حامد كعيد الجبوري: شاعرٌ خرج من رحم الحلة ومضى ليكتب للوطن والناس// محمد علي محيي الدين
- تم إنشاءه بتاريخ الأربعاء, 17 أيلول/سبتمبر 2025 19:29
- كتب بواسطة: محمد علي محيي الدين
- الزيارات: 136
محمد علي محيي الدين
حامد كعيد الجبوري
شاعرٌ خرج من رحم الحلة ومضى ليكتب للوطن والناس
محمد علي محيي الدين
في مدينة الحلة، حيث التاريخ يتكئ على ضفاف الفرات، وحيث ينبت الشعر كما تنبت السنابل، وُلد الشاعر حامد كعيد الجبوري عام 1952، في محلة الوردية – تلك الزاوية التي لا تنجب إلا من يضيء ليل العراق الطويل. ومنذ أن تشكّلت أولى صور الحياة في عينيه، كانت الكلمة ترافقه كظلّه، وتنبض في وجدانه كما ينبض الدم في الشرايين.
درس في مدارس الحلة، طفلاً يحمل في حقيبته أكثر من كتبٍ وأقلام، كان يحمل في داخله شغفًا خامدًا، ووهجًا سيكبر لاحقًا ليصير صوتًا شجريًا ينمو على ضفاف القصيدة. ثم اتجه إلى الكلية العسكرية، ليكون من ضباط العراق الذين حملوا على أكتافهم رتبةً وسلاحًا، وقلقًا لا يُروى، فخدم حتى رتبة عقيد، ثم تقاعد عن الخدمة العسكرية عام 1988، لكن القصيدة لم تتقاعد، بل كانت تتهيأ لمرحلة المخاض.
كثيرون هم الشعراء الذين وُلدوا في الظل، لكن قلائل هم من احتملوا الظل حفاظًا على ضوء القصيدة من أن يُشوَّه. حامد كعيد كان منهم. خلال سنوات الخدمة العسكرية، لم يكن ممكنًا أن ينخرط تمامًا في النشاط الشعري، لا لضعف الموهبة، بل لأن النظام آنذاك كان يريد من القصيدة أن تنحني، وهو لم يُرد أن ينحني ولا أن يكتب إلا ما يريده وجدانه، فاختار أن يظل بعيدًا عن المنابر، قريبًا من صدق الحرف.
ولأن الطموح لا يشيخ، عاد حامد كعيد ليُكمل دراسته الجامعية، وحصل على بكالوريوس اللغة العربية من الجامعة المستنصرية، وكان من زملائه في تلك المرحلة الأكاديمية الباذخة، الأستاذ الدكتور عبد الإله الصائغ، أحد أعمدة النقد والشعر العربي الحديث.
بعد سقوط النظام البعثي، خرج الشاعر من صمته، لا ليصرخ، بل ليبني. أسّس مع رفاقه من الشعراء المهمّشين اتحاد الشعراء الشعبيين وكتاب الأغنية، وسرعان ما تحوّل هذا الكيان إلى بيتٍ يأوي كل صوت شعبي وطني. لكن رصاص الإرهاب لم يدع هذا الحلم ينمو بسلام، فاستشهد رئيس الاتحاد الشاعر عباس الحميدي، فكان لا بد من إعادة التشكيل والنهوض، وكان حامد كعيد في الصف الأول، لا زعيماً بل خادماً للكلمة. فأصبح رئيس اتحاد الشعراء الشعبيين في بابل، وسكرتير الاتحاد العام في العراق، وعضواً فاعلاً في اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين.
ولعدم صدور قانون النقابات والجمعيات قام مع زميليه كاتب السطور ولفتة الخزرجي باستحصال موافقة الجهات الرسمية على اجازة (جمعية البيت العراقي للشعر الشعبي)، فاصبح رئيسا لها وتولى النيابة محمد علي محيي الدين والسكرتارية لفتة الخزرجي، وفتحت لها فروع في المحافظات ولا زالت تقدم عطائها في المشهد الثقافي.
أصدر الشاعر ديوانين: "ضمير الأبيض" و"الخلود"، وهما مرآتان لضمير حيّ، وقلب لا يشيخ. كما صدرت له كتب عن المواكب الحسينية في الحلة، وله كتب أخرى في الطريق تتناول موضوعات تراثية وأدبية وسياسية، في مشروع ثقافي لا يزال في تمدده وحضوره.
شارك في مهرجانات وطنية رعتها وزارة الثقافة العراقية، حين كان مفيد الجزائري وزيرًا، كما شارك في مهرجانات دعمتها رئاسة الوزراء، وكان دائمًا بين كبار شعراء العراق الشعبيين، حاملًا كلمته كما يحمل المناضل رايته، فصيحًا في لسانه، راسخًا في موقفه.
لم يقتصر عطاؤه على الشعر، فقد أشرف على صفحة الشعر الشعبي في جريدة الفيحاء الحلية، وقدّم برامج إذاعية في إذاعة الحلة وإذاعة اتحاد الشعب، وكتب دراسات نقدية في الصحف والمجلات مثل الصباح، طريق الشعب، الحقيقة، ومجلة التراث الشعبي، وكان دائم الحضور في الصحافة الورقية والإلكترونية، ناقش السياسة والثقافة، وكتب بجرأة الناقد وحكمة المثقف.
وكان للمجالس الأدبية في الحلة نصيبٌ من حضوره الدافئ، فكان ضيفًا، ومقدِّمًا، ومحاضرًا، في مجلس الأستاذ حسام الشلاه، والحاج مالك عبد الأخوة، والأستاذ سلمان الزركاني، والأستاذ سالم المسلماوي، والسيد زيد وتوت، والسيد وحودي شعيلة، وغيرهم.
وحين يُذكر حامد كعيد، تُذكر تلك السلالة من الشعراء الذين لم يكتبوا ليظهروا، بل كتبوا ليبقوا. ولذلك، كتب عنه الناقد ناهض الخياط، وفالح حسون الدراجي، والبروفيسور عبد الإله الصائغ، وجبار الكواز، والدكتور خليل المشايخي، والدكتور محمد عودة سبتي، ورياض النعماني، والدكتور عبد الرضا عوض، وغيرهم من الذين أنصفوا الشاعر في كتاباتهم.
إن حامد كعيد الجبوري ليس مجرد شاعر شعبي، بل هو ذاكرةٌ من لحمٍ ودم، تحمل في حروفها وجع العراقيين وفرحهم، وتصوغ من اللهجة الشعبية منبرًا للصدق. وهو، رغم كل السنين التي عبرت، لا يزال يكتب كمن يكتشف الحرف لأول مرة، ويقدّم كمن لم يُتعبه الطريق.
في زمنٍ عزَّ فيه الوفاء للكلمة، ظلَّ حامد كعيد واقفًا، يكتب.. لا لينال، بل ليعطي.
وقصيدته "هم ترتاح ؟" تساؤل يحتاج لأجوبة، وصرخة تثير التساؤل، وبكاء صامت وأمل بغد جديد، أهداها لصديقه الراحل الشاعر علي الشباني :
هم ترتاح ؟..
هم ترتاح ؟..
ڰضه عمرك حزن... وهموم فوڰ هموم
مشيت وما حنيت الراس
أغانيك فرح وشموع
تراتيلك عزيمه
وڰابلت سفاح... هم ترتاح ؟..
محطتكم ( قطار الموت ) مر أبخاطره المكسور
فراڰينه صبر وجروح ...وڰف بيها... أبونين وصاح
أشوكت ترتاح ؟
عمرك شيَّب أبعشرين
وطولك خيزران وچف طراوه
أيلاوي فچ الخوف
علَّـه فوڰ البيادر فكرك الوضاح
هم ترتاح ؟
يا أول " شيوعي " أيبوڰ باڰ " الرونيو"
وسنطه طبّع بيها الفكر... ويدرِّس الطلاب
ويوِّعي الشغيله العامل وفلاح
هم ترتاح ؟
زناجيل الحبس ترثيك
و" الحله " وسجنها
و(نكرة السلمان)
أنكسر ضلع ( السراي ) الضيّع الأحلام
وزنزانة " مظفر " والدمع سفاح
هم ترتاح ؟
روّه منك "فرات" وعرف طعم البيك
طعم ( حزبك ) وطن
ويفيض بالخيرات
رُبَـه بين النخل وصرايف الفقره
شرب حد الثماله وما تكضه صفاح
هم ترتاح ؟
ترافه خطوتك
ومشيت فوڰ " الماي "
أبهيد ... أبهيد ...لا زلت رجِل
وتفارڰ الماشاك
درب موحش طويل وما ڰلت تعبان
خطوه أبخطوه يمشي
"طارق" ويحدي ...
"عزيز " وتحفظ الألحان
جدَم تندل دربها ومو مسير أشباح
هم ترتاح ؟
من زمان ميت... مو مثل هل الموت
حفرولك ڰبر وعيون مسمومات
رادولك تموت وبيك... سبع أرواح
هم ترتاح ؟
حاسب جيّـِته وتانيته ملك الموت
تلڰيته أبفرح وبخور
وسطر آخر قصيده أنهيت
خلّـص صفنته وما خلصت الأقداح
هم ترتاح ؟
لملمت الكتب خليتها أبڰلبك
وعدد آخر جريده من" الطريق " وياك
ما خذ صوغتك للموته هم يردون!!!
تسمِّعهم ونين الأهل والجيران
وأحزان الوطن وهموم الحديثات
وصرخات اليتامى ودمعة الأطفال
وطن يبچي الوطن مو دمعة التمساح
هم ترتاح ؟
أول ليلة وحشة والڰبور هواي
يمك چم شهيد اليشتكي أهمومه
ويفرك راحته ويعض أصابيعه
يسألك عالوطن للساع ما مبيوع
وأطفال الوطن من مر عليهم عيد
ذبوها الجرود الماتضوڰ الماي
ولبسوا للثياب أمطرزات أبخيط البريسم
ومدارسهم تغني وتركص الأفراح
هم ترتاح ؟
أول ليله وحشه وللفجر طالت
تُنطر للحساب أشحاسبت روحك
ڰيعانك صباخه وتنغسل بالدم
أبشرايين الوطن حد آخر الڰطرات
شربت وأرتوت وأنزرعت الشتلات
أنفضت كل التعب من ورّد الجوري
شبّو ... الياسمين ورازقي الفواح
نشّفت العرڰ والغيرك القداح
وزعوها مغانم وشوكت ترتاح ؟
هم ترتاح ؟ هم ترتاح ؟ هم ترتاح ؟
المتواجون الان
516 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع