على سيكولوجيا رديئة او فاسدة.  فالقيود او العقبات التي كان يندد بها هي التي كانت تؤدي به فعلا الى نظم اشعاره البديعة، فلو ان الليدي اميليا فيفياني النبيلة المنكودة الحظ لم يزج بها في الدير، لما وجد شيلي ما يحفزه على كتابة قصيدته الرائعة فيها "اببسيشيديون".  ولولا ان حين وليمز كانت زوجة عفيفة لما كتب قصيدته "التذكار".

 

فالحواجز الاجتماعية التي ندد بها بكل عنف كانت عنصرا جوهريا في الحوافز التي دفعته لبذل اقصى طاقته لنظم اشعاره.  فالحب الرومانسي على النحو المتمثل في اشعار شيلي يقوم على اساس من التوازن غير المستقر.  فلو كانت هذه الحواجز او العقبات بالغة العتو بحيث لا محل للرجال في تخطيها بحال، او لو كانت غير موجودة اصلا، لما كان من المحتمل ان يزدهر الحب الرومانسي.

 

ولنتيجه – لتوضيح هذا الرأي – الى ظروف مناقضة تماما لما كان سائدا في حياة شيلي وامثاله.  ولنتجه الى النظام الصيني، حيث لا يلتقي الرجال بأي امرأة محترمة اللهم الا زوجته.  وان لم يجد فيها كفايته، ذهب الى ماخور وزوجته لم يخترها بنفسه، بل اختيرت له، ولعله كان يجهل وجودها تماما الى ان يزف اليها. وهكذا يجد الرجل الصيني علاقاته الجنسية بمعزل تماما عن الحب بالمعنى الرومانسي، ولا يجد امامه اي فرصة للغزل او التودد الذي ينشأ منه شعر الحب.

 

وكذلك في المجتمعات الطليقة من جميع القيود، لا يجد الرجل الموهوب او الشاعر اي مجال لاستخدام موهبته في الغزل، لان سحره الخاص يكفل له نجاحا سهلا مع النساء اللواتي يشتهيهن.  وهكذا نجد ان شعر الحب يقوم على توازن دقيق بين قيود العزف وبين الحرية، وليس من المحتمل ان يوجد على احسن صورة حيث يضطرب هذا التوازن افراطا او تفريطا.

 

بيد ان شعر الحب ليس الغريب الوحيد للحب، والحب الرومانسي.  قد يزدهر من غير ان يؤدي الى تعبير فني عنه.  وانا شخصيا اعتقد ان الحب الرومانسي ليس مصدر اعمق المباهج التي يمكن ان تقدمها الحياة.  ففي العلاقة بين رجل وامرأة يحب كل منهما الاخر حبا متقدا يتوفر له الخيال والحنان نجد شيئا ذا قيمة لا تقدر، من البلاء لاي كائن بشري ان يجهله.  واحسب ان النظام الاجتماعي ينبغي ان يتيح هذا الحبور وهذه البهجة، وان كانا مجرد عنصر من عناصر الحياة، وليس غرضها الاساسي.

 

وقد نشأت في العصر الحديث – اي منذ الثورة الفرنسية – عقيدة مؤادها ان الزواج ينبغي ان يكون ثمرة حب رومانسي.  ومعظم المحدثين – وعلى الاقل في الاقطار الناطقة باللغة الانجليزية – يأخذون هذه القضية مأخذ التسليم.  ولا يخطر ببالهم انها كانت الى عهد قريب مجرد بدعة.  والروايات والمسوحات التي يخوضه الجيل الجديد لتأكيد هذا الاساس للزواج في مواجهة الزواج التقليدي القائم على اختيار الاهل.  وهناك شيء من الشك في ان تكون هذه البدعة على المستوى الذي عقدت عليه آمال أنصارها المتحمسين.  فهناك جانب اخر من المعقولية في القول بأن الحب والنفور كليهما يبليان بمرور الوقت بعد الزواج، ولذا فمن الافضل ان يبدأ الزواج بشيء من النفور.

 

فمن المقطوع به ان الناس عندما يتزوجون بدون معرفة جنسية سابقة فيما بينهما وتحت تأثير الحب الرومانسي، ان كل واحد منهما يخال ان الاخر يخطى بما يفوق الكمالات والمزايا البشرية المألوفة لدى الناس، وأنه سيعيش معه في حكم لا ينتهي من احلام الهناء والسعادة.

 

وهذا هو الارجح في حالة المرأة التي تربت تربية يكتنفها الجهل والطهر، ولذا تعجز عن التميز بين الجوع الحميمي والتجانس في الشخصية.  والمشاهد ان الولايات المتحدة الامريكية سيطرت عليها فكرة الحب الرومانسي اساسا للزواج اكثر من اي مكان اخر في العالم، فكانت النتيجة ارتفاع نسبة خيبة الامل الفضية الى الطلاق المتكرر، وندرة الزيجات السعيدة.

 

ان الزواج شيء يتجاوز مجرد سعادة او لذة شخصين بما يكون من صحبة او عشرة فيما بينهما، لان الزواج مؤسسة، يفضى غالبا الى انجاب الاطفال، ولذا فهي جزء من صميم نسيج المجتمع، ولها اهمية تتجاوز كثيرا جدا المشاعر الشخصية للزوج والزوجة.

 

ولعل من الخير ان يكون الحب دافعا للزواج، ولكن ينبغي ان يكون مفهوما تمام الفهم ان نوع الحب الذي من شأنه ان يديم على الزواج سعادته ويضمن له تحقيق اغراضه الاجتماعية ليس الحب الرومانسي، بل هو نوع من الحب حميم، وحنون، وواقعي.

 

المحبوب في الحب الرومانسي ليست له صورة دقيقة عند الطرف الاخر، لانه يراه من خلال هالة من الضباب الباهر.  ومن الجائر بلا ريب ان تكون بعض النساء من نمط معين هذا غير ممكن الا اذا كان الزواج من نمط معين ايضا.  وبشرط ان تتجنب الاتصال الحميم الصريح الحقيقي بزوجها، كي يحوطها على الدوام غموض ابي الهول، في كل ما يتعلق بأفكارها ومشاعرها الدفينة، او الحميمة، بالاضافة الى شيء من التحشم الجسدي في جميع الظروف.

 

بيد ان مثل هذه "المناورات" تعوق الزواج عن تحقيق امكاناته التي تعتمد على الافضاء الودود الحميم، الذي لا يكتنفه وهم او ايهام.

 

يضاف الى هذا ان القول بضرورة الحب الرومانسي للزواج انما هو ضرب من الفوضية، لانه يتجاهل ان انجاب الاطفال هو الذي يجعل للزواج اهميته الخاصة.  فلولا الاطفال لم تكن بالمجتمع حاجة الى مؤسسة تنظم امور العلاقة الحميمة.  ولكن متى تعلق الامر بالاطفال، يجب على الزوج والزوجة ان يكون شعور كل منهما نحو الاخر لم تعد له الاهمية القصوى كذي قبل.

 

ان الاحوال الانتقالية المتغيرة للاخلاقيات الحميمة في الوقت الحاضر راجعة اساسا الى سببين: اولهما اختراع موانع الحمل، وثانيهما تحرير المرأة.

 

ان تحرير المرأة جزء لا يتجرأ من الحركة الديمقراطية، وكانت البداية هي الثورة الفرنسية، التي غيرت القوانين الوراثة لمصلحة البنات.  وكتاب "ماري ولستونكرافت" (دفاع عن حقوق المرأة) الصادر سنة 1972 ثمرة الافكار التي سببت حتى يومنا هذا تأكدت حقوق المرأة في المطالبة بالمساواة بالرجل بمزيد من الاصرار والقوة والنجاح.  وكتاب "جون ستيوارت ميل" (استعباد المرأة) كتاب مقنع قوي المنطق والحجة جدا، وكان له تاثيرا كبيرا على اهل الفكر والثقافة من ابناء الجيل اللاحق لجيله. ولقد كان من بين تلاميذه و مريديه والدي ووالدتي، والقت والدتي خطابا لصالح اعطاء المرأة حق التصويت في الانتخابات منذ سنة 1860.  وبلغ من شدة تعصبها للحركة النسوية انها اصرت على ان تتولى الاشراف على ولادتي اول سيدة طبيبة، وهي الطبيبة جاريت اندرسن، التي لم يكن لها في ذلك الوقت بمزاولة الطب، بل كانت مولدة قانونية فحسب.

 

ان النهج التقليدي المتبع مع الاطفال هو تركهم في عملية اقصى جهل يستطيع الاباء والمعلمون فرضه عليهم.  فلا يرون ابدا والديهم عارين من الثياب.  ومنذ سن مبكرة جدا لا يرون اخواتهم او اخواتهن من الجنس الاخر عراة.  ويحرم عليهم لمس الأعضاء  او الحديث عنها واي كلمة لها علاقة في العلقة الحميمة، تقابل بالزجر والاستنكار.  ويقال لهم ان طائر اللقق هو الذي يأتي بصغار الاطفال الحديثي الولادة، او ما الى ذلك من الخزعبلات.

 

ان الدافع للعلاقة الحميمة دافع قوي جدا، يتخذ اشكالا مختفلة في المراحل المختلفة للتطور والنمو.  فهو في الطفولة يتخذ شكل الرغبة في لمس مواضع معينة من الجسم والعبث بها.  وفي مرحلة متأخرة من الطفولة يتخذ شكل الفضول وحب الكلام "القدرة".  اما في مرحلة المواهقة فيتخذ شكلا اكثر نضوجا.

 

ولا شك في ان الانحراف او سوء السلوك في العلاقة مصدره الافكار الجنسية التي تمده بالقوة، فأفضل طريق الى العفة او الفضيلة هو شغل اذهان واجساد الاطفال بأنشطة لا علاقة لها العلاقة الحميمة.  لذا ينبغي تجنب التحدث اليهم بأي شيء عن الجنس.  ويجب منعهم بقدر الامكان من الكلام عنه.  وعلى الكبار ان يتظاهروا بعدم وجود موضوع من هذا القبيل.

 

ومن الممكن بهذه الوسائل ابقاء الفتاة في حالة جهل تام بحقائقه وكل ما يتصل به حتى تحين ليلة زفافها.  وعندئذ من الطبيعي ن تصدمها مواجهة هذه الحقائق صدمة قوية تحدث لديها موقفا من العلاقة هو بالضبط الموقف الذي يريده الاخلاقيون التقليديون ويستحسنونه من المرأة.

 

اما فيما يتعلق بالغلمان، فالمسألة اصعب من هذا، لانه ليس من الممكن ان يظلوا جاهلين بحقائق العلاقة الحميمة الى ما بعد الثامنة عشر او التاسعة عشرة من اعمارهم على الاكثر.  فالاوفق اذن ان نقول لهم ان الاستمناء – اي العادة السرية – تؤدي حتما للجنون، وان الاتصال الجنسي بالبغاء يؤدي حتما للاصابة بالامراض الرية.  وكلا هذين القولين غير صحيح علميا، في نظر الاخلاقيين التقليدين – اكاذيب بيضاء، ما دامت، تقال خدمة للاخلاق وصيانة لها.

 

ويقال للغلمان ايضا ان اي حديث عن الامور في العلاقة الحميمة غير مسموح به، حتى بعد الزواج.  وهذا يؤدي غالبا الى ان يشعر زوجته بأن الجنس شيء مقزز، وهكذا يحميها من مخاطر الفسق او الزنا.  اما الجنس خارج اطار الزوجية فهو خطيئة واثم كبير، وان كان ليس كذلك في اطار الزواج، لانه الوسيلة الضرورية لاستمرار النوع عن طريق انجاب الذرية، فهو اذن "واجب" بغيض على البشر منذ سقوط ادم، وعلى الانسان الفاضل المحترم ان يقدم على الاتصال الجنسي على مضض، بأعتباره شرا لابد منه، وبنفس الروح التي يقدم بها على الاستسلام لعملية جراحية.

 

ومن سوء الطالع ان الفعل للعلاقة الحميمة مقترن غالبا بلذة عظيمة، مالم تتخذ احتياطات وتبذل جهود جبارة لمناهضة ذلك.  ولكن الشحنات "الاخلاقية" الكافية كفيلة بالحيلولة دون هذه اللذة، ولا سيما عند النساء ...

 

ويضاف الى هذا الضرر العقلي او الثقافي ضرر خلقي جسيم في معظم الاحوال.  وقد بين سجموند فرويد بوضوح – وهذا ايضا ما يكتشفه كل من يخالط الاطفال عن قرب – ان اساطير اللقلق وما اليها التي تفسر بها ولادة الاطفال لا تجد تصديقا عند الصغار غالبا.  وهكذا يدرك الصغير ان والديه يكذبان عليه.  وما داموا يكذبون في موضوع ما، فلعلهم ايضا يكذبون في غيره من الموضوعات.  وبذلك تنهار هيبتهم والثقة بهم.  وتنهار بالتالي سلطتهم المعنوية.

 

ان الحب من اهم الامور في الحياة البشرية، والحب لا يصدق على كل علاقة بين جنسين بلا تمييز، بل هو علاقة لا بد ان تنطوي على عاطفة قوية، وهو لهذا علاقة نفسية بقدر ما هي جسدية.  ويمكن ان يصل الحب الى اية درجة من درجات الشدة او العمق.

 

ولئن كانت القدرة على التعبير الفني عن عاطفة الحب نادرة، فأن هذه العاطفة نفسها – في اوربا على الاقل – ليست نادرة.  وهي اكثر شيوعا في مجتمعات معينة مما هي في سواها.  وهذا لا يتوقف على طبيعة الناس انفسهم بل على اعرافهم وتقاليدهم ومؤسساتهم.  فهذه العاطفة نادرة في الصين، وتتبدى في تاريخ البلاد سمة من سمات الاباطرة الفاسدين الذين كانت تسوسهم وتسيطر عليهم المحظيات.  والثقافة الصينية التقليدية مناهضة لكل العواطف القوية، ترى انه يجب على المرء في جميع الظروف ان يتمسك بسلطان العقل ويصونه من التزعزع.  وهم في هذا شبيهون بما كنا عليه في اوائل القرن الثامن عشر.

 

ونحن الذين نملك في تراث تجاربنا الحركة الرومانسية، والثورة الفرنسية، والحرب العالمية، نعي تمام الوعي ان دور العقل في الحياة البشرية ليس بالقدر الذي نتمناه من السيطرة.  والعقل نفسه قد انقلب الى خائن بخلقه عقيدة التحليل النفسي.

 

والعوامل الثلاثة الرئيسية المتجاوزة للعقل في الحياة العصرية هي الدين، الحروب، والحب.  فهذه الثلاثة تتجاوز العقلانية تماما.  ولكن الحب ليس مضادا للعقل.  اي ان الشخص العقلاني يمكن ان يبتهج ويظل عقلانيا مع انه يحب.  اما الدين المسيحي فهو مضاد للحب (بمعناه الجنسي) لان الدين المسيحي قائم على التقشف والزهد.

 

بيد ان الحب صار له عدو اخر ألد من الدين المسيحي، في العصر الحديث، وهو "انجيل" العمل والنجاح الاقتصادي.  فالمعتقد عموما – ولاسيما في امريكا – ان الرجل ينبغي ان لا يسمح للحب بالتدخل في حياته العملية ومستقبله فيها، وان سمح بذلك كان غرا احمق.  ولكن المسألة هنا – كما في جميع الامور البشرية – مسألة لابد فيها من التوازن.  فتضحية العمل والمستقبل العملي تماما في سبيل الحب قد تكون حماقة، ولكن في مقابل هذا نجد التضحية الكاملة بالحب في سبيل العمل والمستقبل العملي والنجاح فيه حماقة ايضا، وعملا لا اثر للبطولة فيه.

 

ومع هذا كله فكثيرا ما يضحي الرجل بمستقبله ونجاحه في سبيل الحب، ولا يجد لنفسه من ذلك مفرا، في مجتمع يقوم نظامه على اساس من التزاحم الكلي بالمناكب على المال، كمجتمع امريكا.

 

وتصور حياة رجل اعمال نمطي او نموذجي في العصر الحاضر، ولاسيما في امريكا: تجده منذ اوائل صباه يوقف كل قواه وافضل افكاره للنجاح المالي، بحيث تصير سائر امور الحياة مجرد ترفيه لا اهمية له الى جانب هذا.  وفي ريعان شبابه يشبع احتياجاته البدنية من الى حين بالالتجاء الى البغايا.  وعندما يتزوج تكون اهتماماته كلها مختلفة عن اهتمامات زوجته، ولا تكون بينه وبينها صلات حميمة بمعنى الكلمة.  فهو يعود من مكتبه متأخرا ومجهدا، ويصحو في الصبح قبل ان تصحو زوجته.  ويقضي عطله الاحد في لعب الجولف، لان النشاط الرياضي ضروري كي يحتفظ بلياقته في معركة المال!

 

وتبدو له اهتمامات زوجته مغرقة في نسويتها.  ومع انه يقرها عليها احيانا، ولكنه لا يشاركها أياها أبدا.  ولا وقت لديه للحب غير الشرعي، كما أنه لا وقت لديه للحب الزوجي الشرعي.  وان كان من حين الى اخر يزور يغيا معنية او حيثما اتفق اثناء اسفاره العملية.

 

ولعل زوجته تظل باردة في العلقة الحميمة أزائه، وهو امر لا يدعو للدهشة.  وهي في أعماقه اللاشعور غير مكتف، بل ساخط ومحروم عاطفيا، ولكنه لا يدري لماذا!  بل يغرق كل سخطه في العمل اساسا، ويغرقه احيانا في لذات سادية يستمدها من مشاهدة مباريات الملاكمة، او الاشتغال بمطاردة ذوي الاراء المتطرفة واضطهادهم.

 

والزوجة الساخطة في اعماقها ايضا تجد متنفسا لها في الثقافة الرخيصة، وبمناصرة العفة على صورة معينة، وهي تنغيص حياة من يعشون حياة سخية طلقة متحررة. 

 

 

 

وهكذا يتحول الافتقار الى الاشباع الجنسي الصحيح لدى الزوج ولدى الزوجة كليهما الى كراهية للجنس البشري تتنكر في صورة اهتماما بالمسائل العامة والمعايير الخلقية.

 

وهذه الحالة التعسة راجعة – الى حد بعيد – الى مفهوم خاطئ لاحتياجاتنا العلاقة.  فالقديس بولس اعتقد فيما يبدو ان الشيء الوحيد الذي تدعو اليه الحاجة في الزواج هو اتاحة فرصة للاتصال الجنسي.  وقد شجع هذا الاتجاه جميع الاخلاقيين المسيحين، فقد اعماهم بغضهم العلاقة عن جميع الجوانب الراقية المرهفة للحياة الجنسية، بحيث ان من تلقوا التعليم في حداثتهم على يد هؤلاء يمضون في حياتهم غافلين عن افضل قدراتهم ومكاناتهم.

 

ان الحب شيء يتجاوز الرغبة او شهوة الاتصال عبر العلاقة، لانه الوسيلة الوحيدة للنجاة من الوحدة او الوحشية التي ينكب بها الناس في معظم اوقات حياتهم.  ففي اعماق معظم الناس خوف فظيع من برودة العالم وقسوة القطيع، وفيهم لذلك – تشوق الى المودة والاعزاز، كثيرا مايخفى تحت مظاهر الخشونة والجلافة و (الرذالة) لدى الرجال، وتحت مظاهر المناكفة والشكاسة لدى النساء، والحب المتقد المتبادل هو الذي وضع حدا ما استمر متبادلا – لهذه المشاعر، لانه يهذم اسوار الانا، ويخلق كائنا جديدا مكونا من انصهار كائنين في واحد.

 

ان الله لم يخلق الكائنات البشرية كي تعيش منعزلة متوحدة، ما داموا لا يستطيعون تحقيق اعراضهم الحيوية الا بمساعدة الاخرين.  والمتحضرين لا يستطيعون الوصول الى الاشباع في العلقة الحميمة بغير حب.  فهذه الغريزة لا يتم لها الاشباع الكامل ما لم يدخل كيانه في هذه العلاقة الحميمة جدا، نفسيا وعقليا وجسديا في ان واحد.  ومن لم يعرفوا قط هذه العلاقة الحميمة بكل عمقها، وسعادة الحب المتبادل العميقة، فقد فانهم اثمن ما يمكن ان تقدمه لهم الحياة البشرية.  وهم يحسون هذا – لا شعوريا ان لم يكن شعوريا – فتدفعهم الاحباطات الناجمة عن ذلك الى الحسد والظلم والقسوة.

 

فاعطاء الحب العاطفي المتقاد مكانه الطبيعي موضوع ينبغي ان يهتم به المشتغل بعلم الاجتماع، ولان الناس ان فاتهم هذا الحب بما يتضمنه من خبرة وتجربة لم يستطيعوا النمو نفسيا الى الحد الاقصى، وغدوا احتراما من الناحية النفسية، وعجزوا عن الاحساس نحو سائر العالم بذلك النوع من السخاوة والسماحة والدفء، فتغدو نشاطاتهم في الحياة ضارة قطعا.

 

ان معظم الرجال والنساء – اذا تيسرت لهم الظروف المواتية – يشعرون بالحب المتقد في فترة ما من حياتهم.  اما غير المجرب فمن الصعب عليه جدا ان يميز بين الحب المتقد والجاذبية العادية.  وهذا هو الحال على الخصوص مع الفتيات حسنات التربية اللواتي علموهن انهن لا يملن الى تقبيل رجل ما لم يحينه.

 

واذا كان متوقعا ان تكون عذراء عندما تتزوج فكثيرا جدا ما تقع في حبائل جاذبية عابرة تستطيع امرأة ذات تجربة او خبرة في العلقة الحميمة ان تميزها بسهولة من الحب.

 

ولا شك في ان هذا كان سببا كبيرا وشائعا لشقاء زيجات كثيرة، وحتى عندما يوجد الحب المتبادل.  قد يسممه اعتقاد احد الطرفين بانه خطيئة او اثم.  وقد يكون هذا الاعتقاد على اساس صحيح بالطبع.  فهذا "بارنل" مثلا قد اثم بلاشك عندما ارتكب الزنا، لانه اخر تحقيق اماني ايرلندا سنوات طويلة.

 

ولكن حتى عندما يكون هذا الاحساس بالاثم غير قائم على اساس صحيح، فانه لا محالة يسمم الحب.  فان كان يراد للحب ان يجلب كل الخير او الطيبات التي يستطيع ان يمنحها، فلابد له ان يكون، سخيا، سمحا، غير مقيد، ومن صميم القلب وبكل الكيان.

 

ان الاحساس بالاثم او الخطيئة الذي تربطه التربية التقليدية بالحب، حتى الحب داخل نطاق الزواج، كثيرا ما يعمل لاشعوريا لدى الرجال ولدى النساء، ولدى من تحرر وعيهم الظاهر ولدى من يناصرون التقاليد القديمة على السواء.

 

ولهذا الموقف اثار شتى متباينة، لانه كثيرا ما يجعل الرجال غلامنا غير عطوفين، بل بهيميين في اتصالاتهم الجنسية، لانهم لا يجسرون على الكلام عن الحب ولا عن العلاقة بما يضمن لهم تحريك مشاعر المرأة الرقيقة، ولا يقدرون اهمية الاقتراب التدريجي من الفعل الختامي، ذلك الاقتراب الذي لاغنى للمرأة عنه كي تشعر باللذة والانتشاء.  بل انه يفوقهم ادراك ان المرأة ايضا لابد لها من الشعور بالانتشاء.  وانها ان لم يشعر به كان التقصير في هذا واقعا على الرجل. 

 

ويشيع بين النساء ذات التربية التقليدية الزهو او الفخر ببرودهن في العلاقة، فهن متحفظات جدا جسديا، ولديهن نفور مبدئي من اي صلة جسدية حميمة, ولهذا لايعطين ذواتهن بسهولة في الفعل حتى مع الزوج.  ويجب ان يكون الزوج او العاشق بارعا جدا كي يتغلب على هذا التهيب.  اما الرجل الذي يحترم هذه التهيبات ويعجب بها على اساس انها التربية العالية والعفة النسوية فلن يتسنى له التغلب عليها طبعا.  ويترتب على هذا ان تظل العلاقات بين الزوج والزوجة لسنوات طويلة بعد الزواج محدودة مقيدة ورسمية او شكلية.

 

وعلى ايان جدودنا، لم يكن الازواج يتوقعون مطلقا ان يروا زوجاتهم عاريات الاجساد مطلقا.  وكانت زوجاتهم خليقات ان يصيبهن الارتياح ان سمعن بشيء من هذا القبيل.  ولم يزل مثل هذا الاحتشام باقيا الى اليوم لدى بعض الاوساط المحافظة، او لم تزل اثاره في اللاشعور تكبل علاقاتهم الزوجية.

وثمة عقبة سيكولوجية اخرى تحول دون اكتمال تطور ونمو الحب في العصر الحديث، الا وهي خشية كثيرين من الناس ان يفقدوا تحت سلطان الحب فرديتهم الخاصة.  وهذا ضرب جديد من الحماقة!

 

ان الفردية ليست غاية في ذاتها، بل هي شيء يجب ان يدخل في اتصال مثمر مع العالم، وفي هذه الحالة يجب ان تفقد الفردية عزلتها او انفصالها.  فالفردية التي تحفظ تحت ناقوس من الزجاج تذوي، اما الفردية التي تتوصل مع الاخرين في صلات بشرية فتزداد ثراء.  والحب والاطفال والعمل هي المصادر الكبرى للاتصال المثمر الخصيب بين الفرد وسائر العالم. 

 

واول هذه المصادر الثلاثة عادة من حيث التاريخ الزمني، وهو الحب فضلا عن انه ضروري او اساسي لافضل نمو وتطور للاعزاز الابوي لان الطفل يحمل خصائص كلا الوالدين، وما لم يكونا متحابين، فسوف ينهج كل منهم بخصائصه شخصيا عندما تبدو في اطفالهما، وتتألم لظهور خصائص الطرف الاخر لديهم.

 

واما العمل فليس على الدوام وسيلة للصلة المثمرة بالعالم الخارجي.  وسواء كان الامر هكذا ام لم يكن، فهذه مسالة تتوقف على الروح التي يمارس ان تكون له هذه القيمة.  اذ لايتصف بهذه  الصفة الا العمل الذي يجسد شيئا من الولاء سواء بازاء الاشخاص، او الاشياء، او حتى الولاء لحلم او رؤية ما.

 

والحب نفسه لا يمكن ان تكون له قيمة عندما يكون تملكيا فحسب، فهو في هذه الحالة في نفس مستوى العمل لجمع المال فقط.  اما للحصول على ذلك النوع من القيمة الذي نتحدث عنه، فلابد للمحب ان يشعر بان "انا" و "انت" المحبوبة لها من الاهمية مثل ما لذاته شخصيا، وان يحقق مشاعره ورغباته كانما هو يحقق مشاعره ورغباته الخاصة.

ومعنى هذا انه يجب ان يكون هناك امتداد او توسع غريزي ... وليس واعيا فحسب للمشاعر الانانية بحيث تشمل مشاعر المحبوب ايضا.  وهذا ما جعله في مجتمعنا التنافسي عسير التحقق، تعترض سبيله العبادة الحمقاء لفكرة "الشخصية" الفردية او المنفردة التي ندين بها للبروستانتية من جهة، وللحركة الرومانسية من جهة اخرى.

 

ويتعرض الحب بالمعنى الجدي الذي نقصده لخطر جديد بين صفوفالمتحرريم المحدثين.  فالناس عندما لايشعرون باي حاجز او قيد خلقي يحول بينهم وبين الاتصال الجنسي في كل مناسبة، ولو بدافع سطحي تافه الى ممارسته، يتعودون الفصل بين العلاقة والعاطفة الجادة، وبينه وبين الشعور بالاعزاز والمودة والحنان.  بل قد يصل الامر بهم الى ربطه بمشاعر الكراهية او العنف الساري.  وروايات الدوس هلساي تقدم لنا اوضح نموذج لهذا الفصل.  فشخصيات هذه الرويات ترى الاتصال في العلاقة منافسا ليس الا، ويبدو انهم يجهلون تمام الجهل القيم العليا التي يمكن ان ترتبط بها الممارسة في العلاقة الحميمة، وليس بين الفصل وبين الاتجاه المناقض لهذه الاباحية، وهو التقشف، الا خطوة واحدة.

 

ان للحب مثله العليا الخاصة به، ومعاييره الخلقية الكامنة فيه.  وهذا ما طمسته المعايير المسيحية، كما طمسته (اوداسته) حركة التمرد العمياء الخالية من التميز ضد كل الاخلاقيات في العلاقة، وهي الحركة التي انبثقت لدى قطاعات عريضة من الجيل الجديد.

 

ان الممارسة المنفصلة عن الحب عاجزة عن تحقيق اي اشباع عميق للغريزة يمكن ان يعتد به.  وليست اقصد بهذا انه ينبغي الا يحدث اصلا، لان هذا الخطر سيقيم حواجز جديدة صارمة تجعل الحب نفسه عسيرا جدا.  وانما اعني ان الممارسة  المجردة من مشاعر الحب قليلة القيمة جدا، وينبغي ان ينظر اليها اساسا على انها مجرد "تجريب" المقصود به البحث عن الحب ... من قبيل المحاولة والخطأ.

 

فالحب اذن خليق من ان يكون له مكانة معترف بها في الحياة البشرية.  ولكن الحب قوة فوضوية، ان نحن تركناها طليقة من كل قيد لم يسن ابقائها داخل اي حدود – مهما اتسعت – مما يمكن ان يقتضيه القانون او العرف.  وهذا قد لايكون امرا خطيرا جدا لو انه يمكن ان يمس الاطفال.  اما ان وجد الاطفال، فنحن امام وضع جديد، ومجال مختلف عن العلاقة والحب المستقلين، لان الحب في هذه الحالة يفقد استقلاله الذاتي ويصبح في خدمة اغراض السلالة البيولوجية.

 

فلا مفر من اخلاق اجتماعية فيما يتعلق بالاطفال، ولابد ان تجور على مطالب الحب العاطفي عندما تتعارض مع مصلحتهم ومقتضيات امنهم وتربيتهم.  بيد ان الاخلاق الاجتماعية الحصيفة هي التي تقلل بقدر الامكان هذا التعارض، لان الحب خير في حد ذاته فحسب، بل ايضا لان الحب مدد طيب وسند عظيم وغذاء نفسي مطلوب للاطفال، عندما يربط هذا الحب بين والديهم.

 

ان التدخل في الحب العاطفي لحساب الاطفال، ينبغي ان يكون من الاغراض الرئيسية للاخلاق الحكيمة.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.