اخر الاخبار:
قاضٍ أمريكي يُغرّم ترامب ويهدده بالسجن - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 20:36
مصدر: صفقة «حماس» وإسرائيل قد تتم «خلال أيام» - الثلاثاء, 30 نيسان/أبريل 2024 11:00
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

تحويل إرادة السفارة الى مطالب شعبية - بين تشرين وحكومة السوداني// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صائب خليل

 

عرض صفحة الكاتب 

تحويل إرادة السفارة الى مطالب شعبية - بين تشرين وحكومة السوداني

صائب خليل

1 نيسان 2024

 

لم يكن من بين متظاهري تشرين الا نسبة ضئيلة ممن يعمل للسفارة، لكنها كانت تقودها وتشرف على تمويلها وبرامج ادامتها من ترفيه وغيرها.. وتعاونت معها جهات ومؤسسات واحزاب عديدة، بوعي (غالبا) او لانخداع.

المهم، ان مسيرة تشرين كانت بيد السفارة وأهدافها (المحددة) كانت تكتب فيها وما تحقق منها كله كان "إنجازات" للسفارة نذكر منها قبول تعيين من فرضته السفارة من عملائها وبشكل مباشر وصريح هذه المرة وما نتج عن ذلك من كوارث أدت في النهاية الى حكومتها الحالية وإحكام قبضتها على الأمن، وكذلك تغيير قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وخلق مرشحين وأحزاب اكثرهم من العملاء واحدهم كان ينادي صراحة بالعلاقة مع إسرائيل، وأخيرا وليس آخرا تغيير قانون الانتخابات إلى الانتخاب الفردي، وهو المثال الذي اخترناه لموضوع حديثنا حول تحويل رغبة السفارة الى مطلب شعبي!

 

لما طرحت تشرين تغيير قانون الانتخابات النسبي المعمول به إلى القانون الفردي اصبت بالدهشة لأسباب عديدة!

 

أولا، لأن القانون السابق كان من افضل القوانين الانتخابية، والقانون المقترح هو أسوأ القوانين المعروفة إطلاقاً، وفيه نقاط ضعف تجعله مؤذ بشكل خاص للعراق ووضعه الاجتماعي، ويمكن الاستمرار في تعداد مساوئه لكن هذا يبعدنا عن موضوعنا..

ثانيا السبب الذي طرحته تشرين هو ان القانون المطروح سوف يحمي العراق من وصول الأحزاب الكبيرة الى السلطة فيعيدها للشعب! وطبعا هذا ليس كلام فارغ فقط انما هو العكس تماما، فهناك دراسات عن تجارب كل القوانين، تبين ان القانون المقترح ينتهي بعد بضعة انتخابات الى وضع كل السلطة بين حزبين متنافسين، وهو نفس القانون تقريبا المطبق في اميركا وبريطانيا!

ثالثا موضوع الخيار بين أنظمة الانتخابات موضوع معقد جدا ومن الصعب جعله مطلبا شعبيا حتى بين المثقفين، فكيف صار كذلك بين مجموعات اغلبيتها تكاد تفخر بجهلها وتعتبره نقطة قوتها؟

رابعا هو مشروع كان يسوق له احد المحتالين الذين يرأسون احدى المنظمات التي اسستها السي آي أي في اميركا لمتابعة الشأن العراقي وكان يتهرب من أي نقاش حول الموضوع نعرضه عليه.

وخامسا وأخيرا، تبين انه كان مشروع قانون تم طرحه في البرلمان ولم يحصل على أي أصوات قبل سنتين من قيام تظاهرات تشرين!

 

هدف فشل قبل سنتين! فمن كان وراءه؟ وكيف حشره بين اهداف تشرين، وهم لا يعلمون، وصار "مطلبا جماهيريا" ترفض تشرين التنازل عنه!!؟ ما علاقة هؤلاء الذين يصرخون بهتافات مشوشة مثل "نريد وطن" ويؤمنون بأنهم فوق البشر "بطفرة جيلية" بمثل هذا الموضوع العلمي المعقد؟ وما علاقة مطالبهم المعلنة "بالوطن" بنظام انتخابي معروف عنه انه يمزق الأوطان ولا يوحدها؟ كيف تم تسويق هدف معاكس لأهدافهم على أنه "مطلب" عزيز لهم؟

 

نفس الشيء بالنسبة لتغيير قانون المفوضية العامة المستقلة للانتخابات، حيث جرى تثبيت الخلل وزيادة إمكانية سيطرة السفارة عليها بتغيير المفوضين الى "قضاة" ليس لهم اية علاقة بتلك المهنة، وزيادة حصة كردستان فيها!!

هل يمكن ان تكون هذه فعلا مطالب تشرينية؟ مستحيل، ولنفس الأسباب السابقة..

 

أهداف من هي إذن؟ يمكننا تتبع "المستفيد". إنها اهداف تخريبية لسلطة الشعب على بلاده، ومن يستفيد من ذلك هي السفارة ومنظومة الفساد والرشوة في البلد. وبما ان الأخيرة منظومة بليدة، وبما ان تشرين كانت تهاجم الأهداف الإيرانية بعنف جنوني، فالمرشح المتبقي هو السفارة! إنها الجهة التي تملك كل المؤهلات لتشرين، وتمتلك كل المصالح في نتائجها!

 

لماذا ننبش الماضي من جديد؟ لنفهم منه الحاضر! فيبدو لي ان "اتفاقية الشراكة الدائمة" التي سيتم توقيعها بين اميركا وحكومتها التابعة في العراق، ليست سوى تكرارا لهذا السيناريو!

وإلا كيف نفسر أن يأتي السوداني ويحاول اقناع الناس أن ذهابه الى واشنطن لتوقع "اتفاقية شراكة دائمة" هو نتيجة لغضبه على اغتيال الامريكان لمقاتلي الحشد الذين يقعون تحت مسؤوليته وقيادته؟ أي مجنون يعقل ان تغضب من جريمة يرتكبها احد، فتذهب اليه بـ "اتفاقية شراكة دائمة"؟.

هذه لم تكن الأولى، ولم تكن السفارة ستجرؤ على محاولتها لولا انها حاولت قبلها بأمور اقل وضوحا ونجحت.

مثلا قرار "تحويل أراض زراعية الى سكنية" هو جريمة بحق الاقتصاد وحق البيئة، تم تحويلها الى "إنجاز" للسوداني و "لأول مرة في العراق"!

قرار دعم القطاع الخاص بضمانات سيادية، جريمة هائلة بحق العراق واقتصاده ومستقبله، تم استخدامها على انه "إنجاز" للسوداني و "لأول مرة في العراق"!

وغيرها كثير! تسليم السلطة على سماء العراق لشركات اجنبية، استيراد الكهرباء المنتجة في الأردن بغاز إسرائيلي (عبارة عن استيراد مموه للغاز الإسرائيلي بدلا من الايراني)، تسليم إدارة المستشفيات للأجانب.. تسليم كامرات الطرق لشركات مرتبطة بإسرائيل.. تسليم حتى بناء الشقق السكنية والمدارس الى شركات اجنبية!! منح تلك الشركات منح هائلة بشكل أراض، واعفاءات من شروط العقود وقيام رئيس الحكومة بنفسه بتوقيع العقود ودون الرجوع لا للبرلمان ولا غيره من المؤسسات وبدون مناقصات وبدون شفافية على الإطلاق!.. وكل ذلك يسوق على انه "محاربة لوباء الفساد"! فأية وقاحة!

 

هذه كلها تطبيق لمبدأ "قلب المخازي الى إنجازات" او حشر خطط سفارة لتخريب البلد، وكأنها كمطالب شعبية وطنية في ذهن المواطن!

ولو لاحظ هذا المواطن، فأن قلب تلك "الإنجازات" سيبدو معقولا اكثر:

تخيل ان نقلب ما قالته الحكومة ونسمعها تقول مثلا بأنها غيرت خطط البناء لتكون بناءا عموديا مرتفعا، لتوفير الأراضي للزراعة لخدمة اقتصاد البلد! سيكون كلاما عقلانيا لا يستطيع احد الاعتراض عليه!

أنها زادت من شفافية العقود ووضعت رقابة اكثر عليها لتضمن تنفيذها لشروط التعاقدات!

أنها وضعت شروطا إضافية للاقتراض من الخارج.. انها اشترطت عدم قبول أي استثمار اجنبي إلا بعد التأكد من عدم وجود استثمار وطني للمشروع، وعدم منح أي مشروع للقطاع الخاص الا في حالة عجز الدولة عن القيام به بنفسها أو عجزها عن تقديم جدوى اقتصادية كافية بتنفيذها له، زيادة قدرة البرلمان للوصول الى المعلومات في الدولة.. الخ الخ.. كم كان ذلك سيكون مفهوما وجميلا!

لكن ما يحدث العكس تماما..

يرتكب الامريكان جرائم الاغتيال ويفاخرون بها، وبدلا من أن يقوم الرئيس بإجراءات لمحاكمتهم، او على الأقل بمطالبتهم بالخروج خلال 24 ساعة من البلاد وطرد السفير او استدعائه على الأقل، كما يفترض بأي رئيس مستقل عن العمالة ويملك الكرامة في بلد حر، فإنه، وبعد بعض الضوضاء عن "حزنه" لعملهم او "زعله" عليهم، يهرول لعقد "شراكة دائمة معهم"!! هل هذه عقوبة أم مكافأة؟؟ هل تعاقب بذلك من يغتال اهلك عمدا ويفاخر بجريمته، أم تكافئه؟؟

ليس ذلك فقط، بل ان الحكومة تقدم ذلك على أنه تلبية لـ "مطلب شعبي"!! تخيلوا شعبا يُقتل ابطاله الذين يعتز بهم، فـ "يطالب" بمكافأة القاتل بعقد "شراكة دائمة معه"!!

كيف نفسر قبول الشعب عموما للفكرة دون غضب واضح؟ إنه الاعلام الرهيب الذي تسيطر عليه السفارة اكثر من سيطرتها حتى على القوات المسلحة في البلد، وعلى قواه السياسية! انه السلاح الذي لم يع الناس حجم خطورته حتى الآن. وتخيلوا فيروسا يخترق الدماغ ويتمكن من وضع مادة تقلب الإشارة بين العقد العصبية، فما الذي يحدث للمصاب بهذا الفيروس؟ إنه نفس ما يحدث للشعب اليوم الذي يعيش على إعلام ووسائل تواصل يسيطر عليها عدوه، فيقلب له الاخبار والاشارات ويقنعه بأن العدو صديق والصديق عدو، والفضيحة انجازاً والعميل وطني! اعلام بدل ان يقوم بزيادة وعي الشعب واستثارة غضبه، فأنه يتفرغ لإرهاب الشعب وتخويفه من أي اجراء بحق المعتدي، وتصويره أن أي رفض سيكاد يوصل البلد الى دمار نووي!

 

إن من يملك تلك السلطة على شعب، لا يصعب عليه ان يخمد غضب الشعب، بل حتى أن يقلب غضب الشعب لصالحه! فما ان يغضب الشعب، حتى ترسل السفارة الى الحكومة العميلة بإخراج أحد المطالب الصعبة للسفارة من الدرج، وتقديمها على انها "رد" على الجريمة، وانها "إنجاز" للحكومة وتعبير عن استقلالها عن السفارة!

فـعقد "اتفاق شراكة دائم" مع اميركا، يبدو أحد اختراعات أجهزة السفارة المؤجلة التنفيذ لتكبيل العراق، اكثر بكثير مما يبدو أنه رد على جرائم اغتيالاتها! لكن "إعلامنا" المأبون لن يخبرنا بذلك! الإعلاميون لن يسألوا أسئلة يمكن ان تكشف ذلك، و"المحللين" لن يقتربوا من هذه الفكرة الخطرة. المجندون في هذه الجيوش يقبضون رواتبهم مقابل ان لا يسمحوا لنا أن نفكر بشكل معقول!

 

لقد تصورنا أن حجم الاستغفال الذي فرضته السفارة أيام تشرين صار من الماضي ومضى مع مناظر حرائق تلك الفترة ودخانها وتأثيرها على الأدمغة، لكن الحقيقة اننا نعيش في استغفال دائم وفي "تشرين دائم" تحت تأثير جيوش عملاء السفارة في الطيف السياسي وجيوش مجندي الإعلام واسلحتهم في اشغال عقولنا ونفوسنا بالترهيب والطائفية والضغط والسخف وحتى رشاوي الخدمات.. حتى نصل الى حالة هلوسة نرى فيها أن "عقد شراكة دائمة" هو رد وطني كما تقول الحكومة، على اغتيال من نعدهم ابطالنا، وأنها علاقة ثابتة مناسبة مع القتلة!

إن من ينجح بإقناعك بأن ما يريده عدوك، هي "مطالبك"، يستطيع دفعك للانتحار دون ان تدري!

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.