اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقدمة رواية "زقاق المهمشين"!// محمود حمد

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمود حمد

 

عرض صفحة الكاتب 

مقدمة رواية "زقاق المهمشين"!

محمود حمد

 

في دورتها الأزلية الأبدية تطحن عجلة الحياة الأفراد والأمم دون تمييز؛ تخلف وراءها غبارًا يقتات عليه الدبيب، وعلى هوامشها حبوب غنية افلتت من سحقها لها، وانغرست بذارًا في طين الأرض الحُرِّ، لتكون سنابل خصب، لا يدرك قيمتها الطاحنون البلهاء إلا في مواسم القحط.

ورغم ادعاء (القطيع) بامتلاكهم "الحقيقة" التي ينطق بها من يُدير طاحونة التجهيل والتفاهة... إلاّ أن "الحقيقة" غالبًا ما تكون كامنة في عقول المهمَّشين المقموعة، وعلى السنتهم المعقودة.

أجيال من المُهَمَّشين يتسللون من ثقوب في جدار الزمن المظلم، بحثًا عن (وطن!) يأويهم من جحيم غربتهم في وطنهم؛ يهربون من أوطانهم المُهَمَّشة تاركين خلفهم عوائلهم مُهَمَّشةٌ، تنتحب عليهم ليل نهار؛ ينهشها البؤس والترقب.

وعلى هامش المجتمع الذكوري المُهَمَّشِ تُقصى المرأة بتعسٍف متوارٍث، متحديةً: قمع حريتها، وتكبيل إرادتها، وإنكار قدراتها، واغتصاب رغباتها...وصمود عشقها الحي بين أنياب الفقر المدقع... فتتحمل عِبْءَ حيفٍ مُرَكبٍ، متجذرٍ، متناسلٍ، مكشر الأنياب، ومعها تُطحَن الطفولة بالبؤس والحرمان.

تائهون...يركبون البحر الهائج، والغيم العقيم، والدروب الوعرة؛ يلقون مصائرهم في رحم الوَهْمِ؛ عسى أن ينجب حُلمًا يُنقذهم من الانقراض؛ يستسلمون للخديعة تارة؛ ويتجرعون سُمَّ الهزائم والانكسارات والإنكار تارة أخرى.

نفر منهم يأتيهم لوح خشبي ترسله الصدفة إليهم على سطح موج الأزمات فينقذهم من الغرق ليُلقيهم على شاطئ آمن؛ دون أن يتبدد الخوف من الغرق في نفوسهم؛ حتى وهُم على اليابسة وسط المدن الآهلة أو في الصحراء القاحلة.

كثيرون بينهم يلتقون جماعات وأفرادا من أهلهم في قاع البحار جثثًا منتفخة؛ وغيرهم جثثًا متفسخة بين الوديان والكهوف والغابات، وآخرين اشباحًا هزيلةً، فاقدة الأمل والوطن، تقاوم أنياب الكآبة على أرصفة البطالة والنبذ والتهميش.

تقحمهم الأزمات في دروب بلا نهايات، يرفعون أرواحهم قبل أيديهم بالدعاء لسماء مغلقة الأبواب!

كانوا ينكفؤون مُهمَّشين في بلدانهم، بمنازل جدرانها من حجارة المقابر؛ وأبوابها أفواه جائعة؛ ونوافذها رئات ميتة؛ يستوطنها الجِنُّ المارق قبلهم، ويقيم معهم وفي رؤوسهم.

عندما يصبح التعسف واليأس والتهميش لا يطاق؛ يكون بعضهم مستعد للاستسلام لكل (وَهْمٍ) بأنه الخلاص!

أو يتمنون الموت خلاصًا من كربتهم، لكنهم يعجزون عن الموت!

تحملهم رياح الازمات والكوارث العاصفة على اكتافها، إلى هوامش مدن وجزر بعيدة عن أوطانهم، تُلقيهم تائهين على سواحل (جزيرة الياقوت)، يقيمون في زُقاق هامشي مغلق؛ بيوته من حجر المرجان النافق، وأبوابه من خشب الغابات الأفريقية القتيلة المنسية، ونوافذه المغلقة يستوطنها صمت الحيرة.

يُفرِغون حكاياتهم على عتبة دكان بقال مُهَمَّشٍ؛ هارب من غضب البحر إلى يابسة التحدي؛ تجمعهم ذكرياتهم عن رغيف الخبز الجائع، وعن أزمنة البؤس المكشرة الأنياب.

أشخاصٌ مُهَمَّشون تائهون في دروب الدنيا نعرفهم، وآخرون لا نعرفهم؛ يتبادلون فيما بينهم ثياب الضجر في المساء عند استرخاء نوبات الكآبة؛ وغيرهم مُهَمَّشون واعون جسورون استبصروا أفق البزوغ فصاروا هم الطريق؛ يدفعون أفضل سني حياتهم، أو يفقدون حياتهم، ثمنًا لأفكارهم الارتقائية التغييرية؛ ويغرسونها في الصخر الصلد بذار رخاء؛ تُسقيها عقولهم المُتَقِّدة وعيًا، بزخات من نَيِّر فِكرهم، ونسائم شغفٍ من روحهم، وعزيمة فولاذ من سواعدهم؛ فتكون وطنًا لهم بلا حدود ولا قيود؛ في مكان يُبهر الناظرين؛ سكانه أُناس مُهَمَّشين ذوو هِمَّة؛ يبحثون منذ بدء الخليقة عن كُوَّة في جدار العزلة الكوني ليتواصلوا منها مع الآخر المُهَمَّش، أينما يكون تائهًا على الأرض؛ ليشاركوه وميض فكرهم، ولقمة عيشهم، ويسعون معه لفك خفايا أسباب الحرمان والتهْميش والتعسف والتخلف وتداعياتها، عبر الأفكار البنّاءة النافذة للعقول، والتطبيقات الارتقائية الثاقبة للمستحيل، والأحلام القائمة مدنًا آمنة على أديم الوقت.

وعندما تحتدم الأزمنة بصخب التغيير بالبصائر والمصائر، وتَهِبُّ الأعاصير البركانية على هشيم المكان اليابس والعقول المتخشبة؛ يكون المُهَمَّشون وقودها، وضوئها؛ يجعلون من قول الحقيقة شرارتها؛ ومن الألوان الناطقة بهاء صورتها؛ ويصنعون من سيرتهم حكايات تحتار لها العقول؛ يلتبس فيها:

الحب والهجر؛ الخيال والواقع؛ الوهم والحلم؛ المكان والزمان؛ العقل والخرافة؛ الإرادة والخنوع؛ التسامح والانتقام؛ الفرد المُهَمَّش الواعي والجماعة الطاحنة المُجَوَّفة العقول؛ (زُقاق المُهمَّشين) و (شارع القرنفل)!

 

محمود حمد

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.